|
ملتقى الحوارات والنقاشات العامة قسم يتناول النقاشات العامة الهادفة والبناءة ويعالج المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() طيبة الإنسان مع متغيرات العصر: تساهل أم تجاهل؟ أ. سعيد الرحماني الحمد لله الذي لولاه ما جرى قلم ولا تكلم لسان، والصلاة والسلام على خير الأنام محمد، صلى الله عليه وآله والصحب الكرام، ثم أما بعد: يدرك الإنسان في هذه الحياة أنه كثيرًا ما تصادفه ظروف قاهرة ومتغيرات سافرة، تقطع عنه الأمل في رؤية العالم السفلي القريب من علياء طموحاته البريئة، التي ما فتئت تنهل من عذوبة فؤاده؛ حيث يجد فئات من صلب مجتمعه تستغل أنقى ما في الوجود وتتغلغل فيها؛ لتفسد جوهرها المكنون وتنال من كرامة هذا الإنسان؛ قصد دفعه إلى التغيير الجذري والتحول إلى كائن آخر، يلسع بلسان البذاءة ويشرب من طبع البراءة! فالله سبحانه وتعالى جل في علاه أودع فينا هذه النفس البشرية؛ لكي نحسن تهذيبها وتوجيهها وتربيتها على ما تمت به فطرتها. جاء في كتاب رب العالمين: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ [التين: 4]، وقال جل وعلا: ﴿ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 114]. قال العلامة السعدي: "أي:لا خير في كثير مما يتناجى به الناس ويتخاطبون. وإذا لم يكن فيه خير، فإما لا فائدة فيه كفضول الكلام المباح، وإما شر ومضرة محضة كالكلام المحرم بجميع أنواعه، ثم استثنى تعالى فقال: ﴿ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ ﴾ من مال أو علم أو أي نفع كان، بل لعله يدخل فيه العبادات القاصرة كالتسبيح والتحميد ونحوه"[1]. فإن توحدت الضمائر والعقول والقلوب في صعيد واحد فهو خير لبني الإنسان، وإن افترقت لا تجد لها دليلًا قلبيًّا يعمل على التثبيت والتطبيع في النفس الواحدة فينا نحن معاشرَ المسلمين؛ أي: إن هناك ارتباطًا وثيقًا بين جميع الغرائز المتكونة في باطن الإنسانية كلها دون استثناء. قال تعالى: ﴿ فَإِنْ يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ [الشورى: 24]. إن استعمال الإنسان للحكمة في ترشيد العقل له أثره المتميز أينما حضر، كائنًا من كان. وخصوصيات الفرد متعلقة بما استعمل في قرارة النفس، وجعل العالم الخارجي يتحكم في هذه الأداة الفطرية - طعن في شخصية الإنسان، كما أننا نستطيع تحديدها بأنها "القيم والمبادئ" أو "طيبة إنسان". وهناك فئات من المجتمع تستعمل هذه الشريحة - إن صح التعبير - كأداة زئبقية تتلبس بها وقتما تريد، وهذه الفئات قد أصابها مرض خطير وشر مستطير يسمى بــ "موت الضمير". قال تعالى: ﴿ وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾ [الكهف: 104]. هي في نظرهم دهاء وذكاء وفطنة، لكنها في الحقيقة "طفرة" زادت من حجم معاناتهم النفسية، حتى وصلت إلى حد الغرور والتمادي والتطاول على أعفِّ غريزة في الإنسان، وهي "الطيبة" المتشبعة بكرامة هذا الكائن العاقل، التي لا بد أن تكون خاضعة لإرادة العقل وتركه يقرر مصيره ومآله.. على قدر أهل العزم تأتي العزائمُ ♦♦♦ وتأتي على قدر الكرام المَكارمُ بل إن جهله بالمستقبل الغامض أوشك أن يُودِي بأنفاس طيبته الحانية، فتراه ينظر إلى نفسه مرة ويستقل طائر خياله في فضاء أحلامه ويومياته العطرة؛ ليسرح في غيبوبته ويتغذى من عبق الماضي الثري برجاله؛ أصحاب الزمن الجميل. حين كان للفكر صيحة. حين كان للقلب حضور. حين كان للكلمة رفعة. حين كان للضمير عنوان. وفجأة، بعد أن استيقظ من غفوته، يجد نفسه محاطًا بألوان الخداع والمكر والحيل وألاعيب الزمان وكيل الكيل، فلا استطاع الذود عن رتابة العيش والتأقلُم معها، أو الابتعاد عن بؤرِها الملتهبة، فالتساهل مع هذه المتغيرات يعني أنه انخدع بصورها وزخرف القول فيها وتعاسة منظرها المقرف، وبالتجاهل أيضًا يبقى فيه عنصر غريب يحضره ويبدد أحلامه ويمزق أشلاءه ويطعن في شخصيته البريئة في مستنقع جريء لم يتصور يومًا من الأيام أن يتحول معدن البشر ويتحلل إلى الاستقلالية تحت عنوان: "افعل ما تشاء؛ فأنت في مجتمع إسمنتي"؛ حيث قست فيه قلوب البشر إلا من رحم ربي. [1] "تيسير الكريم الرحمن" للسعدي، ص 202.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |