هل ردة الفعل الباردة أمر سلبي

[ابوالوليد المسلم]

هل ردة الفعل الباردة أمر سلبي


أ. أسماء حما



السؤال

قريبة لي أخبرتني أن أكثر مَن حولها بدأ يتضجر من تصرفِها البارد تجاه المواقف؛ فمثلاً: لو أنَّ كأسًا انكسر، أو ثوبًا احترق، لا يكون منها أي تصرف سوى أنها تحاولُ أن تجمعَ ما انكسر، أو تصلح ما احترق، وإذا رأت حشرةً مخيفة أو غريبة، فإن كلَّ ما تفعله هو أن تبتعدَ عنها، أو تحاول إبعادها، أو تتركها في مكانِها إلى أن يأتي أحدٌ للتخلصِ منها، حتى لو مكثت أيامًا أو أسابيع في مكانها.


وأثناء المناسبات السعيدة تفرحُ ولكن بهدوء؛ مجرد ابتسامة وتهانٍ عادية، وإن قابلت أحدًا بعد زمن تقابله مقابلةً عادية، فيستغرب الجميعُ منها؛ لأنهم كانوا يتوقعون أن تكون منفعلة ومتحمسة، ولكن تصرفَها الهادئ يفاجئهم.


وإذا كان هناك اجتماع لصديقاتِها أو حفلُ زفاف إحداهن ولم تذهب، لا تشعرُ بالأسى أو الحزن لذلك، وأحيانًا لا تشعرُ بالرغبةِ في الذهاب، فتقول: ذهبتُ أو لم أذهب كلاهما سواء، وتتعجبُ من حزنِ وتحسر البعضِ إن لم يذهبن.


وقس على هذا، قالت لي: أريد أن أعبر مثل ما يعبرون بالصوتِ العالي والانفعال الشديد، ولكني لا أستطيعُ، وفي نفس الوقت أنا مقتنعةٌ بما أفعل، وهناك الكثير ممن ينزعجون ويغضبون من ردة فعلي الباردة، ويتهمني بعدمِ الاهتمام.


ولقد سألتني إن كانت ردة فعلها الباردة تجاه المواقفِ أمرًا سلبيًّا يحتاج لتغيير أم لا؟ فأحببت أن أستشيركم، وسأخبرها بردِّكم إن شاء الله، علمًا بأنَّها فتاة مرحة، ولم تتزوج بعد، وليست انطوائية، وتتفاعل مع المجتمعِ بعد أن تحتك به، ولعل هذه المعلومات تفيدكم.

حفظكم الله ورعاكم


الجواب

عزيزتي الكريمة، السلام عليكم ورحمة الله، أهلاً وسهلاً بكِ على صفحات شبكة " الألوكة".

الاهتمام بالآخرين والحصول عليه منهم حاجةٌ نفسية إنسانية ملحَّة، تمنحُ الإنسانَ الشعورَ بالأمانِ والثقة، وتعمِّقُ روابطَه مع المحيط، في حين أنَّ غياب الاهتمامِ يقود إلى برودةِ المشاعر والجمود واللامبالاة، بل إلى أشكالٍ متنوعة من الأمراضِ النفسية والجنوح.

والاهتمام يعني الحب، فالشخصُ المحبوب هو الشخص الذي يحظى باهتمام مَن يحب، علمًا بأنَّ الحبَّ هو الشكل المكثف من الاهتمام، كما يعني في الوقت نفسِه العطف والحنان، والأطفالُ بشكلٍ خاص يحتاجون إلى مثل هذا النوع من العطفِ والحنان الذي يشتمل على اللمسات الجسدية.

وهم عندما يحصلون على (وجبتهم اليومية) من اللمساتِ والكلمات الطيبة ينمون انفعاليًّا بشكلٍ أفضل، كما أنَّ الكبار يحتاجون إلى الاهتمام، فالحنان الذي يحصل عليه الكبار من محبيهم يجعلهم مشحونين بالطاقةِ أكثر، ويحصنهم ضدَّ مشاعرِ القنوط والحزن.

أتساءل:
• ما هي اهتماماتُ صديقتِك؟ ماذا تحب؟ وماذا تكره؟


• ما هي مواصفاتُ الناسِ الذين تفضلهم؟ ما هي مواصفات النَّاسِ غير المفضلين لديها؟


• هل تشعرُ صديقتُك بالحبِّ لصديقاتِها؟ هل تتصل بإحداهنَّ لتسأل عنها، وتطمئن على صحتِها؟


قد تكون صديقتك مميزة ولديها تفضيلات معينة في الأشخاصِ لا تجدها في المحيط؛ مما يشعرها بالبرودِ وعدم الاكتراث، أو ربما تحملُ اهتماماتٍ عليا واجهها المجتمعُ بالإحباطِ أو الرفض، فانسحبت وأصبحت غيرَ مكترثة وغير مهتمة.

وإن كانت تحملُ مشاعرَ إيجابية، وتتواصل مع الصديقات بعد أن تدرسَ شخصياتهن، فهي قوية ورزينة وواثقة، ولا تعنيها التفاصيل الصغيرة التي يكترثُ لها الكثيرُ من الناس ويهولونها، وقد ذكرتِ أنها مرحة غير انطوائية، وهذا يشيرُ إلى أنَّ عدم مبالاتها بالأشياءِ غير مرَضية، ولا تدخل ضمن الاكتئاب، وإنما هي في الغالبِ طبيعة سويَّة تميزُ صديقتك، وتجعلها أكثرَ هدوءًا وعقلانية ووزنًا للأمور.

وكما أنَّ لعدم الاهتمام وجهًا حسنًا، يكون له وجه سيء في أحيانٍ أخرى، إن كان يردها عن قولِ حقٍّ، أو عن دعوةٍ، أو عن عمل خير، أو كان ينعكس على ملامحها الشخصية وهيئتها العامَّةِ، من خلال إهمالِ النظافة أو حسن الهندام.

أخيرًا: أشكرك لاهتمامِك بصديقتك؛ "فربَّ أخٍ لك لم تلده أمُّك"، وأنصحك حبيبتي أن تخرجيها إلى أجواء وأماكنَ تتلقى فيها حبًّا واهتمامًا أكثر، لا شك أنها ستلاحظ الفرق بعد ذلك وتتغير.

دمتما معًا بتوفيقٍ وخير واهتمام متبادل، وحب في الله