أسباب حصول الفتن وسبيل النجاة منها - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 909 - عددالزوار : 119760 )           »          التنمر الإلكترونى عبر الإنترنت.. إحصاءات وحقائق هامة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          طرق مهمة للتعامل لحماية الأطفال من مخاطر الإنترنت (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          علماء الفلك يحذرون من احتمال بنسبة 50% لاصطدام مجرتنا مع أخرى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          احم طفلك.. ألعاب إلكترونية ونهايات مأساوية أبرزها الحوت الأزرق وبابجى (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 7 )           »          كيفية جعل أيقونات الشاشة الرئيسية لجهاز أيفون داكنة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          كيفية تحويل ملف Word إلى PDF فى 3 خطوات (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          كل ما تريد معرفته عن روبوت لوحى من أبل يشبه ايباد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »          سلسلة Google Pixel 9.. ما تقدمه الهواتف المستخدمة للذكاء الاصطناعى مقابل السعر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 5 )           »          تطبيق رسائل جوجل يحصل على بعض التعديلات قريباً.. تعرف عليها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 6 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى الشباب المسلم
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 03-10-2020, 01:35 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,340
الدولة : Egypt
افتراضي أسباب حصول الفتن وسبيل النجاة منها

أسباب حصول الفتن
وسبيل النجاة منها


لسماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ

مفتي عام المملكة العربية السعودية

ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء
- حفظه الله ورعاه -



بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ


الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد أشرف الأنبياء وأشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد :

فإن المتأمل في حال أمة الإسلام وما آلوا إليه من تفرق وضعف وما يجري عليهم من مصائب وفتن ليتألم أشد الألم، لكن المؤمن الحق لا ييأس من روح الله ﴿ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [سورة يوسف الآية 87 ] فواجب علينا أن نبحث عن الأسباب التي أوصلتنا لهذه الحالة ومن ثم نتلمس طرق العلاج على ضوء الكتاب والسنة، فإن الله سبحانه حكيم عليم ربط الأسباب بمسبباتها وهو سبحانه لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون، هذا وإن أخطر ما بليت به أمة من الأمم أن تؤتى من داخلها من أبنائها وهذا من أخطر الأدواء وأعظم المصائب، يقول الله عز وجل مهددا ومتوعدا : ﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ ﴾ [سورة الأنعام الآية 65 ]

فهذا من أعظم أنواع العذاب فأعظمها أن يأتي العذاب من فوق، ثم من تحت الأرجل، ثم أن يلبس الناس شيعا ويذيق بعضهم بأس بعض، فعن جابر رضي الله عنه قال: (( لما نزلت هذه الآية ﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ ﴾ [سورة الأنعام الآية 65] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أعوذ بوجهك. قال: ﴿ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ﴾[سورة الأنعام الآية 65 ] قال: أعوذ بوجهك. ﴿ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ﴾ [سورة الأنعام الآية 65 ]
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( هذا أهون - أو هذا أيسر- )) أخرجه البخاري .

فإذا كان هذا النوع على ما فيه من الشدة والبلاء هو أيسر نوعي العذاب الذي توعد الله به عباده فالواجب الحذر.

أيها الإخوة في الله.. إن خطر هذا النوع من العذاب يكمن في أمور:

أولا : أنه نوع من أنواع العذاب التي تنبي عن سخط الجبار عز وجل.

وثانيها : أن نبي الهدى والرحمة محمد صلى الله عليه وسلم علم خطرها واستشعرها، ومن رحمته بأمته جعلها إحدى ثلاث دعوات دعا بهن ربه عز وجل، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( سألت ربي ثلاثا فأعطاني ثنتين ومنعني واحدة. سألت ربى: ألا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها، وسألته أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها ، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها )) أخرجه مسلم .

وثالثها : أن الأمة حيث تصاب من داخلها تكون مصيبتها في نفسها وعدوها منها، فإن حاربت وقاتلت فإنما يقاتل المرء أخاه، وإن سكتت وكفت سكتت على بلاء عظيم يزداد سوءا وخطرا فهي فتنة يظل فيها الحليم حيرانا.

ومعنى أن يلبس الناس شيعا ويذيق بعضهم بأس بعض قال ابن عباس رضي الله عنهما: ( الأهواء والاختلاف ). وقال مجاهد : يعني ما فيهم من الاختلاف والفتن. وعنه: أنها الأهواء المتفرقة.

وقال ابن زيد : الذي فيه الناس اليوم من الاختلاف والأهواء وسفك دماء بعضهم بعضا [جامع البيان في تأويل القرآن، للطبري ( سورة الأنعام آية رقم 265 ) ] .

ولما كان التفرق والتحزب بلاء ونقمة نهى الله عباده عن القصد إليه وأمرهم بالاجتماع على الحق، فقال سبحانه : ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ﴾ [سورة آل عمران الآية 103] وأخبر أن نبيه صلى الله عليه وسلم بريء من الذين فرقوا دينهم، قال سبحانه : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ﴾ [سورة الأنعام الآية 159] وكذلك حذرنا نبينا صلى الله عليه وسلم من التفرق والتحزب والتشيع. يقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( افترقت اليهود على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة وتفرقت النصارى على إحدى أو ثنتين وسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة )) . وفي بعض الروايات بزيادة : (( كلها في النار إلا فرقة )) .

والمقصود أن التفرق عقوبة من الله عز وجل وهو أيضا محرم على أهل الإسلام فلا يجوز لهم السعي في الافتراق والبعد عن هذا الصراط المستقيم، كما أنه سبب للفرقة والافتراق فهو سبب لحصول الاقتتال والعداوات، كل هذا إنما يحصل بسبب الجهل أو البغي والظلم، والنبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر عن كثرة القتل في آخر الزمان يقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم وتكثر الزلازل ويتقارب الزمان وتظهر الفتن ويكثر الهرج - وهو القتل القتل - حتى يكثر فيكم المال فيفيض )) أخرجه البخاري ومسلم بنحوه .

هذا وإنه لما ظهر في زماننا بعض من حادوا عن الصراط المستقيم وخرجوا على جماعة المسلمين وشذوا عنهم ووقعت بسببهم فتنة عظيمة في الأمة كان لزاما على أهل العلم أن يبينوا الحق ويدلوا الناس على صراط الله المستقيم، وهذا ما انعقد عليه عزمنا في هذه الرسالة المختصرة، سائلين الله العون والتوفيق فنعرض باختصار للأسباب الحاملة على تقحم بعض الشباب لهذه البلايا، ثم نبين أسباب حصول المصائب والفتن في المجتمعات، ثم نبين وسطية أهل السنة والجماعة بعرض بعض صورها وبيان استمدادها وكيفية تطبيقها والتحذير من الانحراف عنها.


فأما الأسباب التي حملت بعض من زلت بهم القدم إلى الخروج عن الجادة وسفك دماء المعصومين والاعتداء على أموالهم وترويع الآمنين ، سنذكر جملة منها، نصيحة لله ولرسوله وللأئمة المسلمين وعامتهم، وحتى يكون المسلم على بصيرة فيما يأتي ويذر.

فمن ذلك: الجهل، فإن الجهل داء قاتل يردي صاحبه، وأعظم أنواعه: الجهل المركب فيسير المرء في حياته على جهل وهو لا يعلم أنه جاهل بل يظن نفسه على الحق والهدى ، يقول الله تعالى : ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِين َ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾ [سورة الكهف : 103-104] وهذه الآية والتي كانت في اليهود والنصارى فهي عامة بلفظها ، كل من عمل عملا يظنه حسنا وإلى الله مقربا، وحقيقة عمله أنه سيء وهو فيه لله مسخط والعياذ بالله وهذا من الجهل بدين الله، ومن ذلك قول الله تعالى : ﴿ أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا ﴾ [سورة فاطر الآية 8 ]

وقد قيل:

ما يبلغ الناس من جاهل * * * ما يبلغ الجاهل من نفسه


ومن الأسباب: البغي : فقد يكون المرء عنده علم من الكتاب والسنة، لكنه يبغي ويظلم ، يقول الله تعالى عمن هذه حاله : ﴿ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾[سورة البقرة الآية 213 ] ويقول الله سبحانه : ﴿ وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴾[سورة يونس الآية 93]

قال ابن جرير : حدتني يونس قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد :

﴿ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ ﴾ قال : ( العلم كتاب الله الذي أنزله وأمره الذي أمرهم به، وهل اختلفوا حتى جاءهم العلم بغيا بينهم، أهل الأهواء هل اقتتلوا إلا على البغي؟ قال: والبغي وجهان : وجه النفاسة في الدنيا ومن اقتتل عليها من أهلها، وبغي في العلم يرى هذا جاهلا مخطئا ويرى نفسه مصيبا عالما فيبغي بإصابته وعلمه على هذا المخطئ ) اهـ [ جامع البيان في تأويل القرآن، للطبري ( سورة يونس، آية رقم 293 ) ] .

فالبغي في العلم وبالعلم كلاهما من الظلم وهما من أسباب الافتتان والاعتداد بالرأي .

يقول شيخ الإسلام - رحمه الله - : ( وأخبر أنهم ما تفرقوا إلا بغيا، والبغي مجاوزة الحد، كما قال ابن عمر : الكبر والحسد، وهذا بخلاف التفرق عن اجتهاد ليس فيه علم ولا قصد به البغي كتنازع العلماء السائغ، والبغي إما تضييع للحق وإما تعد للحد، فهو إما ترك واجب وإما فعل محرم فعلم أن موجب التفرق هو ذلك ) [مجموع فتاوى ابن تيمية (1/14) ] .

وقال في موضع آخر: ( إذ أصل السنة مبناها على الاقتصاد والاعتدال دون البغي والاعتداء ) [ مجموع فتاوى ابن تيمية (4/170 )] .

ومن الأسباب أيضا: عدم التوفيق بين النصوص من الكتاب والسنة فينزع المستدل منهم بدليل يرى أنه كاف في الدلالة على مقصوده ومراده ويترك الأدلة الأخرى من الكتاب والسنة ، وربما تعسف الجواب عنها إبقاء لاستدلاله على حاله. وهذا من أعظم الأسباب التي أهلكت السابقين واللاحقين، يقول الله تعالى : ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [سورة آل عمران الآية 7]

قال أبو غالب : ( كنت بدمشق فجيء بسبعين رأسا من رءوس الحرورية فنصبت على درج المسجد، فجاء أبو أمامة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل المسجد فصلى ركعتين، ثم خرج فوقف عليهم فجعل يهريق عبرته ساعة ثم قال: ما يصنع إبليس بأهل الإسلام، ثلاث مرات، ثم قال: كلاب جهنم، ثلاث مرات ثم قال: شر قتلى قتلت تحت ظل السماء، ثلاث مرات، تم أقبل علي، فقال: يا أبا غالب إنك ببلد أهويته كثيرة، هؤلاء به كثير، قلت: أجل، قال: أعاذك الله منهم قال: ولم تهريق عبرتك؟ قال: رحمة لهم إنهم كانوا من أهل الإسلام قال: أتقرأ سورة آل عمران؟ قلت: نعم، قال: اقرأ هذه الآية : ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ﴾ إلى آخر الآية، قلت: هؤلاء كان في قلوبهم زيغ فزيغ بهم، ثم قرأ: ﴿ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ ﴾ [سورة آل عمران الآية 106] قال: فقلت: إنهم هؤلاء، قال: نعم،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( تفرقت بنو إسرائيل على إحدى وسبعين فرقة كلها في النار إلا السواد الأعظم )) فقال رجل إلى جنبي: يا أبا أمامة أما ترى ما يصنع السواد الأعظم؟ قال: عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين، قال: السمع والطاعة خير من المعصية والفرقة، يقضون لنا ثم يقتلوننا، قال: فقلت له: هذا الذي تحدث به شيئا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم أو تقوله عن رأيك قال: إني إذا لجريء أن أحدثكم ولم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة أو مرتين حتى قالها سبعا ).

وأنكر ربنا عز وجل على من آمن ببعض وكفر ببعض وقال سبحانه : ﴿ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ﴾ [ سورة البقرة الآية 85 ]

والناس أمام النصوص التي ظاهرها التعارض قسمان، قسم جعل هذا المتبادر من التعارض ذريعة للطعن في الدين وهذا والعياذ بالله من شرار الخلق ، نسأل الله السلامة والعافية .

وقسم نزع بنوع من أنواع الأدلة وترك النوع الآخر، وربما تأوله على غير تأويله وهذه أيضا ضلالة عن الهدى واتباع للهوى .

أما أهل الحق فيعملون بجميع الأدلة ويحملونها على محاملها في مواضعها على ما يقتضيه النظر العلمي الشرعي المؤصل كما فعل سلفهم الصالح من الصحابة رضي الله عنهم وأتباعهم بإحسان، فكانوا هم أسعد الناس بالعمل بالكتاب والسنة .

والواجب على من نظر في نصوص الوحيين أن يحسن نظره فيهما وأن يظن فيهما ما يوافق الحق، وإن توهم التعارض فليكل العلم إلى عالمه ولا يضرب النصوص بعضها ببعض. فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: ( إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا فظنوا به الذي هو أهناه وأهداه وأتقاه ) أخرجه ابن ماجه بسند صحيح. وأخرج أيضا مثله عن ابن مسعود رضي الله عنه ، قال ابن خزيمة - رحمه الله - في كتابه " التوحيد " ، حين جمع بين عدة نصوص ظاهرها التعارض قال في خاتمة بحثه: ( فمعنى هذه الأخبار لم يخل من أحد هذه المعاني؛ لأنها إذا لم تحمل على بعض هذه المعاني كانت على التهاتر والتكاذب ، وعلى العلماء أن يتأولوا أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما قال علي بن أبي طالب : إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فظنوا به الذي هو أهناه وأهداه وأتقاه ) انتهى كلامه رحمه الله .

وإنما يحمل الناس على ذلك اتباع الهوى، والله تعالى يقول: ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [سورة الجاثية الآية 23]

ونقل ابن جرير عن ابن زيد قال: ( وجدت الهوى ثلاثة أثلاث، فالمرء يجعل هواه علمه، فيديل هواه على علمه، ويقهر هواه علمه، حتى إن العلم مع الهوى قبيح ذليل، والعلم ذليل الهوى غالب قاهر، فالذي قد جعل الهوى والعلم في قلبه، فهذا من أزواج النار، وإذا كان ممن يريد الله به خيرا استفاق واستنبه، فإذا هو عون للعلم على الهوى حتى يديل الله العلم على الهوى، فإذا حسنت حال المؤمن، واستقامت طريقته كان الهوى ذليلا، وكان العلم غالبا قاهرا، فإذا كان ممن يريد الله به خيرا، ختم عمله بإدالة العلم، فتوفاه حين توفاه، وعلمه هو القاهر، وهو العامل به، وهواه الذليل القبيح، ليس له في ذلك نصيب ولا فعل، والثالث: الذي قبح الله هواه بعلمه، فلا يطمع هواه أن يغلب العلم، ولا أن يكون معه نصف ولا نصيب، فهذا الثالث، وهو خيرهم كلهم ) [ جامع البيان في تأويل القرآن، للطبري ( سورة الواقعة، آية رقم 7 )] .

ومن الأسباب أيضا: إساءة الظن بالعلماء من جهة وبالولاة والأمراء من جهة أخرى : فينظرون إلى تصرفات الأمير ويحملونها على أسوأ المحامل ثم يحكمون عليه بأهوائهم بالبدعة أو الكفر والعياذ بالله، ويترتب على هذا عندهم جواز الخروج ووجوب إنكار المنكر بالقوة، وينظرون إلى أن العلماء ساكتون عن المنكر مداهنون للسلطان فيضلونهم ولا يقبلون كلامهم، فيبقى الشاب بعد ذلك بلا خطام ولا زمام فلا أمير يسمع له ويطيع ويسير تحت قيادته، ولا عالم يثق فيه ويأخذ من علمه ويقبل توجيهه، فتتلقفه أيدي المفسدين من أعداء الدين ويستغلونه في تحقيق مآربهم ضد أمة الإسلام باسم الدين، وهذا الأمر لم يكن في وقتنا هذا وليس هو وليد العصر، بل حصل منذ عهد الخليفة الراشد ذي النورين أحد المبشرين بالجنة إمام المسلمين في وقته وأفضلهم في زمانه عثمان بن عفان رضي الله عنه، فقد عاب عليه سفهاء الأحلام بعض تصرفاته في الحكم واستحلوا دمه، ولم يقبلوا من كبار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم علماء وقتهم، لم يقبلوا توجيههم ونصحهم، فقتلوا خير البشر في زمانه رضي الله عنه وأرضاه ووضعوا السيف وكانت بسببهم الفتنة بين أهل الإسلام، فإنا لله وإنا إليه راجعون .

والواجب على شباب الأمة وعلى عامتها وخاصتها إحسان الظن بالمسلمين وبعلمائهم وولاتهم، يقول الله تعالى في حق الأنصار مع المهاجرين ومن جاء بعدهم من المسلمين : ﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ *وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَ ا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [سورة الحشر : 9 -10]

وليعلموا أن السمع والطاعة لولاة الأمر من المسلمين في غير معصية الله واجبة لا خيار لمسلم فيها ومن عصى الأمير فقد عصى الله تعالى، ولا يجوز الخروج عليهم وإن جاروا وإن ظلموا، وأدلة ذلك مبسوطة في كتب الحديث والعقائد فإن السمع والطاعة لولاة الأمر من المسلمين من عقائد أهل السنة والجماعة التي فارقوا بها أهل البدعة والضلالة من المعتزلة والخوارج ونحوهم. ومن الأدلة في ذلك قوله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ﴾ [سورة النساء الآية 59]

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (( ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم، إخلاص العمل لله، وطاعة ولاة الأمر، ولزوم جماعتهم فإن دعوتهم تحيط من ورائهم )) . أخرجه الترمذي وابن ماجه .

ومن أقوال السلف في هذا قول الفضيل بن عياض - رحمه الله - : ( لو كانت لي دعوة مستجابة لم أجعلها إلا في إمام؛ لأنه إذا صلح الإمام أمن البلاد والعباد ). قال ابن المبارك : ( يا معلم الخير، من يجترئ على هذا غيرك ) .

وقد سبق أن ذكرنا أثر أبي أمامة رضي الله عنه في الحرورية الخوارج وما قاله فيهم وما أمر أتباعه به من السمع والطاعة ، وبيان فضل ذلك .

وكذلك علماء السلف يجب احترامهم وتوقيرهم والأخذ عنهم . يقول الطحاوي - رحمه الله - في أواخر عقيدته: ( وعلماء السلف السابقين، ومن بعدهم من التابعين - أهل الخير والأثر وأهل الفقه والنظر- لا يذكرون إلا بالجميل ومن ذكرهم بسوء فهو على غير سبيل ) .

قال شيخ الإسلام - رحمه الله - : ( فيجب على المسلمين بعد موالاة الله ورسوله موالاة المؤمنين كما نطق به القرآن، خصوصا العلماء الذين هم ورثة الأنبياء، الذين جعلهم الله بمنزلة النجوم يهتدى بهم في ظلمات البر والبحر، وقد أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم ، إذ كل أمة قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم فعلماؤها شرارها ، إلا المسلمين فإن علماءهم خيارهم : فإنهم خلفاء الرسول في أمته، والمحيون لما مات من سنته، بهم قام الكتاب وبه قاموا ، وبهم نطق الكتاب وبه نطقوا ) . وهم ورثة الأنبياء فإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر .

وليتفطن شبابنا لمخططات أعداء الدين وليسألوا أنفسهم من المستفيد من التفريق بين المسلمين وولاة أمورهم وقادة بلدانهم ؟

من المستفيد من زعزعة أمن البلاد المسلمة ووضع السيف عليهم وإراقة دمائهم ؟

من المستفيد من نزع الثقة من علماء المسلمين وترك العامة يهيمون لا يدرون من يسألون ولا من يوجههم ويدلهم على الحق ؟

إن من تأمل هذا حقا علم أن الأمة إنما تصاب مصيبة عظيمة حين تنزع الثقة من ولاة أمرها ومن علمائها ، وتكون الأمة هائمة يقودها كل ناعق ويزج بها في أودية الهلاك كل مفسد تحت شعارات وروايات الله أعلم بما ورائها .

ومن الأسباب أيضا : الغلو في الدين :

إما في فهمه وإما في تطبيقه، والغلو آفة عظيمة مهلكة؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين )) أخرجه الإمام أحمد .
يقول محمد بن نصر المروزي - رحمه الله - : ( وهكذا عامة أهل الأهواء والبدع إنما هم بين أمرين غلو في دين الله وشدة ذهاب فيه حتى يمرقوا منه بمجاوزتهم الحدود التي حدها الله ورسوله، أو إحفاء وجحود به حتى يقصروا عن حدود الله التي حدها ودين الله موضوع فوق التقصير ودون الغلو ) اهـ[ تعظيم قدر الصلاة، لمحمد نصر المروزي ( 2/ 645)]. والله تعالى يقول : ﴿ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ ﴾[سورة المائدة الآية 77 ] وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الغلو وبين عاقبته الوخيمة يقول صلى الله عليه وسلم : (( هلك المتنطعون قالها ثلاثا )) أخرجه مسلم .

هذا وإن من تعلم دين الله على الحقيقة علم أنه دين السماحة والرفق واللين دين الرحمة والعدل فهو الدين الذي وضع الله به الآصار والأغلال عن العباد ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [سورة الأعراف الآية 157 ]

وكان من دعاء المؤمنين الذي استجاب الله له : ﴿ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [سورة البقرة الآية 286 ]

والأصل في هذا الدين السماحة والرفق ولم يأت بالعنف، فيجب على المسلم أن يعي هذا ويفهم دينه وفق هذا الأصل العظيم. يقول الله سبحانه: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [سورة البقرة الآية 185 ]
يتبع

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 123.12 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 121.40 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.39%)]