|
ملتقى الحوارات والنقاشات العامة قسم يتناول النقاشات العامة الهادفة والبناءة ويعالج المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() بين المؤمن والمرآة د. محمود عبدالجليل روزن • (لك وحدكَ)؛ لسان حال المرآة مع كلِّ ناظرٍ: في لحظةِ نظرنا للمرآةِ؛ تُخلصُ نفسها، وتصفو لناظرها؛ فلا يتنازع وجهها موضوعان إلا بالقدر الذي يسمح به الرائي نفسه، فإن قصرها على نفسه اقتصرت وَصَفَتْ، تُعطي ناظرها كُليَّتها، آذانٌ صاغية وأعينٌ رائية، وقلوبٌ بالنُّصح ملأى حانية، وكذلك يجبُ أن يُشعِرَ الناصحُ أخاه المؤمن، يستأثرُ بمجامع قلبه، ويتركُ في حنايا رُوحه ما يجعلُه يُحسُّ إحساس التفرُّدِ بالنُّصحِ، فيكون لِمحقن النصيحةِ لذَّةٌ يضمحلُّ لها ألمُ الوخز. إنَّ مما يُلطِّف شيئًا ما من قسوةِ النقدِ؛ أن يرى الـمُنتقَدُ من ناقدِه الإخلاصَ والمودَّةَ وصفاء الوجه، فكيف لو استطاع الناقد أن يُوَصِّل إليه رسالة معنوية مفادها: أنت وحدك؟ انظر إلى عمرو بن العاص - رضي الله عنه - ، يسأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم عن أحبِّ الناس إليه؛ ما الذي حَمَلَ عَمْرًا - رضي الله عنه -على هذا السؤال؟ أنَّه قد أحسَّ من طيب معاملة النبي صلى الله عليه وسلم له ما جعله يشعرُ أنَّه أحبُّ الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وحتَّى عندما يجيبه النبي صلى الله عليه وسلم على سؤاله قائلًا: "عائشة"؛ لم يفقد عمرٌو - رضي الله عنه - الأمل فقال: من الرِّجال؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم :"أبوها" فعدَّ النبي صلى الله عليه وسلم رجالًا[1]. وعن أسامة بن زيد قال: اجتمع جعفرٌ وعليٌّ وزيد بن حارثة؛ فقال جعفر: أنا أحبُّكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال عليٌّ: أنا أحبُّكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال زيد: أنا أحبكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فانطلقوا بنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال: فخرجتُ ثم رجعتُ فقلتُ: هذا جعفرٌ وعليٌّ وزيد بن حارثة يستأذنون. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ائذن لهم"، فدخلوا فقالوا: يا رسول الله؛ جئناك نسألك مَنْ أحبُّ الناس إليك. قال: "فاطمة". قالوا: نسألك عن الرجال. قال: "أما أنت يا جعفرُ؛ فأشبهَ (وفي رواية: فيُشبه) خَلْقُك خَلقي، وأَشبهَ خُلُقي خُلُقكَ، وأنت مني وشجرتي، وأمَّا أنت يا عليُّ؛ فأخي (وفي رواية: فَخَتَني)، وأبو ولدي ومني وإليّ (وفي رواية: وأنا منك وأنت مني)، وأمَّا أنت يا زيد؛ فمولاي ومني وإليّ، وأحبُّ القوم إليَّ"[2]. هذه الخصوصية التي كان كلُّ أحدٍ يستشعرُها من معاملة النبي صلى الله عليه وسلم ، ولولا ذلك ما سألوه هذه الأسئلة، وإنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم الذي شهد له ربُّه : ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]، فكلُّ الخصال الحسنة فيه أحسنُها، وإنَّ من أهمِّ تلك الأخلاق اللين الذي به اجتمع الصحابة على النبي صلى الله عليه وسلم فكان أحبَّ إليهم من أنفسم، يقول تعالى: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾ [آل عمران: 159]. بهذا اللين والرِّفق استأثر النبي صلى الله عليه وسلم بقلوبهم دون البشر، وها هو عمرو بن العاص - رضي الله عنه - يصف فيجيد الوصف يقول:" لقد رأيتني وما أحدٌ أشدَّ بغضًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم مني، ولا أحبَّ إليَّ أن أكون قد استمكنتُ منه فقتلتُه، فلو متُّ على تلك الحال لكنت من أهل النار، فلمَّا جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلتُ: ابسطْ يمينك فلأبايعْكَ. فبسطَ يمينه. قال: فقبضتُ يدي. قال: ما لك يا عمرو؟ قال: قلتُ: أردتُ أن أشترط. قال: تشترط بماذا؟ قلتُ: أن يغفر لي. قال: أما علمتَ أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله؟ وما كان أحدٌ أحبَّ إليَّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أجل في عينيَّ منه، وما كنت أطيق أن أملأ عينيَّ منه إجلالًا له، ولو سُئلتُ أن أصفه ما أطقت؛ لأني لم أكن أملأ عيني منه..." الحديث[3]. والمواقف النبوية فيَّاضةٌ بأفعال النبي صلى الله عليه وسلم الدَّالَّة على هذا المعنى؛ فها هو صلى الله عليه وسلم يرى سعد بن أبي وقَّاص - رضي الله عنه - مُقبلًا فيبادره بقوله: "هذا خالي؛ فليُرني امرُؤٌ خاله"[4]، وها هو يأتي أبيَّ بن كعب ليقرأ عليه سورة البينة بأمر من الله /، ويستقدم سعد بن معاذ للحكم في يهود بني قريظة، وتأخذ الجارية من جواري المدينة بيده صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت، ويمرُّ على نفر من أسلم ينتضلون فيقول لهم:"ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا. ارموا وأنا مع بني فلان"، فيُمسك أحد الفريقين بأيديهم، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ما لكم لا ترمون؟" قالوا: كيف نرمي وأنت معهم؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"ارموا وأنا معكم كلكم". فكيفَ يردُّ المنصوحُ نصيحةَ مَن يستشعرُ في كلِّ حركاته وسكناته أنَّه ما اختصَّه إلا لحرصه عليه، وما نصحه إلا لرحمته به وحبِّه إيَّاه؟! فهي أوقعُ في النفسِ لا شكَّ. • المرآة لا تنتظر الشكر من صاحبها، ولا تأخذ على رسالتها أجرًا: هل رأيتم مرآةً تنتظرُ من ناظرها شكرًا؟ هل رأيتم مرآةً تتقاضى على عملها آجرًا؟ هل رأيتم مرآةً ترنو في مُهمَّتها شهرةً وذكرًا؟ وكذلك الأصل في النصيحة؛ لا يُطلبُ عليها أجرٌ، ولا يُراد من منصوحٍ بها جزاءً ولا شكورًا. وانظر إلى قول كل نبي لقومه: ﴿ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الشعراء: 109]، ومواضع أُخر بالسورة] وقول نوح - عليه السلام - ﴿ وَيَاقَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ ﴾ [هود: 29]، وقول هود - عليه السلام -: ﴿ يَاقَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ [هود: 51]، وقوله تعالى ذكره على لسان صاحب يس:﴿ اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾ [يس: 21]، وقد أُمِرَ محمد صلى الله عليه وسلم بإظهار هذه الحقيقة والدندنة حولها مرارًا كما في قوله تعالى: ﴿ وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ ﴾ [يوسف: 104]، وقوله تعالى: ﴿ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا ﴾ [الفرقان: 57]. وقوله تعالى: ﴿ قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾ [سبأ: 47]، وقوله تعالى: ﴿ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ﴾ [ص: 86]، وقوله تعالى: ﴿ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ﴾ [الشورى: 23]، وقوله تعالى:﴿ أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ ﴾ [الطور: 40]. ولا يعني هذا ألَّا يشكر المنصوحُ ناصحه، بل عليه أن يقتديَ بقول النبي صلى الله عليه وسلم : "لا يشكر الله من لا يشكر الناس"[5]. ففي شكر المنصوحِ تطييبٌ لنفسيْهما مما قد يكون علق بهما من شوائب وأكدار، وفي شكر الناصحِ تشجيعٌ له على الدأب على النصح، وتقويةٌ لقلبه على أداء واجبٍ شرعيٍّ هو به مأمورٌ. [1] متفق عليه. [2] رواه أحمد والطبراني والحاكم، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وقال الذهبي: "على شرط مسلم". وصححه الألباني في الصحيحة (ح1550)، وفي صحيح الجامع (1448)، وقال في الصحيحة: "صحيح بطرقه وشواهده إلا قوله في آخره : وأحب القوم إلي؛ فحسنٌ". [3] رواه مسلم (ح 121). [4] رواه الترمذي والحاكم وصححه الألباني في صحيح الجامع (ح6994). [5] رواه أحمد وأبو داود وابن حبان، وصححه الألباني في صحيح الجامع (ح7719).
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |