|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الرب جل جلاله د. شريف فوزي سلطان اسم (الرب) من الأسماء الجميلة التي تُشعر العبدَ بالأمان والطمأنينة، حتى إن كثيرًا من الناس إذا وقع في ابتلاء، أو شعر بالظلم أو الخذلان، طفِق يقول: "لنا ربُّنا". وقد ورد (اسم الرب) في القرآن الكريم في أكثر من (900) موضع، وأكثرها مضافٌ إلى الخلق عمومًا وخصوصًا؛ كـ: (رب العالمين، رب السماوات، رب الأرض، رب العرش، رب العزة، رب كل شيء). فسبحانه رب العالَمين قبل وجود العالَمين، وحال وجودهم، وبعد فنائهم، والعالَمون جمع ويشمل عالمَ الإنس، وعالمَ الجن، وعالم الملائكة، وعالم الطير، وعالم الحيوان، وغيرَها، وإنما سميت هذه الكائنات بالعالَمين؛ لأنها علم ودلالة قاطعة على وجود الخالق جل وعلا. قال تعالى في أول آية في كتابه: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 1]، وقال تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 162]، وقال تعالى: ﴿ قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ [الأنعام: 164]، وقال تعالى: ﴿ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ﴾ [مريم: 65]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [التكوير: 29]، فورود الاسم في كتاب الله أكثرُ من أن يُذكَر. وقال صلى الله عليه وسلم: ((ألا وإني نُهيتُ أن أقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا، فأما الركوع، فعظِّموا فيه الرب، وأما السجود، فاجتهدوا فيه في الدعاء؛ فقمنٌ أن يستجاب لكم))[1]. وقال صلى الله عليه وسلم: ((أقربُ ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر؛ فإن استطعت أن تكون ممن يذكُرُ اللهَ في تلك الساعة، فكن))[2]، وقال صلى الله عليه وسلم: ((صدقةُ السرِّ تطفئ غضبَ الرب))[3]، ولما بكى النبي صلى الله عليه وسلم يوم وفاة إبراهيم، قال: ((تدمع العين، ويحزن القلب، ولا نقول إلا ما يُرضي الربَّ))[4]. معنى (الرب) جل جلاله: الربوبية تقوم على معنيين: الأول: إفراد الله بالخلق. الثاني: تدبير الله وحده أمرَ هذا الخلقِ، فالله تعالى لم يخلُق غيرُه، ولم يدبِّر أمرَ الخلق سواه. أما المعنى الأول، وهو إفراد الله بالخلق، فإن أول آية وصلت السماءَ بالأرض - تؤكِّد هذا المعنى وتبيِّنُه أحسن بيان؛ إذ يقول تعالى: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾ [العلق: 1]. وأما المعنى الثاني، وهو تدبير الله وحده أمرَ هذا الخلقِ، فقد قال تعالى: ﴿ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ * فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ﴾ [يونس: 31، 32]، وقال تعالى جامعًا بين المعنيين: ﴿ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾ [الزمر: 62]. فربُّنا سبحانه هو الذي يخلُق ويرزق ويدبِّر الأمر؛ فيعطى ويمنع، ويهدي ويضل، ويحيي ويميت، ويعز ويذل، ويقبض ويبسط، وكل ما في الكون مربوبٌ له خاضع له، لا يخرُج أحد عن ملكه وقبضته. قال ابن القيم - عليه رحمة الله -: "ربوبيته للعالم تتضمن تصرُّفَه فيه، وتدبيره له، ونفاذ أمره كل وقت، وكونه معه كل ساعة في شأن: يخلق ويرزق، ويميت ويحيي، ويخفض ويرفع، ويعطي ويمنع، ويعز ويذل، ويصرِّف الأمور بمشيئته وإرادته، وإنكارُ ذلك إنكار لربوبيته وإلهيته وملكه"[5]. فسبحانه لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منَع، ولا معقب لحكمه، ولا رادَّ لأمره، ولا مبدل لكلماته، تعرج الملائكة والروح إليه، وتعرض الأعمال عليه: ﴿ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا ﴾ [فاطر: 2]، إذا أراد الله أن يوصل إلى عبده خيرًا، أو يمنحه رحمة وبرًّا، فلو اجتمعت الإنس والجن على أن يمنعوا ذلك، ما استطاعوا سبيلًا إلى ذلك، ﴿ وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ ﴾ [فاطر: 2]، إذا أراد الله أن يمنع عبده خيرًا، أو يحجب عنه رحمة وبرًّا، فلو اجتمعت الإنس والجن على أن يوصلوا إلى العبد ذلك، ما استطاعوا سبيلًا إلى ذلك، ﴿ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [فاطر: 2]: عزيز: لا يغالبه شيء ولا يعجزه شيء. حكيم: إذا أعطى أو منع، أو قبض أو بسط، أو أعَزَّ أو أذَل، فبحكمته البالغة جل جلاله. فـ"تفكر في الأمر يتنزل من فوق العرش بتدبير أمر سماواته وأرضه، يحيي أناسًا ويميت آخرين، ويعز قومًا ويذل آخرين، وينشئ دولًا ويُبيد آخرين، ويحول نعمًا من جاحدين إلى شاكرين، ويقضي حاجات السائلين؛ فيغني فقيرًا، ويشفي مريضًا، ويفرِّج كربًا، ويكشف ضرًّا، ويهدي حيرانَ، ويؤمِّن خائفًا، ويجير مستجيرًا، ويغيث ملهوفًا، ويعين عاجزًا، وينصر مظلومًا، وينتقم من ظالم، ويغفر ذنبًا، ويقبل توبًا، ويجيب دعاءً، ولا يتبرم من إلحاح الملحِّين، ولا كثرة الداعين، ولا تعدد المطالب باختلاف اللغات، فيعطيهم جميعًا ما سألوا، ولا ينقص ذلك من ملكه إلا كما تأخذ الإبرةُ من ماء البحر"[6]. فالرب سبحانه هو الخالق الرزاق، المالك المربي، الحاكم السيد المتصرف؛ قال سبحانه: ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ ﴾ [الناس: 1 - 3]، فبيَّن سبحانه أنه خالق الخلق ومالك الملك؛ كما قال تعالى: ﴿ قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ * قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ ﴾ [الشعراء: 23، 24]. وهل هناك خالق مع الله؟ قال الله: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ ﴾ [فاطر: 3]. وما دام ليس هناك خالق غير الله، فليس هناك رزاق سواه؛ قال الله: ﴿ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات: 58]، وقال: ﴿ وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ﴾ [الذاريات: 22]؛ خلق ورزق، إذًا يأمر ويحكم؛ قال تعالى: ﴿ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ﴾ [الأعراف: 54]، وحكمه مبنيٌّ على علمه الذي أحاط بكل شيء، ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك: 14]؟ بلى يعلم، فلما عَلِم حَكَم، فقال: ﴿ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 40]. له السيادة العظمى والتصرف المطلق في هذا الكون؛ قال الله: ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [آل عمران: 26، 27][7]، ﴿ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾ [الأنعام: 102]. مناظرة قصيرة في (الرب) جل جلاله: ذلكم الله ربكم الذي ناظر فيه إبراهيم خليلُ الرحمنِ النمرودَ الجحودَ، قال الله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ ﴾ [البقرة: 258]؟! كان النمرود بن كنعان من ملوك الدنيا، وذُكر أن الذين ملكوا الدنيا أربعة: ملِكان مؤمنان، وملِكان كافران: فالمؤمنان: سليمان صلوات الله وسلامه عليه، وذو القرنين. والكافران: بختنصر، وهذا النمرود الجحود الذي كان يدَّعي أنه ربٌّ آخر مع الرب جل جلاله، وناظر إبراهيم خليل الرحمن في ذلك. ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إبراهيم فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ ﴾ [البقرة: 258]؛ أي: لأجل أن آتاه الله الملك يطغى بهذه الصورة الفجَّة وينسى الربَّ جل جلاله؟! ﴿ إِذْ قَالَ إبراهيم رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ ﴾ [البقرة: 258]: والإحياء والإماتة فعلانِ من أفعال الرب التي لا حصر لها، والتي لا يقدر عليها غيرُه، فلا يملك مخلوقٌ مهما بلغ عتوه أن يمنح حياةً لغيره لم يشأها الله ولو للحظات يسيرة، كما لا يملك مخلوق أن يُنهي حياة لغيره إن قدر الله له بقية من حياة، وخص إبراهيمُ هذين الفعلين - الإحياء والإماتة - بالذِّكر؛ لأن النمرود الجحود كان يدَّعي القدرة عليهما! ﴿ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ﴾ [البقرة: 258]: وأراد بذلك أنه كان يأتي بالرجلينِ، فيحكم عليهما بالموت، ثم قبل التنفيذ يسامح أحدَهما، وينفذ في الآخر، فكان يزعم أن الذي سامحه أحياه، وأن الذي نفذ فيه أماته! ولا عجب؛ فهذا أحد أغبياء بني آدم الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما تستقل الشمس فيبقى شيء من خلق الله إلا سبَّح اللهَ بحمده، إلا ما كان من الشياطين وأغبياء بني آدم))، ومعنى تستقل: أي تتعالى وترتفع[8]. فلما رأى إبراهيم غباءه، انتقل به إلى فعلٍ لله أوضَحَ؛ ليظهرَ عجزه، وليفضحه على الملأ، وكأنه يقول له: إذا كنت تدَّعي أنك تحيي وتميت، وأنت الذي تنشئ الخلق وتُوجد من العدم، فأنا آتيك بأبسط من ذلك: ﴿ قَالَ إبراهيم فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 258]. ﴿ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾ [الأنعام: 102]. تربية الرب لعباده: قال السعدي: "الرب هو: المربِّي جميعَ عباده بالتدبير وأصناف النِّعم، وأخص من هذا تربيته لأصفيائه بإصلاح قلوبهم وأرواحهم وأخلاقهم؛ ولهذا أكثر دعائهم له بهذا الاسم الجليل؛ لأنهم يطلبون منه هذه التربيةَ الخاصة"[9]. وقال ابن القيم رحمه الله: "وتربيته أحسنُ من تربية الوالد الشفيق الرحيم المحسن لولده، الذي هو أحب شيء إليه، فلا يزال يعامله بلطفه، ويختصه بفضله، ويؤْثره برحمته، ويمدُّه بمعونته، ويؤيده بتوفيقه، ويُريه مواقعَ إحسانه إليه وبره به، فيزداد العبد به معرفةً، وله محبة، وإليه إنابة، وعليه توكلًا، ولا يتولى معه غيره، ولا يعبد معه سواه، وهذا هو الذي عرَف قدر النعمة، وعرَف المنعم وأقر بنعمته، وصرفها في مرضاته"[10]. من تربية الله لك: (1) قد يبتليك الله بالأذى ممن حولك؛ حتى لا يتعلَّق قلبُك بأم أو أب أو أخ أو صديق، فيتعلق قلبُك بالله وحده. (2) قد يبتليك ليستخرجَ مِن قلبك عبوديةَ الصبر والرضا وتمام الثقة به، هل أنت راضٍ عنه لأنه أعطاك، أم لأنك واثق أنه الحكيم الرحيم؟ (3) قد يمنع عنك رزقًا تطلبه؛ لأنه يعلم أن هذا الرزق سببٌ لفساد دينك أو دنياك، أو أن وقته لم يأتِ، وسيأتي في أروع وقت ممكن. (4) قد ينغِّص عليك نعمة كنت مستمتعًا بها؛ لأنه رأى أن قلبك أصبح مهمومًا بالدنيا، فأراد أن يريك حقيقتها؛ لتزهد فيها وتشتاق للجنة. (5) أنه يعلم في قلبك مرضًا أنت عاجز عن علاجه باختيارك، فيبتليك بصعوبات تُخرجه رغمًا عنك، تتألم قليلًا، ثم تضحك بعد ذلك. (6) أن يؤخر عنك الإجابة حتى تستنفد كلَّ الأسباب، وتيئس من صلاح الحال، ثم يصلحه لك من حيث لا تحتسب؛ حتى تعلم من هو المنعِم عليك. (7) قد يبتليك حين تقوم بالعبادة من أجْل الدنيا؛ حتى يعود الإخلاصُ إلى قلبك، فتعتاد العبادة للرب الرحيم، فيعطيك ولا يحرمك. (8) أن يطيل عليك البلاء، ويريك خلال هذا البلاء من اللطف والعناية وانشراح الصدر ما يملأ قلبَك معرفة به؛ حتى يفيض حبه في قلبك. (9) أن يراك غافلًا عن تربيته، وتفسِّر الأحداث كلَّها وكأنها تحدُث وحدها، فيظل يريك من عجائب أقداره، وسرعة إجابته للدعاء؛ حتى تستيقظ وتبصر. (10) أن يعجل لك عقوبة على ذنوبك؛ حتى تعجل أنت التوبة، فيغفر لك ويطهِّرك، ولا يدع قلبك تتراكم عليه الذنوبُ حتى يغطيه الران فتعمى. (11) أنك إذا ألححت على شيء مصرًّا في طلبه، متسخطًا على قدر الله، يعطيك إياه؛ حتى تذوق حقيقته فتبغضه، وتعلم أن اختيار الله لك كان خيرًا لك. (12) أن تكون في بلاءٍ، فيريك مَن هو أسوأ منك بكثير (في نفس البلاء)؛ حتى تشعر بلطفه بك، وتقول مِن قلبك: الحمد لله[11]. الربوبية تتجلى في قصة أصحاب الأخدود: روى مسلم في صحيحه عن صُهيب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((كان ملك فيمن كان قبلكم وكان له ساحر))، وهذا شأن الملوك قديمًا، كانوا يعتمدون على السَّحَرة في تثبيت ملكهم، فكان السحَرة يعملون على إخضاع الناس للحكام بما يقومون به من خدع وترهات. واعلم أن العلماء قد اختلفوا في كفر الساحر: فكفَّره مالك وأحمد وأبو حنيفة تكفيرًا مطلقًا؛ وذلك لأنه يدَّعي ملك الضر والنفع والخلق، وتغيير الأمور والأحوال، وتقليب القلوب على الحب والبغض، وقد علمت أنه لا يقدر على ذلك إلا اللهُ، فالساحر قد أشرك بالله في ربوبيته، قال تعالى: ﴿ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ﴾ [البقرة: 102]؛ ولهذا جاء في صحيح البخاري عن بجالة بن عبدة قال: كتب عمر بن الخطاب: أنِ اقتلوا كل ساحر وساحرة، قال: فقتلْنا ثلاثَ سواحرَ"، فحدُّ الساحر القتل، وتخليص العباد والبلاد من شره وأذاه. ((فلما كبِر))؛ أي: الساحر. ((قال للملك: إني قد كبِرتُ؛ فابعث إليَّ غلامًا أعلِّمه السحر، فبعث إليه غلامًا يعلِّمه)). ولماذا طلب غلامًا، ولم يطلب شابًّا يافعًا، أو رجلًا كبيرًا عاقلًا؟ الجواب: لأن الغلام الصغير قابلٌ للنقش والتشكيل، وهذا يدعونا إلى الاعتناء بأولادنا ونقشهم وتشكيلهم منذ نعومة أظفارهم على حب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والتخلق بالأخلاق الفاضلة. ومِن قول الساحر: "ابعث إليَّ غلامًا أعلمه السحر"، نجد نموذجًا لبطانة السوء التي يهمها أن تبقى الأوضاع التي يستفيدون منها وينعمون فيها. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |