مقاصد سورة طه - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 869 - عددالزوار : 119332 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4936 - عددالزوار : 2024329 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4511 - عددالزوار : 1301578 )           »          شرح كتاب الحج من صحيح مسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 56 - عددالزوار : 40262 )           »          التكبير لسجود التلاوة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 51 )           »          زكاة التمر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 35 )           »          صيام التطوع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          كيف تترك التدخين؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          حين تربت الآيات على القلوب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 44 )           »          تفسير القرآن الكريم ***متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3096 - عددالزوار : 367139 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 16-01-2021, 01:16 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,245
الدولة : Egypt
افتراضي مقاصد سورة طه

مقاصد سورة طه
أحمد الجوهري عبد الجواد





نور البيان في مقاصد سور القرآن








"سلسلة منبريّة ألقاها فضيلة شيخنا الدكتور عبد البديع أبو هاشم رحمه الله، جمعتها ورتبتها وحققتها ونشرتها بإذن من نجله فضيلة الشيخ محمد عبد البديع أبو هاشم".











(20) سورة طه



الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه وتعالى ونستعينه ونستهديه ونتوب إليه ونستغفره، ونعوذ به سبحانه من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ولن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، قال في الحديث الصحيح "أنا محمد وأحمد، والحاشر يُحشر الناس على قدمي يوم القيامة، والماحي يمحو الله بي الكفر، والعاقب"[1]، وفي رواية "والعاقب فلا نبي بعدي"[2]، نشهد أنه بلغ الرسالة وأدى الأمانة، ونصح للأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهادٍ حتى أتاه اليقين، فصلوات ربنا وتسليماته على هذا نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه وتمسك بسنته إلى يوم الدين.







أما بعد:



أيها الأحبَّة الكرام، هذا كتاب الله بين أيدينا نتصفحه سورة سورة لنتعرف على سور القرآن وعلى تفسيرها المجمل، عسى أن يكون ذلك في ميزان حسناتنا وحجةً لنا لا علينا ودافعاً لنا إلى الخيرات والفضائل والطيبات.







ومعنا سورة طه وهي سورةٌ سُميت بهذا الاسم من قبل المولى سبحانه وتعالى، فسميت بأول ما فيها ﴿ طه *مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ﴾، وطه حرفان من حروف الهجاء هما حرف الطاء وحرف الهاء، وليست اسماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم[3]، وإنما تعني في بعض اللغات وقد حوت لغة العرب عدة لغاتٍ وعدة لهجات ونزل القرآن مُعجزاً للعرب في لغتهم فاحتوى على مثل ذلك من الكلمات التي استعملها العرب في لغتهم وإن كانت من لغاتٍ أخرى، فكلمة طه في بعض اللغات الأخرى واستعملتها العربية معناها يا رجل أو يا إنسان[4]، وقيل: لما كلَّم الله موسى بالنبوة أول مرة – كما جاء في السورة – وكان ذلك ليلاً وموسى يعاني من وحشة الطريق وقلة الأنيس فناداه ربه فجأة فبلغ منه الخوف أن وقف على أطراف قدميه، فقال الله له: طه يعني طأ الأرض بأقدامك، قف على قدميك واطمئن ولا تخف[5]، طه فعل أمرٍ بمعنى الوطء والعلو والثبات على الشيء، ولذلك سميت الركوبة مطية من وطئها صاحبها إلى ركب عليها، فـ"طه" بمعنى طأ الأرض بقدميك واثبت عليهما واطمئن ولا تخف ﴿ إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى .







وبعض العلماء حينما نظر في هذه السورة فوجد حديثاً طويلاً لموسى عليه السلام، ومُجملاً كاملاً لقصته وحياته كنبي مع فرعون اللعين، ثم مع بني إسرائيل بكفرهم وجحودهم وعنادهم، قال: هذه سورة الكليم[6]، وبعضهم سماها سورة موسى[7]، والكليم هو موسى عليه السلام.







هذا عن اسم السورة، فكلمة طه ليست من أسماء الرسول صلى الله عليه وسلم كما يفهم البعض، إنما الحديث في ذلك ضعَّفه أهل الحديث وهم أصحاب وأرباب هذا الفن يُؤخذ بقولهم في ذلك، ولم يعرف اسم طه على ألسنة الصحابة ولا التابعين رضوان الله عليهم أجمعين[8]، وهي سورةٌ مكيةٌ نزلت قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم[9]، وكان نزولها - كما حقق العلماء ذلك - في أواخر السنة الرابعة وأوائل السنة الخامسة من البعثة[10]، بعد أن بُعث النبي صلى الله عليه وسلم بأربع سنوات أو بخمس سنوات، في هذه الحدود نزلت سورة طه، وبالتالي فهي سورةٌ مكيةٌ كما عرفتم بارك الله فيكم ونفعني وإياكم بالعلم، السور المكية كلها ركزت على أركان العقيدة المهمة، التعريف بالله تبارك وتعالى، التأكيد على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، إثبات أن القرآن والرسالة النبوية من عند الله سبحانه وليست افتراءً ولا كذباً، وأن يوم القيامة حق.







فإن من جمع هذه الأركان جمعاً صحيحاً صحت عقيدته وسلمت، وهذا أهم ما في العقيدة، وهي الأركان الأربعة التي بنى الله عليها العقيدة في العهد المكي، غير أن كل سورةٍ تعرض هذه الأركان بطريقةٍ وبشكلٍ يختلف عن السورة الأخرى، وذلك إنما يدل على براعة المتكلم واقتداره وتمكنه، من يستطيع أن يعبر عن الشيء الواحد بصور مختلفة وبأشكال متعددة وبأساليب كثيرة فهذا اقتدارٌ في التكلم، ولا أصدق من الله قيلًا، فهذا هو الله يتكلم، يتكلم بهذا القرآن فلا عجب وهو الإله الحق، وهو الخلاق، وهو القدير، لا عجب أن يعبر عن الشيء الواحد بهذه الأشكال المختلفة، لا تجد سورةً مثل سورة وإن كانت كلها سوراً مكية نزلت في الزمان المكي، وتجد لكل سورة طعماً ولذة فوق أن لها شكلاً مخالفاً للسورة الأخرى، ورغم ما بين السور المكية من اشتراك في الموضوع واتحاد في الهدف لكن كل سورة لها طابعٌ خاص.







سورتنا هذه عرضت الموضوع المذكور من خلال البداية حيث نبَّه الله تبارك وتعالى أولاً على الهدف من إنزال القرآن الكريم، والجهة التي نزل منها القرآن ﴿ مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى * تَنزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ الْعُلى * الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى * لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى * وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾، فلم ينزل القرآن ليشقى به الناس، إذاً أُنزل ليسعد به الناس، وليُسد الله به الخلق تذكرةً للناس يتذكرون بها فيسعدون في الدنيا والآخرة، فهذا القرآن تنزيلٌ من عند الله تبارك وتعالى الجامع لهذه الأوصاف من أوصاف الكمال العظيمة والجلال العظيم الذي لم يكن إلا لله الواحد الذي له الأسماء الحسنى.







ثم عرض الله تعالى هذا المنهج – منهج السعادة – وكيف أنه من أعرض عنه عاش حياةً ضنكاً وضائقةً وتعيسةً تنتهي بالشر والسوء، عرض الله ذلك من خلال آخر رسالةٍ قبلنا رسالة سيدنا موسى عليه السلام، وكما عرفنا رسالة موسى هي آخر الرسالات قبل رسالة القرآن، وما كان عيسى إلا متمماً لرسالة موسى فالأصل في هذه الرسالة – رسالة أهل الكتاب أو بني إسرائيل – هو موسى عليه السلام بما جاء به من التوراة، ثم جاء عيسى مكملاً لما حرم الله منه اليهود من التوراة، حرمهم من لوح المواعظ فبعث به عيسى عليه السلام عند النصارى، وكلهم واحد أمةٌ واحدة.







فذكَّرنا الله تعالى بآخر رسالة، وكيف أن موسى لما واجه فرعون بهذا المنهج ليسعد في حياته سعادةً حقيقية أعرض وكذَّب وعصى رغم ما رأى من الآيات الكبرى فانتهى أمره إلى الغرق والهلاك ﴿ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ .







ثم ذكر الله تعالى حال موسى أيضاً مع بني إسرائيل بعد أن تجاوز بهم البحر، فقد انتهى بهم إعراضهم عن منهج الله مع موسى عليه السلام، انتهى بهم ذلك إلى حالةٍ جعلتهم تحت حوافر البهائم والأنعام، مقامهم هكذا، يخرون سجداً لعجلٍ صنم، لعجلٍ جسد لا روح فيه، عبدوا العجل من دون الله، ليتهم عبدوا شيئاً كبيراً، شيئاً عظيماً، شيئاً له قيمة، أما أن يخر الإنسان ساجداً تحت حوافر عجلٍ بهيمٍ فهذا من سوء الارتكاس وهذا من سوء العاقبة نعوذ بالله منها.







ثم بعد ذلك عرض الله تعالى على هذه الأمة صورةً مهيبةً مرعبة من يوم القيامة وما يكون فيها من أحداثٍ وأهوال حين ينسف الله الجبال نسفا فيزرها قاعاً صفصفا لا ترى فيها عوجاً ولا أمتا، حين ينسق الناس وراء من يدعوهم لا يملكون اختياراً ولا تمنّعاً كما كانوا يعاندون في الدنيا، يوم القيامة يدعوهم داعيهم فينساقون كالأنعام وراءه، إلا أن يلقى مصيرهم عند الله عز وجل، يوم أن تخشع الأصوات كلها للرحمن فلا تسمع إلا همساً، وتعنوا الوجوه للرحمن ولا يظلم الله أحداً، وهكذا موقف في منتهى المهابة.







ثم يعرض الله تعالى ويذكِّر هذه الأمة الخاتمة بأول درسٍ في الدنيا، لكل الأمم ولكل البشرية، ذلكم الدرس الذي طبقه الله على آدم عليه السلام حين أسكنه الجنة وعلمه أن الجنة كلها حلال إلا هذه الشجرة، فأنت يا إنسان يا بني آدم أنتم في الدنيا بين الحلال والحرام مختبرون، سعادتكم أن تأخذوا الحلال الواسع الكثير وأن تتركوا الحرام القليل، من سلك هذا الطريق نجى ومن وقع في الحرام فقد منع نفسه من الخير، عكر سعادة حياته، ولا يكون ذلك في الإنسان إلا بإغواء من الشيطان كما فعل إبليس ووسوس لآدم.







ثم ذكَّر الله بالقانون الذي قننه بعد هذه القصة حيث كانت في كل موضعٍ من مواضعها يذكِّر الله تعالى بها، فيقول ﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فإما في أي وقت، في أي مكان، يأتيكم مني هدىً ورسالة فاتبعوها، خذوا بها، اعتصموا بها، ﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾، فهذا مصير من اتبع وذاك مصير من تكبر وترفَّع.







وتنتهي السورة بربط آخرها بأولها، وهذا هو هدف السورة، بعد هذا العرض الجميل وهذه الموضوعات نجد في أول السورة، آياتٍ تعلن أن منهج السعادة في القرآن، وحين نقول القرآن فلنعلم أنه القرآن والسنة، والسنة شارحةً للقرآن لازمةٌ له ذُكرت أم لم تُذكر فهي معتبرةٌ في الأذهان لصيقةٌ بالقرآن، فمنهج السعادة في ذلك القرآن بما يشرحه من السنة ويبيِّنه.







﴿ مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى يا رجل، يا إنسان، أيتها الإنسانية، أيتها البشرية في كل مكانٍ في كل زمان، ﴿ مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلا ﴾ أي ما أنزلناه إلا ﴿ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى لمقدر عواقب الأمور وقيمتها.







وفي آخر السورة الله تبارك وتعالى يعطي مثل المنهج التطبيق، كيف نسعد بالقرآن، كيف نسعد بالقرآن الكريم في حياتنا الدنيا ونوفر سعادةً للآخرة، يقول تعالى ﴿ فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى * وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى * وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾، ثلاث آيات جامعات، من تبعها سعد في دنياه وأخراه، ﴿ فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ يعني لا يصرفك إيذاء الكفار عن التمسك بدينك، مهما آذوك، مهما قالوا عنك أو عن دينك، أو عن قرآنك، أو عن نبيك صلى الله عليه وسلم، أو حتى عن ربك، فلا تصدقهم في شيء فهم أعدائك، هم أتباع الشيطان في حياتك اصبر على ما يقولون، تصبَّر واثبت على دينك، وانشغل بالتسبيح والتسبيح خضوعٌ لله تعالى وذكرٌ لله تعالى وطاعةٌ لله تعالى، يطلق التسبيح على كل ذلك وعلى غيره من تعظيم الله عز وجل وتنزيهه، ﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فطلوع الشمس أول النهار وقبل غروبها أول الليل، وفي اللغة العربية يطلق الجزء ويراد الكل، فذكر الله أول النهار وأراد النهار كله أي وسبح بحمد ربك طول النهار، وقبل غروبها أي طول الليل، وخاصةً هذين الوقتين، لو نسيت طول النهار فلا تنس أوله، ولو نسيت طول الليل ونمت فلا تنس أوله، سبح بحمد ربك أول الليل وأول النهار خاصة وطول الليل وطول النهار بشكل عام، ﴿ وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ أي من أطرافه فسبح أيضاً ﴿ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى ، أثناء الليل وأطراف النهار سبح أيضاً فيها لله، إذاً أمر الله بالتسبيح في هذين الوقتين وبالليل والنهار عموماً، وكانت للنبي صلى الله عليه وسلم أذكارٌ في الصباح وأذكارٌ في المساء وأذكارٌ في اليوم والليلة اسمها أذكار الأحوال، ويسميها البعض ذكر اليوم والليلة[11]، في كل حالٍ يتحول إليها يسبح الله بتسبيح ويذكر الله تعالى بذكر، إذا دخل بيته أو خرج، دخل الخلاء أو خرج، دخل المسجد أو خرج، لبس ملابسه أو خلعها.. وهكذا، إذا تعب، إذا نزل، كل ذلك كان فيه ذكرٌ لله تعالى، فكان عليه الصلاة والسلام يذكر الله على كل أحواله، ووصف الله المؤمنين أولي الألباب بقوله: ﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وهذه كل أحوال الإنسان فليست له حالةٌ رابعة، إما أنه قائم، وإما أنه قاعد، وإما أنه راقد، وليست هناك حالةٌ رابعة فوق ذلك، فكأن المؤمنون أيضاً من أوصافهم الجميلة التي أثنى الله تعالى عليهم بها أنهم يذكرون الله تعالى في جميع أحوالهم.







ثم يبيِّن الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم ولكل إنسان من وراءه، طه، يا رجل، يا إنسان، بدءاً بأشرف الإنسانية وانتهاءً بآخر هذه الأمة، يقول الله ﴿ وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ، لا تمدن عينيك لا تنظر نظرة إعجابٍ وانبهار بما متعنى به أزواجاً أي أصنافاً منهم – من الكافرين – تغريك حياة الكافرين، نظيفة جداً ما شاء الله، منتظمة، عندهم كذا، فيهم كذا، لهم كذا، لا تغتر بهذا، لا تغريك تلك الحياة، إنهم يتقلبون في الأموال، أثرياء جداً، عندهم أموال كثيرة، عندهم كذا، لا يغريك هذا ﴿ وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ أي أصنافاً منهم، لماذا؟ لأن هذا كله ذلك الذي بين أيديهم ﴿ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا زهرة، وتعلمون أن لشجرة لها زهرةٌ ولها ثمرة، والزهرة قد تنتج من بعدها ثمرة وقد تسقط مع الرياح فلا تثمر الشجرة، والزهرة أياً كانت فهي كالوردة الصغيرة تتفتح ابتهاجاً بقدوم الثمرة ثم سرعان ما تنطفئ، سرعان ما يذهب ريحها وسرعان ما تتساقط أوراقها، ولاحظوا هذا في الأشجار، الزهرة غير الثمرة فكأنما في أيديهم هذا متاعٌ قليل، متاعٌ عاجل يذهب من أيديهم بسرعة كسرعة ذهاب الزهرة من شجرتها، ولكن أن تتابع هذا في أي شجرة مزهرة، وأقرب ما نراه اليوم، زهرة الليمون والأشجار تزهر في هذه الأيام، فمن كان في جواره شجرة مزهرة فلينظر في زهرتها كم تدوم، وكم تبقى؟ لا بقاء لها، ﴿ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا .







ثم رغم أنها زهرةٌ عاجلة إلا أنهم مسئولون عنها ومختبرون فيها ﴿ لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ، ولو يعلم صاحب المال كم يسأل عن ماله يتمنى أن يأخذ الله ماله ولا يترك له إلا حد الكفاف، فهو سيسأل عن كل هذا، ونعم المال الصالح للرجل الصالح أما أن يكون مالٌ مع كافر فيا ويله من ماله، وتكفي تلك الحسرة حين يفاجأ يوم القيامة بأنه أخذ كتابه بشماله فينادي ﴿ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ ﴾ كان له مال كثير ولكنه أين الآن؟ ذهب، تركه حين مات ولم يستعده ولم يسترجعه حين بُعث، فقده في أعز أوقات الحاجة إليه كسندٍ وقوت لم يجده، ﴿ مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ ﴾ فيقول الله تعالى ﴿ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ﴾.







ما أشد حسرته عند هذا الموقف وقبله كذلك، ﴿ لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ يا محمد عليه الصلاة والسلام يا نبي الله، ورزق ربك يا كل إنسان في هذه الأمة، ورزق ربك يا طه، ليس النبي عليه الصلاة والسلام فقط إنما كل رجل، لا تصلّ على طه وإنما صل على رسول الله عليه الصلاة والسلام، فقد تعودنا على هذا خطأً ولا ندري من طه، إنما هي كلمةٌ تعني رجل، رزق ربك لك في هذا السياق في سورة طه ألا وهو القرآن ﴿ مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ، ألا وهو منهج الله عز وجل في هذه الحياة، هذا الرزق ﴿ ورزق ربك خيرٌ وأبقى ﴾، وقال الله تعالى في آيةٍ أخرى ﴿ قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خيرٌ مما يجمعون هو أي القرآن، قال المفسرون: المقصود بهذه الآية القرآن[12]، افرحوا بالقرآن أن الله أنزل عليكم قرآناً، وأن الله فصَّل لكم كتاباً، وأن الله بلغكم رسالة، افرحوا بهذا جيداً فهو خيرٌ مما يجمع الناس من ذهب الدنيا وفضتها وزخرفها مهما كان.


يتبع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 132.63 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 130.91 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.29%)]