|
ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (1) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي هذه مقدمات مهمة مختصرة في التزكية وسبيلها، نسأل الله النفع والهداية بها: المقدمة الأولى: الباعث على التدوين في التزكية: نقول بداية: إن السائر إلى الله والدار الآخرة، الراغب في الجنة، والمشتاق إليها، لا بد له من هداية تبصره بالطريق، وزاد يعينه على مواصلة السير والسفر، ولقد كان الباعث على التدوين في هذا عدة أمور: الأول: الشوق إلى الجنة ونعيمها: أن نفسي منذ نشأتها تحب الحديث عن الجنة ونعيمها، وما أعد الرحمن لأهلها من أصناف النعيم والسعادة الأبدية، وتتسلى به عن هموم الدنيا وأنكادها المتتابعة أبدًا، فتخفف الهموم بذلك، وترتفع همتها، وتجدد العزم على مواصلة السفر والرحيل بجميل الزاد، حتى أنني كنت اختلي بنفسي كثيرًا وأذهب أتفكر في الجنة وجمالها وكمالها، وحال المؤمن فيها، وكيف يتنعم بين قصورها وأنهارها وخيامها، فيكاد القلب يرتجف إليها بالشوق والحنين، ويقول: لو كانت الجنة كأسعد يوم يجد إنسان من أيام الدنيا لكفت، فكيف وفيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، مهما جال وصال بفكره. فالنفس تواقة إلا أن هدايتها إلى منارات السبيل والسير، تحتاج إلى تذكير متكرر، لأن النفس تميل إلى الفتور والتواني، وتهوى الراحة والفسحة، فتقع في الغفلة والنسيان، أو الخطأ والعصيان، ولو أن النفوس ما غفلت لما عصت، ولو أنها ما ذكرت لما تابت وأنابت، ولهذا فالشوق نور وقاد، والهمة عزيمة وثابة، والتذكير تنبيه للغافل، ونفع للجاهل، وهداية للسائر، وقد كان شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: "لابد للسالك إلى الله من همة تسيره وترقيه، وعلم يبصره ويهديه". الثاني: غفلة البعض عن أعمال القلوب والتزكية: ومما حملني أيضًا أني رأيت كثيرًا من الفضلاء الطيبين، ومحبي السنة والدين، شغلوا عن "أعمال القلوب وأحوالها"، وعن الحديث في الرقائق والزهد والورع والنفس وأنواعها، وعن فقه القلوب وتصفية الأخلاق وتهذيبها، شغلوا عنها بأمور أخرى هي من الشريعة بمكان كالحرص على إظهار السنن النبوية وتعليمها، والتحذير من فرق أهل البدع والضلال وطرقها، وهذا من أعظم الجهاد ولا ريب كما نص عليه شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله. إلا أنهم شغلوا بشيء زائد منها حملهم على التقصير من حيث لا يشعرون في أعمال القلوب والنفس وتهذبيها، وهذه ليست طريقة السلف الصالح - رضي الله عنهم -، لأن السلف كانوا أحرص الناس على السنة وإظهارها، ومحاربة البدعة وأصنافها، لكنهم كانوا يقيمون الأمور منازلها ودرجاتها، فلا يقدمون مطلوبًا مهمًا، على مطلوب أهم، ولهذا كانوا يجعلون العالم الفقيه هو من يخشى الله ويرجوا الآخرة ويعمل بعلمه، فيبدوا عليه ذلك في سلوكه وعمله وظاهره. والذي حمل بعض المتأخرين على هذا التقصير في جانب التصفية والتربية، ظنهم أن الكلام في القلوب وأحوالها، والنفس وتقويمها، والزهد في الدنيا والإعراض عنها، أنه "باب من التصوف عند الصوفية والطرقية"، وكأنه خاص بهم، حيث غلب عليهم الكلام والتصنيف فيه، ووقع كثير من طوائف الصوفية وأئمتهم في صور وألوان من البدع والخرافات والسحر والدجل والشركيات والكفريات، كابن عربي وابن الفارض وابن سبعين والحلاج والتلمساني، وقالوا بوحدة الوجود وبالحلول وبالفناء وغيرها من أصولهم الباطلة، وظنوا أن السير إلى الله وإصلاح القلوب، من عمل أهل التصوف والطرق، والحق أنه كان من خصائص السلف الصالح وآثارهم معروفة، ولهذا جاء في "مختصر منهاج القاصدين" أنك: "تجد الفقيه يتكلم في الظهار واللعان والزنى والسبق والرمي، ويفرع التفريعات التي تمضي الدهور فيها، ولا يحتاج إلى مسألة منها، ولا يتكلم في الإخلاص، ولا يحذر من الرياء، وهذا فرض عليه، لأن في إهماله هلاكه، والأول فرض كفاية". فالمقصود من جملة كلامه: أن الاعتناء بالفقه ومسائله وتفريعاته، والتفسير والحديث واللغة وغيرها من العلوم، يكون فيه حد الاعتدال والنصاب، فلا ينشغل بالظاهر والباطن خواء من المحبة والخشية والخوف والتوكل والإنابة، واليقين، ولا تعرف عينه الدموع، ولا قلبه الخشوع، ولا نفسه التذلل لله - تعالى. كما لا ينشغل بالباطن وأعمال القلب وإصلاحه، ويهمل رعاية العلم وحفظ الكتاب، وتفسيره وفهم معانيه، ويهمل السنة وكتابة الحديث واستنباط الفوائد والأحكام منه، أو يهمل الفقه الذي به يعرف الحلال من الحرام، والسنة من البدعة، بل طالب الآخرة يجمع بينهما، ويسلك مسلك الاعتدال في العلم والعمل، حتى لا يذم بصفات أهل الكتاب من اليهود والنصارى بتركهم العمل، أو يذم بصفات المنافقين وأشباههم، وتركهم الإخلاص. الثالث: كثرة طرق أهل البدع والصوفية: كثرة طرق أهل البدع من الصوفية وغيرهم في هداية السائرين إلى الله وجنته، فهم لهم قطاع طرق عن الصراط الرباني والنبوي القويم، ذلك أن الصوفية فرقة من فرق المسلمين، لهم نوع تعبد وتزهد، ومعه خليط من البدع والمنكرات وغيرها، جلسوا يذكرون الناس والمريدين بالزهد في الدنيا، وتزكية النفس من أدرانها وأنجاسها، ويبصرون القلب بمقامات العبودية القلبية وأحواله، ويحملونهم على الذكر الدائم والتلاوة، وقيام الليل وصيام النهار، وقطع العلائق القاطعة عن الله، والحذر من العوائق الصادة عن سبيله من الشيطان والنفس والدنيا والجهل والهوى، وهذا ولا ريب كله حق وهدى ونور. إلا أنهم غالوا فيه كثيرًا، وابتدعوا فيه كثيرًا، وجعلوا لهم طرقًا وأورادًا، وحقائق وإشارات ولطائف، وفرقوا في علومهم تلك بين الشريعة والحقيقة، وجعلوا عماد طريقهم الكشف والذوق والرؤى، ومنهم من وقع في القول بالحلول والفناء والاتحاد ووحدة الوجود، فهم بذلك خالفوا هدي النبوة في تزكية الأنفس وإصلاح القلوب، وخالفوا أنوار الوحي من الكتاب والسنة، وما كان عليه سادة السلف وعبادهم. كما أن من معاني التصوف عندهم "قتل الشهوات والغرائز" بالذكر والتلاوة والمجاهدة والصبر والفقر والصوم، وهذا ليس المنهج السديد في التزكية، لأن الإسلام جاء ليهذب الغرائز ويربيها، وليس لقتلها وسلبها من الإنسان بالكلية، فهذا خلاف الطبع والفطرة والجبلة، كغريزة الميل للمرأة، جعلها مباحة للزواج وملك اليمين، بل جعل فيها صدقة وأثاب عليها، وأما التبتل بها والإعراض عنها فليس من هدي النبوة في شيء، وكذلك الطعام ومنع النفس عن بعض ما تشتهي منه، وقد كان أزهد الخلق في الدنيا - صلى الله عليه وسلم - يأكل الحلوى وما طاب من اللحم، وليس امتناعًا بالكلية عما تريده النفس وتشتهيه. وكذلك العطر واللباس، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - أزهد الناس وأعطرهم وأجملهم هيئة، فلم يمنعه الزهد من التعطر ولبس الثياب الطيبة، وكذلك كان الصحابة والتابعون المتقون، ومن يزعم أن لبس الخرقة والثياب البالية كان هديًا وتزكية، فما أقل علمه، وأضل سبيله عن أنوار الوحي والنبوة، ولهذا كثر الغلط في شيوخ الصوفية وأئمتهم، وفي أتباعهم ومريديهم لا حد له عندهم، قال ابن الجوزي - رحمه الله -: "تأملت أحوال الصوفية والزهاد، فرأيت أكثرها منحرفاً عن الشريعة، بين جهل بالشرع، وابتداع بالرأي، يستدلون بآيات لا يفهمون معناها، وبأحاديث لها أسباب، وجمهورها لا يثبت، فمن ذلك، أنهم سمعوا في القرآن العزيز: ﴿ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الغُرُورِ ﴾ [الحديد: 20]، ﴿ اعلَمْوا أنَّما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ ﴾ [الحديد: 20]، ثم سمعوا في الحديث: "للدنيا أهون على الله من شاة ميتة، على أهلها " فبالغوا في هجرها من غير بحث عن حقيقتها". وقد نقل ابن القيم، وابن الجوزي في كتابيه "صيد الخاطر"، و"تلبيس إبليس" عنهم عجائب وغرائب من الجهل والضلال والبدع التي لا تقف، وصدهم عن حفظ الحديث وطلب العلم والفقه، وانشغالهم بالخلوات والأوراد والأرزاق، والغناء والرقص والسماع الشركي. فالصوفية من آفاتهم الزهد في العلم والفقه في الدين وأصوله، وقد روى ابن الجوزي عن جعفر الخالدي قال: "لو تركني الصوفية لجئتكم بأسانيد الدنيا، لقد مضيت إلى عباس وأنا أحدث، فكتبت عنه مجلسًا واحدًا، وخرجت من عنده، فلقيني بعض من كنت أصحبه من الصوفية، فقال: "إيش هذا معك"؟ فأريته إياه، فقال: "ويحك تدع علم الخِرَق، وتأخذ علم الورق، ثم مزَّق الأوراق، فدخل كلامه في قلبي، فلم أعد إلى عباس... ورأيت محبرة مع بعض الصوفية، فقال له صوفي آخر: استر عورتك! وقد أنشدوا للشبلي: إذا طالبوني بعلم الورق ![]() برزت عليهم بعلم الخرق ![]() وهذا من خفي حيل إبليس، ﴿ وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ ﴾ [سبأ: 20]، وإنما فعل وزينه عندهم لسببين: أحدهما: أنه أرادهم يمشون في الظلمة. والثاني: أن تصفح العلم كل يوم يزيد في علم العالم، ويكشف له ما كان خفي عنه، ويقوي إيمانه ومعرفته، ويريه عيب كثير من مسالكه، خصوصاً إذا تصفح منهاج الرسول صلى الله عليه وسلم، والصحابة، فأراد إبليس سد تلك الطرق بأخفى حيلة، فأظهر أن المقصود العمل، لا العلم لنفسه، وخفي على المخدوع أن العلم عمل وأي عمل، فاحذر من هذه الخديعة الخفية، فإن العلم هو الأصل الأعظم، والنور الأكبر، وربما كان تقليب الأوراق أفضل من الصوم والصلاة، والحج والغزو، وكم من معرض عن العلم يخوض في عذاب من الهوى في تعبده، ويضيع كثيراً من الفرض بالنفل، ويشتغل بما يزعمه الأفضل عن الواجب، ولو كانت عنده شعلة من نور العلم لاهتدى، فتأمل ما ذكرت لك ترشد إن شاء الله تعالى". فتأمل كيف صده لهم عن طلب العلم والحديث، وكيف تلاعب بهم الشيطان وأقعدهم عن سبيله، وهذا خلاف هدي النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولهذا قال ابنُ القيمّ: "من أحالك على غير أخبرنا وحدثنا فقد أحالكَ إمَّا على خيالٍ صوفي، أو قياسٍ فلسفي، أو رأيٍ نفسي، فليس بعد القرآن وأخبرنا وحدّثنا إلاّ شبهاتُ المتكلمين، وآراءُ المنحرفين، وخيالاتُ المتصوفين، وقياسُ المتفلسفين، ومن فارقَ الدليل ضلَّ عن سواءِ السبيل، ولا دليل إلى الله والجنّةِ سوى الكتابُ والسنّة". كما أن الصوفية كانوا أحد أسباب ضعف المسلمين، ذلك بأنهم اتخذوا ثقافة التواكل بل التوكل على الله وحده، ورغبوا عن الدنيا كليًا زعمًا أن هذا هو تمام الزهد والورع والاستقامة، حتى ركن المسلمون إلى التواكل في العلوم والصناعات. وكذلك "كثرة طرقهم" كالشاذلية، والبدوية، والمهدية، والخلوتية، والإدريسية والأحمدية، والقادرية، والمرسية، والرفاعية، والبطائحية، والنور بخشية، والعيدروسية والنقشبندية، والتيجانية، والرفاعية، والعدوية، والبيانية، والجشتية، والفرغلية، والسالمية، والمشعشعية، وكل طريقة منها لها شيخها ومنهجها، وكل شيخ له سبيل وأوراد وأحوال خاصة بطريقته، أما أهل السنة والجماعة فليس لهم إلا طريق واحد، وهو اتباع الكتاب والسنة، وهذا من أعظم الفوارق بين أهل السنة وأصحاب البدع والتفرق، وقد ناظر بعضهم ابن تيمية - رحمه الله - قالوا: نحن ندخل النار ولا يضرنا، قال: أولاً: نغتسل كلنا، تغتسلون أمامي، ثم أدخل أنا وأنتم إلى النار، فرفضوا ذلك، وقصة مناظرته لهم معروفة مشهورة، ومن عجائبهم، القول بأن أحدهم قد يرى النبي - صلى الله عليه وسلم - في اليقظة، وهذا من خلل العلم والعقل، أو أنه يحضر معهم الرقص والغناء في المولد المزعوم، وهذا أعجب من الأول. ومن عجائب ما وقع لي معهم أني زرت أحد البلدان مع أحد الفضلاء، فجاء وقت صلاة المغرب وكان في رمضان، فدخلنا أحد المساجد، وكان من مساجد الصوفية في المطرية بالقاهرة، فقدموني للإمامة بهم، فقرأت مع الفاتحة في الركعتين الأوليين الضحى والشرح، ثم أخبرني بعدها صاحبي أن القوم غضبوا، وقالوا: لو علمنا قبل الصلاة أنه وهابي ما قدمناه للإمامة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فهذا حالهم، ولهذا أردت هداية لنفسي على سبيل وسنة، ثم لمن طابت نفسه مطالعة للكتاب وإفادة. وجماع ما عليه أهل الطرق والتصوف - سواء صوفية الزهاد والعباد، أو صوفية الفلسفة والكلام - جملة، ما قاله ابن الجوزي - رحمه الله -: "ثم من الدخل الذي دخل ديننا طريق المتصوفة فإنهم سلكوا طرقاً أكثرها تنافي الشريعة، وأهل التدين منهم يقللون ويخففون، وهذا ليس بشرع،... ومنهم أقواماً عملوا سننا لهم تلقوها من كلمات أكثرها لا يثبت، ومنهم من أكب على سماع الغناء والرقص واللعب ثم انقسم هؤلاء، فمنهم من يدعي العشق فيه، ومنهم من يقول بالحلول، ومنهم يسمع على وجه الهوى واللعب، وكلا الطريقين يفسد العوام الفساد العام". وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي: "ومما أحدث من العلوم، الكلام في العلوم الباطنة من المعارف وأعمال القلوب وتوابع ذلك، بمجرد الرأي والذوق أو الكشف، وفيه خطر عظيم وقد أنكره أعيان الأئمة كالإمام أحمد وغيره، وقد اتسع الخرق في هذا الباب، ودخل فيه قوم إلى أنواع الزندقة والنفاق، ودعوى أن أولياء الله أفضل من الأنبياء، أو أنهم مستغنون عنهم.. وأدخلوا في هذا الطريق أشياء كثيرة ليست من الدين في شئ، فبعضها زعموا أنه يحصل به ترقيق القلوب كالغناء والرقص، وبعضها زعموا أنه يراد لرياضة النفوس كعشق الصور المحرمة ونظرها، وبعضها زعموا أنه لكسر النفوس والتواضع كشهرة اللباس وغير ذلك مما لم تأت به الشريعة، وبعضه يصد عن ذكر الله وعن الصلاة والغناء والنظر المحرم، وشابهوا بذلك الذين اتخذوا دينهم لهواً ولعباً". والإمام ابن القيم - رحمه الله - عقد فصولًا في كتابه الماتع "إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان"، للرد على حيل ومكر الشيطان وتلاعبه بالفرق وبالصوفية وعقولهم، وأنكر عليهم ما أحدثوه في الدين من خرافات وضلالات وأهواء وشركيات، كما ذكر في إحدى القصائد في كتابه قوله: إن قلتَ قال الله قال رسوله ![]() همزوك همز المنكر المتغالي ![]() أو قلتَ قد قال الصحابة والألى ![]() تبعوهمُ في القول والأعمالِ ![]() أو قلتَ قال الآل آل المصطفى ![]() صلى عليه الله أفضل آلِ ![]() أو قلتَ قال الشافعي وأحمد ![]() وأبو حنيفة والإمام العالي ![]() أو قلتَ قال صحابهم من بعد هم ![]() فالكل عندهم كشبه خيالِ ![]() ويقول: قلبي قال لي عن سره ![]() عن سر سري عن صفا أحوالي ![]() عن صفو وقتي عن حقيقة مشهدي ![]() عن سر ذاتي عن صفات فعالي ![]() تركوا الحقائق والشرائع واقتدوا ![]() بظواهر الجهال والضلالِ ![]() وقال أبو أحمد الشيرازى: "كان الصوفية يسخرون من الشيطان، والآن الشيطان يسخر منهم". فالمقصود مما ذكرنا؛ أن الصوفية صارت من الفرق المنحرفة عن هدي الكتاب والسنة في كثير من أمورها، ولعل المتأمل في انحرافها وبدعها، يرى أنه يعود لأسباب منها: انحرافهم عن مصدر التلقي والهداية؛ وهو الوحي في الكتاب والسنة، فصاروا يتلقون علومهم عن شيوخهم وكتبهم وطرقهم، وهذا أدى بهم إلى الانحراف في العقيدة؛ والقول بالحلول والاتحاد والفناء، والانحراف في مسائل التعبد أو العبادة، ومسائل التوسل والكرامات والنبوات، والمظاهر الشركية الكبيرة، من سؤال الموتى، والدعاء عند قبورهم لطلب الحاجات وتفريج الكربات، بل والطواف حولها حتى جعلوا قبور بعض أئمتهم أفضل من الكعبة التي هي بيت الله تعالى. ولهذا عزمت بإذن الله وقوته، على تدوين هذه الكلمات المختصرات، نشرا لمنهج التزكية القويم، في إصلاح النفس والقلب، على طريقة أهل السنة والهدى، وأتباع الحديث والأثر، وهذا من أجل الطرق إلى صد البدع وأهلها، وإحياء السنن وهديها، والله يهدي إلى سواء السبيل.
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (2) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي هذه مقدمات مهمة مختصرة في التزكية وسبيلها، نسأل الله النفع والهداية بها: المقدمة الثانية التزكية والهداية من مطالب الكتاب والسنة أولًا: معنى التزكية ومطلبها في الكتاب والسنة: المراد بالتزكية: عند أهل اللغة: الزيادة والنماء والتطهير، ومنه قول الله سبحانه: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [التوبة: 103]. والمراد منها اصطلاحًا أو شرعًا: تطهير النفس وإصلاحها من أمراضها؛ كالكفر والشرك، والنفاق، والظلم، والجهل، والهوى، والكبر، والعجب، والغرور، وطلب الجاه، وحب الشهوات المحرمة، وصرف الخوف والرجاء والتوكل والمحبة في العبودية لغير الله، وإصلاح النفس والقلب بأضدادها، من التوبة، والخشية، والإنابة، والمحبة، والتوكل. ولا يكون ذلك إلا بما دلت عليه النصوص الشرعية من الكتاب والسنة، كتحقيق الإيمان، والإخلاص والمحبة، والعمل الصالح، وفعل المأمور، وترك المحظور، والصبر على المقدور - كما سيأتي إن شاء الله -، ولهذا أرشد الله لها في القرآن فقال تعالى: ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ﴾ [الشمس: 7-10]، وقال سبحانه: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ﴾ [الأعلى: 14-15]. وقال تعالى في وظيفة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -: ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ﴾ [الجمعة: 2]، وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى * جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء مَن تَزَكَّى ﴾ [طه: 75-76]، وجاء في الحديث دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم آت نفسي تقواها، وزكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها". وكذلك فإن تزكية النفس والقلب، فيه ارتباط بين الظاهر والباطن في الصلاح والهداية، فإن من صلح له قلبه، واستقامت له نفسه، أثر ذلك في سلوكه وعبادته وعمله الظاهر بالصلاح والاستقامة وحسن الخلق، لأن فساد الظاهر دلالة قوية على فساد الباطن، وقد جاء في الحديث: "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب". وقال الشاطبيُّ - رحمه الله تعالى -: "الأعمالُ الظاهرةُ في الشرع دليلٌ على ما في الباطن فإذا كان الظاهرُ منخرماً أو مستقيماً حكم على الباطن بذلك". وقال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى -: "من أحب تصفية الأحوال فليجتهد في تصفية الأعمال: قال تعالى: ﴿ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً ﴾ [الجن: 16]". فتزكية النفس والقلب من مطلوبات الكتاب والسنة، والنصوص بينة فيها وكثيرة، لكن الصوفية اشتغلوا بها وخلطوا معها البدع والشركيات والضلالات، كما قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -: "الدينُ كلُّه خُلُقٌ، فمن زاد عليك في الخلُقِ زاد عليك في الدين". ومنهج أهل السنة ليس فيه تصوف بواقعه الطرقي المنتشر بين المتأخرين منهم خاصة، إنما فيه استقامة وتزكية، كما قال تعالى: ﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [هود: 112]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [الأحقاف: 14]، وقال أيضًا: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾ [آل عمران: 164]، وقال تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ﴾. وهذا ما كان عليه الصوفية الأوائل الموصوفين بالسنة والعلم والفضل، كما قال شيخ الإسلام، لأن الإنسان سائر إلى الله على جميع أحواله، أي راجع إليه، موقوف بين يديه، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى ﴾ [العلق: 8]، إلا أن المؤمن في سيره أعد نفسه وعمله بما أمر به الله ورسوله توحيدًا وتزكية واتباعًا، والشقي الفاجر خالف فيلقى ربه بغير هدى ولا زاد ولا عمل يرجوا به رحمته وجنته. ثانيًا: مراعاة الألفاظ وضبطها: ومما عرف من الألفاظ في باب التزكية والسلوك "لفظ التصوف"، فقد جعلها الصوفية في بيان حالهم وزهدهم وطلبهم للآخرة، وهؤلاء صوفية الزهاد والعباد، لهذا فإن كلمة "التصوف" لفظ قد يخرج منه موافقة للكتاب والسنة بحسبه، وقد يخرج منه مخالفة وبدعة بحسبه، ولهذا يكون النظر إلى الحال والعمل، لا إلى اللفظ المجرد. والمتصوفة الأوائل كان فيهم نوع تسنن بالكتاب والسنة، إلا أن من جاء بعدهم غلب عليهم البدع والطرق والضلال، فصار التصوف مما لا يطلب ولا يمدح، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "لفظ الفقر والتصوف قد أدخل فيها أمور يحبها الله ورسوله، فتلك يؤمر بها، وإن سميت فقرا أو تصوفا؛ لأن الكتاب والسنة إذا دل على استحبابها لم يخرج عن ذلك بأن تسمى باسم آخر، كما يدخل في ذلك أعمال القلوب، كالتوبة والصبر.. وقد أدخل فيها أمور يكرهها الله ورسوله؛ كما يدخل فيها بعضهم نوعا من الحلول والاتحاد، وآخرون نوعا من الرهبانية المبتدعة في الإسلام، وآخرون نوعا من المخالفة للشريعة، إلى أمور ابتدعوها، إلى أشياء أخر، فهذه الأمور ينهى عنها بأي اسم سميت". ومثله لفظ "السير، أو السائر إلى الله، والزاهد، والعابد"، فقد يكون المعنى منه التصوف البدعي، وقد يكون المعنى منه التزكية الشرعية، وهذا الثاني هو المقصود في كتابنا هذا، ولهذا فإن من الغلط رد الألفاظ دون النظر إلى مدلولاتها على الحقيقة، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: "الألفاظ التي جاء بها الكتابُ والسنّةُ علينا أن نتبّع ما دلت عليه مثل لفظ الإيمان والتقوى والإحسان والتوكل والحب لله". وقال أيضاً: "وأما الألفاظُ التي ليست في الكتاب والسنّة ولا تقف السلف على نفيها أو إثباتها، فهذه ليس على أحدٍ أن يوافقَ من نفاها أو أثبتها حتى يستفسر عن مراده، فإن أراد بها معنىً يوافقُ خبرَ الرسول أقرَّ به، وإن أراد بها معنى يخالفُ خبرَ الرسولِ أنكره". ثالثًا: التصوف السني والبدعي والقول فيهما: وعلى هذا فقد ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية في تفريقه بين صوفية أهل السنة، وصوفية أهل البدعة، بقوله: "والشيوخ الأكابر الذين ذكرهم أبو عبد الرحمن السلمي في طبقات الصوفية، وأبو القاسم القشيري في الرسالة، كانوا على مذهب أهل السنة والجماعة ومذهب أهل الحديث، كالفضيل بن عياض، والجنيد بن محمد، وسهل بن عبد الله التستري، وعمرو بن عثمان المكي، وأبو عبد الله محمد بن خفيف الشيرازي، وغيرهم، وكلامهم موجود في السنة وصنفوا فيها الكتب....". ثم قال: "لكن بعض المتأخرين منهم كان على طريقة بعض أهل الكلام في بعض فروع العقائد، ولم يكن فيهم أحد على مذهب الفلاسفة، وإنما ظهر التفلسف في المتصوفة المتأخرين، فصارت المتصوفة تارة على طريقة صوفية أهل الحديث، وهم خيارهم وأعلامهم... وتارة على اعتقاد صوفية أهل الكلام فهؤلاء دونهم، وتارة على اعتقاد صوفية الفلاسفة، كهؤلاء الملاحدة". وكذلك فعل الشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله - في "مجموع فتاويه" حيث قال: "المتصوفة على قسمين: متصوفة سُنِّيِّين، ومتصوفة بدعِيِّين، ومقتصدوهم ليس فيهم إلا القليل من البدعة، وبعضهم عنده الشيء الكثير، وجعلوا التصوف نافذة إلى وحدة الوجود". وليس المقصود هنا بذكر تقسيم الصوفية إلى سنية وبدعية هو تصويب طريقهم في التزكية والسلوك بإطلاق، كلا، فكيف يصوب طريق من حشوا عقولهم وقلوبهم بالكشف والذوق والوجد والرؤى، وتقبيل الأعتاب والأخشاب، وسؤال الموتى في قبورهم مما لا يسأل به إلا الله وحده، إنما القصد يكون: أولًا: في بيان طريقة تعامل الأكابر من أهل العلم بالعدل والإنصاف مع المخالفين، فلا يصدرون الأحكام مطلقة، أو جزافًا دون تحقيق وتبيين، وهذا ما كان عليه سادة السلف ومحققيهم. وهذا عين ما فعله ابن القيم - رحمه الله - في "مدارج السالكين" مع الشيخ إسماعيل الهروي، صاحب "منازل السائرين"، كما أن المتتبع لعلوم شيخ الإسلام ابن تيمية ومؤلفاته على سبيل المثال، يجد دقته وتحقيقه في المسائل والأحكام والفرق، بل ومراعاة العدل والإنصاف حتى بين مخالفيه أنفسهم، على خلاف ما عليه بعض المتأخرين في زماننا، حيث وقعوا في صور من المجازفة والتبديع المطلق لمجرد تصويب قول، أو التماس تأويل شرعي يحمل فيه الكلام على أحسن محامله، وهذا من قلة العلم، وسوء الفهم، واتباع الهوى. فالقول: أن الصوفية فيهم المتسننة والمبتدعة، ليس لاتباعهم، إنما لبيان من وافق منهم متابعة الحق والهدي والسنة، حتى لا يُرمى ببدعة أو زندقة لكونه من المتصوفة، ومن المسائل الواضحة أنه ليس كل من قال حقًا أو وافقه كان من أهله دون بينة أو برهان. فأصحاب الفرق وافقوا الحق والسنة في مسائل، فلا يعني هذا تصويب ما هم عليه من باطل وضلال، كالشيعة والمعتزلة والأشاعرة والصوفية، إنما قبول ما عندهم إذا وافق الكتاب والسنة لأنه الحق، وليس لكونهم قالوا به، فكذلك التزكية والزهد وأعمال القلوب هي من أصول الدين وقواعده، وهدي السنة فيها أكمل وأعلى وأهدى. ولهذا ذهب محدث عصرنا الإمام محمد ناصر الدين الألباني - رحمه الله - إلى رفض تقسيم التصوف إلى سني وبدعي، خلافًا لما سلف عن شيخ الإسلام وغيره، وقال جوابًا على أحد الأسئلة التي وجهت إليه عبر الهاتف، عن هذا التقسيم من شيخ الإسلام للتصوف: "التصوف لا يمدح لأنه تصوف، لكن ما كان منه مطابقاً للكتاب والسنة فهو مما ينبغي عدمرده بمجرد أنه يقال إنه تصوف، يعني لاشك أن المذهب من المذاهب الأربعة للأئمةالأربعة هو الأقوى والأسلم من كثير من أقوال المتصوفة، فكما أنه يوجد في كل مذهب من المذاهب ما يوافق الكتاب والسنة فيؤخذ به لموافقته للكتاب والسنة، لا لأنه مذهب إمام من الأئمة، وإذا وجد في مذهب من مذاهب هؤلاء الأئمة ما يخالف الكتاب والسنة رد ورفض، وإن كان قد قال به إمام من الأئمة، فالتصوف كذلك يُقالُ فيه، ما وافقالكتاب والسنة فهو صواب وما خالفه فليس بصواب، لكن لا ينبغي أن يقال هناك تصوف صالحوتصوف طالح لأن ما في الكتاب والسنة يغني عن كل ذلك، هذا رأيي واعتقادي". وكلام العلامة الألباني قاعدته؛ أن المتأمل اليوم في حالة المتصوفة وبدعهم وانحرافهم عن منهاج السنة النبوية في كثير من أعمالهم، لا يمكنه عمليًا أن يميز بين تصوف سني أو بدعي، فإما أن تكون صوفيًا، أو لا تكون، هذا لسان حالهم وعملهم، فلا يستطيع السالك السائر إلى الله معهم اليوم أن ينفك عنهم عملًا مع موافقته لهم تسمية ولفظًا، وهذا حقيقة ما يميل القلب إليه، ويطمئن له في زماننا، خاصة إذا عرفنا أن هناك من يلبس على عوام المسلمين بالتصوف السني، ليأخذهم إلى التصوف وطرقه ومنكراته من حيث لا يشعرون، ومعلوم من قواعد الفقه والعلم أن سد الذريعة واجب ومقدم على جلب المصلحة، هذا إذا كان هناك مصلحة في التقسيم، وإلا فحسب السائر إلى الله والدار الآخرة أن يكون على منهاج الكتاب والسنة في التزكية والهداية، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة". ثانيًا: كما أن من القصد أن ندرك أن الصوفية لم يأتوا بجديد، ولم ينفردوا بطريق في باب الزهد والورع والتزكية، إنما هي من أصول الإسلام ومنهاجه القويم، وسيأتي معنا بيان من كتب فيها من أكابر العلماء والسلف. ومن هنا نعلم أن أبواب التزكية ليست من خصائص الصوفية وحدهم، إنما نشأ اللبس أنهم اشتغلوا بها واعتنوا بها دون غيرهم، مما أورثهم ابتداعًا في طرقها ووسائلها، وأدخلوا أشياء ومنكرات لا يعرفها الإسلام ولا أهله، فاختلط الأمر على البعض. يتبع
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() رابعًا: مسائل التزكية والسلوك: أما التحقيق في مسائل "التزكية والسلوك" فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله -: "وفي السلوك مسائل تنازع فيها الشيوخ، لكن يوجد في الكتاب والسنة من النصوص الدالة على الصواب في ذلك ما يفهمه غالب السالكين، فمسائل السلوك من جنس مسائل العقائد، كلها منصوصة في الكتاب والسنة، وإنما اختلف أهل الكلام لما أعرضوا عن الكتاب والسنة، فلما دخلوا في البدع وقع الاختلاف، وهكذا طريق العبادة، عامة ما يقع فيه من الاختلاف إنما هو بسبب الإعراض عن الطريق المشروع، فيقعون في البدع فيقع فيهم الخلاف". ثم قال - رحمه الله -: " والصحابة أنفسهم تنازعوا في بعض ذلك - أي دقيق المسائل في الفقه ونحوه - ولم يتنازعوا في العقائد، ولا في الطريق إلى الله التي يصير بها الرجل من أولياء الله الأبرار المقربين". فالمقصود: أن تزكية النفس وهدايتها من مطلوبات الكتاب والسنة، بالمنهج الذي عليه أهل الكتاب والسنة والتزكية. خامسًا: التزكية والصلاح بمنهج الرسل مع المجاهدة: وتحصيل التزكية والصلاح للنفس لا يكون إلا بمنهج الأنبياء والرسل عليهم السلام، مع المجاهدة لها أبدًا، ولهذا قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -: "فإن تزكية النفوس مُسلَّم إلى الرسل، وإنما بعثهم الله لهذه التزكية وولاَّهم إياها، وجعلها على أيديهم دعوة وتعليما وبيانا وإرشادا، فهم المبعوثون لعلاج نفوس الأمم قال الله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ﴾ [الجمعة: 2]. وقال تعالى: ﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ ﴾ [البقرة: 151]. وتزكية النفوس أصعب من علاج الأبدان وأشد، فمن زكى نفسه بالرياضة والمجاهدة والخلوة، التي لم يجئ بها الرسل فهو كالمريض الذي يعالج نفسه برأيه، وأين يقع رأيه من معرفة الطبيب؟ فالرسل أطباء القلوب فلا سبيل إلى تزكيتها وصلاحها إلا من طريقهم، وعلى أيديهم، وبمحض الانقياد والتسليم لهم، والله المستعان". وجاء في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "قال الله تعالى: من عاد لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلىَّ عبدي بشيءٍ مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليِّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله الذي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنَّه، وما ترددتُ عن شيءٍّ أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته". فدل الحديث على أن حصول التزكية والولاية، ودرجة المحبوبية لله – تعالى - لا تتحقق إلا بأمور: الأول: كمال التوحيد لله إيمانًا ومحبة وصدقًا وإخلاصًا، لأن التوحيد أول الفرائض والواجبات على العباد. الثاني: إقامة الفرائض، كالصلاة والزكاة والحج والعمرة والإحسان وغيرها. الثالث: إقامة المستحبات من النوافل والتطوع، كسنن الصلوات، والصيام، والصدقة، والحج، والعمرة. وهذه الأمور تتفرع عنها، أو تدخل فيها بقية وسائل التزكية والتطهير للنفس والقلب، وقد قامت الأدلة البينة عليها، وعلى عظيم أثرها في الاستقامة والهداية. سادسًا: وللسلف الصالح نصيب منها: وأيضًا فإن ثلة من أكابر السلف - رحمهم الله جميعًا - كان لهم شغل بها واشتهار - أي: أعمال القلب والسلوك -، كالإمام سفيان الثوري، والأربعة كأبي حنيفة، ومالك، وأحمد، والشافعي، وابن المبارك، والأوزاعي، والحسن البصري، وابن تيمية، وابن القيم وله فيه اليد الطولى، وابن رجب صاحب لطائف المعارف، والإمام النووي، وابن الجوزي إمام الوعظ والقلوب، وابن قدامة المقدسي، والقرطبي صاحب التفسير والتذكرة. وقد كتب ابن القيم - رحمه الله - كتبًا كثيرة ورسائل، منها: الداء والدواء، وروضة المحبين، وعدة الصابرين، وطريق الهجرتين، وإغاثة اللهفان، ومدارج السالكين وغيرها. وكذلك كتب شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في ذلك كتبًا ورسائل منها: الاستقامة، والعبودية، وأمراض القلب وشفائها، وكتاب الإيمان، والتحفة العراقية في الأعمال القلبية، والتي سميت بـ"الآداب والتصوف" أو "علم السلوك"، وقال فيه: "أما بعد: فهذه كلمات مختصرات في أعمال القلوب، التي قد تسمى "المقامات والأحوال"، وهي من أصول الإيمان، وقواعد الدين، مثل: محبة اللّه ورسوله، والتوكل على اللّه، وإخلاص الدين له، والشكر له، والصبر على حكمه، والخوف منه، والرجاء له، وما يتبع ذلك.. هذه الأعمال جميعها واجبة على جميع الخلق المأمورين في الأصل باتفاق أئمة الدين، والناس فيها على ثلاث درجات كما هم في أعمال الأبدان على ثلاث درجات: ظالم لنفسه، ومقتصد، وسابق بالخيرات". وكذلك اشتغل به بعض المتسننة من سادة المتصوفة: كالجنيد، وسهل التستري، وإبراهيم بن أدهم، والحارث المحاسبي، والحسن البصري، وأبي سليمان الداراني، وعمر بن عثمان الشبلي، ويحيى بن معاذ الرازي، ومحمد بن خفيف الشيرازي، وغيرهم، وربما زلت قدمهم في مسائل أيضًا، ولهذا نقل عن سادتهم ابن القيم في "المدارج" أقوالًا صحيحة، وكونهم صانوا منهجهم في جملته من المخالفة والبدعة برعايتهم للعلم والحديث والفقه: "قال سيد الطائفة وشيخهم الجنيد بن محمد - رحمه الله -: الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا على من اقتفى آثار الرسول، وقال: من لم يحفظ القرآن ويكتب الحديث لا يقتدى به في هذا الأمر، لأن علمنا مقيد بالكتاب والسنة. وقال: مذهبنا هذا مقيد بأصول الكتاب والسنة. وقال أبو حفص - رحمه الله -: من لم يزن أفعاله وأحواله في كل وقت بالكتاب والسنة ولم يتهم خواطره فلا يعد في ديوان الرجال. وقال أبو سليمان الداراني - رحمه الله -: ربما يقع في قلبي النكتة من نكت القوم أياما فلا أقبل منه إلا بشاهدين عدلين: الكتـاب والسنة، وقال سهل به عبدالله - رحمه الله -: كل فعل يفعله العبد بغير اقتداء طاعة كان أو معصية فهو عيش النفس وكل فعل يفعله العبد بالاقتداء: فهو عذاب على النفس. وقال ابن عطاء: من ألزم نفسه آداب السنة نور الله قلبه بنور المعرفة ولا مقام أشرف من مقام متابعة الحبيب في أوامره وأفعاله وأخلاقه، وقال: كل ما سألت عنه فاطلبه في مفازة العلم، فإن لم تجده ففي ميدان الحكمة، فإن لم تجده فزنه بالتوحيد، فإن لم تجده في هذه المواضع الثلاثة فاضرب به وجه الشيطان. وأُلقى بنان الحمال بين يدي السبع، فجعل السبع يشمه ولا يضره فلما أخرج. قيل له: ما الذي كان في قلبك حين شمك السبع قال: كنت أتفكر في اختلاف العلماء في سؤر السباع". فهذه الأقوال من مثل هؤلاء لها محمل شرعي صحيح في تزكية النفس والقلب، ما أقاموا السنة وتقيدوا بالشرع فيها، وإلا فسبيل النبي - صلى الله عليه وسلم - هو السبيل الأوحد لكل تابع ومحب في تزكية النفس وهدايتها. سابعًا: أنواع السائرين: تبين لنا مما سبق أن السائرين أو السالكين نوعان: النوع الأول: السائرون إلى الله والدار الآخرة على بصيرة وهداية، وهؤلاء هم المتقون المؤمنون الصالحون، الذين علموا حقيقة الكون والوجود، وحكمة الخلق والإيجاد، فعبدوا الله حق العبودية، واتبعوا النور الذي جاءت به الأنبياء والرسل، وأنزلت به الصحف والكتب، فاستقاموا في سيرهم إلى الله علمًا وعملًا، ولم ينحرفوا أو يشركوا، أو يخالطوا البدع والأهواء، ولم ينشغلوا بالدنيا ومتعها وجمعها، بل زهدوا فيها وأعرضوا عنها، وطلبوا الليل للقيام والتلاوة، والنهار للتسبيح والصيام والجهاد، وقطعوا أيامهم في ذكر الله، وبذل الندى والإحسان إلى الخلق، وأمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر، فهؤلاء أسعد الخلق بلقاء الله في الآخرة، وأكرم الخلق على الله في الجنة. وهذا النوع من السير والسلوك ينقسم أيضًا، كما قال ابن تيمية: "والسلوك سلوكان: سلوك الأبرار أهل اليمين، وهو أداء الواجبات وترك المحرمات باطنًا وظاهرًا، والثاني: سلوك المقربين السابقين، وهو فعل الواجب والمستحب بحسب الإمكان، وترك المكروه والمحرم، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم". النوع الثاني: السائرون على غير بصيرة وهداية من الله وكتابه ورسوله، وهؤلاء هم أهل الغي والضلال، وأهل الفسوق والعصيان، وأهل البدع والتفرق والطرق والأهواء، الذين سلكوا في سيرهم إلى الآخرة سبيل المجرمين، أو سبل المخالفين، ولم يهتدوا في سبيلهم إلى صراط الله المستقيم، وهديه القويم، فهؤلاء من أهل السير غير أنه سير التائه المتخبط، والضال الحائر، الذي لا يقر على حال، ولا يهتدي بمقال. وقد حذر بعض الناس "قارون الطاغية" بقولهم: "وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك.. الآية"، يذكروه أنه سائر إلى الله وراجع، وموقوف للحساب والجزاء، فأعرض عنهم وعن موعظتهم وتذكيرهم بحقيقة الدنيا بقوله لهم: "إنما أوتيته على علم عندي.. الآية"، فظن أنه على بصيرة وهداية لكنها من عنده هو لا من عند سيده ومولاه، وهذا هو حقيقة العمى عن سواء الصراط، أن يرى العبد نفسه من أهله، وهو أضل الناس عنه، وأشقى الخلق به. وهؤلاء لدرهم يأتيهم في ساعة من يومهم أحب وأفضل لقلب أحدهم من ركعة خالصة يتم ركوعها وسجودها، ولو عرض لأحدهم صفقة ينال بها غنًى في الدنيا لا ينفك عنه حتى مماته، وعرض عليه أن يبذل نفسه ويجود بها لله بالجهاد لأعداء الله ورسوله، وينال بها جنة عرضها السماوات والأرض، لقدم العاجلة على الباقية، فهذا حالهم دائمًا في غبن وخسران، وغفلة عن الله والآخرة ونسيان، فأنى يفلحون، وأنى يهتدون. وقد يقال بالنظر والتأمل، أن هناك نوع ثالث: وهم المذبذبون في سيرهم وسلوكهم، فتارة يكونوا مع أهل السير الصحيح وأهل الاستقامة والاتباع، فتراهم في العبادة والذكر والتلاوة والتسبيح والقيام، وتارة يضعف إيمانهم، وتتخطفهم العلائق، وتكبلهم العوائق من الشيطان والنفس الأمارة بالسوء وحب الدنيا، وتملكهم شهواتهم وملذاتهم في الحياة الدنيا، وتستهويهم الغفلة، وينسيهم الشيطان، ويضلهم الهوى، وهؤلاء كثر في السالكين، يترددون في سيرهم، لأنهم إما أصحاب جهل وغفلة، أو أصحاب هوًى وغي، وهذا النوع حتى يسلم من ذلك، يحتاج إلى تهذيب وتربية حتى يثبت على الصراط، ويسلك سبيل الهدى والرشاد. فالمقصود: بعد كل هذا أن المؤمن الصادق، والسائر السالك إلى الله والدار الآخرة، المشتاق إلى الجنة ونعيمها، حتى يصح له الطريق، ويتم له المقصود، فلا بد له من معالم تهديه السبيل، ومنارات تدله عليه، وزاد يرتفع به عن حظوظ النفس والهوى والشيطان منه. ولا بد له من بصيرة في علمه وعمله، ليكون من السائرين على بصيرة وعلم وهداية، بعيدًا عن طرق أهل البدع والتفرق، وشطحات غلاة المتصوفة وضلالهم، فلا يخلط في شأن تزكية النفس والقلب والاستقامة والسلوك المشروع، وبين طريق المتصوفة وبدعهم، فيترك النفس بلا زاد ولا تقويم، ويجمع ذلك أن يعلم في مسألة السير والتزكية أنها تكون بين أمرين: ثامنًا: التزكية الصوفية البدعية: الأمر الأول: تزكية وتهذيب النفس والقلب، لكن بطرق أهل التصوف البدعي، من التبتل والإعراض عن الزواج الذي هو من سنن الأنبياء والمرسلين، وإما بحلقات الذكر والغناء والرقص وهذا من أعظم المنكر، وإما بذكر الله باسمه المفرد "الله، الله، الله،..." وهكذا، أو بالضمير "هو، هو، هو،... " وهكذا، وهذا من عجيب بدعهم، وإما بتركهم أنواعا من المباحات في الطعام والشراب، وإما بتبركهم بالشيوخ والأقطاب، وتقبيل الأعتاب هناك والأخشاب والتراب، أو الطواف حول الضريح والقبر، وإما بلبس الخشن من الثياب والمقطوع دلالة على الزهد والورع، وهذا كله بدع وضلال، لا دليل فيه من الأخبار والآثار، وأما ما فيها من شطحات وانحرافات فهي في جملتها خارجة عن هدي الكتاب والسنة وعمل السلف الصالح، وهذا طريق غير حميد، وسلوك غير سديد. تاسعًا: التزكية السنية الشرعية: الأمر الثاني: تزكية وتهذيب النفس والقلب، لكن من طريق الشرع والسنة، وما قامت به الأدلة البينة، من رعاية الفرائض المحبوبات لله ورسوله من إقامة التوحيد، والصلاة، والسنن والمستحبات، والإعراض عن الذنوب والكبائر والبدع والسيئات، ومجاهدة النفس على الاستقامة والهداية، مع الصبر، والصدق، والتوبة، وكذلك الذكر المشروع، والصيام، والزكاة، والصدقة، والحج، والعمرة، وبر الوالدين، وبذل الإحسان للخلق، وكف الأذى عنهم، وتحمله منهم، والوفاء بالعهد والوعد، ودوام الاستغفار، والإنابة، والتوكل، واليقين، وتحقيق العبودية، وذكر الموت والفراق، والخوف والرجاء، والشوق إلى الجنة ونعيمها، والشوق إلى رؤية الله في فيها. وهذا هو سبيلنا إن شاء الله، فلا يقع للسائر الحيرة والاضطراب، ويُهدَى إلى الصواب، فيحصل له السير، ويتم له المقصود إن شاء الله رب العالمين، قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "لابد للسالك إلى الله من همة تسيره وترقيه، وعلم يبصره ويهديه". وقال ابن القيم - رحمه الله -: "الناس قسمان: عِلْية وسفلة: فالعلية من عرف الطريق إلى ربه وسلكها قاصداً الوصول إليه، وهذا هو الكريم على ربه، والسفلة من لم يعرف الطريق إلى ربه ولم يتعرفها، فهذا هو اللئيم الذي قال الله تعالى فيه: ﴿ وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ مَكْرِمٍ ﴾[الحج: 18]".
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |