سلسلة آيات العقيدة المتوهم إشكالها - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1389 - عددالزوار : 140352 )           »          معالجات نبوية لداء الرياء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          التربية بالحوار (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          صور من فن معالجة أخطاء الأصدقاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          في صحوةِ الغائب: الذِّكر بوابة الحضور (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          آيات السَّكِينة لطلب الطُّمأنينة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (العليم, العالم. علام الغيوب) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          سبل إحياء الدعوة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          التساؤلات القلبية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          الحب الذي لا نراه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 05-02-2021, 01:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,163
الدولة : Egypt
افتراضي سلسلة آيات العقيدة المتوهم إشكالها

سلسلة آيات العقيدة المتوهم إشكالها (1)
د. زياد بن حمد العامر



الأستاذ المشارك في العقيدة والمذاهب الفكرية المعاصرة




الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:

فهذه سلسلة في الحديث عن جملة من آيات العقيدة المتوهم إشكالها، وأصل هذه السلسلة بحث علمي تقدمت به لمرحلة الدكتوراه، وهو مطبوع في دار المنهاج بمدينة الرياض في المملكة العربية السعودية.



فإنه مع مرور الأزمنة وانقضاء جيل الصحابة الذين هم أعرف الناس بدلالات الكتاب والسنة وأقدرهم على إزالة ما يتوهم إشكاله منها، كثر السؤال عما يتوهم إشكاله من دلالات الكتاب والسنة، واشتدت الحاجة إلى بيانه وكشفه.



وعندما كثر الطاعنون في الكتاب والسنة ووجِد المتبعون لما تشابه منهما ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، انبرى لهم حراس الشريعة، وأمناء الملة، وعلماء الأمة، فأزالوا الشكوك، وأبطلوا الشبهات، وبينوا المتشابهات، وأوضحوا المستشكلات، سواء ما يتعلق منها بالكتاب العزيز، أو السنة المطهرة، ومن هنا اهتم أهل العلم بجمع النصوص المتوهم إشكاله منها، وإزالة الإشكال عنها، فمما يتعلق بكتاب الله:

تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة.

تفسير آيات أشكلت لشيخ الإسلام ابن تيمية.

دفع إيهام الاضطراب للشنقيطي.



ومما يبين أهمية هذا الموضوع:

أولاً: أهمية هذا الموضوع فهو متعلق بكتاب الله الذي هو أشرف الكتب وأجلها قدراً.



ثانياً: أهمية هذا النوع من العلوم وشدة الحاجة إليه، ولذا قال النووي رحمه الله: (هذا من أهم الأنواع، ويضطر إلى معرفته جميع العلماء من الطوائف) [1].



ثالثاً: القيام بواجب الدفاع عن كتاب الله عز وجل، والذود عن حياضه ضد تشكيك الأعداء وشبهاتهم.



رابعاً: جِدَّةُ الموضوع، حيث لم أجد بعد البحث كتاباً مفرداً على مذهب أهل السنة والجماعة يُعنى بتطبيقات المشكل العقدي من آيات القرآن الكريم.



الدراسات السابقة:

لم أجد بعد البحث دراسة في الجانب التطبيقي عن آيات العقيدة المتوهم إشكالها، غير أن هناك رسائل علمية لها ارتباط بالموضوع مثل المشروع العلمي في دفع إيهام التعارض في الآيات العقدية، وقد شارك فيه برسالته الماجستير/ خالد بن عبد الله الدميجي المحاضر بقسم العقيدة بجامعة أم القرى وكانت بعنوان (دفع إيهام التعارض عن الآيات الواردة في الإيمان بالرسل والقدر)، والرسالة الثانية كانت للأخت / حياة المحمادي وكانت بعنوان (آيات العقيدة التي يوهم ظاهرها التعارض في مسائل الإيمان بالله وملائكته وكتبه)، والرسالة الثالثة كانت للأخت / حنان العمري وكانت بعنوان (آيات العقيدة التي يوهم ظاهرها التعارض في مسائل الإيمان باليوم الآخر).



وبعد الاطلاع على هذه الرسائل اتضح بأن هذا المشروع يعتبر نوعاً من أنواع الإشكال خاصاً بالآيات التي يوهم ظاهرها التعارض، دون باقي الآيات التي يتوهم إشكالها.



ولا يخفى الفرق بين باب التعارض وباب الإشكال فالأول يعتبر نوعاً من أنواع الإشكال، فبينهما عموم وخصوص.



ومن الكتابات التي لها ارتباط بالموضوع كتاب (مسالك أهل السنة فيما أشكل من نصوص العقيدة) للدكتور عبد الرزاق بن طاهر معاش، وهي رسالة دكتوراه من قسم العقيدة بجامعة الإمام، وهي دراسة نظرية تأصيلية لما يشكل من نصوص العقيدة، ويلاحظ أن هذه الرسالة مهتمة بالجانب النظري والتأصيلي بخلاف هذا البحث فإنه مهتم بالجانب التطبيقي فهو مكمل لهذه الرسالة وغيرها.



ومن الكتابات في غير باب الاعتقاد كتاب (مشكل القرآن الكريم) تأليف عبد الله المنصور، وهي رسالة ماجستير من قسم القرآن وعلومه بكلية أصول الدين بجامعة الإمام، وهي دراسة نظرية تأصيلية لمشكل القرآن بشكل عام، وتكونت من أربعة فصول: الفصل الأول عن مقدمات في مشكل القرآن، والفصل الثاني عن أسباب وقوع الإشكال في القرآن، والفصل الثالث عن أنواع مشكل القرآن، والفصل الرابع عن طرق دفع الإشكال عن آيات القرآن.



ومن الكتابات أيضاً كتاب (موهم الاختلاف والتناقض في القرآن الكريم) تأليف ياسر الشمالي، وهي رسالة ماجستير مقدمة لقسم الكتاب والسنة بجامعة أم القرى عام 1408 هـ، تناول الكاتب فيها مشكل القرآن في أربعة أبواب، الباب الأول عن مقدمات في مشكل القرآن، والباب الثاني عن موهم الاختلاف في النص القرآني، والباب الثالث عن موهم الاختلاف في مضمون القرآن الكريم.



ويلاحظ أن الرسالة في عموم الآيات وليست خاصة بالعقيدة، إضافة إلى أن جهد الباحث منصب حول الآيات التي يوهم ظاهرها التعارض والتناقض.







[1] التقريب للنووي 1 /20.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 05-02-2021, 01:57 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,163
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة آيات العقيدة المتوهم إشكالها

سلسلة آيات العقيدة المتوهم إشكالها (2)


د. زياد بن حمد العامر



المبحث الأول: التعريف بالمُشْكِل.
ويندرج تحت هذا المبحث ما يلي:
المسألة الأولى / تعريف المشكل في اللغة:
المُشْكِلُ: اسم فاعل من أَشْكَلَ، يُشْكِلُ، إِشْكَالاً، فهو مُشْكِل.
واسم الفاعل من غير الثلاثي يأتي على زِنَة مضارعه بإبدال حرف المضارعة ميماً مضمومة وكسر ما قبل الآخر. [1]
والمعنى اللغوي للمشكل الذي يتعلق بموضوع هذا البحث يدور حول الاختلاط والالتباس والاشتباه والمماثلة.
وذلك لأن ( الشين والكاف واللام معظم بابه المماثلة، تقول هذا شَكْل هذا، أي مثله، ومن ذلك يقال: أمر مُشْكِل ). [2]
( وقولهم: قد أشكل علي الأمر، معناه: قد اختلط بغيره ). [3]
و ( حرف مشكل: مشتبه ملتبس ). [4]
( ومنه قيل للأَمر المشتَبه مُشْكِلٌ، وأَشْكَل عَلَيَّ الأَمُر إِذا اخْتَلَط، وأَشْكَلَتْ عليَّ الأَخبار وأَحْكَلَتْ بمعنىً واحد ) [5].
(والمُشْكِل: كمُحْسِن: الداخل في أشكاله، أي أمثاله، وأشباهه، من قولهم: أشكل: صار ذا شكل، والجمع مشكلات، وهو يفك المشاكل: الأمور الملتبسة) [6].
وسمي المشكل بذلك (لأنه أشكل، أي دخل في شكل غيره فأشبهه وشاكله، ثم قد يقال لما غمض وإن لم يكن غموضه من هذه الجهة مشكل) [7].
فتحصل مما سبق دوران معنى المشكل في اللغة المتعلق بهذا البحث على الاشتباه، والالتباس، والاختلاط، والمماثلة.
المسألة الثانية / تعريف المشكل في الاصطلاح:
تعددت كلمات أهل العلم في تعريف المشكل على اختلاف فنونهم، غير أنها تصب في مصب واحد، وتدل على مراد واحد، على تفاوت بينها في دلالتها على المراد.
وتحسن الإشارة قبل ذكر شيء من تعريفات أهل العلم للمشكل، بأن بعض الباحثين توصل إلى أن المشكل قد تباينت تعريفات العلماء له بناء على فنونهم فتعريف أهل علوم أصول الفقه مُباين لتعريف أهل علوم القرآن وكذا يقع التباين مع أهل علوم الحديث [8].
وهذا ما لم يتبين لي رجحانه بل الأقرب للصواب هو اتفاق أهل الفنون على معنى واحد في تعريف المشكل، وإن كان يحصل في أفراد جميع أهل العلوم تفاوت في دلالة التعريف على كامل معناه، أو يختلف التعريف بناء على اعتقاد صاحبه، فكما هو معلوم أن التعريفات تتأثر بعقائد مُعرِّفيها.
إلا إن كان مراد من فرق هو اختلاف تعريف المشكل عند إضافته لأصحاب كل فن فهذا صحيح، فإن المشكل المضاف يفترق عن العاري عن الإضافة، فمشكل القرآن يختلف عن مشكل الحديث وعن مشكل اللغة وعن مشكل الإعراب وهكذا.
ومما يؤكد اتفاق أهل الفنون على معنى واحد في تعريف المشكل أمور:
1- أنه بالنظر إلى تعاريف أهل العلم على اختلاف فنونهم يلمس الناظر اتفاقهم في المضمون وإن تعددت عباراتهم في ذلك.
2- أن بعض أهل العلم تكلم في علمين أو أكثر سواء في علم أصول الفقه أو في علم الحديث أو في علوم القرآن، ومع ذلك لم يضطرب في تعريفه للمشكل، ولم يخصص للمشكل تعريفاً في كل فن [9].
3- أن من ذكر تعريف المشكل وقرر أنه متباين بين أصحاب الفنون ذكر عند المقارنة تعريف مشكل الحديث وليس المشكل عند علماء الحديث وبين البابين فرق كما لا يخفى.
وفيما يلي بيان لجملة من تعريفات المشكل في اصطلاح أهل العلم، يتبع ذلك التعريف المختار للمشكل في الاصطلاح:
أن المشكل (مأخوذ من قول القائل أشكل على كذا أي دخل في أشكاله وأمثاله، كما يقال أحرم أي دخل في الحرم، وأشتى أي دخل في الشتاء، وأشأم أي دخل الشام، وهو اسم لما يشتبه المراد منه بدخوله في أشكاله على وجه لا يعرف المراد إلا بدليل يتميز به من بين سائر الأشكال.
والمشكل قريب من المجمل ولهذا خفي على بعضهم فقالوا المشكل والمجمل سواء) [10]، ويلحظ من هذا التعريف أن بعض أهل العلم يسمي المشكل بالمجمل.
أن المشكل ( هو ما ازداد خفاء على الخفي كأنه بعدما خفي على السامع حقيقة دخل في أشكاله وأمثاله حتى لا ينال المراد إلا بالطلب ثم بالتأمل حتى يتميز عن أمثاله ) [11].
أن المشكل هو ( ما يوهم التعارض بين الآيات ) [12]، ويُلحظ من هذا التعريف قصر المشكل على باب التعارض وهو أخص منه، وكذا يلحظ أنه خصه بالآيات، وباب المشكل أوسع من ذلك.
أن ( المشكل هو ما لا يُنال المراد منه إلا بتأمل بعد الطلب، وهو الداخل في أشكاله أي في أمثاله وأشباهه مأخوذ من قولهم أشكل أي صار ذا شكل كما يقال أحرم إذا دخل في الحرم وصار ذا حرمة ) [13].
أن المشكل ( هو مالم يتضح معناه لإجمال في دلالته، أو قِصَر في فهم قارئه ) [14].
بل إن بعض السلف كان يطلق اسم المتشابه على المشكل، فكانوا يسمون ما أشكل على بعض الناس حتى فهم منه غير المراد: متشابهاً [15].
ويمكن استخلاص تعريف مناسب بأن يُقال:
المشكل في الاصطلاح هو: كل ما التبس معناه على من فسره فلم يَعرف المراد منه إلا بالنظر والتأمل.
ويكون تعريف مشكل القرآن هو: الآيات القرآنية التي التبس معناها على من فسرها فلم يَعرف المراد منها إلا بالنظر والتأمل [16].


[1] ينظر: شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك 3/ 137، شذا العرف في فن الصرف للحملاوي ص 121 .

[2] معجم مقاييس اللغة لابن فارس 3/ 204.

[3] الزاهر في معاني كلمات الناس لابن الأنباري 2/ 151.

[4] تهذيب اللغة للأزهري 10/ 25، وقد نقل هذه العبارة الأزهري عن أبي حاتم.

[5] لسان العرب 7/ 176.

[6] تاج العروس للزبيدي 29/ 276.

[7] تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة ص 102، وانظر: الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي 1/ 209، مفاتيح الغيب للرازي 7/ 181، اللباب في علوم الكتاب لابن عادل الدمشقي 5/ 32.

[8] انظر: مشكل القرآن الكريم للمنصور ص 47.

[9] مثل ابن قتيبة رحمه الله تكلم في علوم القرآن في كتابه ( تأويل مشكل القرآن ) وتكلم في علوم الحديث في كتابه ( تأويل مشكل الحديث )، ومثل الزركشي رحمه الله تكلم في أصول الفقه في كتابه ( البحر المحيط ) وتكلم في علوم القرآن في كتابه ( البرهان في علوم القرآن )، ومثل الشوكاني رحمه الله تكلم في أصول الفقه في كتابه ( ارشاد الفحول ) وتكلم في علوم القرآن في تفسيره ( فتح القدير )، ومثل الشنقيطي رحمه الله تكلم في أصول الفقه في كتابه ( مذكرة في أصول الفقه ) وتكلم في علوم القرآن في كتابه ( دفع إيهام الاضطراب ).

[10] أصول السرخسي 1/ 168.

[11] أصول الشاشي ص 24.

[12] الاتقان في علوم القرآن للسيوطي 4/ 1470.

[13] التعريفات للجرجاني ص 230.

[14] شرح لمعة الاعتقاد لابن عثيمين ص7.

[15] انظر: بيان تلبيس الجهمية لابن تيمية 8/ 499.

[16] ينظر: مشكل القرآن للمنصور ص 77.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 05-02-2021, 02:03 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,163
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة آيات العقيدة المتوهم إشكالها

سلسلة آيات العقيدة المتوهم إشكالها (3)
د. زياد بن حمد العامر



التعريف بأشهر المؤلفات في مشكل القرآن:
يمكن بيان نماذج لأشهر المؤلفات المفردة في مشكل القرآن من خلال إعطاء نبذة عن كل كتاب باختصار، أما الكلام عن آحاد مسائل الآيات المتوهم إشكالها فلا يكاد يخلو منها كتاب من الكتب التي تُعنى بالاستدلال القرآني، وجملة كتب التفاسير والعقائد طافحة بمثل ذلك.

أولاً: كتاب الرد على الجهمية والزنادقة، للإمام أحمد ابن حنبل، المتوفى سنة: 241 هـ، وقد تكلم في كتابه عن جملة من الآيات التي توهم الإشكال، وقد قال فيه: (الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضال تائه قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس، وأقبح أثر الناس عليهم.

ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، الذين عقدوا ألوية البدعة، وأطلقوا عقال الفتنة، فهم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، مجمعون على مفارقة الكتاب، يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم، فنعوذ بالله من فتن المضلين) [1].

ثانياً: كتاب تأويل مشكل القرآن، لابن قتيبة الدينوري، المتوفى سنة: 276 هـ، وقد جمع فيه جملة وافرة من الآيات المتوهم إشكالها، واجتهد في الجواب عليها، وقد قال فيه: (قد اعترض كتاب الله بالطعن ملحدون ولغوا فيه وهجروا، واتبعوا ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله بأفهام كليلة، وأبصار عليلة، ونظرٍ مدخول، فحرفوا الكلام عن مواضعه، وعدلوه عن سبله، ثم قضوا عليه بالتناقض، والاستحالة، واللحن، وفساد النظم، والاختلاف.

وأدلوا في ذلك بعلل ربما أمالت الضعيف الغَمِر، والحَدَث الغِر، واعترضت بالشبه في القلوب، وقدحت بالشكوك في الصدور.

ولو كان ما نحلوا إليه على تقريرهم وتأولهم لسبق إلى الطعن به من لم يزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحتج عليه بالقرآن، ويجعله العَلَم لنبوته، والدليل على صدقه، ويتحداه في موطن بعد موطن، على أن يأتي بسورة من مثله، وهم الفصحاء والبلغاء، والخطباء والشعراء، والمخصوصون من بين جميع الأنام بالألسنة الحداد، واللَّدد في الخصام، مع اللُّب والنهى، وأصالة الرأي. وقد وصفهم الله بذلك في غير موضع من الكتاب، وكانوا مرة يقولون: هو سحر، ومرة يقولون: هو قول الكهنة، ومرة: أساطير الأولين.

ولم يحك الله تعالى عنهم، ولا بلغنا في شيء من الروايات - أنهم جَدَبوه من الجهة التي جَدَبه منها الطاعنون.
فأحببت أن أنضح عن كتاب الله، وأرمي من ورائه بالحجج النيرة، والبراهين البينة، وأكشف للناس ما يُلَبِّسون.

فألفت هذا الكتاب، جامعا لتأويل مشكل القرآن، مستنبطا ذلك من التفسير بزيادة في الشرح والإيضاح، وحاملا - ما لم أعلم فيه مقالا لإمام مطلع - على لغات العرب لأُري به المعاند موضع المجاز، وطريق الإمكان، من غير أن أحكم فيه برأي، أو أقضي عليه بتأويل.

ولم يجز لي أن أنص بالإسناد إلى من له أصل التفسير إذ كنت لم أقتصر على وحي القوم حتى كشفته، وعلى إيمائهم حتى أوضحته، وزدت في الألفاظ ونقصت، وقدمت وأخرت، وضربت لبعض ذلك الأمثال والأشكال، حتى يستوي في فهمه السامعون.
وأسأل الله التجاوز عن الزَّلَة بحسن النية، فيما دللت عليه، وأجريت إليه، والتوفيق للصواب، وحسن الثواب) [2].

ثالثاً: كتاب تفسير آيات أشكلت على كثير من العلماء، لشيخ الإسلام أحمد ابن تيمية، المتوفى سنة: 728 هـ، وعنوان كتابه يفصح عن محتواه، والعنوان الكامل هو (تفسير آيات أشكلت على كثير من العلماء حتى لا يوجد في طائفة من كتب التفسير فيها القول الصواب بل لا يوجد فيها إلا ما هو خطأ) [3].

رابعاً: كتاب دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب، للشيخ محمد الأمين الشنقيطي، المتوفى سنة: 1393 هـ، وقد قال فيه: (الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد خاتم النبيين وأشرف المرسلين وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

الحمد لله الذي ختم الرسل بهذا النبي الكريم عليه من الله الصلاة والتسليم، كما ختم الكتب السماوية بهذا القرآن العظيم، وهدى الناس بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم، فأخباره كلها صدق، وأحكامه كلها عدل، وبعضه يشهد بصدق بعض ولا ينافيه، لأن آياته فصلت من لدن حكيم خبير، ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 82].

أما بعد:
فإن مقيد هذه الحروف، عفا الله عنه، أراد أن يبين في هذه الرسالة ما تيسر من أوجه الجمع بين الآيات التي يُتَوَهَّم فيها التعارض في القرآن العظيم، مُرَتِباً لها بحسب ترتيب السور، يُذكر الجمع بين الآيتين غالبا في محل الأولى منهما، وربما يُذكر الجمع عند محل الأخيرة، وربما يُكتفي بذكر الجمع عند الأولى، وربما يحيل عليه عند محل الأخيرة، ولا سيما اذا كانت السورة ليس فيها مما يتوهم تعارضه إلا تلك الآية، فإنه لا يترك ذكرها والإحالة على الجمع المتقدم، وسميته: "دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب") [4].


[1] الرد على الجهمية والزنادقة ص 55.

[2] تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة ص 22-23.

[3] ينظر: مجموع الفتاوى 14 /48 ,68 ,455 ,495 ,15 /30 ,61 ,440 ,16 /72.

[4] دفع إيهام الاضطراب للشنقيطي ص 5.





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 05-02-2021, 02:12 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,163
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة آيات العقيدة المتوهم إشكالها

سلسلة آيات العقيدة المتوهم إشكالها (4)
د. زياد بن حمد العامر



ظواهر الكتاب والسنة كلها حق، والمراد بظواهر النصوص هو: ما يَسبِق ويتبادر إلى ذهن وفَهْم السامع صحيح الفَهم من معاني ألفاظ الكتاب والسنة[1].

وتتمثل أهمية الحديث عن ظواهر النصوص من جهتين:
الأولى: أن الواجب على المؤمن هو فَهمُ النصوص على ظاهرها، وعدم صرف النص عن ظاهره إلا بدليل صحيح، وهذا هو مذهب السلف جميعًا، (فمذهب السلف رحمة الله عليهم أجمعين إثباتها وإجراؤها على ظاهرها) [2]، وحتى صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم ( لم يكن أحد منهم يعتقد في خبره وأمره ما يناقض ظاهر ما بيَّنه لهم، ودلَّهم عليه، وأرشدهم إليه، ولهذا لم يكن في الصحابة مَن تأوَّل شيئًا من نصوصه على خلاف ما دلَّ عليه، لا فيما أخبر به الله عن أسمائه وصفاته، ولا فيما أخبَر به عما بعد الموت) [3]، و(لَمَّا كان الأصل في الكلام هو الحقيقة والظاهر، كان العدول به عن حقيقته وظاهره مخرجًا له عن الأصل، فاحتاج مدعي ذلك إلى دليل يسوِّغ له إخراجه عن أصله)[4]، وحمل كلام المتكلم (على خلاف ظاهره وحقيقته، ينافي قصد البيان والإرشاد والهدى)[5]، و(تيسير القرآن للذكر ينافي حمله على التأويل المخالف لحقيقته وظاهره)[6]، وذلك (لأن ظواهر الكتاب والسنة هي نور الله الذي أنزله على رسوله؛ ليُستضاء به في أرضه، وتقام به حدودُه، وتنفذ به أوامرُه، ويُنصف به بين عباده في أرضه.

والنصوص القطعية التي لا احتمال فيها قليلة جدًّا لا يكاد يوجد منها إلا أمثلة قليلة جدًّا؛ كقوله تعالى: ï´؟ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ï´¾ [البقرة: 196]، والغالب الذي هو الأكثر هو كون نصوص الكتاب والسنة ظواهر.

وقد أجمع جميع المسلمين على أن العمل بالظاهر واجبٌ، حتى يرد دليل شرعي صارف عنه إلى المحتمل المرجوح، وعلى هذا كل مَن تكلم في الأصول.

فتنفير الناس وإبعادها عن كتاب الله، وسنة رسوله، بدعوى أن الأخذ بظواهرهما من أصول الكفر - هو من أشنع الباطل وأعظمه كما ترى.

وأصول الكفر يجب على كل مسلم أن يحذَر منها كل الحذر، ويتباعد منها كلَّ التباعد، ويتجنب أسبابها كل الاجتناب، فيلزم على هذا القول المنكر الشنيع وجوب التباعد من الأخذ بظواهر الوحي.

وهذا كما ترى، وبما ذكرنا يتبيَّن أن من أعظم أسباب الضلال ادِّعاء أن ظواهر الكتاب والسُّنة دالة على معانٍ قبيحة، ليستْ بلائقة، والواقع في نفس الأمر بعدها وبراءتها من ذلك، وسبب تلك الدعوى الشنيعة على ظواهر كتاب الله، وسنة رسوله، هو عدم معرفة مدعيها.

ولأجل هذه البلية العظمى، والطامة الكبرى، زعم كثير من النُظَّار الذين عندهم فهمٌ أن ظواهر آيات الصفات وأحاديثها غير لائقة بالله؛ لأن ظواهرها المتبادرة منها هو تشبيه صفات الله بصفات خلقه)[7].

(ولا بد في تفسير القرآن والحديث من أن يُعرف ما يدل على مراد الله ورسوله من الألفاظ، وكيف يفهم كلامه، فمعرفة العربية التي خُوطبنا بها مما يُعين على أن نفقهَ مراد الله ورسوله بكلامه، وكذلك معرفة دلالة الألفاظ على المعاني، فإن عامة ضلال أهل البدع كان بهذا السبب، فإنهم صاروا يحملون كلام الله ورسوله على ما يدعون أنه دالٌّ عليه، ولا يكون الأمر كذلك)[8].

الثانية: كثرة الانحرافات في التعامل مع ظواهر الكتاب والسنة، كما هو حال كثير من المناهج المخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة.
ومن مقولات تلك المناهج المنحرفة ما قرَّره بعضهم من وجوب اعتقاد أن مراد الله هو غير ظاهر النصوص، فقال: (يجب القطع فيها أن مراد الله منها شيءٌ غير ظواهرها، ثم يجب تفويض معناها إلى الله تعالى، ولا يجوز الخوضُ في تفسيرها)[9].

ويقرِّر آخر أن الأخذ بظواهر النصوص يعتبر من أصول الكفر، فيقول: (لا يجوز تقليد ما عدا المذاهب الأربعة، ولو وافَق قول الصحابة والحديث الصحيح والآية، فالخارج عن المذاهب الأربعة ضالٌّ مضلٌّ، وربما أداه ذلك للكفر; لأن الأخذ بظواهر الكتاب والسنة من أصول الكفر)[10].

وقد ردَّ الشنقيطي على النقل الأخير، فقال: (فانظر يا أخي - رحمك الله - ما أشنع هذا الكلام وما أبطلَه! وما أجرأ قائله على الله وكتابه! وعلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه سبحانك هذا بهتان عظيم...

أما قوله: إن الأخذ بظواهر الكتاب والسنة من أصول الكفر، فهذا أيضًا من أشنع الباطل وأعظمه، وقائله من أعظم الناس انتهاكًا لحرمة كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم سبحانك هذا بهتان عظيم.

والتحقيق الذي لا شك فيه، وهو الذي كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعامة علماء المسلمين، أنه لا يجوز العدول عن ظاهر كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حالٍ مِن الأحوال بوجهٍ من الوجوه، حتى يقوم دليلٌ صحيح شرعي صارفٌ عن الظاهر إلى المحتمل المرجوح.

والقول بأن العمل بظاهر الكتاب والسنة من أصول الكفر، لا يصدُر البتةَ عن عالم بكتاب الله وسنة رسوله، وإنما يصدر عمن لا عِلمَ له بالكتاب والسنة أصلًا; لأنه لجهله بهما يعتقد ظاهرهما كفرًا، والواقع في نفس الأمر أن ظاهرهما بعيد مما ظنَّه أشدَّ مِن بُعد الشمس من اللمس)[11].


[1] ينظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية 3/ 43، 6/ 356، وشرح القواعد المثلى لابن عثيمين ص 176.

[2] الحجة في بيان المحجة للأصفهاني 1/ 188.

[3] مجموع الفتاوى لابن تيمية 13/ 252.

[4] الصواعق المرسلة لابن القيم 1/ 288.


[5] الصواعق المرسلة لابن القيم 1/ 310، وينظر: 1/ 324.

[6] الصواعق المرسلة لابن القيم 1/ 330.

[7] أضواء البيان للشنقيطي 7/ 472.

[8] مجموع الفتاوى لابن تيمية 7/ 116.

[9] أساس التقديس للرازي ص 236.

[10] حاشية الصاوي على تفسير الجلالين 3/ 9.

[11] أضواء البيان للشنقيطي 7/ 467، وينظر: 7/ 470،472.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 17-02-2021, 04:51 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,163
الدولة : Egypt
افتراضي رد: سلسلة آيات العقيدة المتوهم إشكالها

سلسلة آيات العقيدة المتوهم إشكالها (5)
د. زياد بن حمد العامر





العمل بالمحكم والإيمان بالمتشابه














يمكن إجمال الحديث في هذا المبحث في عدة مسائل:



المسألة الأولى: المراد بالمحكم والمتشابه:



يُطلق المحكم والمتشابه على نوعين [1]:



1- الإحكام والتشابه العام:



والإحكام هنا هو الوارد في مثل قوله تعالى: ﴿ الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ﴾ [هود: 1]، وعليه يكون المراد بالإحكام العام هو الإتقان: (وإحكام الشيء إتقانه، فإحكام الكلام إتقانه بتمييز الصدق من الكذب في أخباره، وتمييز الرشد من الغي في أوامره، والقرآن كله مُحكم بمعنى الإتقان)[2].







وأما المتشابه هنا فهو مثل الوارد في قوله تعالى: ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ ﴾ [الزمر: 23]، وعليه يكون المراد بالتشابه العام: (هو تماثل الكلام وتناسبه؛ بحيث يصدق بعضه بعضًا؛ فإذا أمر بأمرٍ لم يأمُر بنقيضه في موضعٍ آخرَ، بل يأمُر به أو بنظيره، أو بملزوماته، وإذا نهى عن شيءٍ لم يأمُر به في موضعٍ آخرَ، بل ينهى عنه أو عن نظيره، أو عن ملزوماته، إذا لم يكن هناك نسخٌ، وكذلك إذا أخبر بثبوت شيءٍ، لم يخبر بنقيض ذلك، بل يخبر بثبوته أو بثبوت ملزوماته..







فهذا التشابه العام لا ينافي الإحكام العام، بل هو مصدق له، فإن الكلام المحكم المتقن يصدِّق بعضه بعضًا، لا يناقض بعضه بعضًا، بخلاف الإحكام الخاص؛ فإنه ضد التشابه الخاص)[3].







2- الإحكام والتشابه الخاص:



وهذا النوع هو الوارد في قوله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ [آل عمران: 7]، فالتشابه الخاص هو: (مشابهة الشيء لغيره من وجهٍ مع مخالفته له مِن وجهٍ آخرَ؛ بحيث يَشتبه على بعض الناس، إنه هو أو هو مثله، وليس كذلك، والإحكام هو الفصل بينهما؛ بحيث لا يشتبه أحدهما بالآخر)[4]، وهذا المعنى للمتشابه في الآية مبني على قراءة الوصل وعدم الوقف على لفظ الجلالة في الآية، فالمحكم هو الواضح البيِّن، والمتشابه هو ما لم يتَّضح ويحتاج إلى تفكُّر وتأمُّلٍ، وعليه فإن الذين يتبعون المتشابه بغير قصد الفتنة غير مذمومين، وهذا هو المقصود بالبحث هنا، (فإن معرفة الإشكال علمٌ في نفسه، وفتحٌ من الله تعالى)[5]، وطلب حل هذا الإشكال ممدوحٌ غير مذموم.







أما على قراءة الوقف على لفظ الجلالة وعدم الوصل، فإن معنى المتشابه هو ما يُعلم معناه ولا تُدرَكُ حقيقتُه؛ كوقت الساعة، وحقيقة أمور الآخرة، وعليه فإن الذين يتبعون هذا المتشابه هم مذمومون، لتطلُّبهم ما لا سبيل إلى الوصول إليه[6].







المسألة الثانية: علاقة المتشابه بالمشكل:



تتبيَّن علاقة المتشابه بالمشكل؛ من حيث إن المشكل مرادفٌ لمعنى التشابه الخاص لغةً واصطلاحًا كما سبق.







فمن حيث اللغة يقال: (حرف مشكل: مشتبه ملتبس)[7].



(ومنه قيل للأَمر المشتَبه: مُشْكِلٌ، وأَشْكَل عَلَيَّ الأَمُر: إِذا اخْتَلَط، وأَشْكَلَتْ عليَّ الأَخبار وأَحْكَلَتْ بمعنًى واحدٍ)[8].







(ومثل المتشابه المشكل؛ لأنه أشكل؛ أي: دخل في شكل غيره، فأشبهَه وشاكلَه، ثم قد يقال لَما غمض وإن لم يكن غموضه من هذه الجهة: مشكل) [9].







(والمُشْكِل: كمُحْسِن: الداخل في أشكاله؛ أي: أمثاله، وأشباهه، من قولهم: أشكل: صار ذا شكل، والجمع مشكلات، وهو يفك المشاكل: الأمور الملتبسة) [10].







ومن حيث الاصطلاح فإن المشكل: (هو ما ازداد خفاءً على الخفي، كأنه بعدما خَفِيَ على السامع حقيقةً دخَل في أشكاله وأمثاله؛ حتى لا ينال المراد إلا بالطلب ثم بالتأمل؛ حتى يتميز عن أمثاله) [11].







وكذلك فإن (المشكل هو ما لا يُنال المرادُ منه إلا بتأمُّل بعد الطلب، وهو الداخل في أشكاله؛ أي: في أمثاله وأشباهه) [12]، أو: (هو ما لم يتَّضح معناه لإجمال في دلالته، أو قِصَرٍ في فَهْم قارئه) [13].







بل إن بعض السلف كان يُطلق اسم المتشابه على المشكل، فكانوا يسمون ما أشكَل على بعض الناس، حتى فُهِمَ منه غير المراد: متشابهًا[14].







المسألة الثالثة: عمل السلف بهذه القاعدة:



وذلك أن طريقة أهل الزيغ اتِّباع المتشابه وترك المحكم، (وأما طريقة الصحابة والتابعين وأئمة الحديث - فعكس هذه الطريق، وهي أنهم يردون المتشابه إلى المحكم، ويأخذون من المحكم ما يفسِّر لهم المتشابه ويُبينه لهم، فتتَّفق دلالته مع دلالة المحكم، وتوافق النصوص بعضها بعضًا، فإنها كلها من عند الله، وما كان من عند الله، فلا اختلافَ فيه ولا تناقض، وإنما الاختلاف والتناقض فيما كان من عند غيره) [15].







ولذلك أصبَح من معالم أهل السنة والجماعة أنهم يردون النصوص المشكلة والمحتملة إلى النصوص المحكمة والبيِّنة، و(يجوز أن يُقال في بعض الآيات: إنه مُشكل ومتشابه إذا ظُنَّ أنه يُخالف غيره من الآيات المحكمة البيِّنة، فإذا جاءت نصوص بيِّنة مُحكمة بأمرٍ، وجاء نص آخر يُظَنُّ أن ظاهره يخالف ذلك، يُقال في هذا: إنه يُرد المتشابه إلى المحكم، أما إذا نطق الكتاب أو السنة بمعنى واحد، لم يَجُزْ أن يجعل ما يضاد ذلك المعنى هو الأصل، ويجعل ما في القرآن والسنة مُشكلًا مُتشابهًا، فلا يُقبل ما دل عليه.







نعم قد يُشكل على كثيرٍ من الناس نصوصٌ لا يفهمونها، فتكون مشكلةً بالنسبة إليهم لعجز فَهمهم عن معانيها)[16].







وهذا هو المنقول عن الصحابة ومَن بعدهم؛ كما جاء عن ابن مسعود [17]، وابن عباس [18]، وعائشة [19]، والحسن البصري، وقتادة، والطبري [20]، وابن تيمية [21]، وابن كثير، وغيرهم[22].







قال الحسن البصري عند قوله: ﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [البقرة: 121]، (يعملون بمحكمه، ويؤمنون بمتشابهه، ويَكلون ما أشكَل عليهم إلى عالِمِه) [23].



وقال قتادة عند آية آل عمران السابقة: (آمِنوا بمتشابهه، واعمَلوا بِمُحكمه) [24].







وقال ابن كثير: (في القرآن آيات مُحكمات هنُّ أمُّ الكتاب؛ أي: بيِّنات واضحات الدلالة، لا التباس فيها على أحدٍ من الناس، ومنه آيات أُخَر فيها اشتباه في الدلالة على كثيرٍ من الناس أو بعضهم، فمن ردَّ ما اشتَبه عليه إلى الواضح منه، وحكَّم مُحْكَمَه على متشابهه عنده، فقد اهتدى، ومَن عكَس انعكَس)[25].







المسألة الرابعة: نسبية الإشكال:



وذلك أن تقدير الإشكال في النصوص أمرٌ نسبي يختلف فيه الناس بحسب ما لديهم من العلم، ولا يُمكن أن يوجد نصٌّ لا يعلَم أحدٌ معناه، ولكن قد يخفى على بعضهم، (والمقصود هنا أنه لا يجوز أن يكون الله أنزل كلامًا لا معنى له، ولا يجوز أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم وجميع الأمة، لا يعلمون معناه، كما يقول ذلك مَن يقوله من المتأخرين، وهذا القول يجب القطع بأنه خطأٌ...







فإن معنى الدلائل الكثيرة من الكتاب والسنة وأقوال السلف على أن جميع القرآن مما يمكن علمه وفَهمُه وتدبُّره، وهذا مما يجب القطع به) [26]، (ويُبيِّنُ ذلك أن الصحابة والتابعين لم يمتنع أحدٌ منهم عن تفسير آية من كتاب الله، ولا قال هذه من المتشابه الذي لا يعلم معناه، ولا قال قط أحدٌ من سلف الأمة، ولا مِن الأئمة المتبوعين: إن في القرآن آيات لا يعلم معناها ولا يفهمها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أهل العلم والإيمان جميعُهم، وإنما قد ينفون عِلْم بعض ذلك عن بعض الناس، وهذا لا ريبَ فيه) [27].







(وبالجملة: فالدلائل الكثيرة توجب القطع ببُطلان قول مَن يقول: إن في القرآن آيات لا يعلم معناها الرسول ولا غيره، نعم قد يكون في القرآن آيات لا يعلم معناها كثير من العلماء، فضلًا عن غيرهم، وليس ذلك في آية معينة، بل قد يُشكل على هذا ما يعرفه هذا) [28].







ولَمَّا حُبِسَ ابن تيمية في آخر عمره، كتَب له بعض أصحابه: (أن يكتب على جميع القرآن تفسيرًا مرتبًا على السور، فكتب يقول: إن القرآن فيه ما هو بيِّن بنفسه، وفيه ما قد بيَّنه المفسرون في غير كتاب، ولكن بعض الآيات أشكَل تفسيرُها على جماعة من العلماء، فربما يُطالع الإنسان عليها عدة كتبٍ، ولا يتبيَّن له تفسيرُها، وربما كَتَبَ المُصَنِّفُ الواحد في آيةٍ تفسيرًا ويفسِّر غيرها بنظيره، فقصدتُ تفسيرَ تلك الآيات بالدليل؛ لأنه أهم من غيره، وإذا تبيَّن معنى آية تبيَّن معاني نظائرها.







وقال: قد فتح الله عليَّ في هذه المرة من معاني القرآن، ومن أصول العلم بأشياء كان كثير من العلماء يتمنونها، وندِمت على تضييع أكثر أوقاتي في غير معاني القرآن) [29].







المسألة الخامسة: سبب استشكال بعض النصوص:



لَمَّا تقرر كما سبق أنه لا يمكن أن يوجد في القرآن ما لا معنى له، أو أنه يخفى معناه على جميع الناس، فإن بعض النصوص قد تخفى على بعض الناس، و(الدلائل الكثيرة توجب القطع ببطلان قول من يقول: إن في القرآن آيات لا يعلم معناها الرسول ولا غيره، نعم قد يكون في القرآن آيات لا يعلم معناها كثيرٌ من العلماء، فضلًا عن غيرهم، وليس ذلك في آية معينة، بل قد يُشكل على هذا ما يعرفه هذا وذلك:



تارة يكون لغرابة اللفظ.



وتارة لاشتباه المعنى بغيره.



وتارة لشبهة في نفس الإنسان تَمنَعه مِن معرفة الحق.



وتارة لعدم التدبر التام)[30].



وتارة لقلة العلم.



وتارة لضَعف القدرة على الاستنباط.



وتارة لعدم الجمع بين الأدلة.







فإن ضَعف التدبر للنص الشرعي مُوقِعٌ في الإشكال، ومن حصَل له التدبر التام للنص، (تبيَّن له أنه لا إشكال فيه إلا على مَن لم يتدبره)[31]، فإنه (قد يُشكل على كثير من الناس نصوص لا يفهمونها، فتكون مُشكلة بالنسبة إليهم لعجز فَهمِهم عن معانيها)[32].







ومن حِكَم وجود المشكل في النصوص الشرعية أن الناس قد (تختلف مداركهم وأفهامهم وآراؤهم، ولا سيما في ما يتعلق بالأمور الدينية والغيبية، لقصور علم الناس في جانب علم الله تعالى وحِكمته، ولهذا كان في القرآن آيات كثيرة يَستشكلُها كثيرٌ من الناس، وقد أُلِّفتْ في ذلك كتبٌ، وكذلك استشكَل كثيرٌ من الناس كثيرًا من الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم... وبهذا يتبيَّن أن استشكال النص لا يعني بُطلانه، ووجود النصوص التي يستشكل ظاهرُها لم يقع في الكتاب والسنة عفوًا، وإنما هو أمر مقصود شرعًا؛ ليبلوَ الله تعالى ما في النفوس ويمتحن ما في الصدور، ويُيسر للعلماء أبوابًا من الجهاد العلمي يرفعهم الله به درجات)[33].







ومن أسباب استشكال النصوص الجهل بأسباب النزول، فإن معرفة أسباب التنزيل مزيلٌ للإشكال، و(الجهل بأسباب التنزيل مُوقعٌ في الشُّبَه والإشكالات، ومُوردٌ للنصوص الظاهرة مَوردَ الإجمال حتى يقع الاختلاف، وذلك مَظنة وقوع النزاع) [34].







وإن من أعظم وأنفع أسباب إزالة الإشكال: الالتجاء إلى الله، والانطراح بين يديه، وإدمان الدعاء بالهداية لحل هذا الإشكال؛ كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء استفتاح صلاة الليل أنه كان يقول: ((اللهم ربَّ جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكمُ بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لِما اختُلِف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي مَن تشاء إلى صراط مستقيم))[35]، وكان ابن تيمية يقول: (إنه ليقف خاطري في المسألة أو الشيء أو الحالة التي تُشكل عليَّ، فأستغفرُ الله تعالى ألف مرة أو أكثر أو أقل، حتى ينشرح الصدر، وينجلي إشكالُ ما أشكَل) [36].







[1] ينظر: الصواعق المرسلة لابن القيم 1/ 212.



[2] مجموع الفتاوى لابن تيمية 3/ 60.



[3] مجموع الفتاوى لابن تيمية 3/ 61.



[4] مجموع الفتاوى لابن تيمية 3/ 62.



[5] الفروق للقرافي 1/ 241.



[6] ينظر: شرح النووي على مسلم 16/ 217، ومجموع الفتاوى لابن تيمية 3/ 54 - 68، 13/ 144, 311، 17/ 383-386، 393-395، وتفسير ابن كثير 2/ 6-13.



[7] تهذيب اللغة للأزهري 10/ 25، وقد نقل هذه العبارة الأزهري عن أبي حاتم.



[8] لسان العرب 7/ 176.



[9] تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة ص 102، وانظر: الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي 1/ 209، ومفاتيح الغيب للرازي 7/ 181، واللباب في علوم الكتاب لابن عادل الدمشقي 5/ 32.



[10] تاج العروس للزبيدي 29/ 276.



[11] أصول الشاشي ص 24.



[12] التعريفات للجرجاني ص 230.



[13] شرح لمعة الاعتقاد لابن عثيمين ص7.



[14] انظر: بيان تلبيس الجهمية 8/ 499.



[15] إعلام الموقعين لابن القيم 4/ 58.



[16] مجموع الفتاوى لابن تيمية 17/ 307.



[17] ينظر: مجموع الفتاوى 17/ 386.



[18] ينظر: تفسير الطبري 5/ 214.



[19] ينظر: المرجع السابق 5/ 210.



[20] ينظر: المرجع السابق 1/ 7.



[21] ينظر: مجموع الفتاوى 17/ 386.



[22] ينظر: تفسير ابن أبي حاتم 2/ 601.



[23] تفسير الطبري 2/ 569.



[24] المرجع السابق 5/ 225.



[25] تفسير ابن كثير 2/ 6.



[26] مجموع الفتاوى لابن تيمية 17/ 390.



[27] مجموع الفتاوى لابن تيمية 13/ 285.



[28] مجموع الفتاوى لابن تيمية 17/ 399-400.



[29] العقود الدرية لابن عبدالهادي 73.



[30] مجموع الفتاوى لابن تيمية 17/ 400.



[31] مجموع الفتاوى لابن تيمية 6/ 397.



[32] مجموع الفتاوى لابن تيمية 17/ 307.



[33] الأنوار الكاشفة للمعلمي ص 223.



[34] الموافقات للشاطبي 4/ 146.



[35] أخرجه مسلم رقم (770)، ص 350، كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: الدعاء في صلاة الليل وقيامه.



[36] العقود الدرية لابن عبدالهادي ص 60.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 136.61 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 133.10 كيلو بايت... تم توفير 3.51 كيلو بايت...بمعدل (2.57%)]