|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() شرح حائية ابن أبي داود(1) د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري شرح حائية ابن أبي داود (الدرس الأول) الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وبعد: فهذا إملاءٌ لطيفٌ على حائية ابن أبي داود في عقيدة أهل الأثر، كان بدؤه ليلة الأربعاء لخمس بقين من شهر شوال من عام ألف وأربعمائة واثنين وعشرين للهجرة بمسجد صالح بن أحمد بالقرن، واللهَ نسأل التمام والسداد. وفي مقـدمة هذا الشـرح لنا مقدمتان: المقدمة الأولى: مقـدمة في هذا العلم: وفيها خمس قضـايا: الأولى: حدّه: العقيدة لغًة: مأخوذة من العقد، وهو الشد والربط، وضده الحل. واصطلاحاً: هي حكم الذهن الجازم؛ فإن وافق الحق فصحيح، وإن خالفه فباطل. الثانية: اسمه: جاء في الكتاب والسنة باسم الإيمان، وجاء عند السلف باسم التوحيد، والسنة، والاعتقاد، والعقيدة، والفقه الأكبر. • ومن التسميات الباطلة: " علم الكلام "، أو " الفكر" أو" التصور الإسلامي ". الثالثة: شرفه: 1- شرف العلم من شرف المعلوم، وهذا العلم يتحدّث عن معرفة الله ونبيه صلى الله عليه وسلم والمعاد. 2- أن نعلم أنه لا عز للأمة إلا بتوحيد الكلمة على كلمة التوحيد. الرابعة: موضوعه: تُذكر فيه أركان الإيمان الستة، وقضايا المنهج، ومسائل الأخلاق. الخامسة: مسائله: قال ابن عيينة رحمه الله: " والسنة عندنا عشرٌ من استكملها فقد استكمل السنة، ومن ترك منها شيئاً فقد ترك السنة: إثبات القدر، تقديم أبي بكر وعمر، والحوض، والشفاعة، والميزان، والصراط، والإيمان قول وعمل، والقرآن كلام الله، وعذاب القبر، والبعث يوم القيامة، ولا يقطعوا على مسلم بالشهادة على مسلم "، أخرجه اللالكائي. المقدمة الثانية: مقدمة في هذا المتن: • اسمه: حائية ابن أبي داود. • ناظمه: الإمام أبو بكر عبد الله بن الإمام أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني صاحب السنن رحمه الله ولد سنة 230هـ، توفي سنة 316هـ، وعمره 86 سنة، ومن تلامذته: الآجري وابن بطة وابن شاهين، وحدث عنه ابن حبان والدارقطني وغيرهم، صلت عليه ثمانون جماعة، قدروا بـ 300 ألف. • نسبته: قال الذهبي رحمه الله: " وهذه القصيدة متواترة عنه، ذكرها الآجري وأبو عبد الله بن بطة ". • أهميته: قال رحمه الله: هذه عقيدتي، وعقيدة أبي، وقول مشايخنا، وقول العلماء ممن لم نرهم ولكن بلغنا خبرهم؛ فمن افترى غير ذلك فقد كذب. • مواضيعه: ذكرت هذه المنظومة أربعة عشر موضوعاً فيما عدّه بعضهم، ولم تذكر مسألة العلو والاستواء، وبعض الغيبيات؛ كالصراط والحساب. • مصادره: ذُكر هذا النظم في شرح السنة لابن شاهين، وفي سير أعلام النبلاء والعلو وكلاهما للذهبي، وفي طبقات الحنابلة والمنهج الأحمد. • عدد أبياته: المشهور أنها ثلاثة وثلاثون بيتاً، وقد زاد ابن البناء الحنبلي أربعة أبيات، وأوصلها ابن شاهين في شرح السنة إلى أربعين بيتاً. • وزنه: هي من بحر الطويل. • شروحاته: شرحها الآجري وابن البناء الحنبلي كما ذكر الذهبي، والسفاريني (وهو مطبوع) وغيرهم. • طريقتنا في هذا الشرح: • أن نبين ألفاظ النظم. • ثم نبين أصول المسائل التي ذكرها المصنف، مع إشارة لخلاف الفرق الضالة. ♦♦♦ الدرس الأول تمهـيد: لم تُذكر البسملة في بداية هذا النظم، وذلك لأنه نُقل من ترجمة هذا الإمام في كتب التراجم، قال السفاريني رحمه الله: " وليس من عادة المترجمين أن يذكروا البسملة قبل منظومات العلماء الذين يترجمون لهم ". تمسك بحبل الله واتبع الهدى ♦♦♦ ولا تك بدعياً لعلك تفلحُ قوله رحمه الله " تمسك ": أمر من التمسك، وهو الاعتصام؛ كما ذكر ذلك الفيومي في المصباح المنير. قوله " بحبل الله": أي بالقرآن الكريم؛ كما جاء في أحد قولي المفسرين عند قوله تعالى ![]() قوله " واتبع ": الاتباع هو الاقتداء في الفعل وفي القصد. قوله " الهدى ": قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " الهدى بيان ما ينتفع به الناس ويحتاجون إليه، وهو ضد الضلالة ". • وقسمه ابن القيم في بدائع الفوائد إلى أربعة أقسام: الأول: هداية عامة مشتركة بين الخلق. الثاني: هداية دلالة وإرشاد. الثالث: هداية إلهام وتوفيق. الرابع: غاية هذه الهداية، وهي الهداية إلى الجنة أو النار. قوله " ولا تك بدعياً ": البدعة في اللغة: الاختراع على غير مثال سابق. وفي الاصطلاح: هي الطريق المخترعة في الدين التي تضاهي الشريعة ويقصد بها ما يُقصد بالطريقة الشرعية؛ كما عرفها الشاطبي رحمه الله. • وقد تكون بدعة اعتقادية أو عملية أو لفظية أو مركبة. • وأشهر البدع الاعتقادية: بدعة الخوارج والقدرية والرافضة والجهمية. قوله " لعلك تفلح ": قال ابن سعدي رحمه الله: الفلاح هو الفوز والظفر بكل مطلوب ومرغوب، والنجاة من كل مرهوب؛ فحقيقته السعادة الأبدية والنعيم المقيم. قال رحمه الله: ودن بكتاب الله والسنن التي ♦♦♦ أتت عن رسول الله تنجو وتربحُ قوله " ودن ": أمر من دان يدين، أي تعبد بما جاء في الكتاب والسنة، وأصل هذه المادة: الذل والانقياد؛ كما ذكر ابن فارس. • والدين ثلاثة: دين مشروع ودين منسوخ ودين مبدل. قوله " بكتاب الله ": أي بالقرآن، ووصفه بالكتاب؛ لأنه مكتوب، وبالقرآن لأنه مقروء. قوله " والسنن ": جمع سنة، وهي الطريقة، وفي الاصطلاح: ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قولاً أو فعلاً أو تقريراً أو تركاً، وهي قسمان: • سنة متواترة، وسنة آحادية. قوله " أتت عن رسول الله ": الرسول: هو رجل من بني آدم من أهل القرى، أوحي إليه بشرع جديد، وخالفه فيه قومه. قوله " تنجو وتربح ": أي تنجو من العذاب وتربح النعيم. قاعدة هذا الباب: هذا المقطع في ذكر مصدر أهل السنة والجماعة في التلقي لعقائدهم وأحكامهم، ومصادر الناس في الاستدلال ثلاثة: الأولى: الذوق والكشف والهواتف الإلهية، وهذه طريقة أهل التصوف والرفض. الثانية: العقل والمنطق، وهذه طريقة أهل الكلام. الثالثة: التسليم للكتاب والسنة، وهذه طريقة أهل السنة والجماعة، قال الإمام أحمد رحمه الله: ما ارتدى أحدٌ بالكلام فأفلح.
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() شرح حائية ابن أبي داود(2) د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري (الدرس الثاني) وقل غيرُ مخلوقٍ كلامُ مَليكنا ♦♦♦ بذلك دانَ الأتقياءُ وأَفصحوا قوله رحمه الله: "وقل غير مخلوق": الخلق هو الإبداع والبرء، وهو إيجاد الشيء من عدم، والمخلوق إما أن يكون عيناً قائمة بذاتها أو صفة قائمة بمخلوق، وكلام الله صفته سبحانه، منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، وقد زعمت الجهمية والمعتزلة أن القرآن مخلوق. قوله "كلام مليكنا": الكلام: هو اللفظ والمعنى، والمليك هو المتصرف في كل شيء بقوله وفعله، وإضافة الكلام إلى الله إضافة صفة لموصوف؛ فالقرآن صفة ذاتية وفعلية لله، فهو قديم النوع حادث الآحاد، وزعمت الأشاعرة أن القرآن عبارة عن كلام الله، وليس هو كلامه على الحقيقة. قوله "بذلك دان": أي تعبد وأطاع. قوله " الأتقياء ": قال شيخ الإسلام رحمه الله: التقوى تجمع فعل ما أمر الله به إيجاباً أو استحباباً، وترك ما نهى الله عنه تحريماً وتنزيهاً، وتجمع بين حقوق الله وحقوق العباد. قوله " وأفصحوا ": ذكر اللالكائي رحمه الله خمسمائة وخمسين نفساً من سلفنا الصالح ممن تعبد الله تعالى بأن القرآن غير مخلوق. ولا تكُ في القرآن بالوقف قائلاً ♦♦♦ كما قال أتباع لجهمٍ وصـححوا قوله " ولا تك في القرآن ": القرآن كلام الله حروفه ومعانيه، وزعمت المعتزلة: أن القرآن حروفه من الله دون معانيه، وزعمت الأشاعرة: أن معانيه من الله دون حروفه. قوله " بالوقف قائلاً ": الوقف أنه لا نقول: القرآن مخلوق أو غير مخلوق. • والواقفة قسمان: الأول: واقفة شاكة؛ وهؤلاء كفرهم أكثر السلف. الثاني: واقفة متورعة أو جاهلة؛ وهذه بدّعها أكثر السلف. قوله " كما قال أتباع لجهمٍ ": أي بعض أتباعه، والجهمية ثلاث فرق: الأولى: قالت القرآن مخلوق. الثانية: توقفت. الثالثة: قالت ألفاظنا بالقرآن مخلوقة. قوله " لجهمٍ ": هو جهم بن صفوان أبو محرز السمرقندي رأس الجهمية. قوله " وصححوا ": أي صححوا القول بهذا، وفي نسخة:" واسمحوا " أي تساهلوا، وفي نسخة:" واسجحوا " أي لانوا بهذا القول وطابت به نفوسهم. ولا تقل القرآن خلقٌ قرأته ♦♦♦ فإن كلام الله باللفظ يوضحُ قوله " ولا تقل القرآن خلق قرأته ": في نسخة: " قراءته "، وفي نسخة: " قراءةً"، وفي نسخة رابعة: " قرآنه "، والمعنى لا تقل: لفظي بالقرآن مخلوق؛ لأن اللفظ قد يراد به المصدر وهو فعل العبد، وهذا مخلوق، وقد يراد به المفعول؛ أي الملفوظ وهو القرآن، وهذا غير مخلوق، وفي هذا البيت بيانٌ لموقف أهل السنة والجماعة من الألفاظ المجملة. قوله " فإن ": في نسخة: لأن. قوله " كلام الله ": عقيدة أهل السنة والجماعة أن الله يتكلم بكلام حقيقي، متى شاء، وكيف شاء، وبما شاء، بحرف وصوت مسموع، لا يماثل أصوات المخلوقين. قوله " باللفظ يوضح ": أي يبرز ويظهر ويبين. أصل الخلاف في هذا الباب: وأصل الخلاف في الباب أن المتكلم هو من اتصف بالكلام وفعل الكلام؛ أي تكلم بمشيئته وقدرته، أما المعتزلة فزعمت أن المتكلم هو من فعل الكلام في غيره، وأما الأشاعرة فزعمت أن المتكلم هو من اتصف بالكلام النفسي.
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]() شرح حائية ابن أبي داود(3) د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري (الدرس الثالث) وقل: يتجلى الله للخلق جهرة ♦♦♦ كما البدر لا يخفى وربك أوضحُ قوله رحمه الله "وقل": أي أية السني الأثري المتبع للكتاب والسنة على فهم السلف. قوله "يتجلى الله": أي يظهر لقوله تعالى: ﴿ فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ ﴾ [الأعراف: 143]، وفي صحيح مسلم قال عليه الصلاة والسلام: " يتجلى لهم يضحك ". قوله "للخلق": تجلي الله لعباده على نوعين: الأول: للمؤمنين فقط، وذلك في جنات النعيم. الثاني: لعموم الخلق، للمؤمن والمنافق والكافر، وذلك في عرصات القيامة، قيل: يتجلى للمؤمنين، وقيل: يتجلى للمؤمنين والمنافقين. قوله " جهرة ": أي بلا حجاب ولا ساتر، وهو معنى قوله تعالى: ﴿ أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً ﴾ [النساء: 153]، وفي الصحيح: " إنكم سترون ربكم عياناً " أي بالعينين، قال تعالى: ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾ [القيامة: 22، 23]؛ فأضاف النظر إلى الوجه وعدّاه بإلى دليلٌ على أنه نظرٌ بالأبصار. قوله " كما البدر ": الميم زائدة، والبدر القمر ليلة أربع عشرة، والمراد تشبيه الرؤية بالرؤية لا المرئي بالمرئي. قوله " لا يخفى ": كما جاء في الحديث: " لا تضامون في رؤيته"، ومعناها على تشديد الميم لا ينضم بعضكم لبعضكم؛ كما تفعلون في رؤية الخفي من الأشياء، وعلى رواية فتح الميم أي لا يقع ضيمٌ ولا حيفٌ على أحدٍ عند رؤيته لله. قوله " وربك أوضح ": أي أوضح من القمر؛ فالقمر بعض مخلوقاته. وليس بمولودٍ وليس بوالدٍ ♦♦♦ وليس له شبهٌ تعالى المسبحُ قوله " وليس بمولود وليس بوالد وليس له شبه ": أي تعالى الله عن الأصول والفروع والنظراء؛ كما قال تعالى: ﴿ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 3، 4]. • ولم تقل فرقة من الفرق بأن الله له والد، وزعمت فرقتان أن له سبحانه وتعالى ولداً: الأولى: من نسب إليه الملائكة؛ كصائبة قوم إبراهيم ومشركي العرب. الثانية: من نسب إليه الصالحين من البشر؛ كاليهود والنصارى. قوله " تعالى المسبح ": أي المنـزه من كل نقص وعيب، وكأن الناظم رحمه الله خشي أن يُفهم التمثيل من البيت السابق: (كما البدر لا يخفى)، فأشار إلى أن صفة الله أعظم ونفى عن الله الشبه، وفي هذا البيت إشارة لموقف أهل السنة والجماعة من ألفاظ التنـزيه، فهم ينفون بنفي مجمل، ويفصلون النفي عند الحاجة للبيان، بخلاف الجهمية الذين جعلوا تسبيحهم لله نفيٌ لصفاته جل وعلا. وقد ينكر الجهميُّ هذا وعندنا ♦♦♦ بمصداق ما قلنا حديث مصرحُ قوله " وقد ": وهي هنا تفيد التحقيق. قوله " ينكر ": الإنكار قسمان: 1. إنكار جحود، وهذا كفر. 2. إنكار تأويل، وهذا قد يكون كفراً أو فسقاً أو خطأ. قوله " الجهمي ": أي المتبع لجهم بن صفوان، وقد أنكر الرؤية الجهمية والخوارج والمعتزلة، واحتجوا بقوله تعالى ![]() قوله " هذا ": أي التجلي. قوله " وعندنا ": أي عند أهل الحديث والأثر، واعلم أن أحاديث الرؤية متواترة. قوله " بمصداق ما قلنا ": أي الذي يصدق ما قلنا. قوله " حديث مصرح ": أي صريح، وهو قوله عليه الصلاة والسلام:" إنكم سترون ربكم يوم القيامة؛ كما ترون القمر ليلة البدر، لا تضامون في رؤيته "، وفي نسخة:" حديث مصحح "، فقد أخرجه الشيخان، ورواه خمسون إماماً، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في مجموع الفتاوى 6/421: وهذا الحديث من أصح الأحاديث على وجه الأرض، المتلقاة بالقبول، المُجْمِع عليها العلماء بالحديث وسائر أهل السنة. رواه جريرٌ عن مقال محمدٍ ♦♦♦ فقل مثل ما قد قال في ذاك تنجحُ قوله " رواه جرير ": هو ابن عبد الله جابر البجلي الأحمسي رضي الله عنه، توفي سنة إحدى وخمسين، وقيل: أربع وخمسين. قوله " عن مقال محمد ": أي أنه حديث قولي. قوله " فقل مثل ما قد قال في ذاك ": أي في رؤية الله يوم القيامة، خلافاً للجهمية الذين نفوها، والصوفية الذين أثبتوها في الدنيا. قوله: تنجح ": أي تظفر بموافقة الصواب وبمتابعة السنة والكتاب؛ قاله السفاريني. أصل الخلاف في هذا الباب: أن أهل السنة والجماعة قالوا: الرؤية بالأبصار تستلزم الجهة، والله في جهة العلو؛ فأثبتوا الرؤية والعلو. أما المعتزلة فقالوا: الرؤيا بالأبصار تستلزم الجهة؛ فنفوا الرؤية لأنهم نفوا الجهة، وأما الأشاعرة فقالوا: الرؤية بالأبصار لا تستلزم الجهة؛ فأثبتوا الرؤية بلا جهة.
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
![]() شرح حائية ابن أبي داود(4) د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري الدرس الرابع وقد ينكر الجهميُّ أيضاً يمينه ♦♦♦ وكلتا يديه بالفواضل تنفحُ قوله رحمه الله: "وقد ينكر الجهمي": الإنكار هو الجحود والنفي. قوله "أيضاً": مصدر آض يئيض أيضاً إذا رجع، والمراد عودةً على بدء. قوله "يمينه": اليمين من صفات الله الذاتية الخبرية، وقد قال تعالى: ﴿ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ﴾ [الزمر: 67]، وقال النبي: صلى الله عليه وسلم " إن المقسطين عند الله يوم القيامة على منابر من نور على يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين "، رواه مسلم. قوله "وكلتا يديه": فيه إثبات صفة اليدين لله، أخذًا من قوله تعالى: ﴿ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ﴾ [المائدة: 64]، وقال: ﴿ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ﴾ [ص: 75]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث السابق: "وكلتا يديه يمين "، وما جاء في النصوص من إفراد اليدين فقد جاء مضافاً، والمضاف يُقصد به العموم؛ فيشمل اليدين، وما جاء مجموعاً فهو لقصد التعظيم. • وأولت المعتزلة اليد بالنعمة، وأوّل كثير من الأشاعرة اليد بالقدرة. قوله " بالفواضل ": جمع فاضلة، وهي النعم الجسيمة والأيادي العظيمة؛ قاله السفاريني. قوله " تنفح ": من النفح وهو الإعطاء، وفي نسخة: "تنضح" من النضح وهو الرش والصب. وقل ينزل الجبار في كل ليلة ♦♦♦ بلا كيف جل الواحد المتمدحُ قوله " وقل ": أي أيه السني، واعتقد أيه الأثري. قوله " ينزل ": أي يهبط؛ كما عند الإمام أحمد من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا كان ثلث الليل الباقي يهبط الله عز وجل إلى السماء الدنيا "، والنزول من صفات الله الفعلية المتعلقة بمشيئته وقدرته، وأهل السنة والجماعة يستدلون بأحاديث النزول على نزول الله تعالى وعلو علوه؛ لأن النزول من علو وفوقية، فالإيمان بنزول الله تعالى على مقتضى النصوص الشرعية يلزم من إيمان بعلوه وفعله لما يشاء سبحانه، كان الفضيل بن عياض رحمه الله يقول: إذا قال لك الجهمي: أنا أكفر برب يزول عن مكانه، فقل: أنا أومن برب يفعل ما يشاء. قوله " الجبار ": هو اسم من أسماء الله، وله ثلاثة معان: الأول: أي الذي يجبر كل كسير وضعيف. الثاني: القهار لكل شيء. الثالث: العليّ على كل شيء. قوله " في كل ليلة ": الليل من بعد غروب الشمس إلى طلوع الفجر، ونزول الله جل جلاله قيّد في النصوص بثلث الليل الآخر، وبنصف الليل، وفي بعضها: إذا بقي ثلثاه. قوله " بلا كيف ": أي بلا اعتقاد تكييف، والتكييف يطلق على ثلاثة معان ٍ: الأول: توهم الكيفية بالقلب. الثاني: الإخبار عن الكيفية باللسان أو البنان. الثالث: السؤال عن الكيفية. قوله " جلّ ": أي عظم قدره. قوله " الواحد ": اسم من أسماء الله له معنيان: الأول: المتفرد غير المتعدد. الثاني: عديم الشريك والنظير. قوله " المتمدح ": أي الذي يستحق المدح. إلى طبق الدنيا يمن بفضـله ♦♦♦ فتفرج أبواب السماء وتفتحُ قوله " إلى طبق الدنيا ": إي إلى السماء الدنيا، قال ابن الأثير في النهاية: الطبق كل غطاء للشيء لازم له. قوله " يمنُّ ": من المنّ، وهو العطاء والإحسان، قال تعالى: ﴿ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ ﴾ [الحجرات: 17]، قال شيخ الإسلام: " المنان هو الذي يعطي النوال قبل السؤال ". قوله: "بفضله": قال ابن القيم في المدارج: " الفضل هو إعطاء ما لا يستحقه المعطي، وفوق ما يستحقه ". قوله " فتفرج أبواب السماء ": أي تنشق وتنصدع وتكشف، قاله السفاريني. قوله " وتفتح ": وقد دل على أن للسماء أبوابٌ تفتح قوله تعالى في شأن الكفار قوله تعالى: ﴿ لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ ﴾، وورد هذا صريحًا في بعض روايات حديث النزول: " إذا كان ثلث الليل الباقي يهبط الله عز وجل إلى السماء الدنيا، ثم تفتح أبواب السماء، ثم يبسط يده، فيقول: هل من سائلٍ يعطى سؤله؛ فلا يزال كذلك حتى يطلع الفجر"، رواه أحمد. يقول ألا مستغفراً يلق غافراً ♦♦♦ ومستمنح خيراً ورزقاً فيمنحُ قوله " يقول ألا ": ألا أداة عرض؛ أي طلب برفق، وهو مأخوذًا من قوله صلى الله عليه وسلم: "من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له". قوله " مستغفراً ": أي طالب مغفرة، والمغفرة ستر الذنب، وعدم ترتب آثاره على فعله. قوله " يلق غافراً ": الغافر اسم من أسماء الله تعالى، قال تعالى: (غافر الذنب وقابل التوب). قوله " ومستمنح ": أي طالب عطاء. قوله " خيراً ": الخير اسم جامع لكل ما ينتفع به. قوله " ورزقاً ": الرزق قسمان: الأول: ما يملكه العبد. الثاني: ما ينتفع به المخلوق ويتغذى به. قوله " فيُمنح ": وفي نسخة:" فأمنح " بالبناء على الفاعل. روى ذاك قوم لا يرد حديثهم ♦♦♦ ألا خاب قومٌ كذبوهم وقبحوا قوله " روى ذاك ": أي نزول الله تعالى إلى السماء الدنيا. قوله " قومٌ ": كثيرٌ؛ فحديث النزول حديث متواتر. قوله " لا يرد حديثهم ": لعدالتهم وحفظهم وكثرتهم. قوله " ألا خاب ": أي خسر وحرم. قوله " قومٌ ": هم المعتزلة، فقد أولوا نزول الله بنزول ملك من الملائكة، والأشاعرة الذين أولوا نزول الله بنزول رحمته. قوله " كذبوهم ": أي نسبوهم للكذب، والكذب هو الإخبار بخلاف الواقع. قوله " وقُبحوا ": بالبناء على المفعول دعاء عليهم، وفي نسخة:" قَبَّحوا " بالبناء على الفاعل؛ أي نسبوهم للقبح، وهو ضد الحسن. أصل الخـلاف في هذا الباب: أن أهل السنة الجماعة وصفوا الله تعالى بالصفات المعنوية والخبرية والفعلية؛ كما جاء في النصوص، دون تقديم العقل على النص. أما المعتزلة والأشاعرة فقدموا العقل على النص؛ فأوّلت المعتزلة الصفات بالمخلوقات، وأولت الأشاعرة الصفات بما أثبتوا من الصفات المعنوية، وقد أشار الناظم رحمه الله إلى الجهمية وحدهم؛ لأنهم الأصل في باب نفي الصفات.
__________________
|
#5
|
||||
|
||||
![]()
__________________
|
#6
|
||||
|
||||
![]()
__________________
|
#7
|
||||
|
||||
![]() شرح حائية ابن أبي داود(7) د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري (الدرس السابع) وقل يخرج الله العظيم بفضله ![]() من النار أجساداً من الفحم تطرحُ ![]() على النهر في الفردوس تحيا بمائهِ ![]() كحَب حميلِ السيلِ إذ جاء يطفحُ ![]() قوله رحمه الله "وقل": معتقداً بجنانك مفصحاً بلسانك منقاداً بسائر جوارحك وأركانك. قوله "يخرج الله العظيم بفضله": سبق معنا أن الفضل هو المن والعطاء، قال شيخ الإسلام: " وحقيقته أن الله هو الذي يتفضل على أهل الإخلاص؛ فيغفر لهم بواسطة دعاء من أذن له أن يشفع؛ ليكرمه وينال المقام المحمود ". قوله " من النار ": أي من نار الموحدين. قوله " أجساداً ": جاء في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن الله يخرج من النار أقواماً منهم من تأخذه النار إلى كعبيه، ومنهم من تأخذه النار إلى حقويه، ومنهم من تأخذه إلى ترقوته. قوله " من الفحم ": أي بعد أن صاروا فحماً، والفحم هو الجمر الطافي، وفي رواية: "بعد أن صاروا حمماً قد امتحشوا"، وفي رواية: " كعيدان السماسم ". قوله " تطرح على النهر ": أي تلقى وترمى، وقد جاء في الحديث أنهم يلقون في النهر، وفي رواية: " يصب عليهم منه "، وفي رواية: " يغتسلون فيه "، والجمع بينها ممكن. قوله " في الفردوس ": سبق معنا أنه أعلى وأوسط الجنة، قال الشيخ عبد الرحمن البراك حفظه الله: يطرحون في نهر الحياة في الفردوس، كأنه جعله اسمًا للجنة عمومًا، كلمة الفردوس ما وردت في الأحاديث، إنما هم يطرحون في نهر من أنهار الجنة، يقال له: نهر الحياة، التقييد بالفردوس هذا فيه شيء من التسامح، والله المستعان. قوله " تحيا ": جاء في صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " وأما أهل النار الذين هم أهلها؛ فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم؛ فأماتتهم إماتة حتى إذا كانوا فحماً أذن بالشفاعة ". قوله " بمائه ": جاء في النصوص أنه نهر الحياة أو الحياء؛ شك الإمام مالك. قوله " كحب حميل السيل ": أي ما يحمله السيل من غثاء وزبد، والمراد أنهم ينبـتون من ضعف، ثم ينبتون سريعاً، ثم يكون نباتهم على حسن وطراوة. قوله " إذا جاء يطفح ": أي يفيض. وإن رسول الله للخلق شافع *** وقل في عذاب القبر حقٌ موضحُ قوله " وإن رسول الله ": هو محمد صلى الله عليه وسلم، وفيه إشارة إلى وجوب الإيمان برسالة محمد صلى الله عليه وسلم وجميع ما اختص به من خصائص وشفاعات، قال عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة " أنا أول شافع ومشفع "، والشفاعة قسمان: الأول: شفاعة باطلة: وهي التي يطلبها المشركون، وقد نفاها القرآن قال تعالى: ﴿ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ ﴾ [غافر: 18]. الثانية: شفاعة مثبتة في النصوص بإذن الله للشافع ورضاه عن الشافع والمشفوع له، قال تعالى: ﴿ وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى ﴾ [النجم: 26]. قوله " للخلق ": أي لجميع الخلق المسلم والكافر، والمراد هنا الشفاعة العظمى والمقام المحمود للفصل بين العباد في الموقف. قوله " شافع ": الشفع في اللغة: ضد الوتر، واصطلاحاً: التوسط للغير لجلب نفع أو دفع ضر. وضابطها: كل دعاء ثبت بالنصوص للأنبياء عليهم السلام فهو منهم شفاعة، وأنواع الشفاعة التي جاءت في النصوص: النوع الأول: شفاعته صلى الله عليه وسلم في أهل الموقف لفصل القضاء. النوع الثاني: شفاعته صلى الله عليه وسلم في فتح باب الجنة ليدخل أهلها. النوع الثالث: شفاعته صلى الله عليه وسلم في عمه أبي طالب ليخفف عنه العذاب. النوع الرابع: الشفاعة في رفع درجات المؤمنين في الجنة. النوع الخامس: الشفاعة في دخول أقوامٍ الجنة بغير حساب. النوع السادس: الشفاعة في أهل الكبائر. وقوله " وقل في عذاب القبر ": وفي نسخة: " عقاب القبر "، وهو ثابت في النصوص كما في صحيح مسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم: " تعوذوا بالله من عذاب القبر؛ فإن هذه الأمة تبتلى في قبورها "، وكما في حديث البراء الطويل. وعذاب القبر قسمان: الأول: عذاب منقطع في حق بعض الموحدين. الثاني: عذاب دائم في حق الكافرين. قوله " حق ": الحق هو الحكم المطابق للواقع. قوله " موضح ": أي بين ظاهر لا خفاء فيه، وفي نسخة: " بالحق موضح "، وفي نسخة: " بالحق يوضح ". أصل الخلاف في باب الشـفاعة: أن حقيقة الشفاعة تفضل من الله، وخضوع وافتقار من الشافع، وليست كما ظن المبتدعة أنها ردٌ لقوله سبحانه، أو قضاءٌ بغير إذنه سبحانه، ومن ظن ذلك من أهل الضلال ضل في هذا الباب؛ كالمعتزلة الذين أنكروها، والصوفية الذين غلّوا فيها.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |