
07-12-2020, 02:43 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,245
الدولة :
|
|
لأنه لا يشبهه
لأنه لا يشبهه
عبير النحاس
ارتدت ثوبها ببطء وحذر لتحافظ على تسريحة شعرها الجديدة، كانت قد عادت من صالون التجميل منذ ساعة، وقد أحبت تلك التسريحة الكلاسيكية التي أعادت لها شيئا من الذكريات والفرح.
لم يعد شعرها كما كان من قبل، فلم يعد له تلك اللمعة وتلك الغزارة التي كانت تجمع حولها الكثير من نظرات الحسد والغيرة والإعجاب، وفي ذلك الزمان لم تكن لتأبه لنوع نظراتهن، وكانت تفرح لأن العيون تلاحقها.
كان ثوبها الأسود محتشماً، وكانت قصته المستقيمة تبرز طولها الفارع ونحالتها الواضحة، وقد اختارت حذاء أسود أيضاً، ولكنه لم يكن بكعب عال كما كانت ترتدي في أيام الشباب، فلم تعد تمتلك تلك الرشاقة التي كانت لها في ذلك الوقت، ولم تعد تتزين أيضاً بالكثير من الأصباغ، فاكتفت بأحمر شفاه بلون الزهر وبعض الكحل دون ظلال ودون أحمر الخدود، فقد كانت تراها تتنافر مع تلك التجاعيد التي غزت وجهها وملأت مساحاته بخطوطها المؤلمة.
اكتفت بعقد اللؤلؤ الأثير لديها، وكانت تفضله على كل مجوهراتها وتمنحه الكثير من الفرص ليظهر معها، ارتدته في مناسبات كثيرة، وكانت تشعر بفخر كلما ظهرت معه وبدت تشبه ملكات ومشاهير ارتدين اللؤلؤ، وظهرن به على الشاشات وفي المجلات والحفلات.
ارتدته في دعوتين لتناول طعام الغداء، وفي لقاءات عائلية عديدة، وفي زيارة عزاء رسمية، وارتدته في صحبة صديقاتها ثلاث مرات، وكان صديقها في خمس حفلات زفاف، ولم يكن أي منها هو حفل زفافها هي.
ما زالت تذكر ذلك الحفل العائلي الذي أعلنت فيه عائلتها وعائلة ماجد عن خطبتهما، وما زالت تذكر كيف قدم لها العقد وألبسها إياه بيديه بعد أن تم عقد قرانهما، وما زالت تذكر ابتسامته.
حادث سير خطفه منها يوم الزفاف، وبقيت تحتفظ بعقد اللؤلؤ وترفض كل الخاطبين.
مضت السنوات سريعاً، وكانت تبحث عن طيف ماجد في كل من يتقدم لها وترفض الطلب برفق عندما تلحظ الفارق.
تزوجت أختها وابنة خالتها وكثيرات من بنات الحي، وبقيت وحيدة تسعدها زيارتهن وأطفالهن لبيتها الجميل والموحش أيضاً.
في زيارة جمعتها بمعارف وأقرباء، ألقت على مسامعها إحدى قريباتها بكلمات تُظهر شفقة، وتبطن شماتة في بقائها وحيدة بعد أن رفضت الزواج من كل من تقدم لخطبتها ومن بينهم أخوها، وباتت تخاف تلك الكلمات وتلك النظرات منذ ذلك اليوم، وتصمت كلما اجتمعت بمن يعرف جمالها القديم أو قصص رفضها لكل من تقدم لخطبتها.
ارتدت عباءتها التي اشترتها في رحلة قضت أيامها في المغرب، ووضعت غطاء رأسها بخفة لتحافظ على التسريحة قبل وصولها إلى صالة العرس، وجلست مع أختها وبناتها في الصالة، وهي تنظر بإعجاب نحو ابنة أختها العروس الجديدة، وترى في صورتها البهية صورة تشبه ماضيها ولكن دون فستان أبيض.
كانت سعيدة تبتسم وأسرعت نحو عباءتها وحجابها عندما أعلنت النسوة عن لحظة دخول العريس ووالده، ووقفت بين الحاضرات لتتفرج وتدعو للعروسين بالتوفيق، وأخفت وجهها بيدها عندما عرفت والد العريس، وتذكرت صورته منذ سنوات طويلة وهو يجلس في بيتها بجانب والدته يستمع لها ولعباراتها الودودة ورفضها لخطبته لها لأنه لم يكن وقتها يشبه ماجد.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|