|
من بوح قلمي ملتقى يختص بهمسات الاعضاء ليبوحوا عن ابداعاتهم وخواطرهم الشعرية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() جولة في أعالي المحروسة (1) رياض منصور النَّاس في بلدي طيِّبون؛ فما إن تفتح لأحدهم بابَ الحديث وتستقبله بابتسامة مغلَّفة ببعض الثَّناء، حتى يهش لك ويبشَّ، ويفتح لك بدوره أبوابَ قلبه الثَّمانية؛ لتلِج بسلامٍ إلى سويدائه؛ مِن أيِّ بابٍ شئتَ. ومِن ذلك أنِّي جلستُ في أعالي الجزائر العاصمة، أمتِّع ناظري بزُرقة البحر وهدوئه وامتدادِه، وبالبواخر تتحرَّك بنشاط ومرحٍ على ظهره، حتى يُخيَّل إليك أنها صَبايا تلهو وتُمارس لعبتَها المفضَّلة في مواسم البراءة. وأنا على تلك الحال إذ قَطع عليَّ سِحرَ المنظر شابٌّ حسَن الوجه بهيُّ الطلَّة قويُّ البِنية، تراشقنا بابتسامات، وبعد سماعِه كلمات عطرات منمَّقات ارتاحت نفسُه وأرخى لسانَه، فقال: أراك تُحسِن اصطيادَ الأماكن. وسَّعتُ له في المجلس، ومستأنِسًا بحديثه أجبتُه بسؤال: لماذا؟ قال: شخصيًّا أُفضِّل هذا المكان، أجلس فيه كلَّ مساء وحدي؛ أهزُّ شجرة الذَّاكرة فتَسَّاقطُ عليَّ أحلام الطُّفولة ومغامرات الصِّبا... ولكن هذه أول مرَّة أراك هنا، ويبدو لي أنَّك... قاطعتُه: نعم، أنا سائح، ولهجتك العواصميَّة - سيِّدي - اختصرَت عليَّ الطَّريق. تكلَّم بصوتٍ أشبه ما يكون بشَقْشقة العصافير: أقيم هنا... وهنا أقام أبي وجدِّي من قبلي. • لا بدَّ أنك فنَّان... قلتُ هذا، فنظر إليَّ مستغربًا. فشرعتُ أشرح فكرتي: انظر أخي؛ مَن أصبح على نسيم الجبل وأمسى على نسيم البحر، يُدغدِغ سمعَه صوت الحسُّون، وتُعالج بصَرَه وأعصابه زُرقةُ البحر ومداه... مَن كانت هذه بيئته لا بدَّ أن يَبرع في فنٍّ من الفنون، لا بدَّ أن يَبزغ نجمه في سماء الإبداع. حكَّ ذقنَه.. صمتَ بُرهة.. أخرج تنهيدةً من أخمُصِ قدميه! ثم قال: صدقتَ؛ فأنا فنَّان والمنطقة تعجُّ بالفنَّانين والكتَّاب والشعراء، والمبدعين والموهوبين... ها، كدتُ أنسى؛ هذه المنطقة التي تحملنا على ظهرها تسمَّى السيدة الإفريقية، "وهناك في الأسفل "بولوغين"، وذاك الجبل يدعى notre dame d Afrique" "بوفريزي"، ويمكنك التَّمتع أكثر إذا اتَّجهتَ إلى بوزريعة عبر هذا الممرِّ الضيِّق الذي يخترق حيَّ "سيدي بنور". نزع نظَّارته الشمسيَّة، ثمَّ أشار بأصبعه إلى البحر: • أترى هذا الحوض؟ هذا يسمَّى حوض الجزائر المحروسة، ولولا الضَّباب لرأيتَ "رأس ماتيفو"، ومِن ورائه شواطئ مدينة "بومرداس"، فتَسعَد عَيناك لرؤية حوضين مُتعانقَين متحابَّين بصدق، لا تقوى أعتى الأمواج على التفريق بينهما. إيه! صدَق من شبَّهها بـ "ريو دي جانيرو". كنتُ أصغي إليه وأتابع إشاراته وإيماءاته بكل دِقَّة، فقد سحرَتني الطَّبيعة العذراء، وسحرني كلامُه أيضًا. تقدَّمتُ قليلاً إلى الأمام، فوقعَت عيني على بيوت من القصدير وقد التصقَت كالفطريات بالجانب الأيسر من الجبل. قلتُ: وهذه سيدي؟ آه! ... يتبع.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |