|
ملتقى اللغة العربية و آدابها ملتقى يختص باللغة العربية الفصحى والعلوم النحوية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() المتنبي في عيون الصاحب بن عباد ومنهجه في رسالته "الكشف عن مساوئ شعر المتنبي" إنجاز الطالب: سمير لعفيسي [1] مقدمة: لا شك أن ظهور المتنبي في الساحة الأدبية شكَّل حدثًا بارزًا في تاريخ النقد العربي؛ فالناظر في الكتب الأدبية والنقدية لا يكاد يطالع مؤلَّفًا أدبيًّا أو نقديًّا إلا يجد فيه اسم المتنبي ساطعًا، وفي هذه الدراسة سنحاول تناول رسالة نقدية، حاول صاحبها تتبع بعض أبيات هذا الشاعر بالنقد والتمحيص، وكذا الكشف عن عيوبه، ومن ميزة هذه الرسالة أنها من كاتب جمَع بين فنون الكتابة والنقد، وكذا قول الشعر، فكان لا بدَّ أن ينعكس ذلك في رسالته، بغضِّ النظر عن غلوه في الطعن في شِعر المتنبي. فقد حاول الصاحب[2] في رسالته هذه، أن يَسِم نقده بالموضوعية، وعدم تغليب الهوى، وقد سلك في ذلك مذهبًا نقديًّا حاول من خلاله أن يقتفي ويسير على منهج أستاذه ابن العميد في نقد الشعر. وقد حاولنا في هذه الدراسة أن نبرز قيمة هذه الرسالة النقدية، باعتبارها وثيقة نقدية تؤرخ لفترة شهدت ذروة في قول الشعر ونقده، كما شهدت بزوغ فجر المتنبي الذي أطفأ فتيل كل قائل للشعر في زمانه، مما ولَّد صراعًا حادًّا خرَج - أحيانًا - من الطعن في شِعره إلى الطعن في شخصه. كما أن هذه الرسالة تضمَّنت الحديث عن نقد الشعر عند الكتاب، باعتبارهم - حسب الصاحب - أهل هذه الصناعة، والقادرين على تمييز جيد الشعر من رديئه دون غيرهم، وقد تسلَّح الصاحب بهذه الملكة النقدية في توشية شعر المتنبي بلباس يستر به عين القارئ عن محاسن شِعره. وعليه، فقد قسَّمنا محاور هذه الدراسة كالآتي: المحور الأول تحدثنا فيه عن السياق العام الذي شهد تأليف هذه الرسالة، والمحور الثاني خصَّصناه لموضوع هذه الرسالة، وقد درسنا فيه أولاً مكانة الكُتاب في نقد الشعر، وتناولنا فيه ثانيًا نقد ابن العميد للشِّعر قصْدَ تقريب صورة هذا الناقد، ثم أخيرًا انتقلنا إلى غرض الرسالة الأساسي، وهو نقد الصاحب لشِعر المتنبي. 1- السياق العام الذي أُلِّفت فيه الرسالة: تُجمع جلُّ الكتب التي أرخت للأدب العربي على أن العهد العباسي شهد تحولاً كبيرًا في فهم وتذوق الشعر، وتجاوز مجرَّد المفاضلة بين شاعر وشاعر، ومن الذوق الفطري الذي يصدر عن السليقة والطبع إلى النظر في الشعر كفنٍّ وصناعة[3]، وقد ساعدت الحركة الثقافية التي شهدها هذا العصر - من تطور علوم اللغة؛ من نحو وبلاغة وصرف، وانفتاح على علوم الحضارات الأخرى - في اكتساب النقد صفتَي العلمية والتعليلية. فكان طبيعيًّا أن تَنضج ملكة الذوق عند الأدباء النقاد، لترتبط أساسًا بكثرة ما درسوا ووزنوا وقارَنوا، فجمَعوا بين جمال الطبع نتيجة تضلُّعهم في الأدب القديم، وحسن الصنعة مِن مُمارسة الأدب الحديث، فصَفا ذوقهم وعاد مهذَّبًا لطيفًا سديدًا[4]، ويُمكننا أن نتحدث هنا عن اتجاهين أو نمطين رافَقا النقد العربي طيلة هذه الفترة: نمط كان لعلماء اللغة والأدب فيه الحظ الأوفر؛ حيث كان نقدهم يَرتبط أساسًا بمُراعاة تطبيق قواعد اللغة في الكلام، شعرًا كان أو نثْرًا، أو باستخدام الغريب الذي يَستهوي بعض اللغويين، مثل: الأصمعي، فكان هذا أساس الحكم على الشِّعر بالقَبول أو النفور، وسنرى كيف استفاد ابن العميد في كثير من نقداته من هذا المنهج، وهو منهج سيُوظِّفه تلميذه الصاحب كثيرًا في رسالته لنقد المتنبي. أما النمط الثاني فهو اتجاه يقوم على النقد نفسه، حاول أصحابه تعليل النصِّ الشعريِّ بمِقياس علميٍّ ونقديٍّ، لا يتعرَّضون فيه إلا للنقد وما يتصل به، باعتباره تارة صنعة، وتارة علمًا، وهذا النمط الثاني هو الذي سيرافق النقد ابتداءً من صحيفة بشر بن المعتمر (210هـ)، ثم تبدأ معالمه تتضح مع الجاحظ (255هـ) في كتابه "البيان والتبيُّن"، ومع النقادِ الذين سيأتون بعده. غير أن الناظر في العملية النقدية عبر مراحلِها التاريخيَّة يُدرك أن هذين النمطين مرتبطان أشد الارتباط، بل من الصعب الفصل بينهما إلا على أساس منهجي[5]. وظهور المتنبي على مسرح الشعر العربي أحدث دويًّا هائلاً، جعله محط أعين النقاد قبل الملوك والوزراء، فارتبط النقاد بمذهبه الفني، بين معترف له بالإبداع، وناكر له، ويجسد القاضي الجرجاني هذا الحال بقوله: "وما زلتُ أرى أهل الأدب - منذ ألحقتْني الرغبةُ بجملتهم، ووصلَت العنايةُ بيني وبينهم - في أبي الطيب أحمد بنِ الحسين المتنبي فئتين: من مُطنب في تقريظه، منقطع إليه بجملته، منحطٍّ في هواه بلسانه وقلبه، يلتقي مناقِبَه إذا ذُكِرت بالتعظيم، ويُشيع محاسنه إذا حُكيت بالتفخيم، ويُعجَب ويُعيد ويكرِّر، ويميل على من عابه بالزِّراية والتقصير، ويتناول من ينقصُه بالاستحقار والتجهيل، فإن عثر على بيت مختلِّ النظام، أو نبه على لفظ ناقص عن التمام، التزم من نُصرة خطئه وتحسين زلَله ما يُزيله عن موقف المعتذر، ويتجاوز به مقام المنتصر... وعائبٍ يروم إزالتَه عن رُتبته، فلم يسلِّم له فضله، ويحاول حطَّه عن منزلةٍ بوَّأه إياها أدبُه؛ فهو يَجتهدُ في إخفاء فضائله، وإظهار مَعايبه، وتتبُّع سقطاتِه، وإذاعة غَفلاته، وكلا الفريقين إما ظالمٌ له أو للأدب فيه"[6]. والصاحب بن عباد مثَّل هذا الفريق الثاني أحسن تمثيل؛ فكانت رسالته من الرسائل التي اعتنت ببيان مساوئ شعر المتنبي، والتهكُّم عليه، بل والسخرية منه أحيانًا، وترجع جلُّ المصادر الأدبية سبب تأليف الصاحب لهذه الرسالة إلى أن "الصاحب بن عباد طمع في زيارة المتنبي إياه بأصفهان، وإجرائه مجرى مقصوديه من رؤساء الزمان، وهو إذ ذاك شابٌّ، والحال حويلة، والبحر دجيلة، ولم يكن استُوزر بعد، فكتَب يُلاطفه في استدعائه، ويضمن له مشاطرته جميع ماله، فلم يُقِم له المتنبي وزنًا، ولم يُجبْه عن كتابه، وقيل: إن المتنبي قال لأصحابه: إن غُلَيمًا معطاءً بالريِّ يريد أن أزوره وأمدحه، ولا سبيل إلى ذلك، فصيَّره الصاحب غرضًا يَرشُقه بسهام الوقيعة، يتتبع عليه سقطاته في شِعره وهفواته، وينعى عليه سيئاته، وهو أعرف الناس بحسَناته، وأحفظهم وأكثرهم استعمالاً لها، وتمثلاً بها في محاضراته ومكاتباته"[7]. غير أن هذه الرسالة كثيرًا ما قُرئت قراءةَ عابرِ سبيل، وركزت معظمها على أنها رسالة في بيان سَرقات المتنبي، والقدح فيه، ولم تقف وقفة تأمُّل على ما تضمنته من إشارات لطيفة عن نقدات ابن العميد أستاذ الصاحب، وعن منهجه النقدي الذي جعله تلميذه الصاحب مسلكًا له في نقد بعض أبيات المتنبي، فهذه الرسالة تعدُّ وثيقة نقدية، ترسم لنا معالم النقد عند الكُتَّاب بصفة خاصة، وسنحاول بيان بعض ذلك فيما سيأتي. 2. موضوع الرسالة: 2. 1 - مكانة الكُتاب في نقد الشِّعر: يُحدِّثنا الصاحب في معرض انتقاده للمُتنبي عن بيئات متنوِّعة كانت سائدة في عصره، وكل واحدة منها تدَّعي العِلميَّة والتفوق في معرفة خبايا الشعر والأدب، فكان نقد الشِّعر صفة يدَّعيها العالم والجاهل على السواء، وكلٌّ له شاعر يَمدحه ويُعلي من شأنه، ويذمُّ غيره، أو يحطُّ من قدره، يقول: "وقد بُلينا بزمان، زمن يكاد المنسِم فيه يعلو الغارب، ومُنينا بأعيار أغمار اغترُّوا بمَمادح الجهال، ولا يضرعون لمن حلب العلم أفاويقه والدهر أشطره، لا سيما علم الشِّعر؛ فإنه فُويق الثريا، وهم دون الثرى، وقد يوهمون أنهم يعرفون، فإذا حكموا رأيت بهائم مُرسَلة، ونعائم مجفلة"[8]. وفي وسط تنوع هذه البيئات الثقافية ظهرت أحكام نقدية مختلفة، بعضها ينطلق من انطباعات خاصة، وصفَهم الصاحب بـ: "الجُهال"، وبعضها الآخر ينطلق من تعليلات تراعي جوانب اللغة ككلٍّ، من بلاغة ونحو وصرف وعَروض، وتَنطلق أساسًا مِن الشِّعر باعتباره علمًا وصناعة لها أهلها، وهذه الفئة الأخيرة هي التي خصَّها الصاحب بالمدح، وبصفة خاصة منها الكتَّاب؛ فهم في رأيه الحاذقون لهذه الصناعة؛ ولذلك جعل خير ممثل لها أستاذه ابن العميد؛ حيث يقول: "وهأنذا منذ عشرين سنة أجالس الكبراء، وأباحث العلماء، وأكاثر الأدباء، وأجاري الشعراء، بالجِبال تارة وبالعراق مرة أخرى، وآخذ من رواة محمد بن يزيد المبرد، وأكتب عن أصحاب أحمد بن يحيى ثعلَب، فما رأيتُ من يعرف الشعر حق معرفته، وينتقده نقد جهابذته، غير الأستاذ الرئيس أبي الفضل بن العميد"[9]، فالصاحب بن عباد يرى أن علم الشعر ونقدَه لا يتأتى إلا للكتاب؛ فقد يكون العالم حاذقًا بعلم اللغة وغريبها، أو بما يتصل بالأخبار والأنساب، أو علم النحو والإعراب، ولكنه يعجز عن بيان جيد الشعر من رديئه؛ ولهذا نجده يردف قوله بقول الجاحظ: "طلبتُ علم الشعر عند الأصمعيِّ فألفيتُه لا يعرف إلا غريبه، فرجعت إلى الأخفش فوجدته لا يُتقن إلا إعرابه، فعطفت على أبي عبيدة فرأيته لا ينقد إلا فيما اتَّصل بالأخبار، وتعلَّق بالأيام والأنساب، فلم أظفر بما أردت إلا عند أدباء الكتاب؛ كالحسن بن وهب، ومحمد بن عبدالملك الزيات"[10]، ثم يعلق على قول الجاحظ بقوله: "فلله أبو عثمان، لقد غاص على سرِّ الشعر، واستخرج أدق من السحر"[11]، فهؤلاء الكتاب قد يتزوَّدون بثقافة اللغة وما يتصل بها من أنساب وأخبار وغريب، ولكن تبقى هذه الثقافة اللغوية مجرد أدوات لا تكفي في تفهم النص؛ "ففهم النص الأدبي أو علم الشعر الحق يَنفرد بنفسه، وهو أقرب منالاً عند الكتاب"[12]. بعد هذا التقديم الذي حاول من خلاله الصاحب بن عباد حصر عملية النقد في اعتبارها عملية مرتبطة بفعل الكتابة والإنشاء، وأن الكتاب هم الأكثر موهبة من غيرهم فيها، ينتقل إلى ذكر مجموعات من الانتقادات الشعرية التي سمعها عن أستاذه ابن العميد، ويقدمها دليلاً على ما ذهب إليه في تفضيل الكتَّاب. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |