|
ملتقى الحوارات والنقاشات العامة قسم يتناول النقاشات العامة الهادفة والبناءة ويعالج المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() الشأن الداخلي وحفظ السر محمود أبو زهرة حفظ السر من الأخلاق الحسنة التي ينبغي للمسلم أن يتحلى بها، وهي من الأمانة الَّتي يجب حِفْظُها، وعدم إفشائها؛ فالأصل أنَّ مَن استوْدعك سرًّا أو اطَّلعت عليه، وجبَ عليْك حِفْظُه، وقد ذكر الله مَن يَحفظ الأمانة في سِياق المدح: (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) (سورة المعارج: 32). ويحْرم إفْشاء الأسرار، فإفْشاؤها خيانةٌ للأمانة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) (سورة الأنفال: 27) وخيانة الأمانة من صفات المنافقين؛ فعن أبي هُرَيرة -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله -صلَّى الله عليْه وسلَّم- قال: ((آية المنافق ثلاثٌ: إذا حدث كذَب، وإذا وعد أخْلف، وإذا اؤتُمن خان)) متفق عليه. وبعضُ الناس قد يضعف إيمانه، أو يتسلُّط الشَّيطان عليه فتقع منه زلَّة، أو يعْصي الله، ولكنه لم يقصد فعل الفساد أو الشَّرِّ، فهذا يُسْتَر عليْه ولا يُكْشَف سرُّه، ولا يُرْفَع أمرُه للجهات التأديبيَّة، وعليه يُحمل ما ورد من النصوص التي تحثُّ على الستر؛ كحديثِ أبي هريرة -رضي الله عنه-: ((ومَن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة)) متفق عليه، أمَّا المجاهر بالمعصية المشْهور بالفساد، فلا يُسْتَر بل يرفع أمرُه إلى مَن له ولاية لينزجِر ويكفّ شرَّه. فلا ينبغي أن يسعى أحد جاهدًا لكشْف أسرار من فعل معصيته في السر، أو يبحث عن عورته، ونذكر الجميع بحديث ابنُ عُمر -رضي الله عنه- قال: صعِد رسولُ الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- المنْبَر فنادى بصوت رفيع، فقال: ((يا معْشر مَن أسلم بلِسانِه، ولم يفضِ الإيمان إلى قلبِه، لا تؤذوا المسلمين ولا تعيِّروهم ولا تتبَّعوا عوراتِهم؛ فإنَّه من تتبَّع عورة أخيه المسلم تتبَّع الله عورتَه، ومَن تتبَّع الله عورتَه يفضحه ولو في جوف رحلِه)) رواه الترمذي بإسناد حسن، وحسنه الألباني. ونتذكر قول النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: ((منِ استمع إلى حديث قومٍ وهم له كارِهون أو يفرُّون منه، صبَّ في أُذُنِه الآنُك يوم القيامة)) رواه البخاري من حديث ابن عباس. الشأن الداخلي بين الزوجين: كما يَجب على المسلم حفظ أسرار غيْرِه، يَجب عليه أيضاً حفظ سرِّه الخاص، فما يَجري بين الزَّوجين من معاشرة جِماع فما دونه، فهذا من السِّرِّ الواجب حفظه، وهذا من الشأن الداخلي بين الزوجين، لا يعلم به أحد من الخارج مهما كانت الأسباب، وأيًّا كان ذلك الشخص ومكانته منا، خاصة الأمور الخاصة المتعلقة بالزوج والزوجة، ومن فعل ذلك كان شيطاناً وشيطانة التقيا على قارعة الطريق، فرآهما الناس، كما ورد في الحديث الشريف، عن أسماءَ بنتِ يزيدَ أنَّها كانَت عندَ رسولِ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ-، والرِّجالُ والنِّساءُ قُعودٌ، فقالَ: ((لعلَّ رجُلًا يقولُ ما يفعَلُ بأَهْلِهِ، ولعلَّ امرأةً تخبِرُ بما فعلَت معَ زَوجِها؟!)) فأرمَّ القومُ، فقلتُ: إي واللَّهِ يا رسولَ اللَّهِ! إنَّهنَّ ليفعَلنَ، وإنَّهم ليفعَلونَ، قالَ: ((فلا تفعَلوا، فإنَّما ذلِكَ مَثَلُ الشَّيطانِ لقيَ شيطانةً في طَريقٍ فغَشيَها، والنَّاسُ ينظُرونَ)) رواه أحمد، وحسنه الألباني. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((هَلْ مِنْكُم الرَّجُلُ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ، فَأَغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهُ، وَأَلْقَى عَلَيْهِ سِتْرَهُ، وَاسْتَتَرَ بِسِتْرِ اللَّهِ؟)) قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: ((ثُمَّ يَجْلِسُ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا فَعَلْتُ كَذَ)) قَالَ: فَسَكَتُوا، قَالَ: فَأَقْبَلَ عَلَى النِّسَاءِ، فَقَالَ: ((هَلْ مِنْكُنَّ مَنْ تُحَدِّثُ؟)) فَسَكَتْنَ، فَجَثَتْ فَتَاةٌ -قَالَ مُؤَمَّلٌ فِي حَدِيثِهِ- فَتَاةٌ كَعَابٌ عَلَى إِحْدَى رُكْبَتَيْهَ، وَتَطَاوَلَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِيَرَاهَا، وَيَسْمَعَ كَلامَهَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُمْ لَيَتَحَدَّثُونَ، وَإِنَّهُنَّ لَيَتَحَدَّثْنَهُ، فَقَالَ: ((هَلْ تَدْرُونَ مَا مَثَلُ ذَلِكَ؟)) فَقَالَ: ((إِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ مَثَلُ شَيْطَانَةٍ لَقِيَتْ شَيْطَانًا فِي السِّكَّةِ، فَقَضَى مِنْهَا حَاجَتَهُ، وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ، أَلا وَإِنَّ طِيبَ الرِّجَالِ مَا ظَهَرَ رِيحُهُ، وَلَمْ يَظْهَرْ لَوْنُهُ، أَلا إِنَّ طِيبَ النِّسَاءِ مَا ظَهَرَ لَوْنُهُ، وَلَمْ يَظْهَرْ رِيحُهُ)) رواه أَبُو دَاوُد، وصححه الألباني، ومعنى كَعَاب: بِالْفَتْحِ الْمَرْأَة حِين يَبْدُو ثَدْيهَا لِلنُّهُودِ؛ وَهِيَ الْكَاعِب أَيْضًا، وَجَمْعهَا كَوَاعِب. راجع عون المعبود شرح سنن أبي داود (6/ 157). وهذا الحَدِيث يَدُلّ عَلَى تَحْرِيم إِفْشَاء أَحَد الزَّوْجَيْنِ لِمَا يَقَع بَيْنهمَا مِنْ أُمُور الْجِمَاع، وَذَلِكَ لأَنَّ كَوْن الْفَاعِل لِذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ شَيْطَان لَقِيَ شَيْطَانَة فَقَضَى حَاجَته مِنْهَا وَالنَّاس يَنْظُرُونَ، فهذا مِنْ أَعْظَم الأَدِلَّة الدَّالَّة عَلَى تَحْرِيم نَشْر أَحَد الزَّوْجَيْنِ لِلأَسْرَارِ الْوَاقِعَة بَيْنهمَا الرَّاجِعَة إِلَى الْوَطْء وَمُقَدِّمَاته. وفي الحديث أيضاً: حرص الإسلام على تحصيل أسباب العفة والطهارة، والحث على صيانة اللسان من الكلام الفاحش والبذيء. وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما نهى عما يثير الغرائز من الأقوال نبه إلى ما يثيرها من الروائح الطيبة، فبين ما يخص الرجال من ذلك، وما يخص النساء، درأ لأسباب الشر والفتنة. راجع عون المعبود شرح سنن أبي داود (6/ 157). التشاور مع الزوجة وأخذ رأيها: قد تكون الزوجة صاحبة رأي صائب، وعقل ناضج ورؤية بعيدة، فلها حق النصح والمشورة والتوجيه، لكن الكلمة للزوج، والظاهر أمام الناس جميعاً أن الزوج هو سيد الموقف، وصاحب القرار، ولا ينبغي للزوجة أن تفتخر وتنشر بين قريباتها أن الزوج لا يفعل شيئاً إلا إذا أخذ رأيها، ولا يستطيع أن يتصرف إلا بعد مشاوراتها، فهذا لا يليق. النقاش والحوار بين الزوجين: يجب أن يتم النقاش حول الأمور بين الزوجين بهدوء، ووضع مواثيق وضوابط لكي لا يخرج كلمة منا، أو من أولادنا للشارع فالبيوت أسرار. ومن غير المبرر للزوج أن يخرج أسرار بيته حتى لو أخرجت زوجته سره، فنحن لسنا بصدد انتقام أو تنافس فيمن يخرج السر أو يشيع الخبر، فعنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدٍ, قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِي -رضي الله عنه- يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: ((إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الأَمَانَةِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ، وَتُفْضِي إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا)) رواه مسلم. فليس من العقل إخبار الأهل عن طبيعة الزوج، ولا عادات الزوجة داخل البيت، وإن لم يرتح الإنسان ببيته ويتكلم على طبيعته، فأين يستريح مناماً وطعاماً وكلاماً؟ تربية الأبناء على حفظ السر: يجب أن نربي أولادنا على حفظ أسرار البيت، وكتمان ما يحدث فيه بيننا جميعاً، وهذه عبادة عظيمة، فالمسلم كتوم للأسرار، حافظ للعهد، كما لا نسمح لهم أبداً بنقل أخبار بيوت حولنا لنا؛ لأن هذا السلوك غير شريف وغير إسلامي، ولا يليق ومحرم بالإجماع، وإذا أراد أحد الزوجين الفضفضة والتشكي لأحد، فيجب أن يستأذن الطرف الآخر، ويتفقا سوياً على ماذا سيقال بالضبط؟ ولمن سيقال؟ احتراماً وتقديراً لخصوصيات الآخر. وهذا رسول الله -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- علم خادمه حفظ السر منذ صغره، فعنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: أتى عليَّ رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- وأنا ألعبُ مع الغلمانِ، قال: فسلَّم علينا، فبعثني إلى حاجةٍ، فأبطأتُ على أمي، فلما جئتُ قالت: ما حبسك؟ قلت: بعثني رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- لحاجةٍ، قالت: ما حاجتُه؟ قلتُ: إنها سرٌّ، قالت: لا تُحدثَنَّ بسرِّ رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- أحدًا، قال أنسُ: واللهِ! لو حدَّثتُ بهِ أحدًا لحدَّثتكَ، يا ثابتُ -الراوي عن أنس-. رواه مسلم. حل المشكلات دون تدخلات خارجية: الأولى والأفضل كما ثبت ميدانياً، أن تحل الأسرة مشاكلها بنفسها ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، وألا يتدخل أحد غريب في الشأن الداخلي إلا باتفاق ودراسة وحوار مفتوح صريح. فيجب أن نولي جميعاً الشأن الداخلي بالبيت عناية كبيرة، فنجتهد في عقد جلسات مجمعة لكل أفراد العائلة للاطمئنان على بعضنا، والتشاور فيما بيننا، وكذلك عبادة الله ربنا، كصلاة ركعتين سوياً، أو تلاوة الأذكار، أو مناقشة قضايا المسلمين، أو حل مشكلات سلوكية متنوعة في جو يسوده الحب والوئام والفرحة. وأخيراً: من بركات كتم الأسرار بين كل من الزوج والزوجة، الزيادة والبركة والنماء، وحفظ النعمة عليهما سواء حفظ أبنائهما القرآن، أو حتى سعة الأرزاق وقضاء الديون. وفقنا الله جميعاً لما يحب ويرضى، وسترنا دنيا وآخرة. اللهم آمين.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |