موانع استدرار الرزق العشرة - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1369 - عددالزوار : 140001 )           »          معالجات نبوية لداء الرياء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          التربية بالحوار (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          صور من فن معالجة أخطاء الأصدقاء (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          في صحوةِ الغائب: الذِّكر بوابة الحضور (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          آيات السَّكِينة لطلب الطُّمأنينة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (العليم, العالم. علام الغيوب) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          سبل إحياء الدعوة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          التساؤلات القلبية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          الحب الذي لا نراه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى الشباب المسلم
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 01-11-2020, 03:25 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,143
الدولة : Egypt
افتراضي موانع استدرار الرزق العشرة

موانع استدرار الرزق العشرة (1)


د. محمد ويلالي





سلسلة شرح أسماء الله الحسنى (21)

اسم الله الرزاق (4)

موانع استدرار الرزق العشرة (1)


انتهَيْنا في المناسبةِ السابقة من الحديث عن الأسباب العشرين، التي شرعها ربُّنا عز وجل لاستدرارِ الرزق وتكثير البركة؛ حيث يصير صاحبُها قنوعًا بما في يده، راضيًا بما قسَم له ربُّه، زاهدًا فيما عند الناس، لا تشرَئِبُّ نفسه إلى ما ليس له، ولا يتطاول لينافسَ على الدنيا غيرَه، وعرَفْنا أن هذه الأسبابَ قد تتجاوزُ البركة والقناعة إلى التكثير المادي للخيرات، وإفاضةِ النِّعَم والعطاءات.

ونحاول اليومَ إن شاء الله أن نستجليَ أمرَ الموانع التي تَحجُز الرزق، وتمحَقُ البركة، وتترك صاحبها عائلًا فقيرًا، وإن بدا أنه غنيٌّ مُكتفٍ؛ وأهمها عشرة، نقتصر اليوم منها على أربعة؛ وهي:
1- ترك الأخذ بالأسباب تواكلًا واعتمادًا على القَدَر، وأن الرزق مقسومٌ، والأجل مضروب، وهذا عدم فهمٍ لحقيقة القدر؛ إذ الإنسان مطالَبٌ بالاجتهاد في اتخاذ الأسباب المشروعة، والسعي في الأرض لتحصيل قُوته، وإحراز رزقه، كما قال تعالى: ﴿ وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ﴾ [المزمل: 20]، وكقوله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ﴾ [الملك: 15].

فالطير تخرج صباحًا تبحَثُ عن رزقها، وتتعب في التنقُّل من مكان إلى مكان حتى تعود عشيةً بِطانًا ومعها طعامُ صغارِها.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إني أكرَهُ الرجل يمشي سَبَهْلَلًا، لا في أمر الدنيا، ولا في أمر الآخرة".
وقال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: "إني لأمقُتُ الرجل أراه فارغًا، ليس في شيء من عمل الدنيا ولا عمل الآخرة".

ومن أعظم اللذَّات أن يأكل المرء من طعام يدِه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما أكل أحدٌ طعامًا قط خيرًا مِن أن يأكل مِن عمل يده، وإن نبي الله داودَ عليه السلام كان يأكل مِن عمل يده))؛ البخاري.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لا يقعُدَنَّ أحدُكم عن طلب الرزق ويقول: اللهم ارزقني، وقد علِم أن السماء لا تُمطِر ذهبًا ولا فِضة".

ويقول أيضًا رضي الله عنه: "إني لأرى الرجل فيُعجِبني، فأقول: أَلَهُ حرفةٌ؟ فإن قالوا: لا، سقط من عيني".
بِقَدْرِ الكَدِّ تُكْتَسَبُ المَعَالِي
ومَنْ طَلَب العُلا سَهِرَ اللَّيالِي

ومن طلب العُلا مِن غير كَدٍّ
أَضَاع العُمْرَ في طلب المُحَالِ



فعلامَ يتقاعس بعض شبابنا، فلا يهبُّوا إلى العمل والأخذ بأسباب الرزق، إما تواكلًا، وإما استكبارًا عن بعض الوظائف التي يرونها غير مناسبة، أو ضئيلة الأجر، ثم يُفضِّلون البقاء عالةً على آبائهم أو إخوانهم أو أصدقائهم، مع ما يصحب الفقرَ من ذلةٍ وهوان وتبعيَّة؟
قال لقمان لابنه يومًا: "يا بُني، استعِنْ بالكسب الحلال؛ فإنه ما افتقَر أحدٌ قط إلا أصابه ثلاثُ خصال: رِقة في دينه، وضعفٌ في عقله، وذَهاب مروءته، وأعظمُ مِن هذه الخصال استخفافُ الناس به".

وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثلًا للأعمال الحلال، فقال: ((لأَنْ يأخذَ أحدُكم حبلَه ثم يغدو إلى الجبل، فيحتَطِب، فيبيع، فيأكل، ويتصدَّق - خيرٌ له من أن يسأل الناس))؛ البخاري، وهذا لا شك خيرٌ مِن البطالة وسؤال الناس، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "مَكسَبةٌ في دناءة، خيرٌ من سؤال الناس".

2- أكل الحرام، أو ما فيه شبهة؛ لأن الله تعالى طيِّبٌ لا يقبل إلا طيبًا، قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾ [البقرة: 172].
وقد يكون المال مع الحلالِ الطيب قليلًا، لكنه كثيرٌ ببركته، وقناعة صاحبه، وقد يكون مع الحرام كثيرًا لكنه منزوعُ البركة قليلُ الثمرة، قال تعالى: ﴿ قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ ﴾ [المائدة: 100]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((مَن جمع مالًا حرامًا ثم تصدَّق به، لم يكن له فيه أجرٌ، وكان إصرُه عليه))؛ صحيح الترغيب.

والسعادة الحقيقية ليست بكثرةِ المال؛ وإنما السعادة غِنَى النفس، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لَيْسَ الغِنَى عَن كَثرَةِ العَرَضِ، وَلَكِنَّ الغِنَى غِنَى النَّفسِ))؛ متفق عليه، وطهارة الطعام هي أحد الأركان الأربعة التي يقوم عليها الغنى في الدنيا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أربعٌ إذا كنَّ فيك، فلا عليك ما فاتَك من الدنيا: صدقُ الحديثِ، وحفظُ الأمانةِ، وحسنُ الخُلقِ، وعفَّةُ مَطعَمٍ))؛ صحيح الجامع.

إن الحياء من الله رزقٌ، وأكل الحرام يمنعه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الاستحياء مِن الله حقَّ الحياء: أن تحفظَ الرأس وما وعى، وتحفظ البطن وما حوى))؛ صحيح سنن الترمذي.
ورُبَّ قبيحةٍ ما حال بيني
وبين ركوبِها إلا الحياءُ

فكان هو الدواءَ لها ولكنْ
إذا ذهبَ الحياءُ فلا دواءُ


والرضا بالقليل رزق، وأكل الحرام يمنعه؛ لأن الحرام يولِّد عند صاحبه حبَّ المال والإسراع في تحصيله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اتقوا الله أيها الناس وأجمِلوا في الطلب، فإنِ استبطأ أحدٌ منكم رزقَه، فلا يطلبه بمعصية الله؛ فإن الله لا يُنالُ فضلُه بمعصيته))؛ صحيح الترغيب.

والقناعة رزق، والحرام يولِّد عند صاحبه الحرصَ والجشع، يجمع ولا يشبع، قال إبراهيم بن أدهم رحمه الله: "قلَّة الحرص والطمع، تُورِث الصدق والورع، وكثرة الحرص والطمع، تورث كثرة الغمِّ والجزع"، ولقد صدق رحمه الله؛ فأي غنًى مع الهم والكدر؟ وأي سعادة مع الحزن والضجر؟
لا تحرصِنْ فالحرصُ ليس بزائدٍ
في الرزقِ بل يشقى الحريصُ ويتعبُ

ويظلُّ ملهوفًا يروم تحيُّلًا
والرزقُ ليس بحيلةٍ يُستَجلَبُ

كم عاجزٍ في الناسِ يأتي رزقُهُ
رَغَدًا ويُحرَمُ كيِّسٌ ويُخيَّبُ


وطاعة الله رزق، وأكل الحرام يمنعها، قال يحيى بن معاذ رحمه الله: "الطاعة خزانةٌ من خزائن الله، إلا أن مِفتاحَها الدعاء، وأسنانه لقمُ الحلال".
واستجابة الدعاء رزق، والحرام يمنعه، فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ((الرجل يُطيلُ السفرَ أشعثَ أغبرَ، يمدُّ يدَه إلى السماء: يا ربِّ، يا رب، ومطعمُهُ حرامٌ، ومشربُه حرامٌ، وملبسه حرام، وغُذِيَ بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟))؛ صحيح سنن الترمذي.

آكل الربا تُنزَعُ بركة ماله في الدنيا، ويلقَى جزاءه في الآخرة، قال تعالى: ﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ﴾ [البقرة: 276]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لكعب بن عجرة: ((يا كعب بن عجرة، إنه لا يربو لحمٌ نَبَت من سحت إلا كانتِ النارُ أولى به))؛ صحيح سنن الترمذي.

والكذب في البيع والشراء تحايلٌ مذموم، ينقص المالَ ولا يزيده، قال صلى الله عليه وسلم: ((اليمين الكاذبة مَنفَقةٌ للسلعة، مَمحَقةٌ للكسب))، وفي لفظ: ((ممحقةٌ للبركة))؛ الصحيحة، ومثل الكذب كثرةُ الحلف، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إياكم وكثرةَ الحلف في البيع؛ فإنه يُنفِّقُ، ثم يَمحَق))؛ مسلم.
لا ترغبَنْ في كثيرِ المالِ تَكنِزُهُ
من الحرامِ فلا ينمى وإن كَثُرَا

واطلُبْ حلالًا وإن قلَّت فواضلُهُ
إنَّ الحلالَ زكيٌّ حيثما ذُكِرَا


3- كفر النِّعم، وازدراء عطايا الله وإن قلَّت، قال تعالى: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7]، قال ابن كثير رحمه الله: "أي: لئن شكرتم نعمتي عليكم لأزيدنكم منها، ولئن كفرتم النِّعم وسترتموها وجحدتموها، ﴿ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7]، وذلك بسَلْبِها عنهم".

وليس في بيان حقيقة ذلك أصرحُ مما حكاه ربُّنا عز وجل عن حال قريش الذين كانت بلدتهم آمنةً مطمئنة، ترفُلُ في النعيم، وتتقلب في الخيرات، قال ابن كثير رحمه الله: "فلما استعصَوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبَوا إلا خلافه، دعا عليهم بسبعٍ كسبعِ يوسُفَ، فأصابتهم سَنةٌ جائحة أذهبَتْ كل شيء لهم، فأكلوا العِلْهِز، وهو وَبَر البعير"، وذلك قوله تعالى: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [النحل: 112].

4- البخل والشح؛ لأنهما يدفعانِ إلى كنز المال، وعدم التصدُّق منه، فيخلو المال من بركة الصدقة، قال تعالى: ﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ ﴾ [آل عمران: 180]؛ أي: في الدنيا والآخرة؛ ولذلك لا نكاد نعثُرُ على بخيلٍ ينعَمُ بمال، ويسعَدُ بإنفاقه، بل قد يُدخِلُه شُحُّه وتسابُقُه إلى الجمع والتكديس في دوامة الصراع والخصام؛ ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اتَّقوا الشحَّ؛ فإن الشح أهلَكَ مَن كان قبلكم؛ حمَلَهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلُّوا محارمهم))؛ مسلم.

لا تخضعنَّ لمخلوقٍ على طمعٍ
فإن ذاك مضرٌّ منك بالدينِ

واسترزِقِ اللهَ مما في خزائنِهِ
فإنَّما هِيَ بينَ الكافِ والنونِ



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 01-11-2020, 03:26 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,143
الدولة : Egypt
افتراضي رد: موانع استدرار الرزق العشرة

موانع استدرار الرزق العشرة (2)
د. محمد ويلالي




سلسلة شرح أسماء الله الحسنى (22)

اسم الله الرزاق (5)

موانع استدرار الرزق العشرة (2)


ما زلنا مع سلسلةِ (شرح أسماء الله الحسنى) في عددها الثاني والعشرين، بعد أن وَقَفنا في المناسبة السالفة على الجزء الأول مِن بيان موانع استدرار الرزق، ضمن شرح اسم الله "الرزاق"، وذكرنا أن هذه الموانع التي تحجُزُ الرزق وتمحَقُ بركته مجملةٌ في عشرة، ذكرنا منها أربعة؛ وهي: (ترك الأخذ بالأسباب تواكلًا واعتمادًا على القدر - وأكل الحرام أو ما فيه شُبْهة - وكفر النِّعم وازدراء عطايا الله وإن بدت قليلة - والبخل والشح).

ونتمُّ اليوم إن شاء الله تعالى الستةَ الباقية، وهي:
1 - القيام بالأعمال الشِّركيَّة المنافية للعبادة الحقَّة؛ كمَن يحلِفُ بغير الله، أو يَذبَحُ لغير الله، أو يعتقد في استمداد النفع والضر من الأموات؛ قال تعالى: ﴿ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾ [قريش: 3، 4]؛ أي: إن الإطعام والأمن (وهما رزقٌ) منوطانِ بتوحيد الله وتحقيق العبادة الصحيحة.

2 - الإعراض عن القرآن الكريم، واعتقاد أن غيرَه من القوانين الوضعية خيرٌ منه؛ قال تعالى: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طه: 124].
قال الضحاك: ﴿ فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ﴾ [طه: 124] العمل السيئ، والرزق الخبيث.
وقال ابن كثير رحمه الله: "﴿ فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ﴾ [طه: 124]؛ أي: تناساه وأخذ من غيره هداه، ﴿ فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ﴾ [طه: 124]؛ أي: في الدنيا، فلا طمأنينة له ولا انشراح لصدره، وإن تنعَّم ظاهره، ولبس ما شاء، وأكل ما شاء، وسكن حيث شاء، فهو في قلق وحيرة وشك، فهذا من ضنك المعيشة".

وانظر اليومَ إلى مَن يرون أنفسَهم مِن عظماء الدنيا، لا تعرف الطمأنينةُ إليهم سبيلًا، ولا ترى السعادةُ إليهم طريقًا، يعيشون هواجس الخوف والحروب، وإهدار الأموال الطائلة في التسابق إلى التسلح، حتى بلغت قيمةُ صاروخ واحد 65 مليون دولار، وهو مبلغ يمكن أن ينقِذَ آلافًا من الناس من الجوع والمرض.

3 - عدم نسبة الفضل في الرزق إلى الرزاق المُنعِم، فإذا كان مَن أسدى إليك معروفًا مِن البشر يستحقُّ منك الشكر والثناء، فكيف بالذي وهَبَك الحياة، وأغدق عليك مِن النعم ما لا يحصى؟
فقد ضرب الله لنا مثلًا قصةَ قارون الذي ملك الدنيا، فلم يعتَرِفْ بالمنعم المتفضِّل، وقال: ﴿ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي ﴾ [القصص: 78]؛ أي: إن الله يعلَمُ قدري، وأنني أستحقُّه بجهدي وذكائي، فكان جزاؤه أن خسف الله به وبداره الأرضَ، ﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ ﴾ [القصص: 81].

وضرب لنا كذلك مثلًا فرعونَ الذي زعم أن ما عليه مِن نعيم إنما هو له، لا لخالقه ورازقه، فقال: ﴿ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ [الزخرف: 51]، فكيف كان جزاؤه هو ومَن اتَّبعه؟ قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا آسَفُونَا ﴾ [الزخرف: 55] (أغضبونا بعنادهم) ﴿ انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ [الزخرف: 55]، فكان كفرانُ النعمة ونسبتُها للمخلوق وبالًا ونقمةً.
قال المناوي: "ما زال شيء عن قوم أشد من نعمة لا يستطيعون ردَّها، وإنما ثبَتَت النعمة بشكر المُنعَم عليه للمُنعِم، وفي الحِكَم (مَن لم يشكر النعمة، فقد تعرَّض لزوالها، ومَن شكرها فقد قيَّدها بعقالها)".

4 - الانشغال عن الفرائض بطلب الرزق؛ لأن الذي يرزقك هو الذي أمرك بتركِ الدنيا والإقبالِ عليه في أوقات مخصوصة؛ كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الجمعة: 9].

قال ابن عجيبة: "بادِروا إلى تِجارة الآخرة، واتركوا تجارة الدنيا".
ولذلك قال تعالى بعد ذلك: ﴿ قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ [الجمعة: 11].
ومثله قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [المنافقون: 9].

5 - ترك إخراج الزكاة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((ولم يمنعوا زكاةَ أموالهم إلا مُنِعوا القَطر مِن السماء، ولولا البهائمُ لم يُمطَروا))؛ صحيح سنن ابن ماجه.
وهذا من أسباب قلة الغيثِ التي اجتاحت كثيرًا من البلاد، يهبُّون لجمع المال، ويتقاعسون عند إخراج حقِّه، حتى ذهب أحد المعاصرين إلى أن قرابة خمسةٍ في المائة من الأغنياء اليومَ فقط هم الذين يُخرِجون زكاتهم.

6 - الذنوب والمعاصي، وهي مِن أعظم أسباب منع الرزق ومحق بركته، وما أهلَك اللهُ مَن قبلنا من الأمم إلا بسبب المعاصي، ومنها الظلم الذي كان سببًا في حرمان بني إسرائيل من كثير من الأرزاق والخيرات؛ قال تعالى: ﴿ فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴾ [النساء: 160، 161].
فإذا قال القائل: إنهم اليوم في عيش رغيد مع إقامتهم على المعصية.
قيل: إن ذلك استدراجٌ.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا رأيتَ اللهَ يُعطِي العبدَ مِن الدنيا على معاصيه ما يحبُّ، فإنما هو استدراجٌ))، ثم تلا صلى الله عليه وسلم: ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾ [الأنعام: 44]؛ أحمد، وهو في الصحيحة.
وقال تعالى: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴾ [إبراهيم: 42].

وسبق معنا قولُ النبي صلى الله عليه وسلم: ((فاتقوا الله وأجمِلوا في الطلب، ولا يحمِلَنَّكم استبطاءُ الرزق أن تطلبوه بمعاصي الله؛ فإن الله لا يُدرَك ما عنده إلا بطاعته))؛ الصحيحة.
وبيَّن صلى الله عليه وسلم كيف أن الذنب يمنعُ الرزق، فقال: ((إن الرجلَ ليُحرَمُ الرزقَ بالذنب يُصيبه))؛ صحيح سنن ابن ماجه؛ أي: يمنع الرزق الحلال، أو يمنع البركة.

قال ابن القيم رحمه الله: "ومِن عقوباتها (أي: المعاصي) أنها تمحَقُ بركة العمر، وبركة الرزق، وبركة العلم، وبركة العمل، وبركة الطاعة، وبالجملة تمحق بركة الدين والدنيا، وما مُحِيَت البركة من الأرض إلا بمعاصي الخلق".
وقال عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: "إن للحسنة ضياءً في الوجه، ونورًا في القلب، وسَعةً في الرزق، وقوةً في البدن، ومحبة في قلوب الناس، وإن للسيئة سوادًا في الوجه، وظلمة في القلب، ووَهَنًا في البدن، ونقصًا في الرزق، وبُغضًا في قلوب الناس".
إذا كنتَ في نِعمةٍ فارْعَها
فإن المعاصي تُزيلُ النِّعَمْ

وداوِمْ عليها بشكرِ الإلهِ
فإن الإلهَ سريعُ النقمْ

وسافِرْ بقلبِك بين الورى
لتُبصِرَ آثارَ مَن قد ظَلَمْ


إن شؤم المعصية قد يتعدَّى غير العاصي، فيرجع وبالُ معصيته في حرمان الرزق عليه وعلى غيره أيضًا، فقد قالت زينب بنت جحش رضي الله عنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "أَنهلِكُ وفينا الصالحون؟"، قال: ((نعم، إذا كثر الخبث))؛ متفق عليه.
يقول ابن الجوزيِّ رحمه الله في كتاب "ذم الهوى": "متى رأيتَ - وفّقك الله - تكديرًا في حال، فتذكّر ذنبًا قد وقع، فقد قال الفضيل بن عياض: "إني لأعصي الله، فأعرف ذلك في خُلُق دابَّتي وجاريتي".

وقال عكرمة: "دوابُّ الأرض وهوامها، حتى الخنافس والعقارب يقولون: مُنِعنا القطر بذنوب بني آدم".
وقال مجاهد: "إن البهائم تلعَنُ عصاة بني آدم إذا اشتدَّت السَّنة، وأمسك المطر، وتقول: هذا بشؤم معصية ابن آدم".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رجلًا يقول: "إن الظالم لا يضرُّ إلا نفسه"، فقال أبو هريرة: "بلى والله، حتى الحُبارى (طائر) لتموتُ في وكرها هزالًا من ظلم الظالم"؛ ذكره الذهبي في الكبائر.

إن المعاصيَ هي التي صرفت الأرزاقَ التي كان يمكن أن يستفيد منها فقراء العالم الذين يعيشون على أقلَّ مِن دولارين في اليوم، وهم قرابةُ 800 مليون شخص، إلى إنفاقِها على الحروب المدمِّرة، التي أنفق العالم عليها 1,76 تريليون دولار سنة 2015، لو وُزِّعت على أولئك الفقراء لكان نصيب كل واحد منهم 2200 دولار في السَّنة، في الوقت الذي كان مِن الممكن أن نُنفِق خمسة دولارات على كل فرد لتفادي مخاطرِ ما يسمى بالأمراض الخمجية (السيدا، والملاريا، والأمراض التنفسية).


ويُنفِق العالم على أمراض التدخين 500 مليار دولار سنويًّا، وهي أموال كان من الممكن أن يستثمر فيما ينفع الناس، بل وُجِد في بعض البلاد العربية أن المدخِّن ينفق على السجائر القاتلة أربعةَ أضعاف ما ينفقه على صحته.
أيضمَنُ لي فتًى تركَ المعاصي
وأرهنُهُ الكفالةَ بالخلاصِ

أطاع اللهَ قومٌ فاستراحوا
ولم يتجرَّعوا غُصَص المعاصي


ولعل شهر شعبان وهو الشهر الذي تُرفَع الأعمال فيه إلى الله، يرفع مِن همم المسلمين، فيتقرَّبون إلى ربهم بالإقلاع عن المعاصي، والانشغال بالصوم والأعمال الصالحة، فتَعظُم الأرزاق، وتتضاعف البركات.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 78.13 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 76.00 كيلو بايت... تم توفير 2.13 كيلو بايت...بمعدل (2.72%)]