|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() وأنتم لا تعلمون أ. محمد بن سعد الفصّام لو كُشِفَ لك الغيب، لم تختر غير ما اختاره الله لك عِلمُ الإنسان في جانب الغيب عِلمٌ سطحي، يرى الآثار ولا يعلم النتائج، ويرى الظواهر ويحكُم من خلالها على البواطن، ظلوم جهول، هَلوع جَزوع، هكذا وصَفه خالقُه، إلا المؤمنَ الصادق، فله نظرة تختلف عن أي ديانة أخرى؛ إذ يعلَم أن ما قد يكون سيئًا من الممكِن أن يكون هو الخير بحذافيره، ذلك الداء المزمِن قد يكون شفاءً من حيث لا يعلم، تلك الخَسارة المالية قد تكون رصيدًا ضخمًا، ذلك الموت الذي حدَث لأحد أحبابه قد يكون في طيَّاته من الفضل ما لا يتصوَّره، فُصِل من وظيفته فجاءته الدنيا راغِمة، سُجِن خلف القضبان فامتلأ صدره راحةً، ونفْسُه طمأنينة، وكثُر مناصروه ومؤيِّدوه. كم من إنسان ما أتاه الغيث والغوث إلا بعد أن قال الناس: لقد سقَط سقطة لن يقوم بعدها، المحن قد تكون مِنحًا، واللَّفحات يعقُبها النفحات، والتاريخ كتاب عظيم دوِّنت فيه وقائع لا تعَدُّ ولا تحَدُّ مما ظاهِرُها العذاب، وباطنها الرحمة والرزق والعُلوّ. قد يُنعِمُ اللهُ بالبلوَى وإنْ عَظُمتْ ![]() ويَبتلِي اللهُ بعضَ القومِ بالنِّعَمِ ![]() لذلك أذكر لك: هبَّت عاصفة شديدة على سفينة في عرض البحر فأغرقتْها، ونجا بعض الركاب، منهم رجل أخذت الأمواج تتلاعَب به حتى أَلقت به على شاطئ جزيرة مهجورة، وعندما أفَاق الرجل من إغمائه جَثا على ركبتَيه، وطلَب من الله المعونة، وسأله أن يُنقِذه من هذا الوضع الأليم، مرَّت أيام والرجل يَقتات خلالها من ثمار الشجر وما يصطاده من أرانب، ويشرَب من جدول مياه قريب، وينام في كوخ صغير بناه من أعواد الشَّجر؛ ليحتمي فيه من برْد الليل وحرِّ النهار، وذات يوم، أخذ الرجل يتجوَّل حول كوخه قليلاً ريثما يَنضُج طعامه، وعندما عاد فوجئ بالنار وقد التهمت كل ما حولها، فأخذ يصرخ قائلاً: لم يتبقَّ لي شيء في هذه الدنيا، وأنا غريب وفي هذا المكان، والآن يحترِق الكوخُ الذي أنام فيه، لماذا كل هذه المصائب تأتي عليَّ؟! فنام الرجل من الحزن في العَراء وكوخه يحترق، ونام وهو يتضوَّر جوعًا، وفي الصباح كانت المفاجأة! إذ وجد سفينة تقترِب من الجزيرة، وينزِل منها قارب صغير لإنقاذه، أما الرجل، فعندما صعِد على سطح السفينة أخذ يَسألهم: كيف اهتدَوا إلى مكانه؟ فأجابوه: لقد رأينا دخانًا من بعيد، فعرَفنا أن شخصًا ما طلَب الإنقاذ. وأذكر لك أيضًا: كان هناك سلطان في زمن غابر، وبلاد بعيدة، وكان له جليس يجد لديه من الرأي والحكمة ما يجعله أحيانًا يأخذ برأيه فيما استَعصى عليه، ويستشيره فيما احتار فيه، فكان هذا الجليس إذا ما سُئل عن رأيه في حادث مُقلِق، يقول بثبات المؤمن وطمأنينة العارف بالله: "لعلَّه خير لك، وأنت لا تعلَم". وحدَث في يوم من الأيام أن خرَج هذا السلطان ومعه جلساؤه للصيد، وعندما أَطلَق سهمه على طريدته، فأصاب يدَه وترُ القوس، فأتلَف أُصبعَه بعد أن خرج منها دمٌ ليس بالقليل، وبينما هو جالس يُطبِّبها ويلفُّ عليها، التفَت إلى من حوله والألمُ يَعصِره التفاتةَ المستطلِع لرأيهم، وكان من بينهم الجليس الصالِح، فقال هذا الجليسُ: أيُّها السلطان، لعلَّ ذلك خير لك، وأنت كاره له. ولكن السلطان لم يرَ في هذا الحادث خيرًا، فغَضِب على هذا الحكيم، فأمَر به إلى السجن، وبقي فيه سنة كاملة. وفي يوم من الأيام خرج السلطان للصيد، وبينما هم في أثَر الصيد يُطاردونه، انفصَل كلُّ واحد منهم؛ ليَلحق بقِسم من هذا الصيد الوفير، فانفصَل السلطان عمَّن معه. وأثناء مطاردته لهذه الطريدة وابتعادِه كثيرًا عن حاشيته خلف الجبال والأشجار، خرج عليه قطَّاع طريق على غير مِلَّته، ولهم طقوس وثنيَّة، وتَمتَمات شِركيَّة، وكان من بين طقوسهم أن من أمسَكوه في هذا اليوم ضحَّوا به لآلهتهم، فما أن رأوا بالسلطان حتى حاصَروه وأمسَكوا به ليجعلوه قُربانًا لآلهتهم، فما كان من السلطان إلا أن جعل يُخبِرهم أنه السلطان وأن إطلاقه سوف يدرُّ عليهم رزقًا كثيرًا، فلم تشفع له شيئًا؛ لأن ولاءهم لآلهتهم كان أقوى من المال مهما كان قدْره. وكان لا بد لمن يُقدَّم قربانًا لآلهتهم أن يكون جسمه سليمًا من الآفات والعيوب؛ ليكون أكمل وأعظم في محبَّتهم وولائهم لآلهتهم، فلما تبيَّن لهم أن إحدى أصابعه معطوبة، وأن فيها عيبًا ليس هيِّنًا، فليس جُرحًا فيَبرأ، ولا مرضًا فيشفى، بعد ذلك أَطلَقوه مشيَّعًا باللعنات؛ لما أضاعه عليهم من الوقت في إمساكه، وإفساده فرحتَهم بما ظفِروا به. فعاد إلى بلاده بعد أيام، وأول من تذكَّر ذلك السجين، الذي قال كلمة حقٍّ فكوفئ بالسجن، فأمر بإطلاقه وإحضاره حالاً؛ لما ثبَت له من فِراسته وصدْقه الذي دفعه إليه الإيمان بربه، وأنه لا يَقضي شيئًا عبثًا؛ وإنما لحكمة، فإنْ علِمتْ كانت نورًا على نور، وإنْ جُهِلت آمِن بأنه من عند حكيم عليم، فما كان من السلطان إلا أن اعتَذر إليه عن سجنه، فما كان من الجليس إلا أن ردَّ ردَّ المُستيقِنِ البصير فقال: (لعلَّ حبْسك لي خير من عفوكَ عني). وعندها اندهَش السلطان وقال له: فهِمتُ أن قطْع إصبَعي كان لي خيرًا، ولكن كيف يكون سجنك خيرًا لك؟ قال: يا جلالة السلطان، تعلم أنني مرافِقك الخاص أينما ذهبت، فلو لم تَحبسني لربما كنت أنا الذي أمَسك به القوم وقدَّموني قربانًا، وأنا صالِح لشروطهم، فليس بي عَطَب يَمنعهم من التقرُّب بي. أعود فأقول: هذه قصة تَستأنِس بها النفوس، وتعلَم أنَّ ما قضاه الله للعبد خيرٌ كله، سواء علِم ذلك الخير أو لم يَعلَمه؛ لذا: تَجري الأمورُ على وَفْقِ القضاءِ وفي ![]() طَيِّ الحوادِثِ مَحبوبٌ ومَكرُوهُ ![]() فربما سرَّني ما كنتُ أَحذرُهُ ![]() وربما ساءَني ما بِتُّ أَرجُوهُ ![]() (في حال النقل من المادة، نأمل الإشارة إلى كتاب "ولكن سعداء.." للكاتب أ. محمد بن سعد الفصّام، والمتوفّر في مؤسسة الجريسي للتوزيع).
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |