* قال ربيعةُ بن كعب: كنتُ فتىَ حديث السنِّ لما أشرَقت نفسي بنورِ الإيمانِ، وامتلأ فؤادي بمعاني الإسلام.
ولما اكتَحلت عينايَ بمرأَى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أوَّلَ مرة أحببتُه حباً ملَكَ عليّ كل جارحةٍ من جوارحي.
وأولعتُ به ( شغفت به حباً وتعلقت به ) ولعاً صَرفني عن كل ما عداه.
فقلت في نفسي ذاتَ يوم: ويحكَ يا ربيعةُ، لم لا تجرِّدُ نفسَكَ لخِدمة رسولِ الله صلى الله عليه وسلم؟!
اعرض نَفسَكَ عليه...
فإن رضِيَ بك سَعِدت بقربِه وفزت بحُبه، وحَظيت بخيري الدنيا والآخرة.
ثم ما لبث أن عرضتُ نفسي على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ورجوتُه أن يقبلَني في خدمته.
فلم يخيِّب رجائي، ورضيَ بي أن أكونَ خادماً له.
فصِرت منذ ذلك اليوم ألزَمَ للنبي الكريمِ من ظِله.
أسيرَ معه أينما سار، وأدورُ في فَلَكِه كَيفما دار.
فما رمى بطرفِهِ ( نظر بطرف عينه ) مرة نحوي إلا مثُلتُ ( بادرت واقفاً ) واقفاً بين يديه.
وما تَشوَّف ( تطلع لحاجة ) لحاجةٍ من حاجاتِه إلا وجَدني مسرعاً في قضائها.
وكنتُ أخدمُه نهارَه كلَّه، فإذا انقَضى النهارُ وصلى العشاءَ الأخيرةَ وأوى إلى بيته؛ أهِمُّ بالانصراف.
لكني ما ألبَثُ أن أقول في نفسي: إلى أين تمضي يا ربيعةُ؟!
فَلعَلَّها تعرضُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم حاجةٌ في الليلِ. فأجلِسُ على بابِه ولا أتحولُ عن عتبةِ بيتِهِ.
وقد كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يقطعُ ليلَه قائماً يُصلي؛ فربَّما سمعته يَقرأُ بفاتحة الكتاب؛ فما يزال يُكررُها هزيعاً ( الشطر من الليل، ثلثه أو نصفه، أو جزء منه ) من الليل، حتى أمَلَّ فأَترُكَه، أو تغلبني عيناي فأنام.
وربما سمعتُه يقول: ( سَمِعَ الله لِمن حَمِدَه ) فما يزالُ يرددها زمناً أطوَلَ من ترديده لفاتحةِ الكتاب.
* * *
- وقد كانَ من عادة رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنه ما صنع له أحدٌ معروفاً إلا أحَبَ أن يجازيَه عليه بما هو أجلُّ مِنه.