من موانع محبة الله عبدا (الاعتداء/ العدوان) - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         كتاب الصيام والحج من الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 59 - عددالزوار : 81 )           »          حدث في مثل هذا اليوم ميلادي ... (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 5039 - عددالزوار : 2194055 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4622 - عددالزوار : 1474985 )           »          تطبيق خرائط جوجل وسيلة لـ"اللصوص" لتنفيذ جرائمهم.. اعرف التفاصيل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          هل يتجسس هاتفك عليك؟.. اختبار بسيط هيقولك الحقيقة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          جوجل تطلق نسخه تجريبية من Google Drive لمستخدمى ويندوز 11 (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 26 )           »          الذكاء الاصطناعي واستخدام البيانات الضخمة.. مستقبل التعليم في عصر التكنولوجيا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 37 )           »          كل ماتريد معرفته عن تطبيق Android Switch لمستخدمي iOS (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »          تطبيق Google Maps لنظام iOS يحصل على تغيير جديد في التصميم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »          ليه بطارية الموبايل بتضعف بعد فترة من الاستخدام؟ دليلك الكامل لحمايتها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > ملتقى الحوارات والنقاشات العامة
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الحوارات والنقاشات العامة قسم يتناول النقاشات العامة الهادفة والبناءة ويعالج المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 02-09-2020, 02:41 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,687
الدولة : Egypt
افتراضي من موانع محبة الله عبدا (الاعتداء/ العدوان)

من موانع محبة الله عبدا (الاعتداء/ العدوان)
محمد محمود صقر





حول معنى الاعتداء:
"الاعتداء" مصدر الفعل الخماسي "اعتدى" المتعدي بعلى وعن، يقال اعتدى عليه: ظلمه. واعتدى الحق جاوزه؛ فهنا يأتي لازمًا. ويقال: اعتدى عن الحق، وفوق الحق. وأصل اعتدى "عدا" عدْوًا وعُدُوًّا وتعداءً وعُدوانًا؛ أي جرى، وهو لازم. وأما عدا عليه عدوا وعدوًّا وعداءً وعِدوانا - بكسر العين وضمها - فبمعنى: ظلمه، وبمعنى جاوز الحد. وعدا اللص على الشيء: سرقه، وعدا عليه: وثب، وعدا الأمر: صرفه وشغله وجاوزه، وكذا عدا عنه: جاوزه. وعدى بمعنى خاصم[1].

واعتدى أي جاوز حده، بمعنى حقه أو ملكه، إلى حق وملك غيره، سواء كان الله سبحانه.. قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ ﴾ (البقرة: 229)، وأعظم الحدود حدود الله تعالى؛ لأنها فضلاً عن كونها حدودَ وحقوقَ الله تعالى العلي الكبير، فإنها قد تتضمن حدود وحقوق عباده، كما قد يكون صاحب الحق مؤمنًا أو كافرًا من الناس، والكل ممنوع الاعتداء عليه في نفسه وماله وعرضه.. إلخ؛ إلا بالحق.

والاعتداء - بهذا المعنى - مثل الظلم؛ وبهذا يكون ضد الاعتدال والعدل والحق؛ وهذه الفضائل الثلاث هي الحد الفاصل بين الإفراط والتفريط في الدين، وقد اعتبرها الإسلام من مبادئه التي أكثر من التأكيد عليها في كل مناسبة دعت إلى ذلك في الأصلين العظيمين القرآن والسنة.

أولاً: الاعتداء بمعنى قتال من لم يجب قتاله:
قال تعالى: ﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنْ الْقَتْلِ وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ * فَإِنْ انتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ للهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ ﴾ (البقرة:190-193).

قال السعدي:
هذه الآيات تتضمن الأمر بالقتال في سبيل الله، وهذا كان بعد الهجرة إلى المدينة؛ لمّا قَوِي المسلمون للقتال أمرهم الله به، بعدما كانوا مأمورين بكف أيديهم. ﴿ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ ﴾؛ أي الذين هم مستعدون لقتالكم؛ وهم المكلَّفون الرجال، غير الشيوخ الذين لا رأي لهم ولا قتال. والنهي عن الاعتداء يشمل أنواع الاعتداء كلها؛ من قتل من لا يقاتل من النساء والمجانين والأطفال والرهبان ونحوِهم، والتمثيل بالقتلى، وقتل الحيوانات، وقطع الأشجار ونحوها لغير مصلحة تعود للمسلمين. ومن الاعتداء مقاتلة من تقبل منهم الجزية إذا بذلوها؛ فإن ذلك لا يجوز[2]. وقال: ﴿ فَلا عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ ﴾؛ أي فليس عليهم منكم اعتداء، إلا من ظلم منهم؛ فإنه يستحق المعاقبة بقدر ظلمه[3].

وقال الصابوني: وكان هذا - أي عدم الاعتداء - في بدء الدعوة، ثم نسخ بآية براءة ﴿ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً ﴾ (التوبة: 36)، وقيل نسخ بالآية التي بعدها، وهي قوله ﴿ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ ﴾[4].

وقال ابن كثير:
قال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله تعالى: ﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ ﴾ قال: هذه أول آية نزلت في القتال بالمدينة فلما نزلت كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقاتل من قاتله ويكفّ عمن كف عنه حتى نزلت سورة براءة، وكذا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم حتى قال: منسوخة بقوله ﴿ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ﴾ (التوبة: 5)، وفي هذا نظر؛ لأن قوله ﴿ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ ﴾ إنما هو تهييج وإغراء بالأعداء الذين همتهم قتال الإسلام وأهله؛ أي كما يقاتلونكم فاقتلوهم أنتم، كما قال (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً)؛ ولهذا قال في هذه الآية ﴿ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ ﴾؛ أي لتكون همتكم منبعثة على قتالهم كما أن همتهم منبعثة على قتالكم وعلى إخراجهم من بلادهم التي أخرجوكم منها قصاصًا. وقوله ﴿ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾؛ أي قاتلوا في سبيل الله لا تعتدوا في ذلك، ويدخل في ذلك ارتكاب المناهي، كما قال الحسن البصري: من المثلة والغلول وقتل النساء والصبيان والشيوخ الذين لا رأي لهم ولا قتال فيهم، والرهبان وأصحاب الصوامع، وتحريق الأشجار، وقتل الحيوان لغير مصلحة، كما قال ذلك ابن عباس وعمر بن عبد العزيز ومقاتل بن حيان وغيرهم؛ ولهذا جاء في صحيح مسلم عن بريدة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كان يقول: "اغزوا في سبيل الله.. قاتلوا من كفر بالله.. اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا الوليد ولا أصحاب الصوامع"[5].

وهكذا نلحظ التضارب الواضح بين المفسرين في حكم هذه الآية والعمل بها، وهذا التضارب يدخل في إطار القضيّة برمّتها؛ أعني فهم المسلمين لفريضة الجهاد؛ التي قلنا ونقلنا أن فهم المسلمين لها ينتابه القصور والاضطراب.

أما بخصوص الجزئيّة التي معنا الآن، وهي من يجب قتاله ومن لا يجب، فإننا مع الرأي المنقول عن ابن عباس وعمر بن عبد العزيز ومقاتل بن حيان والحسن البصري والذي رجحه ابن كثير.

وقد بلور هذا الرأي الشيخ سيد سابق في كتابه "فقه السنة" فقال: وقد تضمنت هذه الآيات - يشير إلى الآيات (190-193) من سورة البقرة - ما يأتي:
1- الأمر بقتال الذين يبدؤون بالعدوان ومقاتلة المعتدين؛ بكف عدوانهم. والمقاتلة دفاعًا عن النفس أمر مشروع في كل الشرائع، وفي جميع المذاهب، وهذا واضح من قوله تعالى: ﴿ وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ ﴾.

2- أما الذين لا يبدؤون بعدوان فإنه لا يجوز قتالهم؛ لأن الله نهى عن الاعتداء، وحرم البغي والظلم في قوله تعالى: ﴿وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾.

3- وتعليل النهي عن العدوان بأن الله لا يحب المعتدين دليل على أن هذا النهي محكم غير قابل للنسخ؛ لأن هذا إخبار بعدم محبة الله للاعتداء، والإخبار لا يدخله النسخ لأن الاعتداء هو الظلم والله لا يحب الظلم أبدا.

4- أن لهذه الحرب المشروعة غايةً تنتهي إليها، وهي منع فتنة المؤمنين والمؤمنات، بترك إيذائهم، وترك حرياتهم ليمارسوا عبادة الله ويقيموا دينه، وهم آمنون على أنفسهم من كل عدوان[6].

كما لخص الشيخ مسوغات الحرب في الإسلام في حالين هما:
الحال الأولى: حال الدفاع عن النفس، والعرض، والمال، والوطن عند الاعتداء.

الحال الثانية: حال الدفاع عن الدعوة إلى الله إذا وقف أحد في سبيلها بتعذيب من آمن بها، أو بصد من أراد الدخول فيها، أو بمنع الداعي من تبليغها.

وقد استدل على هذا القول بآية البقرة التي معنا، وبقوله تعالى: ﴿ وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً ﴾ (النساء: 75)، وبآياتٍ أخر وأحاديث، وبأدلة مستنبطة من الآيات والأحاديث في عمومها[7].

[قلت]: إن مما يؤكد على منع الاعتداء أمرين: الأول: أن قوله تعالى: ﴿ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً ﴾ معلل بقوله سبحانه: ﴿ كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ﴾؛ فإن لم يقاتلوا ابتداءً فلا يجوز الاعتداء عليهم؛ إلا أن يصدوا عن سبيل الله بأن يعذِّبوا المؤمنين، أو يخرجوهم من ديارهم، أو يمنعوا الدعاة من الدعوة إلى دين الله، أو يمنعوا غير المسلمين من الدخول في دين الله.. إلخ، وهذا كلّه من المقاتلة. كما يجوز أن تكون ﴿ كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ﴾ للتوبيخ لا للتعليل، كما قال تعالى: ﴿ أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾ (التوبة: 13)؛ لكن الأول أظهر في الآية التي معنا، والله أعلم.

الثاني: أن سبب نزول آية براءة التي قيل إنها ناسخة للآية التي نتحدث عنها هو أن المشركين بالفعل كانوا قد تجمعوا ضد المسلمين، ورموهم عن قوسٍ واحدة، وتواطئوا عليهم جميعا في غزوة الأحزاب (الخندق)، كما قاله بعض المفسرين. ولا يصح هنا العمل بقاعدة "العبرة بعموم النص لا بخصوص السبب"؛ لأن السبب (الخاص) مثال يقاس عليه مثله، وهذا هو التعميم المناسب، وليس قتل غير المعتدين من التعميم في شيء، والله أعلم.

غير أن القول يحتاج إلى أن يتناول في إطار بحث عامٍّ حول فريضة الجهاد.. يشمل جميع ما يتعلق به، وليس هذا موضعه.

والخلاصة:
أن الاعتداء على عموم الناس ممن لا يجوز الاعتداء عليهم وهم غير المقاتلين للمسلمين ولا منتهكي الأعراض ولا قاطعي الطريق ولا الصادّين عن الدعوة الإسلامية، يمنع من محبة الله فاعلَه، وهو ما سبق أن قررناه في آيتين سابقتين، والله أعلم.

ثانيًا: الاعتداء على حق الله تعالى في الدعاء:
يقول تعالى: ﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾ (الأعراف: 55). وفي حديث سعد - رضى الله عنه - لما سمع ابنه - أو لما وجد ابنه - يدعو وهو يقول: اللهم إني أسألك الجنة ونعيمها وبهجتها وكذا وكذا، وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها وكذا وكذا، قال: يا بني إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "سيكون قوم يعتدون في الدعاء" فإيّاك أن تكون منهم، إنك إن أعطيت الجنة أعطيتها وما فيها من الخير، وإن أعذت من النار أعذت منها وما فيها من الشر[8].

قال شارح الطحاوية:
قال تعالى: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ (غافر:60)، ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾ (البقرة:186)، والذي عليه أكثر الخلق من المسلمين وسائر أهل الملل وغيرهم أن الدعاء من أقوى الأسباب في جلب المنافع ودفع المضارّ، وقد أخبر تعالى عن الكفار أنهم إذا مسّهم الضُّرُّ في البحر دعوا الله مخلصين له الدين، وأن الإنسان إذا مسه الضر دعاه لجنبه أو قاعدًا أو قائمًا. وإجابة الله لدعاء العبد مسلمًا كان أو كافرًا، وإعطاؤه سؤلَه من جنس رزقه لهم، ونصره لهم، وهو ما توجبه الربوبيّة للعبد مطلقًا[9]، ثم قد يكون ذلك فتنةً في حقه ومضرة عليه؛ إذ كان كفره وفسوقه يقتضي ذلك. وفي سنن ابن ماجه من حديث أبي هريرة -رضى الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "من لم يسأل الله يغضب عليه"[10].

وقد نظم بعضهم هذا فقال:
الرب يغضب إن تركت سؤالَه
وبُنَيُّ آدم حين يُسألُ يغضبُ



قال ابن عقيل:
قد ندب الله تعالى إلى الدعاء، وفي ذلك معانٍ:
أحدهما: الوجود؛ فإن من ليس بموجود لا يُدعى.
الثاني: الغنى؛ فإن الفقير لا يدعى.
الثالث: السمع؛ فإن الأصم لا يدعى.
الرابع: الكرم؛ فإن البخيل لا يدعى.
الخامس: الرحمة؛ فإن القاسي لا يدعى.
السادس: القدرة؛ فإن العاجز لا يدعى.

ومن يقول بالطبائع[11] يعلم أن النار لا يقال لها: كُفِّي، ولا النجم يقال له: أصلح مزاجي؛ لأن هذه عندهم مؤثرة طبعًا لا اختيارًا، فشرع الدعاء وصلاة الاستسقاء ليُبيِّن كذب أهل الطبائع[12].

ثم إن الدعاء متداخل مع العبادة؛ التي هي الحكمة من خلق الجن والإنس، جدّ التداخل؛ حتى ليكونان بمعنى واحدٍ أحيانًا؛ إذ الدعاء اسم يجمع العبادة والاستعانة، وقد فسر قوله ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ (غافر:60) بالدعاء الذي هو العبادة، والدعاء الذي هو الطلب. وقوله بعد ذلك: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي ﴾ (غافر: 60) يؤيد المعنى الأول[13].

وقال الإمام الطحاوي - رحمه الله تعالى - في عقيدته:
ولا غنى عن الله تعالى طرفةَ عين، ومن استغنى عن الله طرفةَ عين فقد كفر وصار من أهل الحَين.. قال الشارح: والحين -بالفتح-: الهلاك [14].

وقال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان - معلِّقًا على هذا الكلام -:
من زعم أنه في غنى عن الله، وأنه مستغنٍ عن الله؛ فقد كفر وخرج من الملة، فالواجب على العبد أن يُظهر لله ضعفَه، ولا يعجبَه ما هو فيه من القوة والصحة والغنى؛ لأن الأمور بيد الله - عز وجل -؛ فلا يمكن الاستغناء عن الله - عز وجل -[15].

فهذا ملخّص عن الدعاء، وهو باب كبير في الدِّين وخطير.. ينبغي ألا يُغفلَه المسلم؛ بل هو عندي أيسر الطرق لجلب المنافع ودفع المضارّ، وهو أيضًا أجدى الوسائل لذلك؛ لكنه يحتاج أحيانًا إلى الأخذ بالسبب، وفي حالات كالاضطرار ووقوع الظلم لا يحتاج لشيء؛ بل الله تعالى يجيب المضطر إذا دعاه ودعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب.

أما عن آية الأعراف التي معنا فيمكن تقسيمها قسمين:
القسم الأول: قوله تعالى ﴿ ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً ﴾، وفيه ثلاثة مندوبات قد ترقى أحيانًا إلى الفرض:
المندوب الأول: أن يكون من الإنسان دعاءٌ لربه.. دعاء عبادة ودعاء مسألة؛ فالدعاء دعاءان؛ دعاء لمجرد أن الله موجود وأن العبد لابد أن يسأله حتى ولو لم تكن ثمة أشياء يطلب جلبها أو دفعها، ودعاء إذا أراد هذا أو ذاك؛ لأن الله وحده القادر عليهما.

والثاني: أن يكون الدعاء تضرُّعًا؛ أي إلحاحًا في المسألة، ودأبًا في العبادة.

والثالث: أن يكون الدعاء خُفية؛ أي ليس جهرًا ولا علانية؛ لئلا يكون رياءً أو يخشى منه الرياء، ولكي يكون بإخلاص.

القسم الثاني: قوله تعالى: ﴿ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ﴾؛ أي لا يحب المتجاوزين للحد في كل الأمور، ومن الاعتداء كون العبد يسأل الله مسائل لا تصلح، أو ينقطع في السؤال، أو يبالغ في رفع صوته بالدعاء؛ فكل هذا داخل في الاعتداء المنهي عنه[16].

فالاعتداء في الدعاء يشمل أمورًا:
1- الدعاء بما لا يجوز؛ كقطيعة الرحم، والدعاء بالإثم.. قال - صلى الله عليه وسلم -: "ما من رجل يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه بها إحدى ثلاث خصال.."[17].

2- أن ينقطع عن السؤال.. قال - صلى الله عليه وسلم -: "من لم يسأل الله يغضب عليه"[18].

3- المبالغة في رفع الصوت بالدعاء.. قال - صلى الله عليه وسلم -: "يأيها الناس أربِعوا على أنفسكم -أي ارفقوا عليها ولا تتشددوا- فإنكم لا تدعون أصمّ ولا غائبًا، إنما تدعون سميعًا بصيرًا، إن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته"[19].

4- الدعاء على الأنفس والأولاد والأموال.. قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أولادكم ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاءً فيستجيب لكم"[20].

5- تعجّل الإجابة.. قال - صلى الله عليه وسلم -: "يستجاب لأحدكم ما لم يعجّل.. يقول دعوت ولم يستجب لي"[21].

6- عدم العزم في الدعاء.. قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يقولن أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت، ليعزم في الدعاء، فإن الله صانع ما شاء لا مكره له"[22].

7- الدعاء بتعجيل العقوبة في الدنيا؛ فعن أنسٍ -رضى الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عاد رجلاً من المسلمين قد خفَتَ فصار مثل الفرخ؛ فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هل كنت تدعو بشيءٍ أو تسأله إيّاه؟" قال: نعم، كنت أقول: اللهم ما كنتَ معاقبي به في الآخرة فعجِّله لي في الدنيا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "سبحان الله! لا تطيقُه (أو: لا تستطيعُه)، أفلا قلت: اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار"؟ قال: فدعا اللهَ له فشفاه[23].

8- الدعاء بالموت على نفسه.. قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يتمنَّ أحدكم الموت، ولا يدعُ به من قبل أن يأتيه؛ إنه إذا مات أحدكم انقطع عمله، وإنه لا يزيد المؤمنَ عمرُه إلا خيرًا"[24].

9- أن يتشدق في الدعاء ويتفيهق، كما في حديث سعد -رضى الله عنه - لابنه حينما سمعه يدعو بتلك التفاصيل التي نهاه عنها.

10- الدعاء في الشدة وترك الدعاء في الرخاء، أو الدعاء في الرخاء وتركه في الشدة.. قال تعالى: ﴿ وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ (يونس: 12)، وقال تعالى: ﴿ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾ (الحج: 11)، والآيات في ذلك كثيرة.

11- وهذا هو أخطرها وأكثرها عدوانا؛ بل هو كفر بالله العظيم؛ ألا وهو دعاء غير الله تعالى.. قال تعالى: ﴿ هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَمَّا جَاءَنِي الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ (غافر: 65-66).

فهذه أحد عشر أمرًا قابلة للزيادة لا تجوز في الدعاء، وكل أمر نهى النبي - صلى الله عليه وسلم- عن الدعاء به، أو طريقة نهى عن الدعاء من خلالها، أو شيء من هذا القبيل فهو عدوان في الدعاء.

فهذه الأمور المنهي عنها في الدعاء تتراوح بين الكفر والكراهة، وجميعها تفقد الدعاء وظيفته وهي تحقيق المطلوب منه، أو أنه إذا أجيب لم يكن ذلك خيرًا بل شرًّا على الداعي؛ فيجب تجنبها والاقتصار على المشروع خشية الخطأ، الذي - والعياذ بالله - قد يجلب الضرر.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 136.07 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 134.35 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.26%)]