|
ملتقى اللغة العربية و آدابها ملتقى يختص باللغة العربية الفصحى والعلوم النحوية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الآداب الإسلامية وأثرها في آداب الغرب سعد أبو الرضا المفهوم: إن ذيوع وانتشار ما أخذه الغربُ عَنا في مجال العلوم التجريبية، ومحاولة كثير من المُخلِصين والمُنصِفين الحديث عن هذا الجانب فقط - قد غطَّى على ما أخَذه الغرب من آدابنا، وأثرها الواضح في هذا المَجال، من هنا كانت هذه الدراسة التي تُحاول الكشف عما قدمته آدابنا الإسلامية لآداب الغرب، وجلاء بعض نواحي تأثُّر هذه الأخيرة بها. وقد حاولت تقديم تعريفٍ للآداب الإسلامية كمدخل لهذه الدراسة، ثم أشرتُ إلى أهم المعابر التي عن طريقها وصلت الآداب الإسلامية إلى أوروبا، ومن ثم كان أثرها، وهكذا تطرَّقتُ إلى أثر الشِّعرِ فالقِصة ثم المسرحية في نظائرها من أجناس الأدب في أوروبا، وقد وصلت إلى مطالع القرن الرابعَ عشرَ الهجريِّ، وبرغم أن الفترة التي تَلي ذلك حافلة بضروب التأثير العريضة والعميقة، ولكنَّها بحاجةٍ إلى دراسة مُستقِلةٍ؛ نظرًا لتشعُّبِها وتعدُّدها برغم قِصر عُمرِها الزمني بالنسبة للفترة السابقة عليها، لا سيَّما وقد ارتقَت وسائل الاتِّصال وتنوعت. يُمكن أن يقصد بالآداب الإسلامية، تلك الآداب التي ازدهرت في ظل قيم الإسلام ومبادئه، ترتوي بروائه، وتَغتذي من ذلك النبع القدسي، فتُشرق على الدنيا داعيةً إلى الحق والخير والجَمال، ترقى بالوجدان فتمتّعه، وتنهض بالعقل فتُثريه؛ لأنها تَسترشِدُ بهدي كتاب الله الذي نزل تبيانًا لكل شيء. وهي آداب تتناوَل كل ما في الوجود من قضايا، سواء أكانت هذه القضايا تتَّصلُ بالفرد في علاقاته بخالقه أو بغيره من البشر، أو بما حوله من موجودات، لا سيما وأقطار السموات والأرض مبسوطة لينفذ إليها الإنسان. وقد تَستشرِف هذه الآداب ما بعد هذا العالم، من جنة للمُتقين، وعذاب للطُّغاة العاصين. وهكذا تتَّخِذ الآداب الإسلامية من التصور الإسلامي للحياة جوهرًا لها؛ لتجول في كل القضايا، ما يُدركُه الحسُّ، ويلمسه الواقع، وما تعمر به الوجدانات والنفوس، وما يتراءى خلال ذلك. والأديب المسلم يُشكِّل تفاعله بكل هذه القضايا شِعرًا وقصة ومسرحية، وغيرها من فنون القول، متخذًا من لغته العربية وخصائصها الجمالية وسيلةً لإبراز كل ذلك. وهنا نُشير إلى أن الأدب الفارسي والتركي وغيرهما من الآداب التي نمَت في ظل الإسلام، تدخُل في إطار مفهوم الآداب الإسلامية، ولكن حبذا لو تراجَعت إلى العربية، فيتوحَّد الإطار الفني لهذه الآداب، كما نأمُل أن ينهض الأدب المقارن بأداء دوره في تحقيق هذا الإطار وتركيز وجوده النفسي والروحي. المعابر: ولقد كان تأثير الآداب الإسلامية في الآداب الأوروبية أمرًا يُنكِره المُتعصِّبون، ومن الصعب الاعترافُ به، لكن العصر الحاضر وما صحبه من تطور في حرية الفكر، جعَل المُنصِفين من الغرب والشرق يَعترِفون بما لحَضارة الإسلام وآدابه من أثر في نهضة العالم الفكرية، هذا بالإضافة إلى نشاط الدراسات المقارنة بين الآداب، ونتائج ذلك في هذا القرن. وتعدُّ الآداب الإسلامية من بين تُراثنا، وثمار حضارتنا التي انتقَلت إلى أوروبا عبر الدردنيل والأندلس وصقليَّة، وهذه من أهمِّ المَعابر والمنافذ التي تمَّ من خلالِها اتِّصالُ الفِكر الغربي بآدابنا الإسلامية. فلقد استمرَّ حكمُ المُسلمين للأندلس زهاء ثمانية قرون، أضاءت فيها مشاعل المسلمين مختلف جوانب الحياة الفكرية، والأدبُ في مُقدِّمتِها. وقد استغرقَ تأثُّر الإسلام كل مرافقِ الحياة في إسبانيا في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي)، فلمَّا سقطَت طليطلة انتشر هذا التأثير في أوروبا، كما كان بلاط ألفونس السادس في القرن الخامس الهجري - النصرانيُّ اسمًا - مُصطبِغًا بالثقافة الإسلامية، (وقد أعلن نفسه في طليطلة "إمبراطور العقيدتَين")، وأصبحت طليطلة مقصدًا لطلاب العلم والمعرفة من كل أنحاء أوروبا، حتى من إنجلترا؛ مثل روبرت الإنجليزي Robertus Angellcos الذي يُقال: إنه أول من ترجم القرآن، وميخائيل سكوت وغيرهما. كما كان ألفونس الحكيم من أكبر دعاة الثقافة الإسلامية في إسبانيا النصرانيَّة، وقد كان ملكًا لقَشتالة وليون في القرن الثالث عشر الميلادي (السابع الهجري)، وقد تمَّ تأليف عدد كبير من الكتب تحت إشرافه، تلك الكتب التي جُمعَ أكثرُها من المصادر العربية والإسلامية. وحين كانت أوروبا ترزح تحت نير الجهل والفساد، كان المسلمون الإسبان قد أقاموا حضارةً زاهرةً، وحياةً فِكرية مُنظَّمة، وقد أدَّت إسبانيا الإسلامية دورًا مُهمًّا في تطور الفن والعلم والفلسفة والشِّعر، واتَّسعت دائرة تأثيرها حتى تجلى هذا التأثير في أرفع أعلام الفِكر النصراني في القرن السابع الهِجري (الثالث عشر الميلادي)، أي: عند توما الإكويني ودانتي، وكانت إسبانيا في ذلك الوقت مشعلَ النُّورِ في أوروبا. ولقد وفد الأوروبيُّون إلى الأندلس سواء للتجارة أو الرحلة أو طلب العلم والمعرفة، وحتى رجال الدين أيضًا، ونهل هؤلاء وأولئك من الآداب والعلوم ما استَطاعوا. يُضاف إلى ذلك أن الأندلسيِّين أنفسَهم قد تعلموا اللغة العربية مع لغتهم الإسبانية (بقايا اللاتينية)، وأسهموا في نشر هذه الآداب والعلوم في شماليِّ إسبانيا، وجنوبي فرنسا وإيطاليا. وفي مقاطعة بروفانس مثلاً في جنوبيِّ فرنسا تكوَّن مجتمع مختلف تمامًا في عاداته وتقاليده وأعرافه عن بقية مجتمعات أوروبا؛ وذلك نتيجة اتِّصالِهم بالمسلمين في الأندلس. وفي جزيرة صقلية استمر حكمُ المسلمين أكثر من قرنين، خلَّفوا فيهما ثروة من العلوم والآداب، أفادَ منها الأوروبيُّون. ويُعتبَر عصر الإمبراطور فردريك الثاني ملك صقلية في القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي) (1194 - 1250م)، والذي كان يتَّصل بألمانيا - يُعتبَر عصرُه قمة التأثير العربي الإسلامي في صقلية؛ إذ كان هذا الرجل فيلسوفًا مُفكِّرًا يتكلم عدة لغات مُدركًا أهمية الثقافة العربية الإسلامية، مِن ثَمَّ فقد جمع في بلاطه كثيرًا من العلماء والشعراء والأدباء المسلمين، كما راسلَ كثيرين من رجال العلم والأدب في طولِ العالم الإسلامي وعرضه، واتَّصلَ بحضارة الإسلام أكبر اتِّصال. وفي بلاط هذا الملك، نشأت مدرسة الشعر الصقلية التي أسهمَت في وضع أسس الأدب الإيطالي الحديث، كما يقول المستشرق "جب"، والذي يؤكِّد على أن الشعراء النصارى كانوا يحذون حذو الشعراء المسلمين "التروبادور" الذين كانوا يتجمَّعون في بلاط الملك فريدريك الثاني. بل إن تاريخ أوروبا في العصور الوسطى ليشهد بأن هذا الملك فريدريك قد أسَّس جامعة نابلي سنة 1224م؛ لنقل الفِكر والعِلم العربيِّ إلى العالم الغربي. ولن ينسى التاريخ الاحتِكاك القوي بين الغربيِّين والمسلمين في الحروب الصليبية؛ حيث تم نقل كثير من العلوم بين الغربيِّين والمسلمين في الحروب الصليبية؛ حيث تمَّ نقل كثير من العلوم والفنون والآداب والمَخطوطات التي توجد في كُبرَيات مكتبات ومتاحف أوروبا. ومع هذا التفاعل، وتوثُّق الاتِّصال بين عالَمِنا الإسلامي والغرب، وجد هذا الأخير في تراث الإسلام - ومن بينه الآداب - ما يمكنه من وضع أسس نهضة في مختلف جوانب الحياة، هيَّأته للدور القيادي الذي يقوم به، مِن ثَمَّ كانت النهضة في فرنسا وبقية دول أوروبا والعالم. وهكذا يَشهد الفِكر الأوروبي في القرن السابع عشر - قرن النَّهضة الأوروبية - الأثر الجلي الواضح لآداب المُسلمين وفِكرهم، وكلَّما تطوَّر الزمن واتَّسعت حرية الفِكر وازدهرَت الدراسات المقارنة، تكشَّفت الأمور عن أثر جديد لآدابنا الإسلامية في آداب الغرب؛ لذلك نجد قرنَنا حافلاً بالكثير مما اكتُشفَ في هذا المَجال. ويُمكِننا أن نشير إلى بعض المصادر التي سجلت هذه الظاهرة، فحاولتُ رصد آثار الآداب الإسلامية في الآداب الأوروبية مثل: 1- الإسلام والكوميديا الإلهية؛ لمجويل آسين بلاثيوس، الذي طُبعَت ترجمته الإنجليزية في لندن سنة 1919م، وقد أشار في مقدمته إلى ما انتقل إلى إسبانيا من تراث الإسلام الفِكري والروحي والأدبي، ثمَّ عرَض للمَصادرِ الإسلامية التي أثَّرت في الكوميديا الإلهية لدانتي، ومنها المعراج، ورسالة الغفران. 2- تراث الإسلام؛ تأليف ألفرد جيوم وآخرين، ثلاثة أجزاء، من بين ما تحدَّث عنه هذا الكتاب: أثر آداب الإسلام في مختلف آداب الغرب، بجانب تناوله لكثير من ألوان الثقافة الإسلامية في مختلف العلوم والفنونِ، وقد ترجمتْه لجنة الجامعيِّين لنشر العلم بالقاهرة سنة 1936م، ثم قامت سِلسلة عالم المعرفة التي تَصدُر في الكويت بنشرِه منذ سنة 1978م. أولاً - في الشعر: أثَّرت الآداب الإسلامية في الآداب الأوروبية شكلاً ومضمونًا، والأمثلة على ذلك كثيرة، ويُمكن أن نَجتزئ مثالَين في مجال الشِّعرِ يوضِّحان وجهةَ النظر هذه: أما أولهما: فهو أثر "المِعراج الإسلامي" وما يتَّصل به من قصص أدبي إسلامي في القصص الديني الأوروبي، كما تُمثِّله قصيدة "الكوميديا الإلهية" لدانتي اليجيري الإيطالي، التي كتبها في القرن الثامن الهجريِّ (الرابع عشرَ الميلاديِّ). ومنذ أن كتب دانتي هذه القصيدة، وهي تَلفِتُ نظر المُفكِّرين الأوروبيِّين، وتَستحوِذ على إعجابهم؛ لما قدَّمتْه من تصور للحياة الأخرى بشقائها ونعيمِها؛ بحيث أسهمَ هذا التصوُّر في ثقافة الناس في أوروبا بالنسبة لما بعد الموت حتى مطالعِ القرن الحالي، وربما كان ذلك لجَهلِهم بالأدب الإسلامي، أو تجاهُلهم له. إلى أن أعلن المُستشرِق الإسباني آسين بلاثيوس سنة 1919م، أن دانتي مُتأثِّر بالمعراج الإسلامي تأثُّرًا كبيرًا، يَكشِف عنه التماثل في دقة التفاصيل بين الكوميديا الإلهية والمعراج الإسلامي، تماثلاً لا يُمكن ردُّه إلا إلى تأثر دانتي العظيم، واستفادته الكبيرة من "المعراج الإسلامي" وما يتَّصل به من قصص إسلامي ديني، كما ورَد عند ابن مسرة وتلميذه ابن عربي الأندلسي في "الفتوحات المكية"، وفي "رسالة الغفران" لأبي العلاء المعري وتعليقاتهم عليها. هذا وقد ترجم كتاب بلاثيوس "الإسلام والكوميديا الإلهية" ملخصًا إلى الإنجليزيَّة سنة 1926م. والتشابُه الذي تتبعه بلاثيوس يقطَع كل شكٍّ حول اتصال دانتي بقصص "المعراج الإسلامي" والقصص الديني المتَّصل بالجنة والنار، ويؤكِّد أن هذا القصص كان المادة التي اعتمَد عليها دانتي اليجيري في قصيدته " الكوميديا الإلهية". ذلك أن تفاصيلَ قصيدة دانتي في "الجحيم والمطهر والفردوس" هي التفاصيل نفسها التي تُوجَد عند ابن عربي المتصوف الأندلسي في "الفتوحات المكيَّة"، أو عند أبي العلاء المعرِّي في رسالة الغُفران، وعند غيرهما من المسلمين؛ ممَّن تناولوا هذا القصص الديني الذي يتعلق بالأخرويات. بل إن النظام الهندسي والأخلاقي للجنة والنار، وتَصميمهما مُتطابق تمامًا مع ما ورَد بشأن ذلك في "المِعراج الإسلامي"، وما يتصل به من قصص أدبي ديني للمسلمين. والمعاني الأخلاقية والرموز الفنية مُتماثِلة، من حيث إن هذه الرحلة رمز لحياة الإنسان الأخلاقية، وإن المنازل النورانية التي توجَد في الجنة، لا يَبلغها الإنسان إلا عن طريق العناية الإلهية، وهو ما أشار إليه الصوفيون المسلمون قبل دانتي. هذا بالإضافة إلى أن المُتتبِّع للجزئيات الدقيقة سوف يلمَس هذا التماثُل أو التقارب من حيث مُهمَّة الدليل، ودركات العذاب في النار ووصف الشيطان ومنازل الجنة، والحُوريات، والصراط، والأعراف، ودخول الأبرار الجنة، والشجرة الواردة في القرآن، والشخصيات الثانوية الأخرى التي تُوجَد في القصص الديني الإسلامي، وكوميديا دانتي، بل إن هناك من يرى تماثُلَ الغُموضِ الأسلوبي في قصة عروج ابن عربي وقصيدة دانتي. ولم تكن المُجتَمعات الأوروبية - وخاصة الإيطالي - لتقبَل مثل هذا الرأي في شاعرها الكبير دانتي، مِن ثَمَّ فقد انبرَوا للرد عليه، لكن آسين بلاثيوس جمع كل هذه الاعتراضات، وقام بالردِّ عليها، وقد ألحقَ هذا الردَّ بالطبعة الثانية من دراسته "الأخرويات الإسلامية في الكوميديا الإلهية" يتلوها تاريخ ونقْد المُساجلات، وذلك في عام 1943م، ومن أهمِّ الحُجَج التي فنَّدها ادعاؤهم أن ما في الكوميديا الإلهية من أمور تتعلق بالأخرويات، مصدرها الفكر النصراني الأوروبي، لكن بلاثيوس بيَّن: يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |