|
ملتقى مشكلات وحلول قسم يختص بمعالجة المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() لا أريد الزواج أ. شريفة السديري السؤال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أشكرُكم على جهودِكم وجزاكم الله كلَّ خير. لا أستطيع أن أتخيَّل أني سأكونُ مع رجلٍ أجنبي عنِّي، ولا أتخيَّل أنَّ أحدًا سيرَى جَسَدي ويكون له الحقُّ في ذلك، وأنا طولَ عمري وأنا أغطِّيه، ولا أحبُّ الرِّجال، لكن في نفسِ الوقت لا أكرههم، "وعندما علمتُ بحقيقةِ الزَّواج أوَّل مرَّة لم أصعقْ؛ ربَّما لأني لم أفهمْ ما الذي كان يقوله الشخص الذي شرَحه لي لِصِغر سني وسنه (كان عمري تقريبًا سبعة أعوام أو نحوها) ولم أفكِّر فيه ونسيته تمامًا، وعندَما كان عُمري 12 سنة أخبَرني شخصٌ آخر بحقيقةِ الزواج مرةً أخرى حِينها صعقتُ ولم أصدِّق أبدًا "كان في اعتقادي أنَّ الزواج هو صَداقة فقط لا غير، أعلم أنَّه اعتقاد غبيٌّ لكن هذا ما اعتقدتُه!" وعندما بلغتِ الثامنة عشرة قلتُ: لا بدَّ مِن أن أتأكَّد مِن حقيقة الزواج بنفسي "ربَّما ذلك الشخص مخطئ"، وفعلاً قرأتُ في بعضِ المنتديات، وعلمت أنَّ ذلك الشخص كان محقًّا، ومِن بعدها رفضتُ جميع الخطاب الذين تقدَّموا لي، طبعًا عندما تسألني أمِّي: ما سببُ رفضك؟ أقول: إني لا أريد الزواج، فتقول لي: لماذا لا تجرِّبين؟ فأقول لها: لا أُريد أن أجرِّب في عيالِ الناس، الرَّجل ما طلَب الزَّواج إلا لأجلِ أن يحصنَ نفسه، فكيف يتزوَّج بامرأة لا تريد الزواج؟! أليس هذا ظلمًا له؟! وأيضًا أنا أخاف مِن حديثِ الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا دعَا الرجلُ امرأته إلى فراشه فأبَتْ فبات غضبان عليها، لعنَتْها الملائكةُ حتى تصبح)). وقد أتى خاطبٌ قبل أسبوع فقالت لي أمي: اقبلي مبدئيًّا وتوكَّلي على الله واستخيري، "والحمد لله إذا لم تسرِ الأمور فهنالك الطلاق"، وأيضًا ربَّما يكون الرجل مثلك، وغيره مِن الكلام المقنِع، وفعلاً قبلت وغدًا - إنْ شاء الله - ستأتي الأمُّ وابنتها لرؤيتي، لكني ما زلتُ أريد أن أستشيرَكم؛ فقلبي متخوِّف ولا أُريد أن أظلمَ الرجل. أعتذر عنِ الإطالة، وجزاكم الله كلَّ خير. الجواب أهلاً بكِ عزيزتي. قلتِ: "كان في اعتقادِي أنَّ الزواج هو صَداقةٌ فقط لا غَير"، اعتقادك صحيح يا عزيزتي مع تغيير واحِد بسيط؛ وهو أن تحذفي "فقط لا غير"؛ لأنَّ الزواج فعلاً صداقة، وأشياء كثيرة أخرى! الزواج سكنٌ للرُّوح، سعادةٌ للقلب، وراحةٌ للنفْس. هو إشباعٌ للفِطرة والغريزة التي وضعَها الله فينا لنعمِّر الأرض ونحقِّق معنى الخِلافة فيها، هو ليس إشباعًا للغريزة الجنسيَّة فقط كما يظنُّ الكثيرون؛ وإنَّما إشباعٌ لرغبات الجسَد والروح والقلب والعاطِفة، إشباع لغريزة الأمومة والحاجَة للاهتمام وتحقيقِ الذات. تأمَّلي قوله - تعالى -: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21]. يقول القرطبيُّ في تفسير هذه الآية: "المودَّة والرحمة عَطْفُ قلوبهم بعضهم على بعض، وقال السُّدي: المودَّة؛ أي: المحبَّة، والرحمة؛ أي: الشفقة، ورُوي معناه عن ابن عبَّاس قال: المودَّة: حبُّ الرجل امرأته، والرحمة: رحمتُه إيَّاها أن يصيبَها بسوء". والبغويُّ يقول في تفسيره: "خلق حواء مِن ضلع آدم ﴿ لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾؛ أي: جعَل بيْن الزوجين المودَّة والرحمة فهما يتوادَّان ويتراحمان، وما شيء أحبَّ إلى أحدهما مِن الآخر من غير رحِم بينهما، ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ في عظمةِ الله وقُدرته". أما سيِّد قطب - رحمه الله - فإنَّه يُرينا هذه الآيةَ مِن منظور نفسي وعاطفي، حيث يقرِّب لنا معنى الزواج والهدَف الإنساني وراءَه، وذلك حين يقول: "والناسُ يعرِفون مشاعرهم تُجاه الجِنس الآخر، وتشغل أعصابهم ومشاعرهم تلك الصِّلة بيْن الجِنسين; وتدفَع خطاهم، وتحرِّك نشاطَهم تلك المشاعر المختلفة الأنماط والاتِّجاهات بيْن الرجل والمرأة. ولكنَّهم قلَّما يتذكَّرون يدَ الله التي خلقت لهم مِن أنفسهم أزواجًا، وأودعتْ نفوسهم هذه العواطِف والمشاعِر، وجعلتْ في تلك الصِّلة سكنًا للنفس والعصب، وراحةً للجسم والقلب، واستقرارًا للحياة والمعاش، وأُنسًا للأرواح والضمائر، واطمئنانًا للرجل والمرأة على السواء. والتعبير القرآني اللَّطيف الرَّفيق يصوِّر هذه العلاقة تصويرًا موحيًا، وكأنَّما يلتقط الصورةَ من أعماق القلْب وأغوار الحس: ﴿ لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا ﴾، ﴿ وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ﴾، ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ فيُدركون حِكمةَ الخالق في خَلْق كلٍّ مِن الجنسين على نحوٍ يجعله موافقًا للآخَر، ملبيًا لحاجته الفِطرية: نفسيَّة وعقليَّة وجسديَّة، بحيث يجِد عنده الراحةَ والطُّمأنينة والاستقرار; ويجِدان في اجتماعهما السكنَ والاكتفاء، والمودَّة والرحمة؛ لأنَّ تركيبهما النفسي والعصبي والعُضوي ملحوظٌ فيه تلبية رَغبات كلٍّ منهما في الآخَر، وائتلافهما وامتزاجهما في النهاية لإنشاءِ حياة جديدة تتمثَّل في جيلٍ جديد". عزيزتي: الزَّواج حياةٌ كاملة نحياها مع شخصٍ آخر، هذا الشخص يكون لنا كما قال الشاعر: أَنَا مَنْ أَهْوَى وَمَنْ أَهْوَى أَنَا ![]() نَحْنُ رُوحَانِ حَلَلْنَا بَدَنَا ![]() فَإِذَا أَبْصِرْتَنِي أَبْصَرْتَهُ ![]() وَإِذَا أَبْصَرْتَهُ أَبْصَرْتَنَا ![]() الحياة يا عزيزتي، لم يكُن يومًا لها وجهٌ واحد، ولن يكون؛ هي متعدِّدة الأوجه ومتغيِّرة الفصول، تارةً تكون مبهجةً سعيدة، وتارةً تصبح كئيبةً حزينة تُحيطنا بالقلق والخوف، والزَّواج يا عزيزتي له هذه الأوجهُ، ولكن المودَّة والرحمة التي وضَعها الله بيْن الزوجين هي التي تُساعدهما على تخطِّي الأيَّام الصعبة والمشكلات بينهما؛ لأنَّ هدفهما مِن الزواج أسْمَى مِن هذه المشكلات، وأكبر مِن تلك المصاعِب. هم يهدفون لعمارةِ الأرض، فالحبُّ والمودة والرأفة تساعدِهم على الصَّبر والتضحية والبذل مِن أجلِ بناء هذه الأُسرة التي ستكون لبنةً في الأمَّة الإسلاميَّة. معكِ حقٌّ يا عزيزتي، حين تقولين: "لا أستطيع أن أتخيَّل أني سأكونُ مع رجلٍ أجنبي عنِّي، ولا أتخيَّل أنَّ أحدًا سيرى جسَدي ويكون له الحقُّ في ذلك"؛ لأنَّه نابعٌ من حيائك المحمود والمغروس فيكِ، ولكن الزواج الآن ليس كما كان قديمًا، فهو على مراحلَ وخُطوات تُتيح لنا أن نتهيَّأ ونستعدَّ نفسيًّا وجسديًّا لهذه العَلاقة العظيمة، ولهذا الارتباط المقدَّس. ففي البداية تأتي الأمُّ لتراك، ومِن ثم يأتي الخاطِب ليقابل والدَك أو وليَّك، ومِن ثم إذا كان هناك موافقةٌ مبدئية منكِ عليه، يأتي دَور الرؤية الشرعيَّة، ومِن ثم الخِطبة والعقد وفترة الملكة التي عادةً ما تكون عدَّة شهور تُتيح للخطيبين التعرُّفَ على بعضهما أكثرَ، وتجعل كلَّ واحد منهما يعتاد على الآخَر أكثرَ، ويَزيد مقدارَ الحبِّ في قلْبه لشريكِ حياته، وبعدَها يأتي وقتُ الزفاف بعدَ أن تكوني قد تهيأتِ نفسيًّا وعقليًّا وعاطفيًّا للأمر. وحتى في يومِ الزفاف وعندَ اللقاء الأوَّل تكون هناك تهيئةٌ للأمر وتمهيد؛ كما قال - تعالى -: ﴿ نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ ﴾ [النساء: 223]؛ وذلك حتى تكونَا مستعدَّيْن نفسيًّا وجسديًّا للأمر، فلا تقلقي أو تنزعجي أو تَخافي عزيزتي. وسأختم كلامي لكِ هنا بكلماتٍ قليلةٍ وعظيمة للأديب الكبير والعالِم الجليل علي الطنطاوي - عليه رحمة الله - يوضِّح فيها بإيجاز بليغٍ ماهية الزواج وكينونته، حيث يقول: "الزواجُ صلةٌ دائمة تحتاج إلى رِباط دائم، يقوَى بالملامسة ويشتدُّ، ولا يزداد على الأيام إلا قوَّةً وإحكامًا، ولا يصح أن يُبنَى الزواج على الحبِّ وحده إلاَّ إنْ صح أن تُبنى العمارة الضخمة على أساسٍ مِن الملح في مجرَى الماء، إنَّما يتم الزواج على التوافُق في التفكير والسلوك والوضع الاجتماعي والحالة الماليَّة، وبعدَ هذا كله تأتي العاطفةُ فينظر إليها وتنظُر إليه". أخيرًا يا عزيزتي، ذكِّري نفسكِ بأهدافِ الزواج، وفكِّري في الجوانبِ الأخرى له بعيدًا عن هذا الجانب، ولا تَشعري بأنَّه أمرٌ سيِّئ ومزعج، بل هو أمرٌ طبيعي يحصُل بين كلِّ زوجين في هذه الدنيا. وناقِشي نفسَكِ في نظرتكِ السيِّئة للأمر، فهل لها مبرّراتها، أم أنها فقط لكونها ارتبطتْ عندك بصدمةٍ لم تتخيليها أو تتوقعيها؟ اجلِسي في مكانٍ مريح تشعرين فيه بالاسترخاءِ والسكينة، وابدئي بتخيُّل حياتِكِ بعدَ الزواج، كيف سيكون شكلُها، بكلِّ تفاصيلها وأجزائها، واكتبيها، فأحيانًا تخيُّل المستقبل يساعدنا على تقبُّله، بل وانتظاره والحماس له؛ لأنَّه أظهَر لنا بعضًا مِن تفاصيله الغائبة. وفَّقك الله عزيزتي وكتب لكِ الخير. وتابِعينا بأخبارِكِ.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |