|
ملتقى الحوارات والنقاشات العامة قسم يتناول النقاشات العامة الهادفة والبناءة ويعالج المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الثبات والتوازن الانفعالي د. سمير مثنى علي الأبارة إذا كان الإنسان يحتاج إلى الإيمان والعمل الصالح والعبادة لحفظ التوازن في كيانه وحياته بين المطالب الجسدية والروحية، ووقاية فطرته من الانتكاس والتردي إلى الدَّرك الأسفل من المراتب، فإنه يحتاج إليها أيضاً لتهذيب انفعالاته التي خلق مجبولاً عليها، أو التخفيف من عنفها وحدتها، كالهلع والجزع والغضب واليأس والقنوط والبطر والغرور والفخر والتكبر.. وغير ذلك من الانفعالات التي قد تبلغ درجة من العنف تدمر حياة الإنسان، وتدمر معها من حوله. فالإنسان مزود بغرائز ودوافع فطرية قوية، والإسلام يعترف صـراحة بتلك الدوافع الفطرية، ويدعو إلى تنظيمها وضبطها، والتخفيف من اندفاعها وجموحها، ويعين الإنسان برفق على أن يكون مالكاً لزمامها، ويضع له نظاماً حكيماً لتهذيب نفسه وتزكيتها، ويملأ حياته باهتمامات نبيلة تستنفذ جانباً كبيرا ًمن طاقاته، ويوجه تطلعاته إلى لون آخر من اللذة الروحية أرقى وأسمى من الشهوات المادية المحسوسة. يقول الله عز وجل: ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ * قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [1] يعني تعالى ذكره: زُيِّن للناس محبة ما يشتهون من النساء والبنين وسائر ما عدّ، وإنما أراد بذلك توبيخ اليهود الذين آثرُوا الدنيا وحبَّ الرياسة فيها، على اتباع محمد صلى الله عليه وسلم بعد علمهم بصدقه[2]. في هذه الآيات تقرير وبيان لواقع الإنسان وطبيعته، فهو بفطرته يميل إلى حب الشهوات، شهوة النساء والبنين والمال والخيل والأنعام والحرث، بل إن هذه الشهوات مزينة له لحكمة إلهية، وهذا الميل الفطري جزء من تكوينه الأصيل لأنه ضروري للحياة البشـرية. لكن الواقع يشهد كذلك بأن في فطرة الإنسان جانباً آخر هو تلك النفخة الروحية التي هي قوام إنسانيته وأهم خصائصها، ولهذا الجانب الروحي مطالبه كذلك وحاجاته الحيوية، لكن هذه المطالب الروحية ليست غريزية كالشهوات الجسدية، لذلك يحتاج الإنسان إلى التذكير والترغيب والترهيب كي لا ينساها تحت ضغط الغرائز والشهوات، ويحتاج إلى وازع قوي وإلى رياضة روحية مستمرة، ومجاهدة إرادية دائمة كي يزكي نفسه، ويصونها من الانغماس في الشهوات، والانتكاس إلى مرتبة البهائم، ولهذا شـرعت العبادات. وهنا موضع الخلاف بين الإسلام وبين علم النفس الغربي الذي يدعو إلى إطلاق الإنسان من قيود الدين والأخلاق والتقاليد. الإسلام يدعو إلى تزكية النفس ومجاهدة ميولها ودوافعها، ويؤكد أن فلاح الإنسان في حياته الأولى والآخرة مرهون بتلك التزكية، قال الله عز وجل: ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ [3] أي قد فاز من زكى نفسه وأنماها وأعلاها بالتقوى بكل مطلوب وظفر بكل محبوب، ويقول سبحانه: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ﴾ [4] أي تطهر من الكفر بالإيمان، ومن المعاصي بالطاعة. أو هو بمعنى تصدق بقلبه ولسانه ﴿ فَصَلَّى ﴾ [الأعلى: 15] الصلاة المكتوبة[5]. وجعل من أهداف بعثة رسله تزكية الإنسان، قال تعالى: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾[6] أي تفضل عليهم وأكرمهم وأعزهم ﴿ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا ﴾ [آل عمران: 164] محمداً: خاتم الرسل وإمامهم؛ عليه أفضل الصلاة وأتم السلام ﴿ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ﴾ [آل عمران: 164] أي من جنسهم، ولسانهم ﴿ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ ﴾ [آل عمران: 164] من القرآن الكريم ﴿ وَيُزَكِّيهِمْ ﴾ [آل عمران: 164] يطهرهم من دنس الكفر والمعاصي ﴿ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ ﴾ [آل عمران: 164] القرآن ﴿ وَالْحِكْمَةَ ﴾ [آل عمران: 164] العلم النافع[7]. فالإسلام يدعو إلى تزكية النفس، ويفرض قيوداً لضبط شهواتها، لأن الخالق سبحانه يعلم أن تلك القيود ضرورة إنسانية ملحة لحفظ كيان الفرد وتوازنه وسلامة المجتمع ونظافته. فالشهوات قوية جامحة وإرادة الإنسان ضعيفة، حب النساء وحب المال والبنين شهوات، ودوافع غريزية قد تصل في جموحها إلى درجة كافية لأن تدمر حياة الإنسان، حين يباح لها الإشباع بلا قيود ولا حدود. فالمؤمن يتحلى بضبط النفس ورباطة الجأش وهذا يتحقق بصفاء سـريرته وصدقه مع الله فيحصل له الثبات والسكينة قال تعالى: ﴿ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ﴾ [8] يثبِّت الله الذين آمنوا بالقول الحق الراسخ، وهو شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وما جاء به من الدين الحق يثبتهم الله به في الحياة الدنيا، وعند مماتهم بالخاتمة الحسنة، وفي القبر عند سؤال المَلَكين بهدايتهم إلى الجواب الصحيح، ويضل الله الظالمين عن الصواب في الدنيا والآخرة، ويفعل الله ما يشاء من توفيق أهل الإيمان وخِذْلان أهل الكفر والطغيان[9]. وقال أيضا: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ﴾ [10]هو الله الذي أنزل الطمأنينة في قلوب المؤمنين بالله ورسوله يوم "الحديبية" فسكنت، ورسخ اليقين فيها؛ ليزدادوا تصديقًا لله واتباعًا لرسوله مع تصديقهم واتباعهم. ولله سبحانه وتعالى جنود السموات والأرض ينصـر بهم عباده المؤمنين. وكان الله عليمًا بمصالح خلقه، حكيمًا في تدبيره وصنعه[11]. [1] سورة آل عمران:15 [2] جامع البيان في تأويل القرآن للطبري (ج 6 - ص 243). [3] سورة الشمس:7-10 [4] سورة الأعلى:14-15 [5] أوضح التفاسير (ج1 - ص 745). [6] سورة آل عمران:164 [7] أوضح التفاسير (ج1 - ص 83). [8] سورة إبراهيم:27 [9] التفسير الميسـر( ج1 - ص259). [10] سورة الفتح:4 [11] التفسير الميسـر (ج1 - ص511).
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |