
17-10-2020, 12:05 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,143
الدولة :
|
|
رد: أســباب التوفيق
أســباب التوفيق
هشام الهاشمي
الاجـتهاد فـي الطلـب مع الإخـلاص فيه
رابـعاً : الاجـتهاد فـي الطلـب مع الإخـلاص فيه : لقوله تعالى : {وَالَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُ مْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}(1).
قلت (ابوعبيد): قوله : {جَاهَدُواْ}؛ دل على تحتم المجاهدة دون معالي الأمور ، فإنها لا تدرك براحة الجسم ، بل ببذل الجهد والكد في الطلب تكتسب ، قال تعالى عن موسى في طلبه الخضر رجاء أن يتعلم منه :{ لَقَدْ لَقِيْنَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً }(2).
وهو الذي لو شاء الله أن يطلعه على الغيب لفعل ، ولكفاه عناء السفر.
قال الشافعي رحمه اللَّه :
بقـدر الكـد تكتسب المعالي
ومن طلب العلا سهر الليالي
تروم العز ثم تنام ليلاً
يخوض البحر من طلب اللآلي
ومن رام العلا من غير كد
أضاع العمر في طلب المحال
وقوله :{فِيْنَا}؛ دل على تحري الإخلاص ، والنصح فـي المجاهدة ، فإذا اجتمع الإخلاص مع المجاهدة ؛ كانت الثمرة : {لَنَهْدِيَنَّهُ مْ سُبُلَنَا}.
ثم اعلم ؛ حاطـك اللَّـه أن الاجتهاد في الطلب يستدعي ويتطلب أمرين اثنين ، وسببين عظيمين هما : الصبر واليقين ، فلا مجاهدة لمن لا صبر ولا يقين له ، ومنزلة الصبر واليقين من المجاهدة ؛ كمنزلة الرأس من الجسد ، وكلما كمل الصبر ، وقوي اليقين ؛ كلما كانت المجاهدة أعظم.
ـــــــــــــــ ـ
(1) سورة العنكبوت الآية : (69).
(2) سورة الكهف الآية : ( 62 ).
الصـبر واليقـين
خامـساً : الصـبر واليقـين : لقوله تعالى : { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُواْ وَكَانُواْ بِئَايَاتِنَا يُوقِنُونَ }(1).
قال أهل العلم فـي تفسيرها : (( بالصبر واليقين ؛ تنال الإمامة فـي الدين )).
والصبر : (( حبس النفس على ما تكره )).
واليقين : (( استقرار الإيمان فـي القلب )) (2) ؛ حتى يطمئن به ، فكأنك ترى الأمر رأي عين ، شاهده قوله تعالى : { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِى كَيْفَ تُحْىِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى . . . }(3).
وقوله : { إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّون َ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْ يَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَينَا مَائِدَةً مِّنَ السَّـمَاءِ قَالَ اتَّقُواْ اللَّهَ إِنْ كُنْتُم مُّؤْمِـنِينَ * قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْـمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا . . .}(4).
وقوله : { وَكَذَلِكَ نُرِى إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَواتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ }(5).
(( يقال فـي اللغة : يقن الماء فـي الحفرة ، أي استقر ))(2).
واجعل نصب عينيك قول القائل :
لا تحسبن المجد تمراً أنت آكله
لن تبلغ المجد حتى تلعق الصَّبِرا
وقل دائماً وردد :
لأستسهلن الصعب أو أدرك المنى
فما انقادت الآمال إلا لصابر
فلن تنال ما تتمن إلا على جسر من التعب.
قال الشاعر :
بصرت بالراحة الكبرى فلم أرها
تنال إلا على جسر من التعب
وكما قد قيل : (( بقدر ما تتعنى تنال ما تتمنى )).
إنه الصعود إلى المعالي فليس بالشيء الـهين اليسير ، إنه المجد ، والرفعة ؛ بضاعة غلا ثمنها ، وعز طلابها ، ولكنها نعم البضاعة.
واعلم ؛ حاطـك اللَّـه أن للعلم لذةً ، و (( حلاوة ستغيب عنك مرارة الصبر )) ، وتنسيك (( رعيك في الدُّجَى روض السُّهَاد )) ، وأن للنجاح والظفر عرشاً لا يجلس عليه إلا الصُّبْر من الرجال.
فلن يتأتى لك ما تريد إلا بعزم من حديد ، فعليك بالجد والمجاهدة ، والصبر والمصابرة ، ومخادعة النفس لشرف ونفاسة ما تطلب ، فقد قطعت دون ذلك أعناق كثير من الرجال ؛ وما أدركوا منه شيئاً ، فشمر تشمير من لا يألو جهداً ، ولا يضيع وقتاً . . فالتعب حاصل ولا بد ؛ فكن كبير النفس ، عالي الـهمة ، يقظ القريحة ، عميق الفكرة ، نافذ البصيرة ، حسن التفاؤل.
وإذا كانت النفوس كباراً
تعبت في مرادها الأجسام
ـــــــــــــــ ــ
(1) سورة السجدة الآية : ( 24 ).
(2) الحكيم الترمذي ( نوادر الأصول )( 1/ 187 ) تحقيق مصطفى عبد القادر عطا.
(3) سورة البقرة الآية : (260).
(4) سورة المائدة الآية : ( 112).
(5) سورة الأنعام الآية : ( 75 ).
الـتـفـرغ للطلــب
التفرغ للطلـب ، واغتنام أوقـات الشباب
سادسـاً : التفرغ للطلـب ، واغتنام أوقـات الشباب : وذلك قبل أن تطرق بنكدها ، ودواهيها أم طبق ؛ (!) فتنتهي قبل أن تبدأ ، وتنقطع قبل أن تصل.
فالفرار ، الفرار من الملاهي والأشغال ؛ فإن العلم لا يتأتى لمن تشتت همه ، وكثر غمه ، وشُغل فكره . . فأرح الخاطر من الخواطر ؛ فإنها له فواقر(!).
وللَّه در الشافعي إذ يقول :
لا يدرك الحكمـة من عمـره
يكـدح في مصلحة الأهـل
ولا ينال العلم إلا فتىً
خـال من الأفكار والشغـل
لو أن لقمان الحكيم الذي
سارت به الركبان بالفضل
بُلِـي بفقـر وعـيال لما
فـرق بين الـتبن والبقـل(1)
وقد كان السلف يحبذون أوقات الشباب للطلب ، فإنها ربيع العمر ، إذا صوح نبته قبل جني ثمرته ، وقطفها ؛ فليكبر على صاحبه أربعاً لوفاته.
قال الشافعي :
ومن فاته التعليم وقت شبابه
فكـبر عليه أربعـاً لوفاته
ذلك أن العلم هو الحياة ، فمن سعادة المرء ، وجده أن يوفقه اللَّه في هذه المرحلة وما قبلها من سني عمره لطلب العلم.
* المبادرة إلى التحصيل وقطع العلائق :
قال ابن جماعة الكناني رحمه اللَّه : (( على طالب العلم أن يبادر شبابه وأوقات عمره إلى التحصيل ، ولا يغتر بخدع التسويف ، والتأميل ، فإن كل ساعة تمضي من عمره ؛ لا بدل لـها ، ولا عوض عنها ، ويقطع ما يقدر عليه من العلائق الشاغلة ، والعوائق المانعة عن تمام الطلب ، وبذل الاجتهاد ، وقوة الجد في التحصيل ؛ فإنها كقواطع الطريق )) (2).
فيا أخا الشباب ؛ اغتنم هذه العطية ، والمنحة الربانية ، في تحصيل العلوم الشرعية ؛ تكن عند ربك مرضياً ؛ قبل أن ينفرط عقد شبابك ، ويختل نظامك.
* نصيحة حفصة بنت سيرين لمعشر الشباب :
عن هشام بن حسان قال كانت حفصة تقول لنا : (( يا معشر الشباب ، خذوا من أنفسكم وأنتم شباب ؛ فإني ما رأيت العمل إلا في الشباب ))(3).
قلت : إن لـم تأخذ من نفسك وقت شبابك ؛ فلن تجد في شيخوختك ما تأخذه سوى الحسرة ، والندامة ، وعض الأنامل ، وقرع السن ؛ هذا إن وجدت سناً تقرعها(!).
ـــــــــــــــ ــ
(1) قلت : قول الإمام الشافعي في البيت الأخير في حق لقمان جانب فيه الصواب ، فقد كان لقمانُ عبداً حبشياً نجاراً ، وهل من فقر فوق أن يكون الإنسان عبداً مملوكاً(؟!) وهل خفي على الشافعي قوله تعالى عن لقمان : { وإذ قال لقمان لابنه . . . } فقد كان لقمان فقيراً ذا عيال ومع ذلك فرق بين التبن والبقل ، بل وآتاه الله ما لم يؤت كثيراً من العالمين ففرق بين الحق والباطل ، والطيب والخبيث ، حتى صارت الحكمة عَلَماً عليه ، فرحم الله الشافعي.
(2) ابن جماعة الكناني ( تذكرة السامع والمتكلم )( الباب الثالث في آداب المتعلم )( النوع الثالث )( ص 73 ) تحقيق وتعليق محمد هاشم الندوي.
ملاحظة : لم يكن النقل لجميع نصوص ابن جماعة في كتابي هذا عن هذه الطبعة التي أعزو إليها الآن ، ولكن لما ضاعت تلك وتوفرت هذه عزوت إليها ؛ ولذلك قد يلحظ القارئ زيادة : (( على طالب العلم . . . )) ، في أول النص ، وليست هي هنا في هذه الطبعة.
(3) ابن الجوزي ( صفة الصفوة / 4 / 21 ) بضبط وحاشية إبراهيم رمضان وسعيد اللحام.
تـرك الـشـبع
سابـعاً : تـرك الـشـبع : فإنه طريق إلى البطنة ، وقد قيل : (( البطنة تذهب الفطنة )).
قال الأعشى الكبير ميمون بن قيس :
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . والبطنة يوماً قد تأفن الأحلاما
والبطنة : كما قال ابن منظور : (( امتلاء البطن من الطعام )).
وقيل : (( الشره وإدخال الطعام على الطعام )) ، وتأفن : تفسد ، والأحلام : العقول.
وقد هنا للتحقيق ؛ أي : افسادها للعقول متحقق ، فلا فطنة مع بطنة.
قال النضر بن شميل رحمـه اللَّـه : (( لا يجد الرجل لذة العلم حتى يجوع وينسى جوعه )).
قلت ( الكاتب ): لعله قصد رحمه اللَّه شدة العناية ، والرعاية للعلم ، إلى درجة مدافعة الجوع ، مع ما فيه من مصادمة الفطرة ؛ فإن الجوع الذي يقلق الحشا ، ويذهب عن الذهن الصفا ليس بمحمود شرعاً ، فلو كان كذلك لما ربط نبينا صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم على بطنه الحجر دفعاً له ، ولما استعاذ منه في دعائه بقوله : (( اللهم إني أعوذ بك من الجوع ، فإنه بئس الضجيع ))(1).
وكما استعاذ صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم من الجوع ، فقد استعاذ من النفس التي لا تشبع ، فالخير بين ذين ، وليختر امرؤ لنفسه ما اختاره العقلاء ، فقد اختاروا الاعتدال ؛ فإنه حسنة بين سيئتين قال تعالى :{وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً}(2).
وهو هدي النبي صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم عن مقدام بن معد يكرب قال سمعت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم يقول : (( ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطن ، بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه ، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه ، وثلث لشرابه ، وثلث لنفسه ))(3).
* من أعظم الأسباب المعينة على الفهم عند ابن جماعة :
قال ابن جماعة : (( من أعظم الأسباب المعينة على الاشتغال ، والفهم ، وعدم الملال ، أكل القدر اليسير من الحلال ، قال الشافعي رضي الله عنه : ما شبعت منذ ست عشرة سنة (4).
وسبب ذلك أن كثرة الأكل ؛ جالبة لكثرة الشرب ، وكثرته جالبة للنوم ، والبلادة ، وقصور الذهن ، وفتور الحواس ، وكسل الجسم . . . ))(5).
وقال أيضاً : (( . . . والذهن الصحيح أشرف من تبديده ، وتعطيله ، بالقدر الحقير من طعام ، يؤول أمره إلى ما قد علم . . . ، ومن رام الفلاح في العلم ، وتحصيل البغية منه ، مع كثرة الأكل ، والشرب ، والنوم ؛ فقد رام مستحيلاً في العادة ))(6).اهـ
قلت : وهكذا يخسر الطالب أسمى المطالب ، ولا يعني هذا أن تمنع نفسك حقها من الطعام ؛ بل إن لنفسك عليك حقاً ، فالمطلوب الاعتدال في غير سرف ولا تقتير ، فلا بطنة تأفن العقل ، ولا جوع يقلق الذهن ، والحشا ، وخير الأمور أوسطها.
قال الشاعر :
واخش الدسائس من جوع ومن شبع
وبالتوسـط في الأمـرين فالتزم
واقـنع بأيسر زاد أنت نائلـه
فرب مخمصـة شر من التخـم
وقال الإمام الأديب الشاعر القحطاني رحمه اللَّه في نونيته السلفية :
لا تحـشُ بطـنك بالطـعام تسـمناً
فجسـوم أهـل العلـم غـير سـمان
لا تتـبع شهـوات نفسك مسـرفاً
فاللَّـه يبغـض عـابـداً شهـواني
أقـلل طعامـك ما استـطعت فـإنه
نفـع الجسـوم وصـحـة الأبـدان
وامـلك هـواك بضـبط بطـنك إنه
شـر الرجـال العـاجـز البـطنان
ومـن اسـتذل لفـرجـه ولـبطـنه
فـهما لـه مـع ذا الـهوى بـطنان
وقال سحنون : (( لا يصلح العلم لمن يأكل حتى يشبع )).
ـــــــــــــــ ـ
(1) رواه أبو داود ( كتاب الوتر )( باب في الاستعاذة ، حديث رقم 1547) ، والنسائي ( كتاب الاستعاذة )( الاستعاذة من الجوع ، حديث رقم 5470 ، والاستعاذة من الخيانة ، حديث رقم 5471 ) ، وابن ماجه ( كتاب الأطعمة )( باب التعوذ من الجوع ، حديث رقم 3354 ) ، وابن حبان ( كتاب الاستعاذة )( ذكر ما يستحب للمرء أن يتعوذ بالله جل وعلا من الجوع والخيانة ، حديث رقم 1005) ، والنووي ( الأذكار،رقم 1187) وصحح إسناده.
(2) سورة الفرقان الآية : ( 67 ).
(3) رواه الترمذي ( كتاب الزهد )( باب ماجاء في كراهية كثرة الأكل حديث رقم 2380 ) ، وقال : ( هذا حديث حسن صحيح ) ، وأحمد في ( المسند ) من حديث المقدام بن معد يكرب.
(4) تمام نص الشافعي كما حدث بذلك الربيع بن سليمان : (( ما شبعت منذ ست عشرة سنة إلا شبعة طرحتها لأن الشبع يثقل البدن ، ويقسي القلب ، ويزيل الفطنة ، ويجلب النوم ، ويضعف صاحبه عن العبادة )).
(5) ابن جماعة الكناني ( تذكرة السامع والمتكلم ، الباب الثالث في آداب المتعلم،النوع السادس )( ص 76، 77 ) تحقيق وتعليق محمد هاشم الندوي.
(6) المصدر السابق : ( ص 77 ).
الـرحـلـة في الطـلـب
الرحـلة فـي الطلـب لتلـقي العلـم عن أهـله
ثامـناً : الرحـلة فـي الطلـب لتلـقي العلـم عن أهـله : لقوله تعالى : { . . فَلّولاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا ْ فِي الدِّينِ . . }(1).
وقوله صلى اللَّه عليه وعلى آله وسلم : (( من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً . . . )) (2).
قال أبو حيان :
إذا رمت العلوم بغير شيخ
ضللت عن الصراط المستقيم
وتلتـبس الأمـور عليك حتى
تصير أضل من تومـا الحكيم
فأقوم سبيل جرت به سنة الأولين هو تلقي العلم عن أهله مشافهة ، ومزاحمة العلماء بالركب(3)، فليس ثم من يوحى بعد النبي إليه ، ولم تعد الملائكة تتنزل على أحد بعد الرسل.
وقد قيل : (( من دخل في العلم وحده؛خرج وحده )).
وهذا موسى كليم اللَّه عليه السلام والذي اصطفاه اللَّه على الناس برسالاته ؛ يرحل في طلب العلم ، ويضرب في الأرض يبتغي الخضر ليتعلم على يديه ، وقد لقي من المشقة ، والنصب دون ذلك الأمر ما لقي ؛ حتى قال : { لَقَدْ لَقِيْنَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً}(4).
حتى إذا أدرك بغيته قال :{ . . . هَلْ اتَّبعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رَشَداً }(5).
فلا يتأتى للمبتدئ الذي لم يؤسس نفسه بعد ، ولم يستكمل الآلات الشرعية ، ومازال في مهد العلم صبياً ؛ الفهم عن اللَّه ورسوله ؛ ما لم يتلق العلم عن أهله مشافهة ، ولا مناص(!) فمن سلك سبيلاً غير هذه في الطلب ، والتحصيل ، ورام خلاف ذلك ؛ فقد أبعد النجعة وضيع أيامه.
وهذا الذي ذكرته ههنا عبر عنه الإمام الشافعي بقوله : (( وصحبة أستاذ )) وإن كنت أقول : إن الشيخ أو الأستاذ ؛ لن يشق رأسك بالمنشار ، أو قلبك بالحديد ؛ ليملأه علماً وحكمة(!) . . هيهات . . أن يكون هذا إذا ما كنت بليد الطبع ، أغلف القلب ؛ وإنما يبصرك الطريق ، ويجعل حبلك بالعلم وثيقاً.
فعليك أن تتقن على أيدي الأشياخ الأصول ؛ لئلا تحرم الوصول ، وتخسر المنقول.
وهذا هو الأصل في التلقي والطلب ، فإذا أتقنتها ، وأجدت الصنعة ، وأحكمت آلتك عليهم ، وتخرجت بهم ؛ فلك بعد ذلك أن تطالع الكتب ، وتنهل من معينها ؛ فإن الانكباب على المطالعة ، وإدامة النظر في الكتب ؛ هو المدرسة الثانية ـ بعد الأستاذين ـ التي يتخرج منها الطالب المُجِدُّ عالماً نحريراً ، ومعلماً قديراً.
ـــــــــــــــ ــــ
(1) سورة التوبة الآية : ( 122).
(2) الحديث رواه مسلم عن أبي هريرة مرفوعاً ، وأبو داود ، والترمذي ، وابن حبان عن أبي الدرداء بلفظ : (( يطلب )) بدل (( يلتمس )) ، وصححه ابن حبان.
(3) لحديث جبريل الطويل ؛ الذي رواه عمر رضي الله عنه ، قال : (( . . . حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ، ووضع كفيه على فخذيه . . . )).
(4) قلت : من ضلالات معروف الرصافي التي لا يحيط بها إلا الله علما أنه عندما أراد مدح المتنبي لم يجد أحداً ينتقصه ليرفع أبا الطيب ؛ غير نبي الله موسى عليه السلام فقال في قصيدة تحمل اسم المتنبي يمدحه فيها :
لو حاز موسى مضاء عزمته
ما تاه في التيه عندما دخله
وهذه الكلمة منه هي به كفر ـ عياذاً بالله ـ فموسى عليه السلام من أولي العزم من الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين فكيف يرفع فوقه شاعراً يتبعه الغاوون(؟!) فهذ ا استخفاف وتعريض برسول كريم كليم . . وهل يطيق المتنبي ما أطاق موسى عليه السلام(؟!) وأيم الله إن العزم الذي آتاه الله موسى ما حاز منه المتنبي مثقال ذرة ؛ فأين الثرى من الثريا(؟!) وقد كان معروف بالدعوة إلى التبرج والسفور معروفاً.
(5) سورة الكهف الآية 66)
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|