|
ملتقى الحوارات والنقاشات العامة قسم يتناول النقاشات العامة الهادفة والبناءة ويعالج المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() حب الخير للخلق محمد بن عبد السلام الأنصاري لقد كان من مقاصد بعثة الرسل -عليهم الصلاة والسلام- إخراج الناس من الظلمات إلى النور؛ وهدايتهم ودلالتهم إلى طرق الخير والسعادة؛ وتحذيرهم من سلوك الطرق الضالة المؤدية إلى هلاكهم. وكان من مظاهر ذلك وأدل الدلائل عليه عدم طلب أي مقابل مادي تجاه تلك الدعوات الصادقة؛ أو جزاء دنيوي قلّ أو كثر جرّاء ذلك الإرشاد والتوجيه؛ وإنما أتى محض حب الخير للخلق؛ واستجابة لأمر الخالق جل وعلا في تبليغ الرسالة. فهذا سيد الخلق محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وآله وسلم- يأمره الله -عز وجل- أن يقول لقومه: (.. قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ) [الأنعام: 90]. وهذا هود -عليه السلام- يقول لقومه: (.. يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ * يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ) [هود: 50، 51]. وهذا رجل صالح يدعو قومه بأن يستجيبوا لرسلهم؛ ويبين دلالة صدقهم بأنهم لا يطلبون منهم أجراً ولا جزاء؛ كما قال تعالى: (وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [يس: 20، 21]. ومن أوصاف المتقين أنهم يقومون بالأعمال المتعدية النفع طالبين الثواب من الله وحده لا من أحد سواه؛ إذ قال تعالى عنهم: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا) [الإنسان: 8، 9]. فحب الخير للخلق من صفات صفوة الخلق من عباد الله تعالى؛ ومن سمات عباد الله الصالحين. وقد ضرب السلف الكرام من الصحابة ومن تبعهم أروع الأمثلة في حب الخير للآخرين وإيصاله إليهم بلا منّة. فهؤلاء الأنصار -رضوان الله عليهم- يفتحون بيوتهم للمهاجرين ويشاركونهم في أموالهم؛ بل وحتى وصل بحال بعضهم أنه رغب أن يترك إحدى زوجاته ويطلقها لأخيه المهاجري إن أراد ذلك؛ كما روى البخاري في صحيحه عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه-: قال: "آخى رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- بيني وبين سعدِ بنِ الرَّبيع، فقال لي سعد: إِني أكثرُ الأنصارِ مالاً، فأُقَاسِمُكَ مالي شَطْرَينِ، ولي امرأتان، فانظر أيَّتَهما شئتَ، حتى أنْزِلَ لك عنها، فإذا حَلَّتْ تزوَّجْتَها، فقلتُ: لا حاجةَ لي في ذلك، دُلُّوني على السوق، فَدَلُّوني على سوقِ بَني قَيْنُقاع، فما رُحْتُ حتى استفضلْتُ أَقِطاً وسَمْناً… وذكر الحديث"؛ ولأجل خصالهم الحميدة وحبهم الخير لإخوانهم أثنى الله عليهم بقوله: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [الحشر: 9] وهذا عمر -رضي الله عنه- كان يسأل الرجل فيقول: كيف أنت؟ فإن حمد الله, قال عمر: "هذا الذي أردت منك" رواه البخاري في الأدب المفرد. وروى الطبراني في معجمه الكبير (9/ 131) عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيِّ، قَالَ: شَتَمَ رَجُلٌ ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "إِنَّكَ لَتَشْتُمُنِي، وَفِيَّ ثَلاثُ خِصَالٍ: إِنِّي لآتِي عَلَى الآيَةِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، فَلَوَدِدْتُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَعْلَمُونَ مِنْهَا مَا أَعْلَمُ مِنْهَا، وَإِنِّي لأَسْمَعُ بِالْحَاكِمِ مِنْ حُكَّامِ الْمُسْلِمِينَ يَعْدِلُ فِي حُكْمِهِ فَأَفْرَحُ بِهِ، وَلِعَلِّي لا أُقاضِي إِلَيْهِ أَبَدًا، وَإِنِّي لأَسْمَعُ بِالْغَيْثِ قَدْ أَصَابَ الْبَلَدَ مِنْ بِلادِ الْمُسْلِمِينَ فَأَفْرَحُ، وَمَا لِي بِهِ مِنِ سَائِمَةٍ". وكانَ إبراهيمُ النخعيُّ -رحمهُ اللهُ تعالى- أعور العينِ، وكانَ تلميذهُ سليمانُ بنُ مهرانٍ أعمشَ العينِ (ضعيف البصرِ)، وقد روى عنهما ابنُ الجوزيّ في كتابه المنتظم أنهما سارا في أحد طرقات الكوفة يريدان المسجد وبينما هما يسيران في الطريقِ, قالَ الإمامُ النخعيُّ: يا سليمان! هل لكَ أن تأخذ طريقا وآخذ آخر؟ فإني أخشى إن مررنا سوياً بسفهائها، لَيقولونَ أعور ويقودُ أعمش! فيغتابوننا فيأثمون، فقالَ الأعمش: "يا أبا عمران! وما عليك في أن نؤجرَ ويأثمون؟! فقال إبراهيم النخعي: يا سبحان الله! بل نَسْلمُ ويَسْلمون خير من أن نؤجر ويأثمون". وروى أبو نعيم في الحلية (9/119) عن الإمام الشافعي -رحمه الله- أنه قال: "وددتُ أنَّ النَّاسَ تعلَّموا هذا العلمَ، ولم يُنْسَبْ إليَّ منه شيء". وذكر الحافظ ابن رجب عن عتبةُ الغلامُ أنه إذا أراد أنْ يُفطر يقول لبعض إخوانه المطَّلِعين على أعماله: "أَخرِج إليَّ ماءً أو تمراتٍ أُفطر عليها؛ ليكونَ لك مثلُ أجري". فيا من أراد بحبوحة الجنة ومرافقة الصالحين من عباد الله المرسلين وأولياءه المتقين تحلّ بهذه المنقبة العظيمة والخصلة الحميدة؛ لتنال الفوز العظيم والسعادة الأبدية.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |