|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() وَلاَ تَنكِحُوا المُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ زغلول راغب النجار هذا النص القرآني الكريم جاء في الربع الأخير من سورة البقرة، وهى سورة مدنية, وآياتها مائتان وست وثمانون (286) بعد البسملة, وهى أطول سور القرآن الكريم على الإطلاق, وقد سميت بهذا الاسم لورود الإشارة فيها إلى معجزة أجراها الله –تعالى– لنبيه موسى بن عمران –على نبينا وعليه من الله السلام– حين تعرض شخص من قومه للقتل, ولم يعرف قاتله, فأوحى الله –سبحانه وتعالى– إلى عبده موسى أن يأمر قومه بذبح بقرة, وأن يضربوا الميت بجزء منها، فيحيا بأذن الله, ويخبر عن قاتله ثم يموت, وذلك إحقاقاً للحق، وشهادة لله –تعالى– بالقدرة على إحياء الموتى, وشهادة لعبده ونبيه موسى بالنبوة وبالرسالة. هذا وقد سبق لنا استعراض سورة البقرة، وما جاء فيها من ركائز العقيدة, وأسس العبادة, وقواعد مكارم الأخلاق, ومن عدد من التشريعات الإسلامية, والقصص القرآني, والإشارات الكونية, ونركز هنا على وجه الإعجاز التشريعي في تحريم زواج المسلمين من المشركات, وتحريم زواج المسلمات من المشركين كما حددته هذه الآية المباركة. من أوجه الإعجاز التشريعي في النص الكريم: يقول ربنا –تبارك وتعالى– في محكم كتابه: (وَلاَ تَنكِحُوا المُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُوا المُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (البقرة: 221). وهذه الآية القرآنية الكريمة يأمر فيها ربنا -تبارك وتعالى- جميع الذكور من المسلمين بألا يتزوجوا من المشركات حتى يؤمنّ بالله –تعالى– رباً واحداً أحداً, فرداً صمداً, بغير شريك, ولا شبيه, ولا منازع, ولا صاحبة ولا ولد, وأن ينزّهن هذا الخالق العظيم عن جميع صفات خلقه, وعن كل وصف لا يليق بجلاله, وأن يؤمنّ بملائكة الله, وكتبه, ورسله, واليوم الآخر, وبالقدر خيره وشره, وهذه هي أركان الإيمان. وتؤكد الآية الكريمة لكل رجل مسلم أن زواجه من أمة مؤمنة (أي الأنثى المملوكة بملك اليمين) أفضل من زواجه من حرة مشركة مهما كان جمالها, وثراؤها, وسلطانها وغير ذلك من المغريات التي يمكن أن تدفعه إلى الاقتران بها، وفي ذلك يقول المصطفى –صلى الله عليه وسلم-: (1) ((لا تنكحوا النساء لحسنهن، فعسى حسنهن أن يرديهن, ولا تنكحوهن على أموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن, وانكحوهن على الدين, فلأمة سوداء جرداء ذات دين أفضل)) [ابن ماجه]. (2) ((تنكح المرأة لأربع: لمالها, ولحسنها, ولجمالها, ولدينها, فاظفر بذات الدين تربت يداك)) [البخاري ومسلم]. (3) ((الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة)) [مسلم]. (4) ((إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه, إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض، وفساد عريض)) [ابن ماجه]. (5) ((تخيروا لنطفكم, وأنكحوا الأكفاء, وأنكحوا إليهم)) [ابن ماجه]. وفى المقابل يأمر ربنا –تبارك وتعالى– جميع المسلمين بألا يزوجوا المشركين من نسائهم المؤمنات، حتى يؤمن هؤلاء المشركون لله –تعالى– رباً واحداً أحداً فرداً صمداً, بغير شريك ولا شبيه ولا منازع ولا صاحبة ولا ولداً, وأن ينزهوا الله تعالى عن جميع صفات خلقه, وعن كل وصف لا يليق بجلاله, وأن يؤمنوا بملائكة الله, وكتبه, ورسله, واليوم الأخر, وبالقدر خيره وشره. وتؤكد الآية الكريمة على أن زواج المسلمة من غير مؤمن خير من زواجها من مشرك –مهما كان ثراؤه أو جاهه أو سلطانه، وليس هذا من قبيل التعصب الديني لأن الإسلام العظيم يؤكد الأخوة المطلقة بين بني الإنسان الذين ينتهي نسبهم إلى أب واحد وأم واحدة، ولكن الحكمة من هذا التشريع أن رابطة الزوجية هي أعمق رابطة تربط بين ذكر وأنثى, ومن ثم فإنها تستلزم القيام على أقوى الركائز وأدومها, وهى ركيزة الإيمان الصحيح بالله – سبحانه وتعالى–, والذي ينبني عليه فهم الإنسان لرسالته في هذه الحياة الدنيا: عبداً لله, مطالباً بعبادته وحده بما أمر, ومستخلفاً في الأرض, مطالباً بحسن القيام بواجبات الاستخلاف فيها؛ وذلك بعمارتها، وبإقامة شرع الله وعدله في ربوعها, وأول ما يجب تحقيق ذلك يكون في نطاق الأسرة لأنها هي أساس المجتمع, فإذا صلحت صلح المجتمع كله, وإذا فسدت انهار المجتمع من أساسه. والنظام الاجتماعي في الإسلام قائم على نظام الأسرة؛ ولذلك فإنه يعتبر أية علاقة بين الجنسين خارج هذا الإطار هي علاقة محرمة تحريماً قاطعاً، والأسرة تلبي كل احتياجات الفطرة الإنسانية، وترسيخ مقوماتها حيث تتوحد في ظلها القلوب والعقول وما ينتج عن ذلك التوحد من المفاهيم والمشاعر والأحاسيس، وإذا لم تبدأ الأسرة على أساس من العقيدة الدينية الصحيحة فإن مثل هذا اللقاء لا يمكن له أن يتحقق؛ وذلك لأن الحياة بطبيعتها مليئة بالا بتلاءات والشدائد والمصاعب, والتي إذا لم تصادف وحدة على العقيدة الصحيحة، فإن العلاقات الزوجية سرعان ما تنهار تحت ضغط تلك الشدائد, ويكون لانهيارها من التبعات ما لا يعلمه إلا الله. ومن هنا فإن الاستجابة السريعة لعاصفة عابرة تؤججها غمزات الشياطين لا يمكن أن تكون مبرراً لإقامة علاقة زوجية مع اختلاف في العقيدة بين الزوجين مهما كانت مساحة الإغراءات لتحقيق ذلك, والتجارب السابقة كلها تؤكد على حتمية انهيار تلك العلاقة مهما بدت دوافع تحقيقها مغرية وميسرة وممكنة في أول الأمر. فالزوجة إذا لم تكن على دين زوجها فإنها تحاول أن تصبغ بيتها بصبغة معتقداتها, وأن تغرس تلك المعتقدات في عقول وقلوب أبنائها مما يؤدى إلى تمزق الأسرة عقدياً وعبادياً وفكرياً وسلوكياً، وما يمكن أن يحدثه ذلك في تنشئة الأبناء والبنات منذ بدايات الإدراك الأولى عندهم بشروخ حقيقية في المعتقدات والعبادات والسلوكيات؛ ولذلك ختمت الآية الكريمة بقول الحق –تبارك وتعالى-: (أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (البقرة : 221 ). أي أن مصاهرة المشركين تؤدي بالمسلمين حتماً إلى النار, وأن الثبات على أوامر الله –تعالى– بتحريم ذلك يؤدي بالمسلمين إلى جنات الله ومغفرته, والله –سبحانه وتعالى– يوضح مبررات أوامره للناس حتى يفيقوا من ركام الادعاءات المادية الباطلة فيميزوا بين الخير والشر, والطيب والخبيث, وبين ما ينفعهم في الدنيا والآخرة, وما يدمرهم في الدارين, والله يقول الحق، ويهدى إلى سواء السبيل. وفى قوله- تعالى-: (وَلاَ تَنكِحُوا المُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ) أي لا ترتبطوا بزواج أي من المشركات إلى أن يؤمن إيماناً صادقًا صحيحاً، لا لبس فيه ولا مجاملة، والمراد بالنكاح هنا هو عقد عقدة الزواج وهو من الفعل الثلاثي (نكح) أي عقد عقدة الزواج, وهذا الفعل الثلاثي لا يتعدى إلا إلى مفعول واحد هو هنا (المشركات). وفى قوله –تعالى-: (وَلاَ تُنكِحُوا المُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ...) (البقرة : 221 ). تأكيد على حرمة تزوج المسلمة أو زواجها هي بالمشرك، والفعل (تنكحوا) بضم التاء مستمد من الفعل الرباعي (أنكح) بمعنى عقد عقدة الزواج لذكر على أنثى, وهذا الفعل الرباعي يتعدى إلى مفعولين أولها (المشركين) وثانيهما محذوف ويشير إلى (المؤمنات) أي: يا أيها الذين أمنوا لا تزوجوا المشركين بالمؤمنات من بناتكم أو نسائكم, ولا تسمحوا لهن بتزويج أنفسهن من المشركين إذا كن مؤهلات للقيام بذلك، مهما كانت الدوافع والمغريات للوقوع في تلك المعصية، والعلة في تحريم عقد زواج المشرك على مؤمنة هو أن الولاية في الأسرة هي للرجل, وإذا كان الرجل مشركاً فقد يستخدم سلطة الولاية في الاستخفاف بدين زوجته, أو إيذائها بسبب دينها أو منعها من ممارسة عبادتها, أو إجبارها على ترك دينها بالكامل، وحملها على الكفر بالله، أو الشرك به, فيدمرها تدميراً كاملاً في الدنيا والآخرة، خاصة وأن المسلمة تؤمن بجميع أنبياء الله ورسله وكتبه دون أدنى تفريق, والمشرك لا يعظم ذلك أبداً، ثم إن الأولاد عادة يتبعون الأب -مهما كان معتقده فاسداً- فيدمر أبوهم حياتهم في الدنيا والآخرة؛ ولذلك قال -تعالى-: (أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) ( البقرة : 221 ). ومن المعلوم أن المغفرة تسبق دخول العبد إلى الجنة, ولكن في هذه الآية الكريمة قدمت (الجنة) على (المغفرة) لرعاية المقابلة مع لفظ (النار) السابقة لتكمل المقابلة وتظهر -بإذن الله-. وتأكيد النص القرآني على أن الشرك يقود إلى النار ينطلق من قول ربنا –تبارك وتعالى-: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً) (النساء:48). ونحن نرى الحكمة من هذا التشريع الإلهي العظيم اليوم في زمن الانفتاح الذي نعيشه, والذي يسهل فيه اتصال كل من المسلم بغير المسلمات من النساء, والمسلمة بغير المسلمين من الرجال عن طريق التليفون المحمول أو الإنترنت أو كتاب الوجه المعروف باسم (الفيس بوك) أو عن طريق السفر إلى الخارج، أو الإقامة في ديار غير المسلمين, وهنا قد يصور الشيطان لأي من الطرفين، أو لهما معاً إمكانية العيش برباط الزوجية مع اختلاف العقائد والعبادات, وقد يحاول الطرفان جبر نفسهما على التعايش مع هذا الاختلاف لفترة من الزمن, ثم بعد فترة تهدأ العواطف الملتهبة، ويبدأ الزوجان في مواجهة تكاليف الحياة الصعبة، ويبدأ الصدام الحتمي الذي تتكسر على أحجاره كل ما تصوره الطرفان من مشاعر الحب الأعمى الذي دفعهما إلى الارتباط برباط الزواج مع إدراكهما للاختلافات الهائلة التي تفصلها في مجال العقيدة والعبادات والأخلاق والسلوكيات, وفى مجال المطعومات والمشروبات, والعادات, والعلاقات الأسرية وغيرها وعندها سرعان ما تنهار الأحلام الوردية التي حلموا بها, والأماني المستقبلية التي خططوا لها, فتنفصم عرى هذه العلاقة المحرمة بمأساوية قاتلة, تكون الضحية فيها غالباً هي المرأة التي تسبق العاطفة عندها حكم العقل, وتبدأ المعاناة إلى آخر العمر في الدنيا, والله أعلم بالمصير في الآخرة إذا لم تتحقق التوبة والعودة إلى الله بعد هذا القرار الذي اتخذ بلا روية وتتضخم المأساة إذا نتج عن هذه العلاقة المحرمة أطفال لأنهم حتماً سيضيعون بين أقدام الأبوين المنفصلين, وسيعانون من آثار التمزق النفسي والعقدي والفكري والسلوكي الذي عاشوا في ظله ما قد يكون سبباً في دمارهم الكامل في الدنيا والآخرة. ولا أقرر ذلك من فراغ فقد اتصل بي عشرات من الشباب المسلمين الذين حدث وأن تعرفوا على نصفهم الآخر من غير المسلمات عبر الدردشة على التليفون المحمول أو الإنترنت, واستشاروني في إتمام الزواج, وكنت دائماً أنصح بالانصراف عن ذلك الوهم الخاسر, ومنهم من كان يقتنع بنصيحتي, ومنهم من جرفته العاطفة العمياء فتمم الزواج الذي سرعان ما انهار وجاءني يبكى حظه الأغبر. وفى المقابل جاءني عدد من المسلمات اللائي تعرفن بشباب من غير المسلمين إما عبر شبكة المعلومات الدولية (الإنترنيت) أو الإرشاد السياحي, أو الإقامة بالخارج, وهؤلاء الشبان تظاهروا بقبول الإسلام ديناً كي يتم الزواج الذي سرعان ما انهار وتحطم على أول احتكاك فعلي, وكانت الضحية في كل مرة هي الأنثى المسكينة التي تسبق العاطفة عندها قرار العقل, والنسل البريء الذي جاء عن طريق هذه العلاقة التي حذرنا القرآن الكريم من أخطار الوقوع فيها, ووضح الضوابط الأخلاقية والسلوكية التي تحفظ الشابات والشبان من الوقوع في شباكها، فقال –تعالى-: (وَلاَ تَنكِحُوا المُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُوا المُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (البقرة : 221). وهنا يتضح وجه الإعجاز التشريعي في هذه الآية الكريمة, لعل شبابنا وشاباتنا من المسلمين أن يعيدوا قراءتها ليتعظوا بها، والله يقول الحق، ويهدي إلى صراط مستقيم, وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، ومن تبع هداه ودعا بدعوته إلى يوم الدين.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |