سؤالات عن الرجبيات - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4989 - عددالزوار : 2108604 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4568 - عددالزوار : 1386561 )           »          السخرية في سورة ( المنافقون) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 51 )           »          الأخلاق في حياتنا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 41 )           »          صور من تأذي النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 5 - عددالزوار : 52 )           »          وقفة تربوية مع التقوى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 38 )           »          فتح مكة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 39 )           »          الخوارج تاريخ وعقيدة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 29 - عددالزوار : 1835 )           »          فتنة المسلمين في الغرب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          معركة مرج الصفر شرقي شقحب بحوران (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > الملتقى الاسلامي العام > فتاوى وأحكام منوعة
التسجيل التعليمـــات التقويم

فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17-02-2021, 02:45 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 160,740
الدولة : Egypt
افتراضي سؤالات عن الرجبيات

سؤالات عن الرجبيات












أبو عبدالرحمن أيمن إسماعيل




عناصر البحث:



1) رجب أحد الأشهر الحرم.



2) ما حكم تخصيص رجب ببعض الصلوات؟



3) ما حكم تخصيص رجب بكثرة الصيام؟



4) ما حكم تخصيص رجب بالعمرة؟



5) ما حكم تخصيص رجب بالذبح (عتيرة رجب)؟



6) ختامًا: عليكم بالشرب الأول؛ فقد كُفيتم.







المقدمة:



الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين؛ محمد بن عبدالله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:



فقد قال تعالى: ﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [التوبة: 36]، فالأشهر الحرم هي: (المحرم، ورجب، وذو القعدة، وذو الحجة)، وعن أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهرًا؛ منها أربعة حُرُمٌ؛ ثلاثةٌ متواليات: ذو القَعْدةِ وذو الحَجَّة والمحرم، ورجب شهرُ مُضَرَ الذي بين جُمادى وشعبان))؛ [متفق عليه].




وقد سُمِّيَت هذه الأشهر بالأشهر الحرم؛ لتحريم القتال فيها؛ لذا يُسمَّى رجب الأصم؛ لأنه لا يُسمع فيه صوت السلاح.





وسمي رجبٌ رجبًا؛ لأنه كان يُرجَّب؛ أي: يُعظَّم، وقد كان المشركون في الجاهلية يعظِّمون شهر رجب، ويخصُّونه بالصوم.








ثانيًا: ما حكم تخصيص رجب ببعض الصلوات؟



الحمد لله، نذكر أولًا على سبيل الإجمال ما نص عليه الحافظ ابن رجب في قوله: "لم يصحَّ في شهر رجب صلاة مخصوصة تختص بهذا الشهر"؛ ا.هـ.







وعلى سبيل التفصيل نقول: من الصلوات التي أحدثها بعض الناس في شهر رجب ما يلي:



أولًا: صلاة الرغائب:



وهي من الصلوات المحدَثة في رجب، وهيئتُها أنها اثنتا عشرة ركعة بعد المغرب في أول جمعة بستِّ تسليمات، يقرأ في كل ركعة بعد الفاتحة سورة القَدْر ثلاثًا، والإخلاص ثنتي عشرة مرة، وبعد الانتهاء من الصلاة يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم سبعين مرة ويدعو بما شاء، وهي بلا شك بدعة منكرة، وحديثها موضوع بلا ريب، وذكرها ابن الجوزي في [الموضوعات (2/ 124)].







وقد سُئل الإمام ابن تيمية عن صلاة الرغائب: هل هي مستحبة أو لا؟ فقال: "هذه الصلاة لم يصلِّها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من الصحابة، ولا التابعين، ولا أئمة المسلمين، ولا رغَّب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أحد من السلف، ولا الأئمة، ولا ذكروا لهذه الليلة فضيلة تخصها، والحديث المروي في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم كذبٌ موضوعٌ باتفاق أهل المعرفة بذلك"؛ [مجموع الفتاوى (2/ 261)].




قال النووي: "لا يُغتَرُّ بكثرة الفاعلين لصلاة الرغائب في كثير من البلدان، ولا بكونها مذكورة في قوت القلوب، وإحياء علوم الدين، ونحوهما من الكتب؛ فإنها بدعة باطلة، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من أحدث في ديننا ما ليس منه، فهو رَدٌّ))، وفي الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((من عمِل عملًا ليس عليه أمرنا، فهو رَدٌّ))، وفي صحيح مسلم وغيره أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((كل بدعة ضلالة))، وقد أمر الله جل وعلا عند التنازع بالرجوع إلى كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فقال: ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ﴾ [النساء: 59]، ولم يأمر باتباع الجاهلين، ولا بالاغترار بغلطات المخطئين"؛ ا.هـ.








وقال رحمه الله: "وهذه الصلاة المبتدعة التي تسمى الرغائب، قاتل الله واضعها ومخترعها؛ فإنها بدعة منكرة من البدع التي هي ضلالة وجهالة، وفيها منكرات ظاهرة، وقد صنف جماعة من الأئمة مصنفات نفيسة في تقبيحها، وتضليل مصلِّيها ومبتدعها، ودلائل قبحها وبطلانها وتضلُّلِ فاعلها أكثرُ من أن تُحصَرَ"؛ [شرح مسلم (8/ 20)].







وقال الحافظ ابن رجب: "الأحاديث المروية في فضل صلاة الرغائب في أول جمعة من شهر رجب كذبٌ وباطل لا تصح، وهذه الصلاة بدعة عند جمهور العلماء"؛ [لطائف المعارف/ 228].







تاريخ صلاة الرغائب:



هي بدعة منكرة باتفاق أهل العلم، لم تُعرَف إلا بعد القرن الرابع الهجري؛ ولذا لم يذكرها المتقدمون لأنها أُحدثت بعدهم، وقد ذكر الإمام الطرطوشي أن بداية وضعها كان ببيت المقدس، وأول ما حدثت في سنة ثمانٍ وأربعين وأربعمائة؛ حيث قدم بيت المقدس رجل من نابلس، يعرف بابن أبي الحمراء، وكان حسن التلاوة، فقام فصلى بها في المسجد الأقصى، ثم انتشرت بعده.




ثانيًا: صلاة النصف من رجب:




يُروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من صلى ليلة النصف من رجب أربع عشرة ركعة، يقرأ في كل ركعة ﴿ الْحَمْدُ ﴾ مرة، و ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ عشرين مرة، و ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ﴾ ثلاث مرات، و ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ﴾ ثلاث مرات، فإذا فرغ من صلاته، صلى عليَّ عشر مرات، ثم يسبح الله ويحمده ويكبره ويهلله ثلاثين مرة - بعث الله إليه ألفَ مَلَكٍ يكتبون له الحسنات، ويغرسون له الأشجار في الفردوس، ومُحيَ عنه كل ذنب أصابه إلى تلك الليلة، ولم يُكتَب عليه خطيئة إلى مثلها من القابل، ويُكتَب له بكل حرف قرأ في هذه الصلاة سبعمائة حسنة، وبُني له بكل ركوع وسجود عشرة قصور في الجنة من زبرجدٍ أخضرَ، وأُعطيَ بكل ركعة عشر مدائن في الجنة، كل مدينة من ياقوتة حمراء، ويأتيه ملك فيضع يده بين كتفيه، فيقول: استأنف العمل، فقد غُفر لك ما تقدم من ذنبك)).







قال ابن الجوزي: "هذا موضوع، ورواته مجهولون، ولا يخفى تركيب إسناده وجهالة رجاله، والظاهر أنه من عمل الحسين بن إبراهيم، وهو من الأحاديث الموضوعة"؛ [الموضوعات لابن الجوزي (2/ 126)].







ثالثًا: صلاة ليلة المعراج:



وهي صلاة تُصلَّى ليلة السابع والعشرين من رجب، وتسمى: صلاة ليلة المعراج، وهي من الصلوات المبتدعة التي لا أصل لها صحيح، لا من كتاب ولا سنة.







فرع: دعوى أن المعراج كان في رجب لا يعضده دليل؛ قال أبو شامة: "ذكر بعض القصاص أن الإسراء كان في رجب، وذلك عند أهل التعديل والتجريح عين الكذب"؛ ا.هـ؛ [الباعث (ص: 232)].




وقال أبو إسحاق إبراهيم الحربي: "أُسريَ برسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة سبع وعشرين من شهر ربيع الأول"؛ ا.هـ؛ [تبيين العجب (ص: 21)].








وفي ليلة السابع والعشرين من شهر رجب يقيم بعض الناس احتفالًا لذلك، ويعتقدون أن تلك الليلة هي ليلة الإسراء والمعراج، وفي ذلك الاحتفال تُلقَى الكلمات، وتُنشَد القصائد، وتُتلَى المدائح، وهو أمر لم يكن معهودًا ولا معروفًا في القرون المفضلة، خير القرون وأفضلها؛ قال ابن القيم: "ولا يُعرَف عن أحد من المسلمين أنه جعل لليلة الإسراء فضيلةً على غيرها، لا سيما على ليلة القدر، ولا كان الصحابة والتابعون لهم بإحسان يقصدون تخصيص ليلة الإسراء بأمر من الأمور، ولا يذكرونها، وقال رحمه الله: "هذا إذا كانت ليلة الإسراء تعرف عينها، بل النقول في ذلك منقطعة مختلفة ليس فيها ما يُقطَع به، ولا شُرِع للمسلمين تخصيص الليلة التي يُظَنُّ أنها ليلة الإسراء لا بقيام ولا بغيره"؛ [زاد المعاد في هدي خير العباد (1/ 57)].







إذًا نقول: أما كون هذه الليلة في شهر رجب، فهو لم يثبت، كما ذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله، ثم نقول: ولو ثبت تعيين ليلة الإسراء في ليلة بعينها، لم يَجُزْ للمسلمين أن يخصوها بشيء من العبادات، ولم يجز لهم أن يحتفلوا فيها؛ وذلك لأمور:



أولها: أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم لم يحتفلوا فيها، ولم يخصوها بشيء، ولو كان الاحتفال فيها مشروعًا، لبيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم للأمة؛ إما بالقول، وإما بالفعل، ولو وقع شيء من ذلك، عُرِف واشتُهر ونقله الصحابة رضي الله عنهم إلينا، فالاحتفال فيها بدعة ليس من دين الإسلام.







ثانيًا: القاعدة في ذلك: "ثبوت فضيلة وقت ما لا يستلزم إنشاءُ عبادة ليس عليها دليل"؛ قال ابن القيم: "بل غار حراء الذي ابتُدِئ فيه بنزول الوحي، وكان يتحراه قبل النبوة لم يقصده هو ولا أحد من أصحابه بعد النبوة مدة مقامه بمكة، ولا خصَّ اليوم الذي أُنزل عليه فيه الوحي بعبادة ولا غيرها، ولا خص المكان الذي ابتُدئ فيه بالوحي ولا الزمان بشيء.




ومن خص الأمكنة والأزمنة من عنده بعبادات لأجل هذا وأمثاله، كان من جنس أهل الكتاب الذين جعلوا زمان أحوال المسيح مواسمَ وعباداتٍ؛ كيوم الميلاد ويوم التعميد وغير ذلك من أحواله؛ وقد رأى عمر بن الخطاب رضي الله عنه جماعةً يتبادرون مكانًا يصلون فيه، فقال: ما هذا؟ قالوا: مكانٌ صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أتريدون أن تتخذوا آثار أنبيائكم مساجد؟ إنما هلك مَن كان قبلكم بهذا، فمن أدركته فيه الصلاة، فليصلِّ وإلَّا فليمضِ"؛ [زاد المعاد في هدي خير العباد (1/ 57)].








ثالثًا: ما حكم تخصيص رجب بكثرة الصيام؟



رجب كغيره من الأشهر لم يَرِدْ في الترغيب في صيامه حديثٌ صحيح، بل يشرع أن يُصام منه الاثنين والخميس، والأيام البيض لمن عادته الصيام كغيره من الأشهر، أما إفراده بذلك، فلا.




أما ما يذكره الوعَّاظ والقصَّاصون في الترغيب في صيام شهر رجب؛ كحديث: ((إن في الجنة نهرًا يُقال له: رجب، ماؤه أشد بياضًا من الثلج، وأحلى من العسل، من صام يومًا من رجب، شرِب منه))، وهو حديث موضوع، رواه ابن الجوزي في الواهيات (912)، وقال الذهبي: "باطل"؛ ا.هـ؛ [الميزان (6/ 524)].





وحديث: ((رجب شهر عظيم، يضاعف الله فيه الحسنات، فمن صام يومًا من رجب، فكأنما صام سنة، ومن صام منه سبعة أيام، غُلِّقت عنه سبعةُ أبوابِ جهنم، ومن صام منه ثمانية أيام فُتح له ثمانيةُ أبوابِ الجنة، ومن صام منه عشر أيام، لم يسألِ اللهَ إلا أعطاه، ومن صام منه خمسة عشر يومًا، نادى منادٍ في السماء: قد غُفر لك ما مضى، فاستأنف العمل، ومن زاد، زاده الله))؛ [رواه البيهقي في الشعب (3801)، والطبراني في الكبير (5538)، وعده الحافظ ابن حجر من الأحاديث الباطلة، وقال الهيثمي: وفيه عبدالغفور - يعني: ابن سعيد - وهو متروك].








وقد نص العلماء كابن تيمية وابن القيم وابن حجر - أن كل حديث يُروى في فضل صومه أو الصلاة فيه، فكذبٌ باتفاق أهل العلم بالحديث، ونصوا أن من صامه يعتقد أنه أفضل من غيره من الأشهر، أثِمَ وعُزِّر، وقالوا أيضًا: وكراهية إفراد رجب وكذا الجمعة بصوم سدًّا لذريعة اتخاذ شرع لم يأذن به الله[1].







قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأما صوم رجب بخصوصه، فأحاديثه كلها ضعيفة، بل موضوعة لا يعتمد أهل العلم على شيء منها، وليست من الضعيف الذي يروى في الفضائل، بل عامتها من الموضوعات المكذوبات" إلى أن قال رحمه الله: "صح أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يضرب أيدي الناس ليضعوا أيديهم في الطعام في رجب، ويقول: ((لا تشبِّهوه برمضان))[2].







رابعًا: ما حكم تخصيص شهر رجب بالعمرة؟



قد اعتاد بعض الناس أداء العمرة في شهر رجب، ويظنون أن للعمرة فيه مزية وفضيلة على العمرة في غيره من الشهور، وهذا خطأ؛ فإن الوقت الفاضل لأداء العمرة هو أشهر الحج وشهر رمضان، وما عداها من الشهور فهي سواء في ذلك؛ قال ابن سيرين: "ما أحد من أهل العلم يشك أن عمرة في أشهر الحج أفضل من عمرة في غير أشهر الحج".




ولمَّا ذكر ابن القيم عدد العُمَرِ التي اعتمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنها كلها في أشهر الحج - قال: "وهذا دليل على أن الاعتمار في أشهر الحج أفضل منه في رجب بلا شك"[3].








وعليه نقول: تخصيص شهر رجب من بين الشهور بالعمرة فيه، فهو يحتاج إلى دليل، ولا دليل على ذلك، بل إن المتأمل في السيرة النبوية يجد أن كل عمرات النبي صلى الله عليه وسلم كانت في ذي القعدة، إلا التي كانت في حجته، ويدل ذلك على فضل الاعتمار في ذي القعدة[4].







فهذا مما صح من فعله صلى الله عليه وسلم، وكذا صح من قوله فضل العمرة في رمضان خاصة؛ ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((عمرة في رمضان تعدل حجة، أو قال: حجةً معي))، فهذا فعله صلى الله عليه وسلم وهذا قوله، فأما تخصيص رجب بالاعتمار فيه، فلم يثبت له فضيلة، لا من هذا، ولا من ذاك، فتأمل.







وعليه: لا يشرع أن يُخَصَّ رجب بأداء العمرة فيه دون غيره من الشهور، وما يسمى بـ"العمرة الرجبية" بدعةٌ منكرة.







ثم نقول: وحتى لو ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم اعتمر في رجب، فلا يصلح أن يكون ذلك دليلًا على فضل خاص لها في ذلك الشهر؛ إذ إن الأصل هو وقوعها فيه اتفاقًا لا قصدًا وتعبدًا، ومن ادعى قصدَ النبي صلى الله عليه وسلم لشهر رجب بهذه العمرة، فعليه الدليل.




وقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها أنكرت وقوع عمرته صلى الله عليه وسلم في رجب.





ولا يُعبَدُ الله إلا بما شرع، وقصد الزمان والمكان ضربٌ من الأمور التوقيفية التي لا يُقال بفضلها إلا بدليل خاص، وإلا كانت من البدع المذمومة.








حاصل القول: لا يُخَصُّ شهر رجب بعمرة ظنًّا أن له من الفضل والأجر ما ليس لغيره من الأشهر، ولا يُخَصُّ ولا يُقْصَدُ بأداء العمرة فيه، والفضل إنما في أداء العمرة في رمضان أو أشهر الحج للتمتع، ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر في رجب، والله أعلم.





خامسًا: ما حكم تخصيص رجب بالذبح (العتيرة)؟



قال أبو عبيدة: العتيرة هي الرجبية، وهي ذبيحة كانوا يذبحونها في الجاهلية في رجب يتقربون بها لأصنامهم، وتعظيمًا للأشهر الحرم، ورجب أولها، وذكر ابن سيده عن العتيرة أن الرجل كان يقول في الجاهلية: إن بلغ إبلي مائة، عترت منها عتيرة.







فلما جاء الإسلام، أمر الناس بالذبح لله تعالى، وأبطل فعل أهل الجاهلية، واختلف الفقهاء في حكم ذبيحة رجب في الإسلام على قولين للعلماء:



الأول: أنها مشروعة، وهذا قول الشافعي وابن سيرين؛ وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة: ((يا أيها الناس، إن على أهل كل بيت في كل عام أضحاة، وعتيرة، أتدرون ما العتيرة؟ هي التي يسميها الناس الرجبية))[5].







الثاني: عدم المشروعية، وأن العتيرة كانت مشروعة، ثم نُسخت، وهذا قول الجمهور من الحنفية والمالكية والحنابلة.







قالوا: ويؤيد عدم المشروعية الحديث المتفق عليه: ((لا فرعَ ولا عتيرة))، وراوي الحديث أبو هريرة رضي الله عنه أسلم في السنة السابعة من الهجرة، فهو من متأخري مَن أسلم مِنَ الصحابة.




ثانيًا: أن العتيرة كان يفعلها الجاهليون لأصنامهم، فهو أمر متقدم على الإسلام، فبقوا على هذا حتى جاء النسخ؛ يؤيده: ما أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه - وهو صحيح - عن نبيشة، قال: ((نادى رجلٌ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم: إنا كنا نعتر عتيرة في الجاهلية في رجب، فما تأمرنا؟ قال: اذبحوا لله في أي شهر كان)).





ولو كانت مشروعة في رجب لَرَدَّ بالإيجاب، ومن المعلوم أن الذبح لله مطلقًا مشروع.








قال القاضي عياض: "إن الأمر بالعتيرة منسوخ عند جماهير العلماء"[6].







قال ابن حجر: "... فلم يُبطِل رسول الله صلى الله عليه وسلم العتيرة من أصلها، وإنما أبطل خصوص الذبح في شهر رجب"؛ ا.هـ.




يقال: هذا موضع النزاع، فإذا ثبت بطلان فعلها في خصوص شهر رجب، أو اعتقاد أفضليتها فيه، فإن الذبح لله مطلقًا مشروع بهذا الحديث وغيره، ومن قصد رجبًا بهذه الذبيحة، فقد خالف السنة.




فعليه؛ فإن الصحيح أنها منسوخة، فيكون فعلها محرمًا؛ لحديث: ((لا فرع ولا عتيرة)).







قالوا: ومما يؤيد هذا: عدم عمل أهل المدينة على ذلك؛ إذ لو كان مشروعًا لفعله الصحابة، ونُقِل إلى مَن بعدهم؛ حتى تصير في المدينة سنة ظاهرة.







والراجح والله أعلم أنه لا تعارض بين النصوص في ذلك.







ودعوى النسخ غير مسلَّمة، ولا يقال بالنسخ هنا؛ لرواية الحارث بن عمرو - والذي فيها الأمر بالعتيرة - وكان ذلك في حجة الوداع، وهي بعد إسلام أبي هريرة كما هو معلوم.







وكذلك الأحاديث الدالة على النهي عن العتيرة ليس فيها بيان زمن وقوع النهي بالنسخ؛ فلا يُصار إليه.







فيمكن الجمع بين القولين؛ بأن تُحمَلَ أحاديث النهي على مَن قصد الذبح للصنم، أو الذبح لغير الله تعالى، أو تعظيمًا لرجب، والأحاديث الأخرى على الأصل والجواز إذا انتفت المخالفات الشرعية.







وعليه نقول: لو ذبح إنسان ذبيحة في رجب لحاجته إلى اللحم، أو للصدقة به، أو إطعامه - لم يكن ذلك مكروهًا، وذلك لأنه لم يقصد تعظيم الشهر بذبح ونحوه.







ختامًا نقول: عليكم بالشِّرْبِ الأول فقد كُفيتم:



ليُعلَم أن حقيقة اتباع النبي صلى الله عليه وسلم هي التمسك بسنته فعلًا فيما فعل، وتركًا فيما ترك، فمن زاد عليها أو نقص منها، فقد نقص حظه من المتابعة بحسب ذلك، لكن الزيادة أعظم؛ لأنها تقدمٌ بين يدي الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ والله تعالى يقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [الحجرات: 1]، وليعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه في أحاديث كثيرة الحثُّ على لزوم السنة، والتحذير من البدعة بجميع أنواعها وكافة صورها؛ منها ما رواه الإمام أحمد في مسنده، وابن حبان في صحيحه، وغيرهما عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: ((صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر، ثم أقبل علينا فوعظنا موعظةً بليغة، ذرفت لها الأعين، ووجِلت منها القلوب، قلنا: يا رسول الله، كأن هذه موعظة مودِّعٍ، فأوصنا، قال: أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن كان عبدًا حبشيًّا، فإنه من يَعِشْ منكم، يرى بعدي اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، فتمسكوا بها، وعَضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وإن كل بدعة ضلالة))، وتأمل قول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: ((فإنه من يعش منكم، يرى بعدي اختلافًا كثيرًا))، فهذا فيه إشارة إلى أن الاختلاف سيقع والتفرق سيوجد في الأمة، وأن المخرج من التفرق والسلامة من الاختلاف إنما يكون بأمرين عظيمين، وأساسين متينين لا بد منهما: الأول: التمسك بسنته صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا قال: ((فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين))، والثاني: مجانبة البدع والحذر منها؛ ولهذا قال: ((وإياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة، وإن كل بدعة ضلالة))، ولعظم هذا الأمر وجلالة قدره، وشدة أهميته، وضرورة الناس إلى فهمه، وشدة العناية به - كان صلوات الله وسلامه عليه في كل جمعة إذا خطب الناس، أكد هذا الأمر العظيم ونوَّه به؛ وذلك في قوله: ((أما بعد؛ فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة))، فالواجب علينا ملازمة سنة النبي صلى الله عليه وسلم، والتمسك بهديه، ولزوم غَرْزِهِ، واقتفاء أثره، والحذر الحذر من كل البدع والضلالات بجميع أنواعها وكافة صورها، وأسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يحييَنا جميعًا على السنة، وأن يميتنا عليها، وأن يجنبنا الأهواء والبدع؛ إنه سميع مجيب قريب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.







[1] انظر لهذه النقولات: ا.هـ [المنار المنيف/ 96، وتبيين العجب/ 11، ولطائف المعارف/ 228].
قال الحافظ ابن حجر: "لم يرد في فضل شهر رجب ولا في صيامه ولا صيام شيء منه معيَّن، ولا في قيام ليلة مخصوصة فيه حديث صحيح يصلح للحجة"؛ ا.هـ؛ [تبيين العجب/ 11]، وانظر: [لطائف المعارف/ 228]، قال ابن القيم: "كل حديث في ذكر صوم رجب وصلاة بعض الليالي فيه، فهو كذبٌ مفترًى.





[2] مجموع الفتاوى (25/ 291).




[3] زاد المعاد في هدي خير العباد (2/ 91).




[4] فأما قول عبدالله بن عمر: "إن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر أربعًا، إحداهن في رجب"، فوهمٌ منه رضي الله عنه؛ قالت عائشة لما بلغها ذلك عنه: "يرحم الله أبا عبدالرحمن، ما اعتمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرة قط إلا وهو شاهد، وما اعتمر في رجب قط".




[5] رواه أحمد (20731)، وأبو داود (2788)، وسنده حسن، قد حسنه الألباني في صحيح أبي داود.




[6] شرح مسلم (13/ 137).









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 70.55 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 68.88 كيلو بايت... تم توفير 1.67 كيلو بايت...بمعدل (2.37%)]