|
ملتقى الحوارات والنقاشات العامة قسم يتناول النقاشات العامة الهادفة والبناءة ويعالج المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الافتخار بالاعتذار محمد فايع عسيري العدول عن الحق، ومجانبة الصواب، واقتراف الخطأ، وغِشيان الإثم، عاداتٌ لا تنفك عن الإنسان ما دامت السَّماوات والأرض، ولكن الاعتذار والتصحيح والإصلاح والتصليح خَصلةٌ سامية وخلق راقٍ من سمات الإنسان الواعي المتحضِّر في كل المجتمعات، ولِما يَعْتوِر الاعتذارَ من إظهار النفس مظهر النقص والاعتراف بالعيب وكشف العورة؛ كان الاعتذارُ أسمى وأوقعَ أثرًا في النفوس، كلما كانت مكانة المعتذِر أعلى في المجتمع، إلا أن بعض الاعتذارات تشوبها مكدِّرات تعكِّر صفوَها، وتحيد بها عن غاياتها. أوَّل هذه المكدِّرات هو الافتخار بالاعتذار، فإذا أراد امرؤٌ الاعتذار لخطأ اقترفَه، فإنك تجده يمهِّد لهذا الاعتذار بمقدّمة طويلة مَهيبة يبيِّن فيها أن الاعتذار سمةُ الأقوياء، وأنها دليل على التواضع، وأنه لا يمكن أن يقدم عليها إلا امرؤ روَّض جأشه، وضبط شكيمته، وارتقَت أخلاقه كأن لم يكن في الكون سواه، فإذا امتلأت نفسك من تقديره وهيبته، رمى لك الاعتذارَ رميَ غيرِ مكترث؛ كأنه يضع نصف ريال في يد سائل على قارعة الطريق، وما بهذا يكون الاعتذار، بل بهذا التباهي يتهدَّم ويصبح الاعتذار باهتًا باردًا قد يصل لكي لا يكون اعتذارًا؛ بل خطيئة أخرى بجانب الخطأ الذي جاء ليعتذر منه. وأيضًا قد يصبح الاعتذار عند بعض القوم مِنَّة يمنُّ بها على مَن أخطأ في حقه، فربما يستمرُّ الذي له الحق في العتاب والتأنيب لما أحدثَه ذلك الخطأ من أثر قد غار في الصدر، ووقَر في القلب، فيَحمل ذلك المعتذرَ على أن يَسأل الذي له الحقُّ بأن يَحمد الله أنه قد أذلَّ نفسه وتنازل عن مكانته ليعتذر له! بل ربما - ولو بعد حين - تراه يلوِّح بهذا الاعتذار كل فترة وأخرى؛ ليُظهر فضله على الذي له الحق بأنه قد تنازل يومًا واعتذر! وهذه المنة بالاعتذار قد تشوِّهه وتُلبسه لباس الكبرياء والغطرسة؛ فـ﴿ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى ﴾ [البقرة: 263]. إننا ونحن نجاهد أنفسنا في دفعها لممارسة بعض السلوكيات المحمودة والرفيعة، نحتاج أن ننتبه لما يتَداخل معها من أخلاق ونوايا قد تُفسدها وتَطمس المعالم الصافية النقيَّة فيها؛ فإن النفس لها مسالكُ ورغبات خفيَّة وخفيفة تعتَورُ كلَّ سلوك تقوم به من أجل أن يبقى كبرياؤها وشموخها، ولنتذكر كرامة الإنسان ونحن نعتذر له.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |