|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() نزع روح الكافر محمد طاهر عبدالظاهر إنَّ الله ما خلَق الإنسانَ عبَثًا؛ بل خلقه وكلَّفه ليعرفه ويوحِّده ويعبده، قال الله تعالی: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾[1]. لا بدَّ للإنسان أن يعبد الله ولا يُشرك به شيئًا، وألا يستكبر عن عبادته، إن مَن يستكبر عن عبادته فإنَّ الله يبشِّره بعذاب موهن وعقاب مؤلم، ويدخله جهنم داخرًا، قال الله تعالی: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾[2]. وإن الدنيا دار الابتلاء؛ لأنَّ الإنسان يواجه ما لا يواجهه أحد من خلقه، يواجه يومًا لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئًا، قال الله تعالی: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾[3]. لأنَّ ما وعد الله حق ولا يخلف الله وعده؛ فإذًا لا تغرن الإنسان حياة الدنيا وزخرفها، ولا يغرنَّه بالله الغَرور، قال الله تعالی: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾[4]. ونبَّه الله عبادَه بوجود يوم غير هذا اليوم الذي نحن فيه، يوم آخَر فيه يحاسِب الله عبادَه، ويجازيهم علی أعمالهم إن خيرًا فخير، وإنْ شرًّا فشر، فأَزلف الجنَّةَ وبرز الجحيم، للمتقين من عباده والغاوين؛ حيث قال تعالی: ﴿ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾[5]، وقال تعالی: ﴿ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ ﴾[6]. وقال تعالی: ﴿ وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ ﴾[7]. إن عذاب الله للكفَّار والمنافقين يبدأ من نَزْع أرواحهم، قال الله تعالی: ﴿ وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا ﴾[8]. رُوي عن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي قَوْلِهِ تعالی: ﴿ وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا ﴾ قَالَ: "هِيَ أَنْفُسُ الْكُفَّارِ تُنْزَعُ ثُمَّ تُنْشَطُ ثُمَّ تُغْرَقُ فِي النَّارِ"[9]. قال الفرَّاء رحمه الله تعالی: "وإنَّ النَّزع نزعُ الأنفس من صدور الكفار، وهو كقولك: والنازعات إغراقًا، كما يُغرِق النازِع فِي القوس"[10]. وقال علي رضي الله عنه: "هي الملائكة تنزع أرواحَ الكافر والكفرة"[11]. وقال ابن مسعود رضي الله عنه: "يريد أنفس الكفَّار ينزعها ملَكُ الموت من أجسادهم من تحت كلِّ شَعرة ومن تحت الأظافير وأصول القدمين ثم يفرِّقها ويردِّدها في جسده بعد ما تنزع، حتى إذا كادت تخرج ردَّها في جسده؛ فهذا عمله بالكفَّار"[12]. وقال مقاتل رحمه الله تعالی: "هم (ملك الموت) وأعوانه يَنزعون روحَ الكافر كما يُنزع السَّفُّودُ[13] الكثير الشُّعَب مِن الصوف المبتَل فتخرج نفسه كالغريق في الماء"[14]. وقال سعيد بن جُبير رحمه الله تعالی: "نزعت أرواحهم ثم غرِّقت ثم حرِّقت ثم قذف بها في النار"[15]. وقال أبو الليث السمرقنديُّ رحمه الله تعالی: "﴿ وَالنَّازِعَاتِ ﴾، يعني: ملَك الموت وأعوانه غَرْقًا كرهًا، يقال: غرقت نفسه في صدره؛ وذلك أنه ليس من كافر يحضره الموت، إلا عُرضتْ عليه جهنم، فيراها قبلَ أن تخرج نفسه، فيرى فيها أقوامًا، مرَّة ينغمسون، ومرة يرتفعون، فعند ذلك تغرق روحُه في جسده"[16]. وقال الواحديُّ[17] رحمه الله تعالی: "الملائكة التي تنزع أرواحَ الكفَّار (غرقًا) إغراقًا كما يُغرق النَّازع في القوس يعني: المبالغة في النَّزع"[18]. ونقل ابن كثير رحمه الله تعالی: "عن ابْن مَسْعُودٍ وَابْن عَبَّاسٍ رضي الله تعالی عنهم، وَمَسْرُوق[19]، وَسَعِيد بْنُ جُبَيْرٍ، وَأَبي صَالِحٍ، وَأَبي الضُّحَى[20]، والسُّدي رحهم الله تعالی: ﴿ وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا ﴾ الْمَلَائِكَةُ، يَعْنُونَ حِينَ تُنْزَعُ أَرْوَاحُ بَنِي آدَمَ، فَمِنْهُمْ مَنْ تَأْخُذُ رُوحَهُ بعُنف فَتغرق فِي نَزْعِهَا..."[21]. وروي عن ابن عَبَّاس رضي الله عنهما فِي قَوْله: ﴿ وَالنَّازِعَاتِ غَرْقًا ﴾ قَالَ: "هِيَ أَرْوَاح الْكفَّار لما عَايَنت ملَك الْمَوْت فيخبرها بسخط الله غرقت فينشطها انتشاطًا من العصب وَاللَّحم"[22]. ولا شك أنَّ الكافر يشاهد عند الموت ما أعدَّ الله له من العذاب والعقاب، ويخاف ويكره مما أمامه وبعد ذلك كَرِه لقاءَ الله، والله كَرِه لقاءَه، كما روي عن عبادة بن الصامت رضي الله تعالی عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ))، قَالَتْ عَائِشَةُ أَوْ بَعْضُ أَزْوَاجِهِ: إِنَّا لَنَكْرَهُ المَوْتَ، قَالَ: ((لَيْسَ ذَاك، وَلَكِنَّ المُؤْمِنَ إِذَا حَضَرَهُ المَوْتُ بُشِّرَ بِرِضْوَانِ اللَّهِ وَكَرَامَتِهِ، فَلَيْسَ شَيْءٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ، فَأَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ وَأَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَإِنَّ الكَافِرَ إِذَا حُضِرَ بُشِّرَ بِعَذَابِ اللَّهِ وَعُقُوبَتِهِ، فَلَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَهَ إِلَيْهِ مِمَّا أَمَامَهُ، كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ وَكَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ))[23]. ويعرض مقعده من النار عليه غدوًّا وعشيًّا - حتی يبعثه يوم القيامة - فيری ما أعدَّ الله له، كما روي عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ، غُدْوَةً وَعَشِيًّا، إِمَّا النَّارُ وَإِمَّا الجَنَّةُ، فَيُقَالُ: هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى تُبْعَثَ إِلَيْهِ"[24]. هذه الحالة، حالة الكفَّار والمنافقين الذين ضَلَّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا، ولا يقيم الله لهم يوم القيامة وزنًا، قال الله تعالی: ﴿ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا * ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا ﴾[25]. أعاذنا الله من عذابهم وعقابهم. آمين! يا رب العالمين. [1] سورة الذاريات: (56). [2] سورة غافر: (60). [3] سورة لقمان: (33). [4] سورة فاطر: (5). [5] سورة الشعراء: (90). [6] سورة ق: (31). [7] سورة الشعراء: (91). [8] سورة النازعات: (1). [9] أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره "تفسير القرآن العظيم"، رقم الحديث: (19110)، (10/ 3397)، "تفسير القرآن العظيم"؛ لابن كثير، (8/ 312)، و"الدر المنثور"؛ للسيوطي (8/ 404). [10] "معاني القرآن"؛ للفراء، (3/ 230). [11] أورده الثعلبي في تفسيره "الكشف والبيان عن تفسير القرآن"، (10/ 122)، والسيوطي في تفسيره "الدر المنثور"، (8/ 403)، والقرطبي في تفسيره "الجامع لأحكام القرآن"، (19/ 190) وكلهم نسبوا هذا الحديث إلى عليٍّ رضي الله تعالى عنه. [12] أورده البغوي في تفسيره "معالم التنزيل في تفسير القرآن"، (5/ 204)، والثعلبي في تفسيره "الكشف والبيان عن تفسير القرآن"، (10/ 122)، والقرطبي في تفسيره "الجامع لأحكام القرآن"، (19/ 190)، ونسبوا هذا الحديث إلى ابن مسعود رضي الله تعالى عنه. [13] السفود: حديدة ذات شعب معقفة يشوي اللحم؛ "المخصص"؛ لابن سيدة (1/ 320). [14] "معالم التنزيل في تفسير القرآن"؛ للبغوي، (5/ 204)، "بحر العلوم"؛ لأبِي الليث السمرقندي، (3/ 541)، و"الكشف والبيان عن تفسير القرآن"؛ للثعلبي، (10/ 122). [15] أخرجه الطبري في تفسيره "جامع البيان في تأويل القرآن"، (24/ 185)، "الكشف والبيان عن تفسير القرآن"؛ للثعلبي، (10/ 122)، و"الجامع لأحكام القرآن"؛ للقرطبي، (19/ 190). [16] أورده أبو الليث السمرقندي في تفسيره "بحر العلوم"، (3/ 541) ونسبه إلى الكلبي. [17] الواحدي (؟ 468 هـ = ؟ 1076 م)، هو: علي بن أحمد بن محمد بن علي بن متوية، أبو الحسن الواحدي: مفسِّر، عالم بالأدب، نعته الذَّهبي بإمام علماء التأويل، كان من أولاد التجار، أصله من ساوة (بين الري وهمذان) ومولده ووفاته بنيسابور، له (الوجيز) في التفسير، وقد أخذ الغزالي هذه الأسماء وسمى بها تصانيفه، و(شرح ديوان المتنبي) و(أسباب النزول) و(شرح الأسماء الحسنى)، وغير ذلك وهو كثير، والواحدي نسبة إلى الواحد بن الديل ابن مهرة. راجع: "سير أعلام النبلاء"؛ للذهبي، (18/ 339 342)، و"الأعلام"؛ للزركلي، (4/ 255). [18] الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي، ص (1169). [19] مسروق (؟ 63 وقيل 62)، هو: مسروق الأجدع بن مالك بن أمية الهمداني، ثم الوداعي، أبو عائشة تابعي ثِقة، من أهل اليمن، قدم المدينةَ في أيام أبي بكر رضي الله عنه، وسكن الكوفة، روى عن أبي بكر وعمر وعائشة ومعاذ وابن مسعود رضي الله عنهم، روى عنه الشعبيُّ والنَّخعي وأبو الضحى وغيرهم، قال الشعبي: ما رأيتُ أطلب للعلم منه، وكان أعلم بالفتوى من شُريح، وشريح أبصر منه بالقضاء. راجع: "الطبقات الكبرى"؛ لابن سعد، (4/ 113)، و"الأعلام"؛ للزركلي، (8/ 108). [20] أبو الضحى (؟ نحو 100 هـ)، هو: مسلم بن صبيح القرشي الكوفي أبو الضحى، مولى آل سعيد بن العاص، سمع ابن عباس، وابن عمر، والنعمان بن بشير، ومسروقًا، وغيرهم، حدَّث عنه مغيرة، ومنصور، والأعمش، وفطر بن خليفة، وآخرون، وتفقَّه بعلقمة وغيره، وكان مِن أئمة الفقه والتفسير، ثقة حجَّة، وكان عطَّارًا، مات نحو سنة مائة في خلافة عمر بن عبدالعزيز. راجع: "سير أعلام النبلاء"؛ للذهبي، (5/ 71)، و"الهداية والإرشاد في معرفة أهل الثقة والسداد"؛ لأحمد بن محمد بن الحسين بن الحسن، أبي نصر البخاري الكلاباذي (المتوفى: 398هـ)، (2/ 706)، المحقق: عبدالله الليثي، دار المعرفة بيروت ط، الأولى، 1407 م. [21] أورده ابن كثير في تفسيره "تفسير القرآن العظيم"، (8/ 312) ونسبه إلى هولاء. [22] أورده السيوطي في تفسيره الدر المنثور ونسبه إلى ابن عباس، (8/ 404). [23] سبق تخريجه في صفحة (65). [24] سبق تخريجه في صفحة (69). [25] سورة الكهف: (104 - 106).
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |