مقاصد سورة هود - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4936 - عددالزوار : 2024127 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4511 - عددالزوار : 1301394 )           »          تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 859 - عددالزوار : 118929 )           »          شرح كتاب الحج من صحيح مسلم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 56 - عددالزوار : 40216 )           »          التكبير لسجود التلاوة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 42 )           »          زكاة التمر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          صيام التطوع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 27 )           »          كيف تترك التدخين؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 34 )           »          حين تربت الآيات على القلوب (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 33 )           »          تفسير القرآن الكريم ***متجدد إن شاء الله (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 3096 - عددالزوار : 367038 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 10-01-2021, 04:42 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,235
الدولة : Egypt
افتراضي مقاصد سورة هود

مقاصد سورة هود
أحمد الجوهري عبد الجواد







نور البيان في مقاصد سور القرآن








"سلسلة منبريّة ألقاها فضيلة شيخنا الدكتور عبد البديع أبو هاشم رحمه الله، جمعتها ورتبتها وحققتها ونشرتها بإذن من نجله فضيلة الشيخ محمد عبد البديع أبو هاشم".











(11) سورة هود



الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه وتعالى ونستعينه ونستهديه ونتوب إليه ونستغفره، ونعوذ به سبحانه من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، فإنه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ولن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ينصر دينه، ويُعز جنده، وله في خلقه وفي قدره شئون، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله وصفوته من خلقه وخليله، بلغ رسالة ربه، وأدى أمانته، ونصح لأمته، وكشفت الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فصلوات ربنا وتسليماته على نبينا وقدوتنا وأسوتنا سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.







أما بعد:



أيها الإخوة المسلمون الكرام، فاليوم موعدنا مع سورة هود، وهي السورة التالية لسورة يونس، والتي تسبق سورة يوسف، ثلاثة أنبياء يلي ذكر بعضهم بعضًا، عنواناً على هذه السور الثلاث المتتابعة، ونتعرف على السورة من خلال اسمها فهذا هو اسمها على اسم نبي الله هودٍ عليه السلام، وهذه التسمية إنما هي من عند الله، سمى الله السورة هكذا منذ أن أنزلها وبقي عليها اسمها إلى الآن وإلى أن تقوم الساعة، ومعنى كلمة هود هي اسمٌ من هاد يهود إذا عاد ورجع[1]، كما جاء في قول الله تعالى ﴿ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ﴾ [الأعراف: 156] أي عدنا إليك، وتبنا إليك[2]، وكما هو معروفٌ هو اسمٌ لنبيّ من أنبياء الله وهو الذي بعثه الله إلى قوم عاد إرم، كما قال ربنا: ﴿ وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا ﴾ [هود: 50]، ولكن وضع هذا الاسم وهو لنبيٍّ سابق عنواناً على هذه السورة وفيها ذكر هودٍ ونوحٍ وصالح ولوط وإبراهيم وموسى وغيرهم من الأنبياء، سيدنا شعيب عليهم جميعاً وعلى نبينا الصلاة والسلام، اختيار هذا الاسم بالذات ليكون عنوانًا على السورة له دلالة وله حكمة، وهذه السورة لها فضلٌ عظيمٌ من خلال القرآن الكريم، فهي من كلام الله وهي وحدها معجزةٌ من المعجزات القرآنية، كما قال ربنا: ﴿ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ﴾ [البقرة: 23] فلم يستطيعوا أن يأتوا بمثل سورة من سور القرآن ولا سورة هود، ومن قرأها كمن قرأ غيرها من القرآن له بكل حرف حسنة والحسنة بعشر أمثالها، فالقرآن كله له أفضالٌ عظيمة وفضائل كريمة، هذه السورة نجملها في ثلاث نقاط، وتنقسم إلى ثلاثة أجزاء، حين تقرأها أخي الكريم تجد أربعاً وعشرين آيةً منها ومن أولها تتحدث عن ركائز العقيدة الإسلامية، تقرير أن القرآن حق مُنزَّل من عند الله، كتابٌ حكيم، تقرير أن النبي صلى الله عليه وسلم مُرسلٌ من عند الله فعلاً ونبي الله حقاً، لم يكذب ولم يفتر، وإنما هو رسول صدقٍ ونبي حق، فيها تقريرٌ كذلك بربوبية الله وألوهيته، هو الذي ربى الجميع بنعمه وبالتالي وجبت له ألوهيته، وينبغي أن تنصرف عبادة الخلق إليه، جزاءً على ذلك، كما أن في أولها أيضاً تذكيرٌ بيوم القيامة الذي فيه يقف الناس أمام رب العالمين سبحانه وتعالى، ويُرجعون إليه فينبئهم بما عملوا ويعرض عليهم أعمالهم، ويصرف بعضهم إلى الجنة، جعلنا الله في مقدمتهم، ويصرف الآخرين إلى النار وبئس القرار.







والجزء الثاني منها وهو جزءٌ طويل من الآية الخامسة والعشرين وإلى الآية الخامسة عشرةً تقريباً بعد المائة، ما يقارب مائة آية تعرض حركة العقيدة الإسلامية في أجيال البشرية، من خلال قصص الأمم السابقة مع أنبيائها ورسالة ربها، كيف فعلت، وماذا جرى بين النبي وبين أمته، وكيف انتهى أمر الأمة، وكيف فعل الله بالكافرين؟ عِبَر وعظات وتثبيتٌ لقلب وفؤاد النبي صلى الله عليه وسلم، كما قال ربنا: ﴿ وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾ [هود: 120]، تثبيتٌ لقلب النبي عليه الصلاة والسلام حينما يرى نصرة إخوانه من الأنبياء السابقين والمؤمنين معهم مهما كانوا قلة، ومهما طال الزمان بهم وأحدقت الأخطار بهم، فإن نهاية أمرهم إلى نصرٍ وعزة، فالنصر قادمٌ والبشرى ثابتةٌ في القرآن الكريم من خلال هذا القصص العظيم ليثبت قلب النبي صلى الله عليه وسلم، ليثبت قلوب الدعاة، ليثبت قلوب الأمة والمؤمنين، اطمئناناً إلى صدق وعد الله ومجيء نصر الله عز وجل.







ثم تُختم السورة بآيات قلائل بعد ذلك، وفيها ينبّه الله تعالى إلى أربع نقاط، وكأنها منهجٌ مطلوبٌ في مثل هذه المرحلة، حينما يكون المؤمنون مستضعفين ويقع عليهم الظلم وتحدق بهم الأخطار، فعليهم أن يلتزموا هذا المنهج في أربع آياتٍ متتالية من أواخر السورة إذ يقول ربنا سبحانه وتعالى: ﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ * وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [هود: 112 - 115]، منهجٌ كامل فاستقم، ولا تركنوا إلى الذين ظلموا..، وأقم الصلاة..، واصبر..، كلمات رنانة، كلمات تجيش في القلب وتثير فيه الإيمان بالله تبارك وتعالى والاعتصام به.







أولاً: الاستقامة على أمر الله تعالى، الداعية ومن معه ومن وراءه، فاستقم أنت يا نبي الله وهو مستقيم ولكن اثبت على استقامتك، ازدد منها، كن هكذا دائماً ومن تاب معك فليستقيموا أيضاً على أمر الله وعلى منهج الله الذي أمرك به ﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ﴾ [هود: 112] لا كما ترى، لا كما تظن، ﴿ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [هود: 112].







ولنا مع هذه الأربع آيات وقفة، بهذه الموضوعات ومن خلالها نستطيع أن نستشف هدف السورة، تلك الجملة القصيرة التي نلخص فيها السورة، من خلال اسمها ومن خلال طرفيها، أولها وآخرها، اسمها هود من الهَود وهو العَوْد والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى، وفي أولها يقول الله تعالى: ﴿ وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ ﴾ [هود: 3] دعوةٌ إلى الاستغفار والتوبة فالذنوب كثيرة، والتوبة قليلة، والاستغفار عابر غير خاشع ولا حاضر، إنما ينبغي أن تستحضروا قلوبكم مع الاستغفار، وأن تحققوا التوبة حقيقةً عن الذنوب الكثيرة وعن الآثام الكبيرة، وترجعوا إلى الله تبارك وتعالى ساعتها يؤت كل ذي فضلٍ فضله، ويمتعكم متاعاً عظيماً، يمتعكم متاعاً حسناً بنظرة الله، برؤية الله، لا الحسن الذي تعرفونه ذلك الحسن القاصر، إنما متاعاً حسناً كما يرى الله ويرضى سبحانه وتعالى، ﴿ وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ [هود: 3] الله يجعلنا أصحاب فضل ولسنا كذلك، بمجرد أننا استغفرناه من ذنوبنا وتبنا إليه من مخالفاتنا، وصفنا بأننا سنكون أصحاب فضل ﴿ وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ﴾ [هود: 3].







ومن تولى ويعرض ﴿ وَإِنْ تَوَلَّوْا ﴾ [البقرة: 137] يعني فإن تتولوا ﴿ فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ * إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [هود: 3، 4]، إلى الله مرجعكم جميعاً، رجعة إلى الله بالتوبة قبل أن نرجع إليه بكل شيء، بالبدن والروح، بالأعمال كلها، نعرض عليه يوم القيامة، هذا في أول السورة، وفي آخرها من يصدق على ذلك في قول الله تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾ [هود: 123].







هكذا أول السورة وآخرها يدعو إلى العودة إلى الله، إلى الرجعة إلى الله واسمها معناه كذلك، إذاً السورة بملخصها تدعو الناس إلى رجوعهم إلى الله تعالى، فإن في ذلك الخير العظيم، والنصر العميم، والعزة العالية، والكرامة الرفيعة، فالله تعالى سوف يتولى الأمر بذاته، لن يتركه لأيدينا لقوتنا أو ضعفنا، لأسلحتنا أو لأيدينا المجردة، إنما سيتولاها بقدرته ﴿ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ ﴾ [هود: 3]، ومهما أعرض الناس وتولوا فهم راجعون في النهاية إلى الله، بل كل شيء راجع إليه، ﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ ﴾ [هود: 123]، فعودوا إلى الله وتوبوا إلى الله أيها المؤمنون لعلكم تفلحون، توبوا إلى الله توبةً صادقة، أكثروا من الاستغفار، سورة هودٍ تدعونا إلى ذلك، الرجوع إلى الله تعالى في الدنيا قبل أن نُرجع رغم أنوفنا إليه في الآخرة على حالنا صالحاً كان أو غير ذلك، لا نجد عملاً ولا فرصةً لعمل، وإنما نجد الجزاء والحساب بالثواب أو بالعقاب.







سورةٌ بهذا الشكل بالتأكيد هي سورةٌ مكية[3]، مما نزل من القرآن قبل الهجرة النبوية ليؤسس في نفوس الناس الارتباط الصحيح بالله تبارك وتعالى، بالعلاقة الأكيدة بين المخلوق والخالق، ومتى يكون الله لنا ومعنا، ومتى لا يكون كذلك بل يكون على الناس، فهي سورةٌ مكية تتناسب مع سورة يونس قبلها بما ذكرناه سابقاً من أن سورة يونس تذكر العقيدة الإسلامية السليمة وتفصيل ذلك وتحقيقه، أي أن هذه عقيدة حقَّة وصحيحة، وهي الواجب اعتناقها واعتقادها، سورة هود مكيةٌ مثلها تحكي حركة هذه العقيدة في الأمم، كيف تحركت البشرية واستقبلت هذه العقيدة أو أدبرت عنها، من خلال قَصَص الأمم السابقة، قوم فلان فعلوا كذا وجرى لهم كذا، قوم فلان فعلوا كذا ووقع بهم كذا، وهكذا على طول سورة هود، فالقصص فيها أطول، وسورة هودٍ وهي تدعو إلى العودة إلى الله فإن سورة يوسف عليه السلام تذكر لنا مثالاً بيوسف عليه السلام منذ صغر سنه إلى أن أتم الله عليه النعمة، كيف كان موصولاً بالله تبارك وتعالى، وكيف نفعته هذه الصلة، كيف عند أول فتنةٍ قال فيها: ﴿ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ﴾ [يوسف: 23]، وتورع عن دعوة امرأة العزيز، كيف حينما اجتمعت عليه النسوة عند زليخة، وراودنه مراودةً جماعية غالبةً بالقوة تمنَّع وقال: ﴿ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ﴾ [يوسف: 33]، كيف لم ينس ربه في السجن وذكر فضله عليه وهو يكلم صاحبيه في الرؤيا، يقول لهم: ﴿ ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي ﴾ [يوسف: 37]، وفي نهاية مدة السجن لهذين السجينين وقد حكم على أحدهما بالإعدام وعلى الآخر بالبراءة، يذكِّر البريء ويقول له: ذكِّر ربك وسيدك الملك بقضيتي ليعيد النظر فيها، فربي عليم، وربي معي، ولما جاءته البشرى ليخرج من السجن لم يعجِّل بذلك فرحاً بالخروج قبل أن يثبت براءته مما يغضب الله عز وجل عند الناس؛ لأن ربه عليمٌ ببراءته ﴿ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ ﴾ [يوسف: 50]، إلى آخر المطاف وجمعه الله بوالديه وبإخوته فتذكر نعمة الله عليه ﴿ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾ [يوسف: 101]، فمنذ نعومة أظفاره إلى ختام حياته وهو مع الله، وهكذا رفعه الله من جُبٍّ إلى حياة ولكن في عبودية، إلى سجنٍ ولكن بعيداً عن الفواحش والمظالم، ثم إلى كرسي المُلك ليكون وزيراً على أقوات الناس، وما أعظمه من مُلك، وتختم حياته بذلك بعد النبوة وبعد تعليم تأويل الرؤى وأحاديث النفس وهكذا، فمن كان مع الله كان الله معه بالكلمة البسيطة التي نسمعها كثيراً.







هكذا تتدرج السور وتتناسب مع بعضها، ولنا أن نرى فيها لمحةً أخرى بهذا التسلسل الجميل، فإن سورة يونس أيضاً ذكرت لنا أنه لم ينفع إيمانٌ قريةً من القرى آمنوا بعد أن جاءهم العذاب في الدنيا إلا قوم يونس ﴿ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ ﴾ [يونس: 98]، فهؤلاء قوم يعتبروا مثالاً لمن نفعه إيمانه في الدنيا ورفع عنه الغضب والكرب والعذاب، لأنهم أدركوا أنفسهم في الوقت المناسب، وسورة هودٍ تذكر عديداً من الأمم لم يؤمنوا ولم ينفعهم إيمانهم وإن كانوا يدَّعون الإيمان بشكلٍ من الأشكال، فراحوا في عذاب الله، وقطع الله دابرهم بعقابه في الدنيا وأعد لهم في الآخرة عذاباً عظيمًا، وسورة يوسف بعد ذلك مثالٌ لفردٍ من الأفراد بعد أمة يونس كأمة فردٍ من الأفراد نفعه إيمانه ونفعته صلته بربه، مهما ضاقت به الأمور في الدنيا، مهما عقد الناس وأقرب الناس إليه نواياهم على قتله والغدر به، إلا أن إيمانه نفعه ونجاه من كل مخاطر الحياة.







أحبتي الكرام! هذه سورة هود مجملةً، ولنا معها موقفان اثنان، أولهما الذي أشرت إليه في تلك الآيات الأربعة المتوالية في أواخر سورة هود وكأنها منهج، وباعتبارنا مستضعفين في هذه الأيام لا نملك غير الكلمة نضرع بها إلى الله تعالى بالنصرة وطلب العزة وهَلَكة العدو، فنحن أشبه ما نكون في حالة استضعاف، نعم الناس مستعدون للجهاد ولكن ممنوعون من ذلك، فصحابة رسولنا صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم في أواخر العهد المكي كانوا يطلبون من النبي صلى الله عليه وسلم أن يأذن لهم في الجهاد في مواجهة الكافرين، فيقول لهم: لم أؤمر بذلك بعد[4]، فكان لهم العذر، وكان للنبي العذر صلى الله عليه وسلم، ولعل لنا العذر الآن وليس لمن يمنعنا عذر، الله أعلم بحاله، لكن الحال يشبه الحال، فلنا أن نتمثل هذه الآيات في مثل هذه الأحوال، هذا هو الذي نستطيعه، هذا هو الذي في أيدينا ﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ [هود: 112] استقيموا على أمر الله تعالى، ولك أن تعجب معي أخي الحبيب حينما تقرأ قول الله تعالى ﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا ﴾ [هود: 112] أمرٌ بالاستقامة ونهيٌ عن الطغيان، أي طغيان في الاستقامة؟ كان يُنتظر أن يقال في غير القرآن فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تتهاونوا، ولا تهنوا، ولا تتكاسلوا، ولا تتراجعوا، ولا تتمنعوا، إنما ولا تطغوا؟! يقول المفسرون: نهى الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام عن أن يطغوا في الاستقامة بمعنى أن يبالغوا فيها، فلو استقاموا على الصلاة وعلى الصيام وغير ذلك من أعمال لا يزيدوا فيها زيادةً تشغلهم، زيادةً ترهقهم، زيادةً تقطع أنفاسهم وأعمالهم قبل بلوغ المقصد، وهذا هو ما يعرف بالبدع[5]، وهذا يشير إلى الهمة العالية التي رآها الله في الأصحاب الكرام، أن عندهم من القوة ما قد يدفعهم في الاستقامة إلى أن يزيدوا على ما أمر الله، سيفعلون ما أُمروا من قبل الله وأكثر من ذلك، فضبط الله سرعتهم وهمتهم، ولا تطغوا، أرى أن الأمر لو توجه إلينا في هذه الأيام لن يُقال لنا هذا، فالهمة فاترةٌ باردةٌ جدّاً، فبعض المسلمين يرون أن هؤلاء المستضعفين من إخواننا المسلمين يستحقون ذلك وأكثر، فقد باعوا قضيتهم، أهملوا في كذا، كثيرٌ منهم تركوا أوطانهم ورحلوا، يجمعون لهم جمعاً كبيراً حافلاً من المساوئ والمعايب وبالتالي فهم يستحقون ذلك، لو كانوا يستحقون ذلك ما أعطاهم الله الشهادة، وما جعل الشهادة فيهم، لكن هؤلاء قومٌ يصطفيهم الله في هذه الأيام ويتخذ منهم شهداء إذاً هم قومٌ على خير، على الأقل مستضعفون حقّاً ويستحقون النصرة لا الملامة، فهذا الخاطر وهذا الفهم عند بعض المسلمين يدلّ على أننا لا نُوجَّه بمثل هذا التوجيه، إنما فاستقم كما أمرت ومن تاب معك واشدد أزرك وشد مئزرك واجتهد، لأن مثل هذا الأمر حين يوجه إلينا لا يجد عندنا الهمة الكافية لبلوغ نهايته، فنحتاج إلى دفعةٍ أخرى ودفعات، ولا تطغوا فإن طغياننا سيكون بالتقصير لا بالزيادة، وهذا هو المُشاهَد، لم نوفّ حق الله تعالى علينا، وسيظهر هذا من خلال الملحظ الثاني إن شاء الله، لكن هذا هو ملحظ أول ﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ﴾ [هود: 112] المنهج استقم كما أمرك الله، انظر في القرآن والسنة، وإلا فاسأل العلماء بالقرآن والسنة، العلماء الشرعيين، اسألهم كيف أستقيم على أمر الله؟ بماذا أمرني الله في كذا؟ وبماذا أمرني في كذا؟ غالباً لا يسأل الناس إلا بعد أن يقع في ورطة، وأن يتورط في حال فيسأل ليخرج وينجو، ويقدم المعاذير ليعذره من يفتيه، كنت غضباناً يا شيخ واستفزتني زوجتي فقلت لها: أنت طالقٌ بالثلاث وأنت محرمةٌ عليَّ كأمي وأختي وأنت.. وأنت.. وأنت..، كيف يكون الأمر، ماذا يقول الشيخ في هذا الخلط العجيب بين حدود الله تبارك وتعالى، طلاق في ظهار في سب في شتمٍ ولعنٍ وغير ذلك، وحُل يا شيخ هذا اللغز الصعب، كيف يحل؟ ولو لم يقع في هذا التوريط الذي ورَّط نفسه فيه ما سأل الشيخ، إنما ينبغي أن نسأل قبل أن نفعل، يذهب إلى الشيخ أولاً ويقول له: أريد أن أطلق زوجتي، فقد ضيَّقت صدري، وضاقت عليّ نفسي ماذا أفعل وكيف أطلقها؟ يفتيه الشيخ بالفتوى الصحيحة قبل أن يفعل، فالعلم يسبق العمل، ﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ﴾ [هود: 112].



يتبع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 126.07 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 124.35 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.36%)]