
26-08-2020, 02:19 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,460
الدولة :
|
|
لماذا يخاف بعض المسلمين من الحركات الإسلامية؟
لماذا يخاف بعض المسلمين من الحركات الإسلامية؟
هشام محمد سعيد قربان
(مقترح لإطار بحثي)
يحوي هذا العنوان سؤالاً مثيرًا، لعله يستفزُّ البعض، ولعله -في المقابل- يَروق لآخرين لأسباب مختلفة، ويتعلق سؤالُنا هذا بظاهرة مشهودة في أنحاء العالم الإسلامي في مرحلة الربيع العربي وما سبقها، وليس من الصواب إنكارُ هذه الظاهرة أو تجاهلها، وتقتضي الحكمةُ الحذرَ والحَيْطة والاتِّزان والتثبت عند الخوض في ثنايا هذا الموضوع وزواياه؛ فهو -كما يعرف مَن نظر فيه وعالجه- شائكٌ ومعقد، ويكثر فيه اللَّبْس، ويسهل فيه الخَلْطُ والتجاوز في الحقيقة الدلالية للمصطلحات المستخدمة، وتتشابكُ فيه الحقائقُ الثابتة والمشاعر المتلونة بالتفاوت في مستوى الفهم والاختلاف، أو عدم الوضوح المرجعي.
ليس الهدفُ من هذا العرض العامِّ الإحاطةَ والتحليل المفصَّل لكل الجوانب، ولكنه اجتهاد محدود جدًّا، ولفتٌ للنظر إلى هذه الظاهرة؛ بغرض فهمها وعلاجها، ومحاولةٌ لعرْض مخطط بحثيٍّ عامٍّ ومجمل لأهمِّ عناصر هذه الظاهرة، ويَعرِضُ هذا المخططُ طائفةً من التساؤلات توجَّهُ لأصحاب العِلم والخبرة والنظر.
تتصدر الأخبارَ في بلداننا عناوينُ عريضةٌ تشير -بوضوح- إلى هذه الظاهرة، فهذا رجلُ أمن مشهور في بلدة -صغيرة المساحة- يحذِّر من المدِّ الإخواني في الخليج العربي، وفي أرض الكنانة نسمع مَن يتخوَّفُ مِن أَخْوَنة الدولة، وفي تونس -حيث انطلقت أُولى شرارات الربيع العربي- نسمع نداءات تحذِّر من محاولات حزبٍ ذي اتجاهات إسلامية الإمساكَ بالأجهزة المفْصلية في الدولة، والاستحواذَ عليها، ونسمع في تونس البوعزيزي -رحمه الله- تخوفًا من ضياع الحقوق المكتسبة للمرأة التونسية والمساس بها، وفي ليبيا تخوُّفًا من استقواء ما يسمُّونه بالمدِّ السلفي، المتمثل في هدمهم بعضَ الأضرحة والمزارات التي يقدِّسها بعضُ مَن ينتسب للحركات الصوفية في المغرب العربي، ونظير ذلك ما تتناقله وكالاتُ الأنباء عما يحدث في مالي ونيجيريا من جهود لتطبيق الشريعة الإسلامية.
تكمن أغلبُ محاور البحث الرئيسية لهذه الظاهرة في عنوان البحث:
1- أسباب الخوف.
2- لدى بعض.
3- المسلمين.
4- من الحركات (الإسلامية).
5- دين الإسلام.
لعل البعضَ يستغرب إضافة دين الإسلامِ كمحور بحثي منفصل عن محور الحركات الإسلامية، وهذا أمرٌ مقصود ومفيد للبحث والتحليل، ويهدف إلى ضرورة الفصل في النظر والبحث والتقويم بين أمرين:
أ- جهود الحركات الإسلامية في التطبيق الاجتهادي لمبادئ الدِّين الإسلامي (المحور الرابع)، وتتفاوت هذه الاجتهادات من ناحية القوة والصحة ومطابقة المقاصد الشرعية، فلا يُعْزى خطأُ المجتهد -فردًا أو جماعات- إلى الإسلام كدين حقٍّ لا يأتيه الباطلُ من بين يديه ولا من خلفه، وتحليل الاجتهادات والنظر فيها من قِبَل أهل النظر لا يعني -بحالٍ من الأحوال- انتقاصًا لشرع الله، أو شكًّا في تمامه وكماله وصلاحيَّتِه.
ب- الدين الإسلامي (المحور الخامس) كمرجعية إلهية تشريعية معصومة ثابثة تنبثق منها كلُّ الاجتهادات الموفَّقة وَفْق ضوابطَ وأُطرٍ معلومة، وهذا الدين مرجعٌ ومردٌّ واضح للجميع في حال الخلاف، وليس لأحد -كائنًا من كان- أن يشككَ في دين الإسلام أو أن يهزأَ أو يتلاعب بالثوابت الشرعية، وثبات هذا المرجع يُغْني في هذا الإطار البحثي عن شرحه وإقناع الناس بصحتِه، والحديث هنا موجَّه لمسلمين يُفترض فيهم تجاوزُ هذه المرحلة والقَبول العام بدين الإسلام، وإذا وُجدت حالات فردية أو جماعية تخالف هذه الفرضيةَ، فالأمرُ جلَلٌ، ويقتضي جهدًا مكثفًا لإرجاع هؤلاء إلى حِمى الإسلام بالحِكمة والموعظة الحسنة.
المحور الأول: أسباب الخوف:
1- ما مدى صحة وجود هذا الخوف من الحركات الإسلامية لدى بعض المسلمين؟
2- هل لهذا الخوف مبرراته وأسبابُه وملابساته، مع إقرارنا بعدم عصمة الحركات الإسلامية؟
3- ما هو الحجم الحقيقيُّ لهذا الخوف بلا إنكار أو تضخيم؟
4- ما دور الإعلام المضادِّ ووسائله في إبراز هذا الخوف؟
5- هل تتعامل الحركات الإسلامية بوعي وحكمةٍ مع هذا التخوُّف؟
6- هل تراعي أُطروحات ومناشط الحركات الإسلامية هذا التخوف، وتبرز الجوانبَ المطمئِنَة الغائبة أو المغيَّبة؟
7- ما هي خطط الحركات الإسلامية وبرامجها التوعوية لعلاج هذا التخوُّف واستئصاله؟
المحور الثاني: لدى البعض:
1- من هم هؤلاء الذين يخافون من الحركات الإسلامية؟
2- ما خلفيَّتهم الفكرية؟
3- هل هم أفراد أم جماعات؟
4- هل هم من العامة أم من محرِّكي الرأي؟
5- ما هو الحجم الحقيقي لهؤلاء المتخوِّفين؟
6- من يموِّل أو يساعد هذه الجهاتِ المتخوفةَ؟
7- ما أثرهم على الآخرين؟
8- ما دور الحركات الإسلامية في تضخيم الجهات المتخوِّفة؟
9- هل توجد لدى الحركات الإسلامية برامجُ حكيمة وممنهجة لاستمالة هؤلاء الخائفين وإقناعهم وإزالة مخاوفهم؟
المحور الثالث: من المسلمين:
إن من السهولة بمكان إغفالَ هذا المحور، أو تحليلَه تحليلاً عامًّا وسطحيًّا؛ بوصْم كل من يعادي الحركاتِ الإسلاميةَ ويخافها بالجهل، وكراهية الإسلامِ، وضعف الحميَّة الدينية، والفسوق والابتداع، والعَمالة للأعداء وأجنداتهم المشبوهة، ومع الإقرار بوجود طابور خامس من المنافقين ينهش في جسد الأمَّة ويتآمر عليها، وقد يتصف بعضُهم ببعض هذه الصفات، فإنَّ دأْبَ العقلاء -في السلف والخلَف- عدمُ تضخيم الأمور، والتروي وسَعة الصدر للمخالف، ومحاسبة الذات واتِّهامها بالتقصير واتباع الهوى والعُجْب بالرأي، وهم مَن أورَثَنا تلك الحِكَم الجميلة: رحم اللهُ امرأً أهدى إليَّ عيوبي، رأيي صوابٌ يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأٌ يحتمل الصواب، والعاقل لا تصرِفه مشاعرُه الفطرية تجاه مخالفِه عن إبصار مواطن الحِكمة والفائدة في كلام مخالفه، وصدق مَن حذَّر مِن مَغبَّة الانسياق وراء نظرية أو فكر المؤامرة التي تُعمي صاحبَها عن إبصارِ عيبِه ونقصه وخَلَله.
1- ما مدى فهم هؤلاء المتخوِّفين للإسلام؟
2- كيف كانت تنشئتُهم في الصغر من ناحية التأصيل الإسلامي أو خلافه؟
3- هل يرجع خوفُ هؤلاء من الحركات الإسلامية إلى عداوةٍ متأصلة أو جهل بالإسلام؟
4- هل تحاور الحركات الإسلامية أمثال هؤلاء على أساس متينٍ من فهم خلفياتهم ونشأتهم، وآمالهم وتطلُّعاتهم؟
5- ما هي برامج الحركات الإسلامية الحكيمة والممنهجة لتشخيص ومعالجة اضطراب الهُوية الإسلامية؟
6- هل تدخل الحركات الإسلامية إلى قلوب هؤلاء عن طريق العاطفة والحميَّة الإسلامية؟
المحور الرابع: الحركات الإسلامية:
إن المقصود بهذا المحور -كما وضَّحت المقدمة- ليس الإسلامَ كدينِ الحقِّ والشريعةَ التامة الكاملة الصالحة لكل زمان ومكان؛ فهذا المحور البحثي يتعلق بالنظر في ممارسات واجتهادات الحركات الإسلامية ومَن ينتمي اليها، وكما سبق التنويه إليه فإن المجتهد بشَرٌ غيرُ معصومٍ، يخطئ ويصيب، ولا يُعزى خطأُ المجتهد -إذا تبيَّن- إلى الدين، بل يعزى إلى قلة العلمِ، وضعف ملَكةِ الاجتهاد، أو التعجل.
نذكر فيما يلي موجِّهاتٍ للفكر والتأمل والبحث في صورة أسئلة تتعلَّق بسياق الحديث، وبالتحديد تلفتُ هذه التساؤلات النظرَ إلى مسؤولية بعض الحركات الإسلامية في زرع الخوف من الإسلام لدى بعض المسلمين:
1- هل تتمهَّل الحركاتُ الإسلامية وتخصِّص الوقت الكافي لتجذير وجودِها، وبناء قَبولها، والتدرُّج في مشاريعها وبرامجها في بيئات عملها؟
2- هل يرجع الخوف من الحركات الإسلامية إلى قِصَر النَّفَس والاستعجال لدى بعضها، ومحاولته القفزَ على حواجز الزمن والخبرة والسنن الكونية؟
3- ما مدى إفادة الحركات الإسلامية من الهديِ النبوي في التدرج في الدعوة ومراحلها؛ من السرية، وبناء القاعدة باستمالة الأتْباع وتربيتِهم، والتحالفات الخارجية، وتجهيز المحضِنِ المناسب؛ الهجرة بالتدريج، والصلح، والتجهيز...؟
4- هل ترتِّب الحركات الإسلامية أولوياتها؛ فلا تقدِّم المهم على الأهم، ولا تضيع جهودَها في مواجهات هامشية أو غير ناضجة، ولا تُثير عداواتٍ نائمةً، أو توغر صدورَ الجهلة (مثال: غلاة الصوفية) بالمعاملة القاسية والتبديع والتفسيق والتكفير، بدلاً من التغيير بالتعليم والإقناع، والتدرُّج والتغلغل، والنصح المتأنِّي؟
5- هل تفيد الحركات الإسلامية من فقهِ وموازنة المصالح والمفاسد؟
6- هل تعي الحركاتُ الإسلامية حدود وظيفتها التي أوجزها الله -سبحانه- في كلمات مضيئات: ﴿ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ ﴾ [آل عمران: 20]؟ فهداية الخلق إلى درب الحق -كما يصنفها سادتُنا العلماء- نوعان: هدايةُ إرشاد للطريق (هذه من عمل البشر)، وهدايةُ توفيق لقَبول الطريق ولزومه (وهذه بيد الله -سبحانه وتعالى- وحده)، وكل جهود الحركات الإسلامية لا تتعدى حدود هداية الإرشاد، ولا يستطيع بشرٌ -كائنًا من كان- أن يُجبر الناسَ على الايمان، أو يُدخل الهداية قسرًا أو جبْرًا إلى قلوبهم؛ فلا إكراه في الدين.
في الختام نذكِّر بطبيعة هذا العمل وهدفه، فليس هو بالبحث المفصل، ولكنه مقترَحٌ أوليٌّ، وعرض لإطار عامٍّ وممنهج لبحث هذه الظاهرة: خوف بعض المسلمين من الحركات الإسلامية.
وهي ظاهرة تستحق النظرَ والتأمل والتحليل والفهم من لدن كلِّ المنتسبين للحركات الإسلامية؛ فهي -بلا شك- تُعيق العملَ الإسلامي، وتُضْعف الجهود، ولا ينحصر مجالُ بحث هذه الظاهرة في حدود الأسئلة المعروضة تحت كل محور من محاور البحث؛ إنما هي مؤشِّرات وموجِّهات ومقترحات أولية لمسار البحث، والمأمول -بعون الله تعالى- أن يُثريَ المزيدُ من النقاش والتأمل والبحث هذه المؤشراتِ، ويوجِّهَ جهود العلماء العاملين إلى تحسين عملِهم، والارتقاء بأدائهم، وخير ما يُختم به المقال نصيحةُ المصطفى الخالدة: ((إنما بُعثتم مبشِّرين، ولم تُبْعثوا منفِّرين)).
والله أعلى وأعلم، ونستغفرُه من الخطأ والزلل، ونسأله الهدايةَ والعمل الخالص والصوابَ لكل عالِم وعاملٍ لوجهه الكريم.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|