|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() مقاصد سورة الحج أحمد الجوهري عبد الجواد نور البيان في مقاصد سور القرآن "سلسلة منبريّة ألقاها فضيلة شيخنا الدكتور عبد البديع أبو هاشم رحمه الله، جمعتها ورتبتها وحققتها ونشرتها بإذن من نجله فضيلة الشيخ محمد عبد البديع أبو هاشم". (22) سورة الحج أحبتنا الكرام، أحبة القرآن، هذا هو لقاؤنا القرآني الذي نتعرف من خلاله على تفسير سور القرآن تفسيراً إجماليّاً نجمع فيه بفضل الله تعالى وتوفيقه أطراف السورة وما حولها من ظلال، وما فيها من عِبَرٍ عامة، لنتعرف عليها بهذا الشكل المجمل، أما السور ففيها آيات، وأما الآيات فتحمل عظاتٍ وعبر ودروساً نافعات، فبقي في كل سورة خيرٌ عظيم، بل الخير كله، فإننا في حديثنا هذا لا نقول كلّ شيء وإنما هو غيضٌ من فيض، وقطرةٌ من بحر فعجائب القرآن لا تنتهي، وما نتكلم في هذه الدروس إلا بحديثٍ عام مجمل عن السورة، أما تفاصيلها فذاك قولٌ يطول. نسأل الله تعالى أن يرزقنا من هذا كله ما ينفعنا وما يقربنا إليه، وما يرضِّيه عنا حتى نلقاه وهو راضٍ عنا غير غضبان. أيها المستمعون الكرام، لقاؤنا هذا مع سورة الحج، بعد سورة الأنبياء، وسورة الحج هكذا سماها الله تعالى كما سمى كل سورةٍ باسمها، فهذا هو الراجح أن الله تعالى هو الذي سمى سور قرآنه وأجزاء كلامه سبحانه وتعالى، سماها بالحج، والحج في لغة العرب التي أُنزل القرآن بها يعني القصد، حجّ فلانٌ إلى كذا إذا قصد إليه، حج فلانٌ إلى فلان إذا قصده وذهب إليه وأتاه[1]، لكنه في شرع الله تعالى صار هذا الاسم عنواناً على عبادة معينة من العبادات، القصد إلى جهةٌ معينة وهي البيت الحرام بمكة المكرمة وما حولها من أرض النسك، بنسكٍ مخصوص وأعمالٍ معينة[2] شرعها لنا ربنا وبينها لنا نبينا صلى الله عليه وسلم حين قال: "خذوا عني مناسككم فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا"[3]. إنما القصد هو المعنى اللغوي لكلمة الحج، وهو المعنى العام لهذه الكلمة، وهذا له ظلاله على السورة كما سيتبين إن شاء الله، وليست لها أسماء أخرى[4]، وورد في فضل هذه السورة وخصوصياتها ما رواه أبو داود والترمذي رحمهما الله تعالى عن عقبة بن عامرٍ رضي الله تعالى عنه، قال: قلت: يا رسول الله، أفُضِّلت سورة الحج على سائر القرآن بسجدتين؟ قال عليه الصلاة والسلام: نعم[5]، ففي بعض سور القرآن ترد سجدة تلاوة، وهي الآية التي فيها أمرٌ أو ذكرٌ للسجود ويسجد عندها القارئ من باب السنة والتطوع، يسجد إن شاء، وإن لم يسجد فلا حرج عليه، وإن سجد فله ثوابٌ على سجدته هذه وتسمى سجدة تلاوة، وهي سجدةٌ واحدةٌ قد لا يُكبِّر فيها أو يكبر ولا تسليم منها ولا ركوع فيها ولا قراءة إنما سجودٌ ودعاء[6]، ويقال فيها مثلما يقال في السجود الذي في الصلاة من التسبيح والدعاء، سبحان ربي الأعلى ويدعو بما شاء[7]. سورة الحج سورةٌ فازت بسجدتين من هذه السجدات، وكان هذا من فضلها، ونوَّه بعض العلماء على فضل هذه السورة بأنها نزلت في كل الأحوال، نزلت منها آياتٌ بالليل وآياتٌ بالنهار، آياتٌ في السفر وآياتٌ في الحضر والإقامة، نزلت منها آياتٌ في السِلم، ونزلت منها آيات أثناء الحرب، نزلت منها آياتٌ محكمة، ومنها آياتٌ متشابهة، نزلت منها آياتٌ نُسخت وآياتٌ لم تنسخ، فجاءت على كل الأحوال[8]. أما نزول هذه السورة، زمان ومكان النزول، فإنها اشتبهت على العلماء بما فيها وفي بدايتها خاصة من نداء الله تعالى بقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ﴾، وهذا النداء غلب وكثر في مكة قبل الهجرة، أما بعد الهجرة فكان النداء غالباً: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾، فقالوا: هي مكية، وكذلك لما في أولها من ذكر القيامة والتهديد بها ومن التذكير ببداية خلق الإنسان ومراحله، ومن الحديث عن البعث، ومن التهديد بمصائر الأمم السابقة، قالوا: لذلك فهي مكية، والبعض نظر إلى ما فيها من الإذن بالقتال ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ﴾، قالوا: إذاً هذا السورة مدنية؛ لأن القتال لم يُشرع إلا في المدينة، وفيها كذلك حديثٌ عن الحجّ، حديثٌ شبه طويل، شبه مفصّل، بادئاً بذكر تحديد مكان البيت لإبراهيم ليبنيه ويرفع قواعده، ثم بأذان إبراهيم عليه السلام في الناس طاعةً لأمر الله، يؤذن فيهم بالحج، ثم بعض الأحكام المتعلقة بالحج، والحج لم يُفرض إلا بعد الهجرة فقال: بعض العلماء إنما هي سورةٌ مدنية، فاختلفوا فيها، ورأيٌ جمع بين الرأيين وقسم السورة نصفين فقال: نزل بعضها في مكة قبل الهجرة في أواخر العهد المكي، ونزل بعضها الآخر في أوائل العهد المدني، وهذا قولٌ حسنٌ يجمع بين الرأيين ويضع كل آية في مكانها وفي زمانها، جزى الله العلماء عنا في هذا البيان خيراً، فسورة الحج منها ما هو مكيٌ ومنها ما هو مدني، وهذا يضاف إلى خصائصها – كما سبق القول –[9]. مسيرة هذه السورة وسياقها بدأها الله تعالى واستفتحها كما اختتمها بحديثٍ يشير إلى عظمة الله تبارك وتعالى، إلا أنه في بدايتها نبَّه على عظمته سبحانه وتعالى في الدار الآخرة التي يُكذِّب بها المجرمون، فيقول سبحانه: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ﴾ ومن الذي يحدث الساعة ويزلزل الأرض والدنيا؟ إنه الله سبحانه وتعالى، هذه آثار قدرته في الدنيا والآخرة ﴿ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا ﴾ أي من الهول والفزع ﴿ وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾، شدة عذاب المولى سبحانه وتعالى أسقطت الحوامل وأذهلت المرضعات عن أولادهن حتى سقط الولد من بين يدي ومن على ثدي أمه، لم تحمله ولم تشعر بسقوطه، وانفصل الحمل عن الرحم، فقد سابت كل العضلات في الجسم فانفتحت فتحة الرحم ونزل ما فيه من حمل، هذا من الهول، وتنظر إلى الأحياء أمامك تجدهم كأنهم سكارى مشدوهين، أعينهم شاخصة، أبصارهم متطلعة، وجوههم خائفة مذهولة، قلوبهم واجفة، أبصارها خاشعة.. وهكذا، الويل قد طمَّهم وعمَّهم كأنهم سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد، إلى آخر هذا الحديث الذي يبين عظمة الله تعالى إلى أن يقول ﴿ وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ ﴾. ثم تمضي الآيات لمجادلة هذا الإنسان المجادل ومحاورته وبيان الحق له، فإن كثيراً من الناس من يجادلون ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ *كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ ﴾ والإنسان يتبعه، وهذا قَدَر الشيطان الذي قدَّره الله عليه وجزاء ضلاله، كتب الله عنده أن من يتبع الشيطان فإنه يضل ويوم أن يهتدي يهتدي إلى عذاب السعير والعياذ بالله ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ * ثَانِيَ عِطْفِهِ ﴾ العِطْف هو العنق، يلوي رقبته إلى ناحيةٍ هكذا من باب الكِبْر والغطرسة، وكأنه صاحب حق ﴿ ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ هذا حالٌ من الناس، ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾. وهكذا الناس حالهم عجيب مع ربهم، فالله يبين لهم ويوضح لهم، إلى أن يبين لهم مصارعهم في الآخرة ﴿ هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ *يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ * كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴾، أما المؤمنون ففي الجنة ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ *وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ ﴾، إلى أن يبين الله تعالى للناس الكافرين مصارع الأمم الغابرة السابقة، وفي هذا الحديث مواساةٌ للنبي صلى الله عليه وسلم في هذا المُصاب العظيم الذي أتعبه وأحزنه وهو أن قومه كذبوا به، وكان يتمنى لهم الإيمان والجنة والخير، فيقول الله تعالى ﴿ وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ ﴾ إلى أن يقول ﴿ فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ﴾ أهلكها الله تعالى بعد أن ظلمت، فما ترك منها إلا آثار، فتلك بئرٌ معطلة لا يردها أحد، ولا يأخذ من ماءها أحد حتى ركن الماء فيها وأسن وصار متغيراً طعماً ولوناً ورائحةً، فالديَّارون هنا والسكان ذهبوا وهلكوا فبقيت البئر معطلةً، وذاك قصرٌ مشيد وليس فيه أحد، أما أهله وسكانه فذهبوا وأهلكهم الله تعالى ولم تنفعهم حضاراتهم في شيء، ومن الأمم من أجَّلها الله تعالى ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا ﴾ أمليت أي أخرت لها، مددت لها في العمر، أخرت عذابها وهلاكها ﴿ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾، لكن الكل هلك في النهاية بذنبه، وأخذه الله تعالى بجرمه، فاتقوا الله يا كفار هذه الأمة فلستم بخيرٍ من أولئكم، وليست لكم براءةٌ في كتابٍ سابق. ثم تمضي الآيات بعد ذكر كفار مكة حيث أشار الله إليهم بأنهم يصدون عن المسجد الحرام يتواصل الحديث عن البيت الحرام، وأن إبراهيم الذي بناه عليه سلام الله لم يختر مكانه بنفسه، وإنما هذا بيت الله، الله تعالى هو الذي أذن ببنائه وبُني قديماً بأيدي الملائكة، ثم تهدم بناؤه بفعل السيول والأمطار وما إلى ذلك، إلى أن جاء سيدنا إبراهيم عليه السلام فدلَّ الله نبيه إبراهيم على أماكن قواعد البيت، وهذه السورة هي التي تحدد هذه المعلومة ﴿ وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ ﴾ بوأنا أظهرنا وحددنا لإبراهيم مكان البيت، وفي سورة البقرة ما يشير إلى هذا لكن ليس تصريحاً كهذه الآية ﴿ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ ﴾ فالقواعد موجودة ولكنها كانت ضائعة المعالم، فأظهرها الله لإبراهيم وأمره برفعها، فهي موجودةٌ من قبل إبراهيم، وكأن الله أنشأ هذا الكون وجعل لنفسه فيه بيتاً ليحج الناس إليه وليتجه الناس إليه، وليوحده الخلق من دون غيره، ولذلك في هذه الآية عجب ﴿ وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا ﴾ سبحان الله، كنا ننتظر أن يقال في غير القرآن وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت أن ارفع قواعد البيت، وشيد البيت تشييداً عظيماً وعظموا البيت، وفي النهاية ألا تُشرك بي شيئا، لكن الله يختصر هذه المسافات الكلامية ليظهر لنا أن مقصوده من اتخاذ بيتٍ أن يُعبد وحده لا شريك له، فكأن الغاية والهدف من تحديد أماكن قواعد البيت لإبراهيم عليهم السلام ليرفعها، الهدف الأساس في ذلك ألا تُشرك بي شيئا، هذا هو المقصود. وبُني البيت، وذكر الله بعض أحكام الحج وأعماله في هذه السورة بعد أن أعلن أنه قال لإبراهيم ﴿ وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴾، ثم ذكر الله تعالى بعض الأحكام ومنها وأهمها أحكام البُدْن، والبُدن هي الأنعام التي يسوقها الحجاج معهم هدية للبيت الحرام، أو كفارةً عن شيء فعلوه في الحج، فإنه يذبح هدياً ﴿ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ﴾، فإما أن يذبح هدياً واجباً عليه، وإما أن يذبح هدياً إهداءً للبيت الحرام تعظيماً للبيت، إذاً القصد لله والعبادة لله والذبح أيضاً لا يكون إلا لله، فالذبح لغير الله حرامٌ وشرك، من أعد ذبيحةً لغير الله فقد أشرك مع الله تبارك وتعالى. وهكذا تمضي السورة إلى بيان ضلال الإنسان، مع أنه يسجد لله كل شيء، ويخضع لله كل شيء بالعبادة، ولا تعبد الخلائق أحداً غير الله، كل الخلائق تسير في صفٍ واحد، أو في طابورٍ واحد، تسير في فلكٍ واحد هو فلك توحيد الإله الواحد سبحانه وتعالى، لا يشذ ولا يضل عن هذا الفلك وعن هذا الركب المبارك إلا الإنسان المجادل ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ ﴾، شذّوا ﴿ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ ﴾، هكذا يشير الله تعالى إلى الإنسان أن منظومة الكون كلها إنما تسير في فلكٍ واحد وفي حركة متناسقةٍ مع بعضها لا تصطدم أبداً إلى الأبد، أما حركتك أيها الإنسان الكافر فهي الحركة الوحيدة التي تصطدم مع ثوابت الكون، ومع متغيرات الكون، ولا تتوافق مع شيء، فهي حركةٌ مفسدة، حين يدور ترسٌ في ماكينة عكس حركة التروس كلها تفسد الماكينة كلها، ومر بنا في سورة مريم ﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا *لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا ﴾، هم في الأرض يقولون هذا الكلام الباطل، هذا الكلام الآثم وأثره يمتد إلى السماء، ويتعمق إلى عمق الأرض، ويصعد إلى الجبال، ليهدم الكون من حولهم عليهم وعلى غيرهم ﴿ تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا *أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا ﴾ لأنهم داروا دورةً معكوسة، تحركوا حركةً مضادةً لحركة المخلوقات كلها، ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ ﴾ أليس هذا شيئاً عجيباً، أليس هذا شيئاً جميلاً يثير الدهشة في النفس، كل هذه المخلوقات التي ترونها والتي لا ترونها تسير حركةٌ واحدة في اتجاه واحد متناسق ﴿ لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾ سبحاً منتظماً، إلا الإنسان هو الذي يسبح عكس التيار، ﴿ ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثيرٌ من الناس ﴾ من أمثالكم يا كفار هذه الأمة، أمثالكم من البشر كثيرون يسبحون مع المسبحين، يدورون مع دورة الكون المنتظمة المتسقة، فلماذا أنتم تخالفون؟ ﴿ وكثيرٌ حق عليه العذاب ومن يهن الله فما له من مكرم ﴾. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |