|
ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]()
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (2) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي هذه مقدمات مهمة مختصرة في التزكية وسبيلها، نسأل الله النفع والهداية بها: المقدمة الثانية التزكية والهداية من مطالب الكتاب والسنة أولًا: معنى التزكية ومطلبها في الكتاب والسنة: المراد بالتزكية: عند أهل اللغة: الزيادة والنماء والتطهير، ومنه قول الله سبحانه: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [التوبة: 103]. والمراد منها اصطلاحًا أو شرعًا: تطهير النفس وإصلاحها من أمراضها؛ كالكفر والشرك، والنفاق، والظلم، والجهل، والهوى، والكبر، والعجب، والغرور، وطلب الجاه، وحب الشهوات المحرمة، وصرف الخوف والرجاء والتوكل والمحبة في العبودية لغير الله، وإصلاح النفس والقلب بأضدادها، من التوبة، والخشية، والإنابة، والمحبة، والتوكل. ولا يكون ذلك إلا بما دلت عليه النصوص الشرعية من الكتاب والسنة، كتحقيق الإيمان، والإخلاص والمحبة، والعمل الصالح، وفعل المأمور، وترك المحظور، والصبر على المقدور - كما سيأتي إن شاء الله -، ولهذا أرشد الله لها في القرآن فقال تعالى: ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ﴾ [الشمس: 7-10]، وقال سبحانه: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ﴾ [الأعلى: 14-15]. وقال تعالى في وظيفة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -: ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ﴾ [الجمعة: 2]، وقال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى * جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء مَن تَزَكَّى ﴾ [طه: 75-76]، وجاء في الحديث دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم آت نفسي تقواها، وزكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها". وكذلك فإن تزكية النفس والقلب، فيه ارتباط بين الظاهر والباطن في الصلاح والهداية، فإن من صلح له قلبه، واستقامت له نفسه، أثر ذلك في سلوكه وعبادته وعمله الظاهر بالصلاح والاستقامة وحسن الخلق، لأن فساد الظاهر دلالة قوية على فساد الباطن، وقد جاء في الحديث: "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب". وقال الشاطبيُّ - رحمه الله تعالى -: "الأعمالُ الظاهرةُ في الشرع دليلٌ على ما في الباطن فإذا كان الظاهرُ منخرماً أو مستقيماً حكم على الباطن بذلك". وقال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى -: "من أحب تصفية الأحوال فليجتهد في تصفية الأعمال: قال تعالى: ﴿ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً ﴾ [الجن: 16]". فتزكية النفس والقلب من مطلوبات الكتاب والسنة، والنصوص بينة فيها وكثيرة، لكن الصوفية اشتغلوا بها وخلطوا معها البدع والشركيات والضلالات، كما قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -: "الدينُ كلُّه خُلُقٌ، فمن زاد عليك في الخلُقِ زاد عليك في الدين". ومنهج أهل السنة ليس فيه تصوف بواقعه الطرقي المنتشر بين المتأخرين منهم خاصة، إنما فيه استقامة وتزكية، كما قال تعالى: ﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [هود: 112]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [الأحقاف: 14]، وقال أيضًا: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾ [آل عمران: 164]، وقال تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ﴾. وهذا ما كان عليه الصوفية الأوائل الموصوفين بالسنة والعلم والفضل، كما قال شيخ الإسلام، لأن الإنسان سائر إلى الله على جميع أحواله، أي راجع إليه، موقوف بين يديه، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى ﴾ [العلق: 8]، إلا أن المؤمن في سيره أعد نفسه وعمله بما أمر به الله ورسوله توحيدًا وتزكية واتباعًا، والشقي الفاجر خالف فيلقى ربه بغير هدى ولا زاد ولا عمل يرجوا به رحمته وجنته. ثانيًا: مراعاة الألفاظ وضبطها: ومما عرف من الألفاظ في باب التزكية والسلوك "لفظ التصوف"، فقد جعلها الصوفية في بيان حالهم وزهدهم وطلبهم للآخرة، وهؤلاء صوفية الزهاد والعباد، لهذا فإن كلمة "التصوف" لفظ قد يخرج منه موافقة للكتاب والسنة بحسبه، وقد يخرج منه مخالفة وبدعة بحسبه، ولهذا يكون النظر إلى الحال والعمل، لا إلى اللفظ المجرد. والمتصوفة الأوائل كان فيهم نوع تسنن بالكتاب والسنة، إلا أن من جاء بعدهم غلب عليهم البدع والطرق والضلال، فصار التصوف مما لا يطلب ولا يمدح، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "لفظ الفقر والتصوف قد أدخل فيها أمور يحبها الله ورسوله، فتلك يؤمر بها، وإن سميت فقرا أو تصوفا؛ لأن الكتاب والسنة إذا دل على استحبابها لم يخرج عن ذلك بأن تسمى باسم آخر، كما يدخل في ذلك أعمال القلوب، كالتوبة والصبر.. وقد أدخل فيها أمور يكرهها الله ورسوله؛ كما يدخل فيها بعضهم نوعا من الحلول والاتحاد، وآخرون نوعا من الرهبانية المبتدعة في الإسلام، وآخرون نوعا من المخالفة للشريعة، إلى أمور ابتدعوها، إلى أشياء أخر، فهذه الأمور ينهى عنها بأي اسم سميت". ومثله لفظ "السير، أو السائر إلى الله، والزاهد، والعابد"، فقد يكون المعنى منه التصوف البدعي، وقد يكون المعنى منه التزكية الشرعية، وهذا الثاني هو المقصود في كتابنا هذا، ولهذا فإن من الغلط رد الألفاظ دون النظر إلى مدلولاتها على الحقيقة، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: "الألفاظ التي جاء بها الكتابُ والسنّةُ علينا أن نتبّع ما دلت عليه مثل لفظ الإيمان والتقوى والإحسان والتوكل والحب لله". وقال أيضاً: "وأما الألفاظُ التي ليست في الكتاب والسنّة ولا تقف السلف على نفيها أو إثباتها، فهذه ليس على أحدٍ أن يوافقَ من نفاها أو أثبتها حتى يستفسر عن مراده، فإن أراد بها معنىً يوافقُ خبرَ الرسول أقرَّ به، وإن أراد بها معنى يخالفُ خبرَ الرسولِ أنكره". ثالثًا: التصوف السني والبدعي والقول فيهما: وعلى هذا فقد ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية في تفريقه بين صوفية أهل السنة، وصوفية أهل البدعة، بقوله: "والشيوخ الأكابر الذين ذكرهم أبو عبد الرحمن السلمي في طبقات الصوفية، وأبو القاسم القشيري في الرسالة، كانوا على مذهب أهل السنة والجماعة ومذهب أهل الحديث، كالفضيل بن عياض، والجنيد بن محمد، وسهل بن عبد الله التستري، وعمرو بن عثمان المكي، وأبو عبد الله محمد بن خفيف الشيرازي، وغيرهم، وكلامهم موجود في السنة وصنفوا فيها الكتب....". ثم قال: "لكن بعض المتأخرين منهم كان على طريقة بعض أهل الكلام في بعض فروع العقائد، ولم يكن فيهم أحد على مذهب الفلاسفة، وإنما ظهر التفلسف في المتصوفة المتأخرين، فصارت المتصوفة تارة على طريقة صوفية أهل الحديث، وهم خيارهم وأعلامهم... وتارة على اعتقاد صوفية أهل الكلام فهؤلاء دونهم، وتارة على اعتقاد صوفية الفلاسفة، كهؤلاء الملاحدة". وكذلك فعل الشيخ محمد بن إبراهيم - رحمه الله - في "مجموع فتاويه" حيث قال: "المتصوفة على قسمين: متصوفة سُنِّيِّين، ومتصوفة بدعِيِّين، ومقتصدوهم ليس فيهم إلا القليل من البدعة، وبعضهم عنده الشيء الكثير، وجعلوا التصوف نافذة إلى وحدة الوجود". وليس المقصود هنا بذكر تقسيم الصوفية إلى سنية وبدعية هو تصويب طريقهم في التزكية والسلوك بإطلاق، كلا، فكيف يصوب طريق من حشوا عقولهم وقلوبهم بالكشف والذوق والوجد والرؤى، وتقبيل الأعتاب والأخشاب، وسؤال الموتى في قبورهم مما لا يسأل به إلا الله وحده، إنما القصد يكون: أولًا: في بيان طريقة تعامل الأكابر من أهل العلم بالعدل والإنصاف مع المخالفين، فلا يصدرون الأحكام مطلقة، أو جزافًا دون تحقيق وتبيين، وهذا ما كان عليه سادة السلف ومحققيهم. وهذا عين ما فعله ابن القيم - رحمه الله - في "مدارج السالكين" مع الشيخ إسماعيل الهروي، صاحب "منازل السائرين"، كما أن المتتبع لعلوم شيخ الإسلام ابن تيمية ومؤلفاته على سبيل المثال، يجد دقته وتحقيقه في المسائل والأحكام والفرق، بل ومراعاة العدل والإنصاف حتى بين مخالفيه أنفسهم، على خلاف ما عليه بعض المتأخرين في زماننا، حيث وقعوا في صور من المجازفة والتبديع المطلق لمجرد تصويب قول، أو التماس تأويل شرعي يحمل فيه الكلام على أحسن محامله، وهذا من قلة العلم، وسوء الفهم، واتباع الهوى. فالقول: أن الصوفية فيهم المتسننة والمبتدعة، ليس لاتباعهم، إنما لبيان من وافق منهم متابعة الحق والهدي والسنة، حتى لا يُرمى ببدعة أو زندقة لكونه من المتصوفة، ومن المسائل الواضحة أنه ليس كل من قال حقًا أو وافقه كان من أهله دون بينة أو برهان. فأصحاب الفرق وافقوا الحق والسنة في مسائل، فلا يعني هذا تصويب ما هم عليه من باطل وضلال، كالشيعة والمعتزلة والأشاعرة والصوفية، إنما قبول ما عندهم إذا وافق الكتاب والسنة لأنه الحق، وليس لكونهم قالوا به، فكذلك التزكية والزهد وأعمال القلوب هي من أصول الدين وقواعده، وهدي السنة فيها أكمل وأعلى وأهدى. ولهذا ذهب محدث عصرنا الإمام محمد ناصر الدين الألباني - رحمه الله - إلى رفض تقسيم التصوف إلى سني وبدعي، خلافًا لما سلف عن شيخ الإسلام وغيره، وقال جوابًا على أحد الأسئلة التي وجهت إليه عبر الهاتف، عن هذا التقسيم من شيخ الإسلام للتصوف: "التصوف لا يمدح لأنه تصوف، لكن ما كان منه مطابقاً للكتاب والسنة فهو مما ينبغي عدمرده بمجرد أنه يقال إنه تصوف، يعني لاشك أن المذهب من المذاهب الأربعة للأئمةالأربعة هو الأقوى والأسلم من كثير من أقوال المتصوفة، فكما أنه يوجد في كل مذهب من المذاهب ما يوافق الكتاب والسنة فيؤخذ به لموافقته للكتاب والسنة، لا لأنه مذهب إمام من الأئمة، وإذا وجد في مذهب من مذاهب هؤلاء الأئمة ما يخالف الكتاب والسنة رد ورفض، وإن كان قد قال به إمام من الأئمة، فالتصوف كذلك يُقالُ فيه، ما وافقالكتاب والسنة فهو صواب وما خالفه فليس بصواب، لكن لا ينبغي أن يقال هناك تصوف صالحوتصوف طالح لأن ما في الكتاب والسنة يغني عن كل ذلك، هذا رأيي واعتقادي". وكلام العلامة الألباني قاعدته؛ أن المتأمل اليوم في حالة المتصوفة وبدعهم وانحرافهم عن منهاج السنة النبوية في كثير من أعمالهم، لا يمكنه عمليًا أن يميز بين تصوف سني أو بدعي، فإما أن تكون صوفيًا، أو لا تكون، هذا لسان حالهم وعملهم، فلا يستطيع السالك السائر إلى الله معهم اليوم أن ينفك عنهم عملًا مع موافقته لهم تسمية ولفظًا، وهذا حقيقة ما يميل القلب إليه، ويطمئن له في زماننا، خاصة إذا عرفنا أن هناك من يلبس على عوام المسلمين بالتصوف السني، ليأخذهم إلى التصوف وطرقه ومنكراته من حيث لا يشعرون، ومعلوم من قواعد الفقه والعلم أن سد الذريعة واجب ومقدم على جلب المصلحة، هذا إذا كان هناك مصلحة في التقسيم، وإلا فحسب السائر إلى الله والدار الآخرة أن يكون على منهاج الكتاب والسنة في التزكية والهداية، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة". ثانيًا: كما أن من القصد أن ندرك أن الصوفية لم يأتوا بجديد، ولم ينفردوا بطريق في باب الزهد والورع والتزكية، إنما هي من أصول الإسلام ومنهاجه القويم، وسيأتي معنا بيان من كتب فيها من أكابر العلماء والسلف. ومن هنا نعلم أن أبواب التزكية ليست من خصائص الصوفية وحدهم، إنما نشأ اللبس أنهم اشتغلوا بها واعتنوا بها دون غيرهم، مما أورثهم ابتداعًا في طرقها ووسائلها، وأدخلوا أشياء ومنكرات لا يعرفها الإسلام ولا أهله، فاختلط الأمر على البعض. رابعًا: مسائل التزكية والسلوك: أما التحقيق في مسائل "التزكية والسلوك" فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله -: "وفي السلوك مسائل تنازع فيها الشيوخ، لكن يوجد في الكتاب والسنة من النصوص الدالة على الصواب في ذلك ما يفهمه غالب السالكين، فمسائل السلوك من جنس مسائل العقائد، كلها منصوصة في الكتاب والسنة، وإنما اختلف أهل الكلام لما أعرضوا عن الكتاب والسنة، فلما دخلوا في البدع وقع الاختلاف، وهكذا طريق العبادة، عامة ما يقع فيه من الاختلاف إنما هو بسبب الإعراض عن الطريق المشروع، فيقعون في البدع فيقع فيهم الخلاف". يتبع
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() ثم قال - رحمه الله -: " والصحابة أنفسهم تنازعوا في بعض ذلك - أي دقيق المسائل في الفقه ونحوه - ولم يتنازعوا في العقائد، ولا في الطريق إلى الله التي يصير بها الرجل من أولياء الله الأبرار المقربين". فالمقصود: أن تزكية النفس وهدايتها من مطلوبات الكتاب والسنة، بالمنهج الذي عليه أهل الكتاب والسنة والتزكية. خامسًا: التزكية والصلاح بمنهج الرسل مع المجاهدة: وتحصيل التزكية والصلاح للنفس لا يكون إلا بمنهج الأنبياء والرسل عليهم السلام، مع المجاهدة لها أبدًا، ولهذا قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -: "فإن تزكية النفوس مُسلَّم إلى الرسل، وإنما بعثهم الله لهذه التزكية وولاَّهم إياها، وجعلها على أيديهم دعوة وتعليما وبيانا وإرشادا، فهم المبعوثون لعلاج نفوس الأمم قال الله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ﴾ [الجمعة: 2]. وقال تعالى: ﴿ كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ ﴾ [البقرة: 151]. وتزكية النفوس أصعب من علاج الأبدان وأشد، فمن زكى نفسه بالرياضة والمجاهدة والخلوة، التي لم يجئ بها الرسل فهو كالمريض الذي يعالج نفسه برأيه، وأين يقع رأيه من معرفة الطبيب؟ فالرسل أطباء القلوب فلا سبيل إلى تزكيتها وصلاحها إلا من طريقهم، وعلى أيديهم، وبمحض الانقياد والتسليم لهم، والله المستعان". وجاء في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "قال الله تعالى: من عاد لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلىَّ عبدي بشيءٍ مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليِّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله الذي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنَّه، وما ترددتُ عن شيءٍّ أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته". فدل الحديث على أن حصول التزكية والولاية، ودرجة المحبوبية لله – تعالى - لا تتحقق إلا بأمور: الأول: كمال التوحيد لله إيمانًا ومحبة وصدقًا وإخلاصًا، لأن التوحيد أول الفرائض والواجبات على العباد. الثاني: إقامة الفرائض، كالصلاة والزكاة والحج والعمرة والإحسان وغيرها. الثالث: إقامة المستحبات من النوافل والتطوع، كسنن الصلوات، والصيام، والصدقة، والحج، والعمرة. وهذه الأمور تتفرع عنها، أو تدخل فيها بقية وسائل التزكية والتطهير للنفس والقلب، وقد قامت الأدلة البينة عليها، وعلى عظيم أثرها في الاستقامة والهداية. سادسًا: وللسلف الصالح نصيب منها: وأيضًا فإن ثلة من أكابر السلف - رحمهم الله جميعًا - كان لهم شغل بها واشتهار - أي: أعمال القلب والسلوك -، كالإمام سفيان الثوري، والأربعة كأبي حنيفة، ومالك، وأحمد، والشافعي، وابن المبارك، والأوزاعي، والحسن البصري، وابن تيمية، وابن القيم وله فيه اليد الطولى، وابن رجب صاحب لطائف المعارف، والإمام النووي، وابن الجوزي إمام الوعظ والقلوب، وابن قدامة المقدسي، والقرطبي صاحب التفسير والتذكرة. وقد كتب ابن القيم - رحمه الله - كتبًا كثيرة ورسائل، منها: الداء والدواء، وروضة المحبين، وعدة الصابرين، وطريق الهجرتين، وإغاثة اللهفان، ومدارج السالكين وغيرها. وكذلك كتب شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في ذلك كتبًا ورسائل منها: الاستقامة، والعبودية، وأمراض القلب وشفائها، وكتاب الإيمان، والتحفة العراقية في الأعمال القلبية، والتي سميت بـ"الآداب والتصوف" أو "علم السلوك"، وقال فيه: "أما بعد: فهذه كلمات مختصرات في أعمال القلوب، التي قد تسمى "المقامات والأحوال"، وهي من أصول الإيمان، وقواعد الدين، مثل: محبة اللّه ورسوله، والتوكل على اللّه، وإخلاص الدين له، والشكر له، والصبر على حكمه، والخوف منه، والرجاء له، وما يتبع ذلك.. هذه الأعمال جميعها واجبة على جميع الخلق المأمورين في الأصل باتفاق أئمة الدين، والناس فيها على ثلاث درجات كما هم في أعمال الأبدان على ثلاث درجات: ظالم لنفسه، ومقتصد، وسابق بالخيرات". وكذلك اشتغل به بعض المتسننة من سادة المتصوفة: كالجنيد، وسهل التستري، وإبراهيم بن أدهم، والحارث المحاسبي، والحسن البصري، وأبي سليمان الداراني، وعمر بن عثمان الشبلي، ويحيى بن معاذ الرازي، ومحمد بن خفيف الشيرازي، وغيرهم، وربما زلت قدمهم في مسائل أيضًا، ولهذا نقل عن سادتهم ابن القيم في "المدارج" أقوالًا صحيحة، وكونهم صانوا منهجهم في جملته من المخالفة والبدعة برعايتهم للعلم والحديث والفقه: "قال سيد الطائفة وشيخهم الجنيد بن محمد - رحمه الله -: الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا على من اقتفى آثار الرسول، وقال: من لم يحفظ القرآن ويكتب الحديث لا يقتدى به في هذا الأمر، لأن علمنا مقيد بالكتاب والسنة. وقال: مذهبنا هذا مقيد بأصول الكتاب والسنة. وقال أبو حفص - رحمه الله -: من لم يزن أفعاله وأحواله في كل وقت بالكتاب والسنة ولم يتهم خواطره فلا يعد في ديوان الرجال. وقال أبو سليمان الداراني - رحمه الله -: ربما يقع في قلبي النكتة من نكت القوم أياما فلا أقبل منه إلا بشاهدين عدلين: الكتـاب والسنة، وقال سهل به عبدالله - رحمه الله -: كل فعل يفعله العبد بغير اقتداء طاعة كان أو معصية فهو عيش النفس وكل فعل يفعله العبد بالاقتداء: فهو عذاب على النفس. وقال ابن عطاء: من ألزم نفسه آداب السنة نور الله قلبه بنور المعرفة ولا مقام أشرف من مقام متابعة الحبيب في أوامره وأفعاله وأخلاقه، وقال: كل ما سألت عنه فاطلبه في مفازة العلم، فإن لم تجده ففي ميدان الحكمة، فإن لم تجده فزنه بالتوحيد، فإن لم تجده في هذه المواضع الثلاثة فاضرب به وجه الشيطان. وأُلقى بنان الحمال بين يدي السبع، فجعل السبع يشمه ولا يضره فلما أخرج. قيل له: ما الذي كان في قلبك حين شمك السبع قال: كنت أتفكر في اختلاف العلماء في سؤر السباع". فهذه الأقوال من مثل هؤلاء لها محمل شرعي صحيح في تزكية النفس والقلب، ما أقاموا السنة وتقيدوا بالشرع فيها، وإلا فسبيل النبي - صلى الله عليه وسلم - هو السبيل الأوحد لكل تابع ومحب في تزكية النفس وهدايتها. سابعًا: أنواع السائرين: تبين لنا مما سبق أن السائرين أو السالكين نوعان: النوع الأول: السائرون إلى الله والدار الآخرة على بصيرة وهداية، وهؤلاء هم المتقون المؤمنون الصالحون، الذين علموا حقيقة الكون والوجود، وحكمة الخلق والإيجاد، فعبدوا الله حق العبودية، واتبعوا النور الذي جاءت به الأنبياء والرسل، وأنزلت به الصحف والكتب، فاستقاموا في سيرهم إلى الله علمًا وعملًا، ولم ينحرفوا أو يشركوا، أو يخالطوا البدع والأهواء، ولم ينشغلوا بالدنيا ومتعها وجمعها، بل زهدوا فيها وأعرضوا عنها، وطلبوا الليل للقيام والتلاوة، والنهار للتسبيح والصيام والجهاد، وقطعوا أيامهم في ذكر الله، وبذل الندى والإحسان إلى الخلق، وأمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر، فهؤلاء أسعد الخلق بلقاء الله في الآخرة، وأكرم الخلق على الله في الجنة. وهذا النوع من السير والسلوك ينقسم أيضًا، كما قال ابن تيمية: "والسلوك سلوكان: سلوك الأبرار أهل اليمين، وهو أداء الواجبات وترك المحرمات باطنًا وظاهرًا، والثاني: سلوك المقربين السابقين، وهو فعل الواجب والمستحب بحسب الإمكان، وترك المكروه والمحرم، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم". النوع الثاني: السائرون على غير بصيرة وهداية من الله وكتابه ورسوله، وهؤلاء هم أهل الغي والضلال، وأهل الفسوق والعصيان، وأهل البدع والتفرق والطرق والأهواء، الذين سلكوا في سيرهم إلى الآخرة سبيل المجرمين، أو سبل المخالفين، ولم يهتدوا في سبيلهم إلى صراط الله المستقيم، وهديه القويم، فهؤلاء من أهل السير غير أنه سير التائه المتخبط، والضال الحائر، الذي لا يقر على حال، ولا يهتدي بمقال. وقد حذر بعض الناس "قارون الطاغية" بقولهم: "وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك.. الآية"، يذكروه أنه سائر إلى الله وراجع، وموقوف للحساب والجزاء، فأعرض عنهم وعن موعظتهم وتذكيرهم بحقيقة الدنيا بقوله لهم: "إنما أوتيته على علم عندي.. الآية"، فظن أنه على بصيرة وهداية لكنها من عنده هو لا من عند سيده ومولاه، وهذا هو حقيقة العمى عن سواء الصراط، أن يرى العبد نفسه من أهله، وهو أضل الناس عنه، وأشقى الخلق به. وهؤلاء لدرهم يأتيهم في ساعة من يومهم أحب وأفضل لقلب أحدهم من ركعة خالصة يتم ركوعها وسجودها، ولو عرض لأحدهم صفقة ينال بها غنًى في الدنيا لا ينفك عنه حتى مماته، وعرض عليه أن يبذل نفسه ويجود بها لله بالجهاد لأعداء الله ورسوله، وينال بها جنة عرضها السماوات والأرض، لقدم العاجلة على الباقية، فهذا حالهم دائمًا في غبن وخسران، وغفلة عن الله والآخرة ونسيان، فأنى يفلحون، وأنى يهتدون. وقد يقال بالنظر والتأمل، أن هناك نوع ثالث: وهم المذبذبون في سيرهم وسلوكهم، فتارة يكونوا مع أهل السير الصحيح وأهل الاستقامة والاتباع، فتراهم في العبادة والذكر والتلاوة والتسبيح والقيام، وتارة يضعف إيمانهم، وتتخطفهم العلائق، وتكبلهم العوائق من الشيطان والنفس الأمارة بالسوء وحب الدنيا، وتملكهم شهواتهم وملذاتهم في الحياة الدنيا، وتستهويهم الغفلة، وينسيهم الشيطان، ويضلهم الهوى، وهؤلاء كثر في السالكين، يترددون في سيرهم، لأنهم إما أصحاب جهل وغفلة، أو أصحاب هوًى وغي، وهذا النوع حتى يسلم من ذلك، يحتاج إلى تهذيب وتربية حتى يثبت على الصراط، ويسلك سبيل الهدى والرشاد. فالمقصود: بعد كل هذا أن المؤمن الصادق، والسائر السالك إلى الله والدار الآخرة، المشتاق إلى الجنة ونعيمها، حتى يصح له الطريق، ويتم له المقصود، فلا بد له من معالم تهديه السبيل، ومنارات تدله عليه، وزاد يرتفع به عن حظوظ النفس والهوى والشيطان منه. ولا بد له من بصيرة في علمه وعمله، ليكون من السائرين على بصيرة وعلم وهداية، بعيدًا عن طرق أهل البدع والتفرق، وشطحات غلاة المتصوفة وضلالهم، فلا يخلط في شأن تزكية النفس والقلب والاستقامة والسلوك المشروع، وبين طريق المتصوفة وبدعهم، فيترك النفس بلا زاد ولا تقويم، ويجمع ذلك أن يعلم في مسألة السير والتزكية أنها تكون بين أمرين: ثامنًا: التزكية الصوفية البدعية: الأمر الأول: تزكية وتهذيب النفس والقلب، لكن بطرق أهل التصوف البدعي، من التبتل والإعراض عن الزواج الذي هو من سنن الأنبياء والمرسلين، وإما بحلقات الذكر والغناء والرقص وهذا من أعظم المنكر، وإما بذكر الله باسمه المفرد "الله، الله، الله،..." وهكذا، أو بالضمير "هو، هو، هو،... " وهكذا، وهذا من عجيب بدعهم، وإما بتركهم أنواعا من المباحات في الطعام والشراب، وإما بتبركهم بالشيوخ والأقطاب، وتقبيل الأعتاب هناك والأخشاب والتراب، أو الطواف حول الضريح والقبر، وإما بلبس الخشن من الثياب والمقطوع دلالة على الزهد والورع، وهذا كله بدع وضلال، لا دليل فيه من الأخبار والآثار، وأما ما فيها من شطحات وانحرافات فهي في جملتها خارجة عن هدي الكتاب والسنة وعمل السلف الصالح، وهذا طريق غير حميد، وسلوك غير سديد. تاسعًا: التزكية السنية الشرعية: الأمر الثاني: تزكية وتهذيب النفس والقلب، لكن من طريق الشرع والسنة، وما قامت به الأدلة البينة، من رعاية الفرائض المحبوبات لله ورسوله من إقامة التوحيد، والصلاة، والسنن والمستحبات، والإعراض عن الذنوب والكبائر والبدع والسيئات، ومجاهدة النفس على الاستقامة والهداية، مع الصبر، والصدق، والتوبة، وكذلك الذكر المشروع، والصيام، والزكاة، والصدقة، والحج، والعمرة، وبر الوالدين، وبذل الإحسان للخلق، وكف الأذى عنهم، وتحمله منهم، والوفاء بالعهد والوعد، ودوام الاستغفار، والإنابة، والتوكل، واليقين، وتحقيق العبودية، وذكر الموت والفراق، والخوف والرجاء، والشوق إلى الجنة ونعيمها، والشوق إلى رؤية الله في فيها. وهذا هو سبيلنا إن شاء الله، فلا يقع للسائر الحيرة والاضطراب، ويُهدَى إلى الصواب، فيحصل له السير، ويتم له المقصود إن شاء الله رب العالمين، قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "لابد للسالك إلى الله من همة تسيره وترقيه، وعلم يبصره ويهديه". وقال ابن القيم - رحمه الله -: "الناس قسمان: عِلْية وسفلة: فالعلية من عرف الطريق إلى ربه وسلكها قاصداً الوصول إليه، وهذا هو الكريم على ربه، والسفلة من لم يعرف الطريق إلى ربه ولم يتعرفها، فهذا هو اللئيم الذي قال الله تعالى فيه: ﴿ وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ مَكْرِمٍ ﴾[الحج: 18]".
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
![]() مقدمات مهمة في التزكية وسبيلها (3) الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي مقدمات في التزكية وسبيلها (3) المقدمة الثالثة زاد السائر إلى الله والدار الآخرة لا بد لكل سائر إلى الله والدار الآخرة من عَلَمٍ يهديه، وزاد من العلم والهدى يقويه، مع حذره الدائم من قطاع الطرق، وآفات السير المهلكة الشاغلة،فمن ذلك: الأول: العلم والعمل: فمن زاده قوة العلم، مع قوة العمل، يقول ابن القيم - رحمه الله -: "السائر إلى الله تعالى والدار الآخرة، بل كل سائر إلى مقصد، لا يتم سيره ولا يصل إلى مقصوده إلا بقوتين: قوة علمية، وقوة عملية. فبالقوة العلمية يبصر منازل الطريق، ومواضع السلوك فيقصدها سائراً فيها، ويجتنب أسباب الهلاك ومواضع العطب وطرق المهالك المنحرفة عن الطريق الموصل، فقوته العلمية كنور عظيم بيده يمشى به في ليلة عظيمة مظلمة شديدة الظلمة، فهو يبصر بذلك النور ما يقع الماشي في الظلمة في مثله من الوهاد والمتالف ويعثر به من الأحجار والشوك وغيره، ويبصر بذلك النور أيضاً أعلام الطريق وأدلتها المنصوبة عليها فلا يضل عنها، فيكشف له النور عن الأمرين: أعلام الطريق، ومعطبها. وبالقوة العملية يسير حقيقة، بل السير هو حقيقة القوة العملية، فإن السير هو عمل المسافر، وكذلك السائر إلى ربه إذا أبصر الطريق وأعلامها وأبصر المعاثر والوهاد والطرق الناكبة عنها فقد حصل له شطر السعادة والفلاح. وبقى عليه الشطر الآخر وهو أن يضع عصاه على عاتقه ويشمر مسافراً في الطريق قاطعاً منازلها منزلة بعد منزلة، فكلما قطع مرحلة استعد لقطع الأُخرى واستشعر القرب من المنزل فهانت عليه مشقة السفر، وكلما سكنت نفسه من كلال السير ومواصلة الشد والرحيل وعدها قرب التلاقي وبرد العيش عند الوصول، فيحدث لها ذلك نشاطاً وفرحاً وهمة". الثاني: اليقين والصدق: فيكون السائر إلى الله صاحب يقين وصدق وإخلاص، لأن فيها هدايته وسعادته ونجاته كما قال ابن القيم: "ومتى وصل اليقين إلى القلب امتلأ نورا وإشراقا، وانتفى عنه كل ريب وشك وسخط وهم وغم، فامتلأ محبة لله، وخوفا منه، ورضي به، وشكرا له، وتوكلا عليه، وإنابة إليه". ويقول أيضًا: "ليس للعبد شيء أنفع من صدقه ربه في جميع أموره مع صدق العزيمة فيصدقه في عزمه وفي فعله، قال تعالى: ﴿فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ﴾ فسعادته في صدق العزيمة وصدق الفعل فصدق العزيمة جمعها وجزمها وعدم التردد فيها بل تكون عزيمة لا يشوبها تردد ولا تلوّم. فإذا صدقت عزيمته، بقي عليه صدق الفعل وهو: استفراغ الوسع وبذل الجهد فيه وأن لا يتخلّف عنه بشيء من ظاهره وباطنه فعزيمة القصد تمنعه من ضعف الإرادة والهمّة، وصدق الفعل يمنعه من الكسل والفتور، ومن صدق الله في جميع أموره صنع الله له فوق ما يصنع لغيره، وهذا الصدق معنى يلتئم من صحّة الإخلاص وصدق التوكّل, فأصدق الناس من صحّ إخلاصه وتوكّله". الثالث: الصبر: فلا سبيل لنيل المطلوب، وحصول المرغوب، والتقرب إلى المحبوب إلا به، فعماد العبادات عليه، وزاد الاستعانة به، وأصل المحبة به، ولهذا مدح الله الصبر في كتابه، ومدح الصابرين، وأثنى عليهم، وبشرهم بالبشرى والسعادة بغير حساب، فهو من أعلى المنازل للسائرين، وأتم السبل الموصلة إلى باب الجنة، وقد أخبر سبحانه أن الإمامة في الدين تنال بالصبر واليقين كما قال سبحانه: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾ [السجدة: 24]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10]. وقال سبحانه: ﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 155 - 157]. وقال تعالى: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾ [هود: 11]، وقال سبحانه: ﴿ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾ [آل عمران: 146]. وقال سبحانه: ﴿ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الأنفال: 46]. وجاء في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: يقول الله تعالى: " مَا لِعَبْدِي المُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ إذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ احْتَسَبَهُ إلاَّ الجنَّة " رواه البخاري، وعن عائشة - رضي الله عنها - أنها سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الطاعون: "فأخبرها أنه كان عذاباً يبعثه الله -تعالى- على من يشاء، فجعله الله تعالى رحمةً للمؤمنين، فليس من عبدٍ يقع في الطاعون فيمكث في بلده صابراً محتسباً يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر الشهيد" رواه البخاري. وعن أنسٍ - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن الله عز وجل قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة يريد عينيه" رواه البخاري. وعن عطاء بن أبي رباحٍ قال: قال لي ابن عباسٍ - رضي الله عنهما -: ألا أريك امرأةً من أهل الجنة؟ فقلت: بلى، قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إني أصرع، وإني أتكشف، فادع الله تعالى لي قال: "إن شئت صبرت ولك الجنة، وإن شئت دعوت الله تعالى أن يعافيك"، فقالت: أصبر، فقالت: إني أتكشف، فادع الله أن لا أتكشف، فدعا لها. متفقٌ عليه. وعن أبي سعيدٍ وأبي هريرة - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما يصيب المسلم من نصب ولا وصبٍ ولا همٍ ولا حزنٍ ولا أذىً ولا غمٍ، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه" متفقٌ عليه. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من يرد الله به خيراً يصب منه" رواه البخاري. والصبر درجات وأنواع: فمنه الصبر على الابتلاء والمقدور، والصبر على المطلوب والمأمور، والصبر عن المحرم والمحظور، ومتى كان السائر إلى الله صابرًا محتسبًا فيها جميعًا، راغبًا في الآخرة صادقًا، كان من أهل الصبر والإمامة والبشرى. الرابع: الثبات على التفرد في الطريق: وكذلك لا يستوحش بتفرده في الطريق، ولا يُضعِف همته بالالتفات خلفه، أو رؤية المثبطين والقاعدين، بل يكون صادق الهمة، صادق الإرادة، ولا يرى غير مقصوده ومراده، قال سفيان بن عيينة: "اسلكوا سبل الحق، ولا تستوحشوا من قلة أهلها". وقال بعض الصالحين: انفرادك في طريق طلبك دليل على صدق الطلب، وقال الفضيل بن عياض -رحمه الله-: "الزم طريق الهدى، ولا يضرك قلة السالكين، وإياك وطرق الضلالة، ولا تغتر بكثرة الهالكين"، وقال سليمان الداراني: لو شك الناس كلهم في الحق ما شككت فيه وحدي، أي: لو كل من على ظهر الأرض شكوا في الحق ولم يؤمنوا به أو لم يعملوا له ما شككت فيه وحدي، ولبثت أنا وحدي على هذا الحق. الخامس: ملازمة طريق السنة، وترك طريق البدعة: ومن زاده كمال اتباعه للشرع وملازمة السنة، والحذر من البدع وطرقها، ومجالسة أهلها، وإلا فسيره على غير بصيرة ولا هدى، وقد جاء في الحديث الصحيح: "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد"، بل وهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد تبرأ منه فقال: "ومن رغب عن سنتي فليس مني". وسئل الحسن بن علي الجوزجاني: كيف الطريق إلى الله؟ قال: أصح الطرق وأعمرها وأبعدها من الشبه اتباع الكتاب والسنة قولا وفعلا وعقدا ونية، لأن الله يقول: وإن تطيعوه تهتدوا"، فسأله كيف طريق اتباع السنة؟ قال: بمجانبة البدع، واتباع ما اجتمع عليه الصدر الأول من علماء الإسلام وأهله، والتباعد عن مجالس الكلام وأهله، ولزوم طريقة الاقتداء والاتباع، بذلك أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله تعالى: "ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا". وقال أبو الحسن الوراق: لا يصل العبد إلى الله إلا بالله، وبموافقة حبيبه - صلى الله عليه وسلم - في شرائعه، ومن جعل الطريق إلى الوصول في غير الاقتداء، يضل من حيث إنه مهتد. وقد ذكر ابن سعد - رحمه الله - في طبقاته أن أبا بكر - رضي الله عنه - قال: "أيها الناس إنما أنا متّبع، ولست بمبتدع، فإن أحسنت فأعينوني، وإن زغت فقوِّموني". وقال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: "اتّبعوا ولا تبتدعوا فقد كُفيتم، كل بدعة ضلالة". وقد تبرأ ابن عمر من "القدرية" حيث قال لمن سأله عنهم: "فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم برآء مني". وقال الإمام الشافعي - رحمه الله -: "حُكْمي في أصحاب الكلام أن يُضربوا بالجريد، ويُحملوا على الإبل، ويُطاف بهم في العشائر والقبائل، ويُقال: هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة، وأخذ في الكلام". وقال أيوب السختياني: "ما ازداد صاحب بدعة اجتهادا إلا ازداد من الله بعدًا". وقال حذيفة بن اليمان: كل عبادة لم يتعبدها أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا تعبدوها. وقال الإمام أحمد - رحمه الله -: "أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والاقتداء وترك البدع، وكل بدعة ضلالة، وترك الخصومات، والجلوس مع أصحاب الأهواء، وترك المراء والجدال والخصومات في الدين". وقال الإمام مالك - رحمه الله -: من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - ، خان الرسالة؛ لأن الله يقول: "اليوم أكملت لكم دينكم" فما لم يكن يومئذ دينا فلن يكون اليوم دينا. وعن سفيان الثوري قال: "من جالس صاحب بدعة لم يسلم من إحدى ثلاث: إما أن يكون فتنة لغيره، وإما أن يقع بقلبه شيء يزل به فيدخله النار، وإما أن يقول: والله لا أبالي ما تكلموا به، وإني واثق بنفسي، فمن يأمن بغير الله طرفة عين على دينه سلبه إياه"، وقال سفيان الثوري: "إن البدعة أحب إلى إبليس من المعصية لأن البدعة لا يتاب منها والمعصية يتاب منها". وقال حسان بن عطية المحاربي: "ما أحدث قوم بدعة في دينهم إلا نزع الله من سنتهم مثلها، ثم لم يعدها إليهم إلى يوم القيامة". السادس: ملازمة التقوى في السر والعلن: لأن التقوى فيها معنى صيانة النفس والقلب والجوارح عن المعاصي والمحرمات، وعن مواطن الفتن والشبهات، وفيها معنى المراقبة وحفظ جناب الله – تعالى -، والتقوى تكون للقلب، وتكون للجوارح، فيصون العبد نفسه ظاهرًا وباطنًا بتقوى الله وحفظ الحرمات، وقد قال الله - تعالى – آمرًا عباده بها: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقوا الله حقَّ تقاته ﴾ [آل عمران 102]، وقال تعالى: ﴿ فاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾ [التغابن: 16]، وقال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ﴾ [الأحزاب: 70]. بل وجعل التقوى خير الزاد للعبد المؤمن، فقال تعالى: ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 197]. كما جعلها الله لباس الباطن الأكمل، فقال تعالى: ﴿ يَابَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴾ [الأعراف: 26]. وجاء في السنة عن أبي سعيدٍ الخدري - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الدنيا حلوةٌ خضرةٌ، وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء" رواه مسلم. وجاء في دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ابن مسعودٍ - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول: "اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى" رواه مسلم، وجاء في مواعظ الشعر والتذكير: تزود من التقوى فإنك لا تدري ![]() إذا جنَّ ليلٌ هل تعيش إلى الفجرِ ![]() فكم من فتى أمسى وأصبح ضاحكًا ![]() وقد نُسِجَتْ أكفانُه وهو لا يدري ![]() وكم من عروس زينوها لزوجها ![]() وقد قبضت أرواحُهم ليلة القدرِ ![]() وكم من صغارٍ يُرتجى طول عمرهم ![]() وقد أُدخلت أجسادُهم ظلمة القبرِ ![]() وكم من صحيح مات من غير علةٍ ![]() وكم من سقيم عاش حينًا من الدهر ![]() وقال الإمام ابن رجب: وأصل التقوى: أن يعلم العبد ما يتقى ثم يتقى. وقال بكر بن خنيس: كيف يكون متقيا من لا يدري ما يتقي. وقال الحسن - رحمه الله -: ما زالت التقوى بالمتقين حتى تركوا كثيراً من الحلال مخافة الحرام. وقال الثوري: إنما سمّوا متقين لأنهم اتقوا ما لا يُتقى" ما لا يُتقى عادة أو ما لا يتقيه أكثر الناس". وقال ابن المعتز: خَلِّ الذنوبَ صغيرها ![]() وكبيرها ذاك التقى ![]() واصنع كَمَاشٍ فوق أرض ![]() الشوك يَحْذرُ ما يرى ![]() لا تحقِرنَّ صغيرةً ![]() إن الجبالَ من الحصى ![]() وعن الشافعي أنه قال: يريد المرء أن يعلى مناه ![]() ويأبى الله إلا ما أرادا ![]() يقول المرء فائدتي ومالي ![]() وتقوى الله أفضل ما استفادا ![]() وقال معروف: إذا كنت لا تحسن تتقي: أكلت الربا. وإذا كنت لا تحسن تتقي: لقيتك امرأة فلم تغض بصرك. وإذا كنت لا تحسن تتقي: وضعت سيفك على عاتقك أي: شهرت سيفك وقاتلت في الفتنة. وقال الإمام أحمد - رحمه الله -: "التقوى هي ترك ما تهوى لما تخشى " فتترك هواك لأن لك خشية من العذاب ويوم طويل، و قيل أيضاً في التقوى: " أن لا يراك حيث نهاك ولا يفتقدك حيث أمرك". وقال القرطبي - رحمه الله -: الأمر بالتقوى كان عاماً لجميع الأمم. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في حديث "اتقِ الله حيثما كنت": "ما أعلم وصية أنفع من وصية الله ورسوله لمن عقلها واتبعها، قال تعالى: "وَلَقَدْ وَصّيْنَا الّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيّاكُمْ أَنِ اتّقُواْ اللّهَ"، ووصى النبي - صلى الله عليه وسلم - معاذاً لما بعثه إلى اليمن فقال: "يا معاذ اتق الله حيثما، كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن".وقال ابن القيم: "التقوى ثلاث مراتب: إحداها: حمية القلب والجوارح عن الآثام والمحرّمات. الثانية: حميتها عن المكروهات. الثالثة: الحمية عن الفضول وما لا يعني. فالأولى تعطي العبد حياته, والثانية تفيد صحته وقوته, والثالثة تكسبه سروره وفرحه وبهجته". وأما ثمرات التقوى فكثيرة: وقد قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ الله يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ﴾ [الطلاق: 2، 3]، وقال تعالى: ﴿ إنْ تَتَّقُوا الله يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُم وَالله ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الأنفال: 29]. السابع: دوام الافتقار إلى الله: ومن زاده أن يكون دائم الذل والافتقار إلى ربه في جميع أحواله، بالدعاء والاستعانة به على كل أموره، وهذا من معالم العبودية ولبها، قال شيح الإسلام: وإذا توجه إلى الله بصدق الافتقار إليه واستغاث به مخلصا له الدين أجاب دعاءه وأزال ضرره وفتح له أبواب الرحمة فمثل هذا قد ذاق من حقيقة التوكل والدعاء لله ما لم يذقه غيره، وقال أبو حفص: أحسن ما يتوسل به العبد إلى الله: دوام الافتقار إليه على جميع الأحوال وملازمة السنة في جميع الأفعال وطلب القوت من وجه حلال. وقال سهل التستري: ليس بين العبد وبين ربه طريق أقرب إليه من الافتقار. وقال ابن القيم: وما أتي من أتي، إلا من قبل إضاعة الشكر وإهمال الافتقار والدعاء، ولا ظفر من ظفر بمشيئة الله وعونه، إلا بقيامة بالشكر وصدق الافتقار والدعاء. هذا بعض من الزاد، وأعلام الهدى والرشاد في طريق الصالحين، ذكرته على سبيل الإشارة والاختصار، ولنشرع الآن في بيان جملة أخرى من جوامع أعلام الهداية على الطريق للسائرين، وعظيم زاد المتقين المهتدين، المشتاقين إلى جنات رب العالمين، جعلنا الله من أهلها، ورزقنا إصابة الفردوس الأعلى منها، وجواره فيها.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |