فوائد رعاية النظم القرآني والعلم به - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1164 - عددالزوار : 130765 )           »          3 مراحل لانفصام الشخصية وأهم أعراضها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 12 )           »          متلازمة الشاشات الإلكترونية: كل ما تود معرفته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          ما هي أسباب التعرق الزائد؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 11 )           »          أضرار الوجبات السريعة على الأطفال: عواقب يُمكنك تجنبها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 13 )           »          الوقاية من القمل بالقرنفل: أهم الخطوات والنصائح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          علاج جفاف المهبل: حلول طبيّة وطبيعية (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          الوقاية من القمل في المدارس: دليل شامل للأهل والمعلم! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 9 )           »          الوقاية من التهاب الكبد: 9 خطوات بسيطة لصحة أفضل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »          الوقاية من الجلطات: دليلك الشامل لصحة أفضل! (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 10 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 30-10-2020, 09:49 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,847
الدولة : Egypt
افتراضي فوائد رعاية النظم القرآني والعلم به

فوائد رعاية النظم القرآني والعلم به


الشيخ مسعد أحمد الشايب









أولًا: الطريق الرئيس للوقوف على إعجاز القُرْآن.

ثانيًا: ترسخ الإيمان في القلب، وتنيره، وتورثه برد اليقين الذي لا يتزلزل ولا يتزعزع، وتزيد من الخشوع والخضوع لله رب العالمين، وتفتح عين القارئ والدارس على ما تقر به عينه.

ثالثًا: تساعد المفسر والباحث على فهم النص القُرْآني فهمًا صحيحًا.

رابعًا: تميز الضعيف من الصحيح والسقيم من السليم في الروايات التفسيرية.

خامسًا: توقف على أسرار ترتيب الكثير من الآيات القُرْآنية، ومعانيها التي حار فيها المفسرون.

سادسًا: تأصيل الدراسات القُرْآنية، والتعمق فيها.

سابعًا: تعرف علل ترتيب السور والآيات، وتورث اليقين بأن القُرْآن في سوره وآياته وجمله وموضوعاته مرتب بترتيب من الرحمن.

ثامنًا: تدفع الشبهات الناشئة عن سوء الفهم للقُرْآن، وتدفع ما يوهم التعارض بين الآيات.

تاسعًا: توقف على أسرار التكرار في القُرْآن الكريم.

عاشرًا: توصل إلى كثير من أصول الصحاح في القُرْآن الكريم.

حادي عشر: تمكن من فهم أسباب النزول، وعدم التحير في فهمها.

ثاني عشر: تفتح العيون على الكثير والكثير من وجوه ولطائف البلاغة في القُرْآن الكريم.





أولًا: رعاية النظم القُرْآني والعلم به:

هي الطريق الرئيس للوقوف على إعجاز القُرْآن، وكما تقدم من كلام الخطابي: (فالقُرْآن جاء بأفصح الألفاظ في أحسن نظوم التأليف، مضمنًا أصح المعاني، واضعًا كل شيء منها موضعه الذي لا يرى شيء أولى منه، ولا يرى في صورة العقل أمر أليق به منه... ومعلوم أن الإتيان بمثل هذه الأمور والجمع بين أشتاتها حتى تنتظم وتتسق أمر تعجِز عنه قوى البشر، ولا تبلغه قدرهم، فانقطع الخلق دونه، وعجزوا عن معارضته بمثله، أو مناقضته في شكله)[1].

قلت: وسيتضح هذا جليًّا في ثنايا هذه الرسالة.




ثانيًا: مِن فوائد رعاية النظم القُرْآني والعلم به:

ترسيخ الإيمان في القلب، وإنارته، وتوريثه برد اليقين الذي لا يتزلزل ولا يتزعزع، وتزيد من الخشوع والخضوع لله رب العالمين، وتفتح عين القارئ والدارس على ما تقر به عينه.



انظر إلى أبي بكر رضي الله عنه وتمسكه وعزمه وإصراره على قتال مانعي الزكاة مع أن فضلاء الصحابة - كسيدنا عمر رضي الله عنه - لم يوافقوه أولًا على ما قرر وأرادوا صرفه عنه إلى اتخاذ موقف الملاينة معهم، ولكنه رضي الله عنه لم يعبأ بخلافهم، وصمم على رأيه قائلًا: (والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة؛ فإن الزكاةَ حق المال، والله لو منعوني عناقًا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتُهم على منعها، قال عمر رضي الله عنه: فوالله ما هو إلا أن قد شرح الله صدر أبي بكر رضي الله عنه فعرَفت أنه الحق[2])[3]، أليس هذا اليقين الذي لا يتزعزع بالرغم من مخالفة كبار الصحابة رضي الله عنهم له نابعًا من رعايته لنظم القُرْآن الذي لم يفرق بين الصلاة والزكاة؟ وانظر إلى قول عمر رضي الله عنه: (فوالله ما هو إلا أن قد شرح الله صدر أبي بكر رضي الله عنه فعرفت أنه الحق)، فإذا كان المصرُّ على ترك الصلاة جحودًا لها مباح الدم، فكذلك الجاحد لفرضية الزكاة، وهذا يدل أيضًا على أنه كان أعلم الصحابة رضي الله عنهم بدلالات النظم القُرْآني.




كما أن هذه الرعاية للنظم تؤدي بالمرء إلى ذروة الشوق والمحبة واللذة التي لا يرقى إليها من لا يهتم بنظم الآيات؛ فإن هذه المشاعر وتلك الأحاسيس تزداد بقدر زيادة المعرفة بمحاسن الكلام وحسن النظام وقوة البرهان مما تميز به النظم القُرْآني، ولسنا بحاجة إلى التدليل على هذه القضية وإفاضة القول فيها؛ فهي أوضح من فلق الصبح، وأبين من غرة النهار.




يقول البقاعي: (وبهذا العلم يرسخ الإيمان في القلب، ويتمكن من اللب؛ وذلك أنه يكشف أن للإعجاز طريقين: أحدهما: نظم كل جملة على حيالها بحسب التركيب، والثاني: نظمها مع أختها بالنظر إلى الترتيب)؛ اهـ.[4].



قلت: يقصد بهذا العلم العلم بأسرار ترتيب آيات القُرْآن وسوره، وهذا أحد فروع علم النظم، وإذا كان العلم بهذا الفرع يرسخ الإيمان في القلب فما بالنا لو علمنا أسرار جميع فروعه؟! ويشهد لهذا قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ﴾ [الأنفال: 2].




ثالثًا: من فوائد رعاية النظم القُرْآني والعلم به:

أنه يساعد المفسر والباحث على فهم النص القُرْآني فهمًا صحيحًا، ويحفظهما من الزيغ والانحراف في تأويل الآيات، فيجعلهما على بينة من ربهما ونور من أمرهما فلا ينخدعان بالباطل وإن جاء في ثوب فاخر، يعجب الخاطر ويبهر الناظر، وبالتالي يمنع ذلك من كثرة الأقاويل، وبالتالي يقطع الخلاف في فهم النص، ويمنع من كثرة ظهور الفرق والمذاهب التي لجأت إلى تعضيد مذاهبها بالتأويلات الفاسدة والضعيفة لآيات القُرْآن الكريم، ولا بد من هذه الرعاية للنظم لعلماء الأمة حتى يعلموا الناس حسب ما فهموا؛ فإنهم إن لم يفهموه واختلفوا فيه فكيف يرشدون الناس؟! انظر مثلًا إلى قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 146].




ما المقصود بالذي يعرفه أهل الكتاب؟ وما المقصود بالحق الذي كتمه فريق منهم؟

قلت: الضمير في ﴿ يَعْرِفُونَهُ ﴾ [البقرة: 146] في الآية هو الحق الذي كتمه فريق منهم، ولو رجعنا إلى أقوال المفسرين في تعيين ما يعود إليه هذا الضمير لوجدنا الآتي:

أولًا: فريق قال: إنه محمد صلى الله عليه وسلم وصفته، منهم البغوي[5].

ثانيًا: وفريق زاد على الرأي الأول تحويل القبلة، منهم الطبري[6]، وابن عطية[7]، وابن الجوزي[8]، وابن كثير[9].

ثالثًا: وفريق زاد عليهما العلم والقُرْآن، منهم الزمخشري[10]، والبيضاوي[11]، والنسفي[12]، وأبو السعود [13] ورجحوا القول الأول (محمدًا صلى الله عليه وسلم وصفته).

رابعًا: وفريق زاد على كل ذلك صدقه ونبوته صلى الله عليه وسلم، منهم أبو حيان[14].

قلت: سبب هذا التعدد في تعيين هذا الحق الذي كتمه فريق من أهل الكتاب هو البعد عن رعاية نظم الآيات، وعدم النظر في سياق الآيات، ولو قام علماؤنا رضي الله عنهم بذلك ما وجدنا هذا التعدد في الآراء، فنظم الآيات يوجهنا إلى أن الحق الذي كانوا يعرفونه وكتمه فريق منهم هو: التوجه إلى ناحية الكعبة في الصلاة، وبيان ذلك كالآتي:

نظم الآيات القُرْآنية وسياقه قبل هذه الآية يحدثنا عن جعل البيت الحرام مثابة للناس (يعودون إليه مرة بعد مرة) وأمنًا، والأمر باتخاذ مقام إبراهيم مصلى، وعن عهد الله إلى إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام بتطهير البيت الحرام لقاصديه؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ﴾ [البقرة: 125]، ثم يخبر سبحانه وتعالى عن دعوة إبراهيم عليه السلام لمكة وأهلها، فقال تعالى: ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ﴾ [البقرة: 126].




ثم يُخبر سبحانه وتعالى عن رفع إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام للقواعد من البيت، ودعائهما بالقبول لهذا العمل، ودعائهما بأن يجعلهما مسلمين له سبحانه وتعالى، وأن يُخرج من ذريتهما أمة مسلمة، وأن يعرفهما مناسكهما، وأن يتوب عليهما، وأن يبعث في هذه الأمة الإبراهيمية الإسماعيلية رسولًا منهم، فقال تعالى: ﴿ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [البقرة: 127 - 129].




قلت: وهذا يقرر حقيقة، هي أن الكعبة التي بناها إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام كانت قبلتهما وقبلة ذريتهما من بعدهما، وهذا توبيخ لأهل الكتاب الذين عدلوا عن ذلك، وفي نفس الوقت هو توبيخ للكفار من العرب الذين كانوا يفتخرون ويزعمون أنهم أفضل ذرية إبراهيم، وأنهم يتعلقون بملته، وأنهم زرع إسماعيل وسدنة البيت الذي بناه ثم عدلوا عن مِلته؛ ولذا جاء بعد هذه الآيات قوله تعالى: ﴿ وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [البقرة: 130].




ثم بيَّنت الآيات أن دين إبراهيم عليه السلام هو الإسلام، وأنه هو الدين الذي وصى به إبراهيم عليه السلام أبناءه، وهو الدين الذي وصى به يعقوب عليه السلام أبناءه الأسباط (جدودهم وجذورهم).

قلت: وهذا توضيح وبيان لملة إبراهيم عليه السلام في الآية المتقدمة، فقال تعالى: ﴿ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [البقرة: 131، 132].

ثم انتقلَت الآيات إلى محاورة أهل الكتاب ومجادلتهم والرد على بعض دعاواهم من الآية (133) وحتى نهاية الآية (141)، بعد أن وبختهم وعرضت بهم عدم اتباعهم ملة إبراهيم عليه السلام .




ثم انتقل الحديث عن القبلة مرة أخرى، وما ردده اليهود بشأنها، وكيفية رد النبي صلى الله عليه وسلم عليهم، والحكمة في التوجه إلى بيت المقدس، فقال تعالى: ﴿ سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [البقرة: 142، 143].




ثم بيَّنت الآيات أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتمنى التوجه إلى الكعبة في صلاته، وأن الله حقق له رغبته وأمنيته، وأن أهل الكتاب يعلمون أن التوجه إلى الكعبة في الصلاة هو الحق الذي لا مرية فيه، وأنهم مجادلون مكابرون لا يتبعون هذا الحق مهما جاءتهم الآيات والدلائل على هذا الحق؛ فإنكارهم أحقيةَ الكعبة بالاستقبال ليس عن شبهة حتى تزيله الحجة، ولكنه مكابرة وعناد، فلا جدوى في إطناب الاحتجاج عليهم، وهذه المكابرة وهذه المعاندة وهذا الخلاف هو دأبهم وشنشنتهم من الخلاف؛ فقديمًا خالف بعضهم بعضًا في قِبلتهم، حتى خالفت النصارى قبلة اليهود، مع أن شريعة اليهود هي أصل النصرانية، فقال تعالى: ﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ * وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 144، 145].




قلت: هكذا يرشد سياق الآيات ونظمها أن الحق الذي كان يعرفه أهل الكتاب وكتَمَه فريقٌ منهم هو: تحويل القبلة في الصلاة إلى الكعبة، وأن الضمير في ﴿ يَعْرِفُونَهُ ﴾ يعود إليه، ولو وقف علماؤنا أمام سياق الآيات، وراعَوْا نظم الآيات ما رأينا تلك الأقوال المتعددة في تأويل قوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 146]، ولكنه فضل الله يؤتيه من يشاء، وهذا مِن فوائد رعاية نظم الآيات والعلم به.




يقول الفراهي [15]: (عدم التمسُّك بالنظام هو أكبر سبب للولوع بكثرة التأويل؛ فإن النظم هو الذي يوجهك الوجه الصحيح)[16]؛ اهـ.

ويقول: (ولكن من تدبر القُرْآن ونظمه الحكيم، اطلع على حسن نظامه، وإعجاز بلاغته، ودقائق حكمته، وفتح عليه باب عظيم من المعاني، وكان على نور عند احتمال التأويلات، فاختار ما هو الحق الواضح، ولم يتمجمج في نبذ الباطل)[17]؛ اهـ.




رابعًا: مِن فوائد رعاية النظم القُرْآني والعلم به:

تمييز الضعيف من الصحيح والسقيم من السليم في الروايات التفسيرية، التي طفح بها الكثير من كتب التفسير، بالإضافة إلى الإسرائيليات والموضوعات، وسيتضح العديد من الأمثلة على هذه الفائدة إن شاء الله في الباب الثاني من هذه الرسالة، الفصل الأول بعنوان: (أثر النظم فى بيان الدخيل والإسرائيليات).




خامسًا: من فوائد رعاية النظم القُرْآني والعلم به:

الوقوف على أسرار ترتيب الكثير من الآيات القُرْآنية ومعانيها التي حار فيها المفسرون.

يقول البقاعي: (وبذلك[18] أيضًا يوقف على الحق من معاني آياتٍ حار فيها المفسرون لتضييع هذا الباب من غير ارتياب... . ومنها قوله تعالى في سورة النساء: ﴿ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً [النساء: 95] مع قوله عَقِيبه: ﴿ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا * دَرَجَاتٍ ﴾ [النساء: 95، 96] مما تراه وينكشف لك غامض معناه)؛ اهـ[19].



سادسًا: من فوائد رعاية النظم القُرْآني والعلم به:

تأصيل الدراسات القُرْآنية والتعمق فيها؛ فعلم النظم إحدى الدراسات العلمية المتعلقة بالقُرْآن الكريم، ويعنى بجوانب شتى من تقديم وتأخير، أو زيادة أو حذف، أو تعريف وتنكير، أو إبدال شيءٍ بشيءٍ... إلى آخر ما يتعلق بجُمل وألفاظ القُرْآن الكريم.




سابعًا: مِن فوائد رعاية النظم القُرْآني والعلم به:

معرفة علل ترتيب السور والآيات، والتيقن بأن القُرْآن في سوره وآياته وجمله وموضوعاته مرتب بترتيب من الرحمن، وليس ترتيبًا عشوائيًّا، وهو سر البلاغة لأدائه إلى تحقيق مطابقة المعاني لما اقتضاه الحال؛ اهـ[20].

قلت: وهذا مما يساعد على تربية ملكة البيان، وسيتضح الكثير والكثير من الأمثلة على هذه الفائدة عند الحديث عن الأدلة على وجود النظم في القُرْآن، وعند الحديث عن نظم الآيات، والموضوعات، والسور القُرْآنية في الفصل الثاني من هذا الباب إن شاء الله.




ثامنًا: من فوائد رعاية النظم القُرْآني والعلم به:

دفع الشبهات الناشئة عن سوء الفهم للقُرْآن، ودفع ما يوهم التعارض بين الآيات؛ كما سيتضح إن شاء الله في الباب الثاني من هذه الرسالة، كما أن فيه امتثالًا للآيات القُرْآنية الداعية إلى التدبر والتفكر في كتاب الله، كما أن فيه زيادة الشوق والمحبة واللذة للنظر في القُرْآن؛ فإن ذلك يحصل بقدر زيادة المعرفة بمحاسن الكلام، وحسن النظام وقوة الاستدلال.




تاسعًا: من فوائد رعاية النظم القُرْآني والعلم به:

الوقوف على أسرار التكرار في القُرْآن الكريم وتوجيه ذلك، كما سيتضح ذلك في الباب الثاني من هذه الرسالة إن شاء الله، يقول البقاعي: (وبه يتبين لك أسرار القصص المكررات، وأن كل سورة أعيدت فيها قصة فلمعنًى أدعى في تلك السورة استدل عليه بتلك القصة غير المعنى الذي سيقت له في السورة السابقة، ومن هنا اختلفت الألفاظ بحسب تلك الأغراض، وتغيرت النظوم بالتأخير والتقديم والإيجاز والتطويل مع أنها لا يخالف شيء من ذلك أصل المعنى الذي تكونت به القصة، وعلى قدر غموض تلك المناسبات يكون وضوحها بعد انكشافها)[21]؛ اهـ.




قلت: وقد أفرد الدكتور/ محمد عناية الله أسد سبحاني فصلًا كاملًا في كتابه: (إمعان النظر في نظام الآي والسور) عن تكرار القصص القُرْآني، وجعله مَعلمًا من معالم النظم في القُرْآن، تناول فيه قصة آدم في القُرْآن الكريم يصلح أن يكون أنموذجًا لهذه الفائدة، فليراجعه مَن شاء[22]، كما أنه تحدث أيضًا في رسالته تلك عن فائدة رعاية النظم في تشخيص المعاني المتكررة، وتحديد مراميها، وضرب مثالًا على ذلك، فليراجعه من أراد[23].
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 141.64 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 139.92 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.22%)]