|
ملتقى اللغة العربية و آدابها ملتقى يختص باللغة العربية الفصحى والعلوم النحوية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() المعمرون من الشعراء حسن شهاب الدين اظهرت الدراسات الأدبيَّة في الحِقبة الأخيرة اهتمامًا مَلحُوظًا بشُعَراء العُمر القصير، وتناوَل النقَّاد والمحلِّلون إبداعاتهم وحَيواتهم بالدرس والاستقصاء ممَّا لا مزيد عليه؛ حتى أحالوهم ظاهرة أدبيَّة فريدة في أدبنا العربي - ولا شك أنهم كذلك - إلا أنَّ الأمر لا بُدَّ ألاَّ يقتصر على هؤلاء المبدِعين قِصار العُمر، بل إنَّ صُورتهم لكي تكتمل لا بُدَّ أنْ تقابل بوجْهها الآخَر، وأعني: صورة المعمَّرين من الشعراء، ولا بُدَّ من دراسة أشعارهم خاصَّة تلك التي كتبَتْها أناملهم المرتعشة في سنوات عُمرهم الأخيرة تحت وطأة الأيَّام الثقيلة؛ فهاتان الصورتان يجب أنْ تقترنا في إطارٍ واحد؛ هذه بألوانها الزاهية، وتلك التي اهتَرَأتْ حوافُّها. وبينما نستشعر في قَصائِد قصار العمر شفافيتهم وإحساسهم بقُرب النهاية، علينا أيضًا أنْ نستشعر عذابات الوحدة والانفراد في عالم متغير صاخِب بالنسبة لصوتٍ صبَغَه الشيب وأوهنَتْه الشيخوخة، وكما نتذكَّر طرفة ابن العبد، وتاج الملوك الأيوبي، وعبدالحليم المصري، وصالح الشرنوبي، وأبا القاسم الشابي، وغيرهم ممَّن بلغ ذِروة الإبداع، ثم انطفأ سريعًا كالشُّهب الخابية - علينا أيضًا أنْ نتذكَّر لبيد بن ربيعة القائل: وَلَقَدْ سَئِمْتُ مِنَ الحَيَاةِ وَطُولِهَا ![]() وَعَمِرْتُ مِنْ عَدَدِ السِّنِينَ مِئِينَا[1] ![]() وزُهَير بن أبي سُلمَى الذي سَئِمَ "تكاليف الحياة"، والنابغة الجعْدي، وأسامة بن منقذ، ثم الشاعر القرَوِي، وأخيرًا الجواهري، وغيرهم ممَّن أحسَّ بِخُطَا الأيام تَمُرُّ على قلبه بطيئةً وثقيلةً بلونها الرمادي الذي لا يَكادُ يتغيَّر حتى قال عبدالله بن سبيع الحميري: أَرَانِي كُلَّمَا أَفْنَيْتُ يَوْمًا ![]() أَتَانِي بَعْدَهُ يَوْمٌ جَدِيدُ ![]() يَعُودُ شَبَابُهُ فِي كُلِّ فَجْرٍ ![]() وَيَأْبَى لِي شَبَابِي مَا يَعُودُ[2] ![]() أو ترى أحدهم يدبُّ على عَصاه قائلاً - وهو مرداس بن صبيح -: فَإِنِّي قَدْ كَبِرْتُ وَرَقَّ عَظْمِي ![]() وَأَسْلَمَنِي لَدَى الدَّهْرِ الهَنَاتُ[3] ![]() حتى إنَّهم ليرَوْن الموت خيرًا من حياة العجز؛ مثل زهير بن جناب إذ يقول: فَالْمَوْتُ خَيْرٌ لِلْفَتَى ![]() فَلْيَهْلِكَنْ وَبِهِ بَقِيَّهْ ![]() مِنْ أَنْ يُرَى تَهْدِيهِ وُلْ ![]() دَانُ المَقَامَةِ بِالعَشِيَّهْ[4] ![]() أو كما قال حاطِب بن مالك مُقارِنًا بين حياة مثله من الفانين وغيره من الشباب المتوثِّب الطامح: وَمَاذَا تُرَجِّي مِنْ حَيَاةٍ ذَلِيلَةٍ ![]() تُعَمِّرُهَا بَيْنَ الغَطَارِفَةِ المُرْدِ ![]() وَلَلْمَوْتُ خَيْرٌ لِامْرِئٍ مِنْ حَيَاتِهِ ![]() يَدِبُّ دَبِيبًا فِي المَحِلَّةِ كَالقِرْدِ[5] ![]() وهذه الأبيات وغيرها ما هي إلا صدى أنفُسِهم المضَّاءة بالألم المبدِع، وهذا البحث يطمَحُ إلى قِراءة أشعار المعمَّرين، ووضع عناوين كبرى لأغْراض أشعارهم التي كتبَتْها أنامِل الشيخوخة المرتعِشة؛ لأنَّ لهذه الفئة من الشعراء سِمات عامَّة في قصائدهم التي تضجُّ بالشكوى من طُول الزمن، وتَصِفُ أحوال أصحابها - وكأنهم اتَّفقوا فيما بينهم - على اختلاف عُصورهم وأماكنهم - على أغراضٍ بعَيْنها لا بُدَّ أنْ تتناوَلها أقلامُهم حين يَزُورُها هاجس الشعر في عزلتها المنطوية، وأوَّل هذه الأغراض: الملل من طول الحياة: وهذا هو العنوان الأكبر الذي نسج حوله المعمَّرون من الشعراء مُعظَم أشعارهم يتساوى في ذلك قديمهم وحديثهم، وهذه هي السِّمة الأكثر شُيوعًا في قصائدهم، وهي التي دفعَتْ جعفر بن قرط العامري لأنْ يصرخ قائلاً: "هل مُشترٍ أبيعه حَياتي"، وذلك حين رأى لِداته من مسقط الشمس إلى الفرات ينامون في كنف قُبورِهم وقد أسنَدُوا ظُهورَهم إلى الأبديَّة إلا إيَّاه، وقد صرَّح محمد مهدي الجواهري بملله من الحياة فقال: لَقَدْ أَسْرَى بِيَ الأَجَلُ ![]() وَطُولُ مَسِيرَةٍ مَلَلُ[6] ![]() ويتساءَل أسامة بن منقذ: فَإِلاَمَ أَشْقَى بِالبَقَا ![]() ءِ وَكَمْ تُعَذِّبُنِي الحَيَاهْ[7] ![]() ولعلَّ هذا البيت كافٍ للدَّلالة على أنَّ البَقاء بالنسبة لأمثاله من المعمَّرين شَقاء، كما أنَّ الحياة ما هي إلا عذاب، خاصَّة بعد أنْ "فارقه الأحبة واللِّدَات" وهو المعنى الذي كرَّرَه كثيرًا في شعره كقوله: وَأَصْبَحَتْ وَحْشَةُ الغَبْرَاءِ دُونَهُمُ ![]() مِنْ بَعْدِ أُنْسٍ بِهِمْ وَالشَّمْلُ مُجْتَمِعُ ![]() وَعِشْتُ مُنْفَرِدًا مِنْهُمْ وَأُقْسِمُ مَا ![]() يَكَادُ مُنْفَرِدٌ بِالْعَيْشِ يَنْتَفِعُ[8] ![]() وللموضوع تتمة ![]()
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |