|
فتاوى وأحكام منوعة قسم يعرض فتاوى وأحكام ومسائل فقهية منوعة لمجموعة من العلماء الكرام |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() النوازل وأولو الأمر عمر السنوي الخالدي إن النوازل السياسية التي تمر بها أمَّتُنا هي من النوازل الكبرى، والتي خصص الله لها أناسًا يحق لهم الكلام فيها، تشخيصًا وتخطيطًا وعلاجًا، كما قال الله تبارك وتعالى: ﴿ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [النساء: 83]. ولكن ما المراد بـ(أولي الأمر والاستنباط) الواردِ ذِكرُهم في هذه الآية؛ فإن معرفتهم من الأهمية بمكان؟ بداية فإن كلمة (الأمر) من حيث المعنى العام في قوله: ﴿ أُولِي الْأَمْرِ ﴾: تشمل كلَّ أمر وإن دخلت عليها (أل)؛ لأن الكلمة جاءت في الآية قبلُ بالتنكير: ﴿ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ ﴾ [النساء: 83]، والألف واللام جاءت معها بعدُ للعهد. وعليه، فإن قيل: إن الأمر هنا يعني: العلم، فهي إذًا تشمل كل العلوم: القرآن، والحديث، واللغة، والعقيدة، والفقه، كما تشمل علوم السياسة والواقع، والنفس والمجتمع، والتربية والأخلاق، بل تشمل أيضًا علوم الاقتصاد والحرب، والبيئة والمناخ، والطب والفيزياء والكيمياء، والحساب والهندسة ... ويصاحب كلَّ ذلك في كل فرد منهم: رجاحةُ عقل، وحسن فكر، وأن يكون ثقة عدلًا. وإن قيل: إن الأمر هنا يعني: الإمارة والسلطة، فهو إذًا يشمل - بالإضافة إلى ما سبق - أن يكونوا من أصحاب النفوذ والسلطان، أو أن يكونوا مرخَّصين من ذوي السلطة والملك؛ ولذلك يسميهم الفقهاء: أهل الحَلِّ والعقد؛ أي: مَن بأيديهم القرار، وهذا المعنى يؤيِّدُه سبب نزول الآية في أمراء سرايا الحرب؛ رواه البخاري ومسلم، وإن كان الاعتبار بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب. وأما المعنى الدقيق للآية، فيشير إلى الذين يعرفون ويُحسِنون استنباطَ الأحكام من النصوص الشرعيَّة في النوازل الكبرى، التي تتعلَّق بأمن الناس وخوفهم، وقطعًا هذا لا يتأتَّى لعالِمٍ في العلوم الشرعية ليس له علمٌ بالعلوم الأخرى، أو ليس له تعاون مع من يُوثَق بعلمهم من المتخصصين في العلوم الأخرى، فضلًا عن أن يكون له تأثير إن لم يكن من أهل القرار والقدرة. ومن هنا، فإن الفتوى في النوازل الكبرى منوطةٌ بهيئات ومؤسسات تجتمع فيها هذه الصفات، وليست بـ(أفراد)، ولا حتى (جماعات) ينقصها بعضُ ما تحتاجه النازلات. ولذلك؛ كان من جميل بلاغة القرآن: التعبير بلفظ (أولي)، وهو لفظ "لا يفرد له واحد، ولا يأتي إلا مضافًا"؛ لسان العرب: ابن منظور، وكأن القرآن يريد أن يخبرنا -في إشارة لغوية لطيفة - عن استحالة توفر هذه الإمكانيات في واحد من البشر عدا الأنبياء. وهذا الذي سبق شرحه، هو في الحقيقة ملخَّص يجمع بين أقوال وآراء السلف الصالح وأهل العلم قديمًا وحديثًا حول هذه القضية، ومع ذلك نجد من أهل العلم من أشار إلى مجموع هذه الصفات إشارةً حسنة، وبعضهم ركَّز على شيء دون شيء، وكلامُهم جدير بالإشهار والإظهار؛ ليكون الناس على بيِّنة من أمرهم. فمما يذكر من أقوالهم على سبيل المثال ما يلي: قال الزجاج في "تفسيره": "وجملة ﴿ أُولِي الْأَمْرِ ﴾ من يقوم بشأن المسلمين في أمر دينهم وجميع ما أدَّى إلى صلاحهم". وقال البغوي في "تفسيره": "﴿ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ ﴾؛ أي: ذوي الرأي". وقال ابن تيمية في "الفتاوى الكبرى" (5 /539): "الواجب أن يعتبر في أمور الجهاد برأي أهل الدين الصحيح الذين لهم خبرةٌ بما عليه أهل الدنيا دون الدين، [أما] الذين يغلب عليهم النظر في ظاهر الدين، فلا يؤخذ برأيهم". وقال الجصاص في "تفسيره": "يجوز أن يريد به الفريقين من أهل الفقه والولاة؛ لوقوع الاسم عليهم جميعًا، فإن قيل: أولو الأمر من يملك الأمر بالولاية على الناس، وليست هذه صفة أهل العلم، قيل: له إن الله تعالى لم يقل: من يملك الأمر بالولاية على الناس، وجائز أن يسمَّى الفقهاء أولي الأمر؛ لأنهم يعرفون أوامر الله ونواهيه، ويلزم غيرَهم قَبولُ قولهم فيها، فجائز أن يسموا أولي الأمر من هذا الوجه، كما قال في آية أخرى: ﴿ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾ [التوبة: 122]، فأوجب الحذر بإنذارهم، وألزم المنذَرين قبول قولهم". وقال الخازن في "تفسيره": "﴿ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ ﴾؛ يعني: ذوي العقول والرأي والبصيرة بالأمور منهم". وقال السعدي في "تفسيره": "﴿ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ ﴾: أهل الرأي والعلم والنصح والعقل والرَّزانة، الذين يعرفون الأمور، ويعرفون المصالح وضدها ... ﴿ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُم ﴾ [النساء: 83]؛ أي: يستخرجونه بفكرِهم وآرائهم السديدة، وعلومِهم الرشيدة". وجاء في "التفسير الوسيط" - لمجموعة من علماء الأزهر -: "﴿ أُولِي الْأَمْرِ ﴾: أولي الحَلِّ والعَقْد من المسلمين". وقال د. حسين آل الشيخ في محاضرة بعنوان: (الجهاد: مفهومه وضوابطه): "يجب على المسلمين من أهل العلم خاصة ألَّا يكون هناك فتاوى فردية، وأن يكون هناك تبنٍّ من ولاة الأمر من جهة، ومن العلماء الربانيِّين المختصين: بيانات واضحة جلية لشباب الأمة؛ حتى لا يكون اضطراب وفساد ... ولهذا علينا ألا ننزلق بفتاوى فردية". وأذكر هنا أيضًا كلمة مهمة لأستاذنا الشيخ فتحي الموصلي في كتابه "نازلة العراق"، قال: "النازلة لا تُرفَعُ إلا إذا كان ميدان العمل ومنطلق الإصلاح مؤسَّسًا على قاعدة التعاون والتشاور على إقامة المصالح وإماتة المفاسد". هذا؛ وصلى الله على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |