كيف نزل القرآن؟ - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         تفسير جامع البيان عن تأويل آي القرآن للإمام الطبري .....متجدد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 1009 - عددالزوار : 122878 )           »          سِيَر أعلام المفسّرين من الصحابة والتابعين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 121 - عددالزوار : 77570 )           »          الشرح الممتع للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-(سؤال وجواب) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 62 - عددالزوار : 48993 )           »          الدِّين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 191 - عددالزوار : 61484 )           »          شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 76 - عددالزوار : 42874 )           »          الدورات القرآنية... موسم صناعة النور في زمن الظلام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          تجديد الحياة مع تجدد الأعوام (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          الظلم مآله الهلاك.. فهل من معتبر؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          المرأة بين حضارتين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 14 )           »          رجل يداين ويسامح (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى القرآن الكريم والتفسير > هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن
التسجيل التعليمـــات التقويم

هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 09-08-2020, 01:49 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 157,564
الدولة : Egypt
افتراضي كيف نزل القرآن؟

كيف نزل القرآن؟
الشيخ صلاح نجيب الدق








الحمد لله ﴿ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ﴾ [الفرقان: 1، 2]، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ الذي أرسله ربه هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، أما بعد:

فإن القرآن الكريم هو كتاب الله تعالى الخاتم إلى أهل الأرض، والقرآن العظيم له منزلةٌ عظيمة في قلوب المسلمين؛ من أجلِ ذلك أحببت أن أذكر نفسي وأحبابي المؤمنين الكرام بكيفية نزول القرآن، فأقول وبالله تعالى التوفيق:

مراحل نزول القرآن:

نزل القرآن الكريم على مرحلتين:

المرحلة الأولى: نزول القرآن جملة واحدة إلى بيت العزة في السماء الدنيا؛ وذلك بدليل قوله تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ ﴾ [الدخان: 3]، وقوله تعالى:﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴾ [القدر: 1]، وقوله تعالى: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ﴾ [البقرة: 185]، فدلَّت هذه الآيات على أن القرآن أنزل جملة واحدة في ليلة القدر.



روى النسائي عن عكرمة، عن ابن عباسٍ، قال: أنزل القرآن جملةً إلى السماء الدنيا في ليلة القدر، ثم أنزل بعد ذلك في عشرين سنةً، قال: ﴿ وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا ﴾ [الفرقان: 33]، وقرأ: ﴿ وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا ﴾ [الإسراء: 106]؛ (السنن الكبرى للنسائي جـ 6 صـ 421 حديث 11372).



المرحلة الثانية: نزول القرآن منجَّمًا - أي مفرَّقًا - بواسطة أمين الوحي جبريل عليه السلام، على قلب النبي صلى الله عليه وسلم على مدار ثلاث وعشرين سنة؛ (الإتقان في علوم القرآن للسيوطي جـ 1 صـ 116: صـ 119).



قال الله تعالى: ﴿ وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا ﴾ [الإسراء: 106].



جبريل يعرض القرآن كاملًا على النبي صلى الله عليه وسلم:

روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها، قالت: أقبلت فاطمة تمشي كأن مِشيتها مَشْيُ النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((مرحبًا بابنتي))، ثم أجلسها عن يمينه، أو عن شماله، ثم أسَرَّ إليها حديثًا، فبكت، فقلت لها: لمَ تبكين؟ ثم أسَرَّ إليها حديثًا فضحكت، فقلت: ما رأيتُ كاليوم فرحًا أقرب من حزنٍ، فسألتها عما قال، فقالت: ما كنت لأفشيَ سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم، فسألتها؟ فقالت: أسَرَّ إلي: ((إن جبريل كان يعارضني القرآن كل سنةٍ مرةً، وإنه عارضني العام مرتين، ولا أراه إلا حضر أجلي، وإنكِ أول أهل بيتي لحاقًا بي))،فبكيت، فقال: ((أما ترضَين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة، أو نساء المؤمنين؟!))، فضحكتُ لذلك؛ (البخاري حديث: 3623).



قال الإمام ابن كثير (رحمه الله): المراد من معارضته له بالقرآن كل سنةٍ: مقابلته على ما أوحاه إليه عن الله تعالى؛ ليُبقي ما بقي، ويُذهب ما نسخ توكيدًا، أو استثباتًا وحفظًا؛ ولهذا عرضه في السنة الأخيرة من عمره عليه السلام على جبريل مرتين، وعارضه به جبريل كذلك؛ ولهذا فهم عليه السلام اقتراب أجَله؛ (تفسير ابن كثير جـ 1 صـ 70).



حكمة نزول القرآن مفرَّقًا:

كانت الكتب السماوية السابقة تنزل على الرسل جملةً واحدةً، كما ذهب إلى ذلك جمهور العلماء، وقد اعتَرَض المشركون على نزول القرآن مفرَّقًا، فبيَّن الله تعالى ذلك الاعتراض في القرآن، فقال سبحانه: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا ﴾ [الفرقان: 32].



كان لنزول القرآن الكريم مفرَّقًا على قلب النبي صلى الله عليه وسلم حِكمٌ كثيرةٌ، يمكن أن نوجزها فيما يلي:

الحكمة الأولى: تثبيت قلب النبي صلى الله عليه وسلم.

لقد وجَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوته إلى الناس، فوجد منهم نفورًا وقسوة، وتصدى له قوم غلاظ الأكباد فُطروا على الجفوة، وجُبلوا على العناد، يتعرضون له بصنوف الأذى والعنت، مع رغبته الصادقة في إبلاغهم الخير الذي يحمله إليهم، حتى قال الله فيه: ﴿ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا ﴾ [الكهف: 6]، فكان الوحيُ يتنزَّل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فترة بعد فترة، بما يثبت قلبه على الحق، ويشحَذ عزمه للمضي قدمًا في طريق دعوته، لا يبالي بظلمات الجهالة التي يواجهها من قومه،فإنها سحابةُ صَيف عما قريبٍ تنقشع،يبين الله له سنته في الأنبياء السابقين الذين كُذِّبوا وأُوذوا فصبروا حتى جاءهم نصر الله، وأن قومه لم يكذِّبوه إلا علوًّا واستكبارًا، فيجد صلى الله عليه وسلم في ذلك السنة الإلهية في موكب النبوة عبر التاريخ، التي يتأسى بها تسلية له إزاء أذى قومه، وتكذيبهم له، وإعراضهم عنه: ﴿ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ * وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ﴾ [الأنعام: 33، 34]، ﴿ فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ ﴾ [آل عمران: 184].



ويأمره القرآن بالصبر كما صبر الرسلُ مِن قبله: ﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ﴾ [الأحقاف: 35].



ويُطمئن نفسه بما تكفل الله به من كفايته أمرَ المكذبين:﴿ وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا * وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا ﴾ [المزمل: 10، 11].



وهذا هو ما جاء في حكمة قصص الأنبياء بالقرآن: ﴿ وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾ [هود: 120].



وكلما اشتد ألَمُ رسول الله صلى الله عليه وسلم لتكذيب قومه، وداخَله الحزن لأذاهم، نزل القرآن دعمًا وتسلية له، يهدد المكذبين بأن الله يعلم أحوالهم، وسيجازيهم على ما كان منهم: ﴿ فَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴾ [يس: 76]، ﴿ وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [يونس: 65].



كما يبشِّره الله تعالى بآيات المنعة والغلبة والنصر: ﴿ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ﴾ [المائدة: 67]، ﴿ وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا ﴾ [الفتح: 3]، ﴿ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [المجادلة: 21].



وهكذا كانت آيات القرآن تتنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم تباعًا؛ تسلية له بعد تسلية، وعزاءً بعد عزاءٍ، حتى لا يأخذ منه الحزن مأخذه، ولا يستبدَّ به الأسى، ولا يجد اليأس إلى نفسه سبيلًا، فله في قصص الأنبياء أسوة، وفي مصير المكذبين سَلْوى، وفي العِدة بالنصر بُشرى، وكلما عرض له شيء من الحزن بمقتضى الطبع البشري تكررت التسلية، فثبت قلبه على دعوته، واطمأن إلى النصر،وهذه الحكمة هي التي رد الله تعالى بها على اعتراض الكفار في تنجيم القرآن بقوله تعالى: ﴿ كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا ﴾ [الفرقان: 32].



قال أبو شامة (رحمه الله): "فإن قيل: ما السر في نزوله منجمًا؟ وهلا أنزل كسائر الكتب جملة؟ قلنا: هذا سؤال قد تولى الله جوابه، فقال الله تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ﴾ [الفرقان: 32]، يعنون: كما أُنزل على مَن قبلَه مِن الرسل، فأجابهم تعالى بقوله: ﴿ كَذَلِكَ ﴾ [الفرقان: 32]؛ أي أنزلناه مفرَّقًا ﴿ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ ﴾ [الفرقان: 32]؛ أي لنقوِّيَ به قلبك؛ فإن الوحي إذا كان يتجدد في كل حادثةٍ كان أقوى للقلب، وأشد عنايةً بالمرسل إليه، ويستلزم ذلك كثرة نزول الملك إليه، وتجديد العهد به وبما معه من الرسالة الواردة من ذلك الجانب العزيز، فحدث له من السرور ما تقصر عنه العبارة؛ ولهذا كان أجود ما يكون في رمضان؛ لكثرة نزول جبريل عليه السلام؛ (البرهان في علوم القرآن للزركشي جـ 1 صـ 231).



الحكمة الثانية: التحدي والإعجاز.

تمادى المشركون في غيِّهم، وبالغوا في عتوهم، وكانوا يسألون أسئلة تعجيز وتحدٍّ يمتحنون بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في نبوته، ويسوقون له من ذلك كل عجيب من باطلهم؛ كعلم الساعة: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ ﴾ [الأعراف: 187]، واستعجال العذاب: ﴿ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ ﴾ [الحج: 47]، فيتنزل القرآن بما يبين وجه الحق لهم، وبما هو أوضح معنى في مؤدى أسئلتهم؛ كما قال تعالى: ﴿ وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا ﴾ [الفرقان: 33]؛ أي: ولا يأتونك بسؤال عجيب من أسئلتهم الباطلة إلا أتيناك نحن بالجواب الحق، وبما هو أحسن معنًى من تلك الأسئلة التي هي مِثْلٌ في البطلان،وحيث عجبوا من نزول القرآن منجمًا بيَّن الله لهم الحق في ذلك؛ فإن تحدِّيَهم به مفرَّقًا مع عجزهم عن الإتيان بمثله أدخلُ في الإعجاز، وأبلغ في الحجة من أن ينزل جملة ويقالَ لهم: جِيئوا بمثله؛ ولهذا جاءت الآية عقب اعتراضهم: ﴿ لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً ﴾ [الفرقان: 32]؛ أي: لا يأتونك بصفة عجيبة يطلبونها كنزول القرآن جملة إلا أعطيناك من الأحوال ما يحِقُّ لك في حكمتنا وبما هو أبينُ معنًى في إعجازهم، وذلك بنزوله مفرقًا.



أخرج النسائي وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصحَّحه وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قرأ: ﴿ وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ ﴾ [الإسراء: 106] مثقَّلة، قال: نزل القرآن إلى سماء الدنيا في ليلة القدر من رمضان جملة واحدة، فكان المشركون إذا أحدَثوا شيئًا، أحدَث الله لهم جوابًا، ففرَّقه الله في عشرين سنة؛ (الدر المنثور للسيوطي جـ 5 صـ 345).



الحكمة الثالثة: تيسير حفظ القرآن وفهمه لأمة لا تعرف القراءة ولا الكتابة:

لقد نزل القرآن الكريم على أمة أمية لا تعرف القراءة والكتابة، سِجلُّها ذاكرة حافظة، ليس لها دراية بالكتابة والتدوين حتى تكتب وتدون، ثم تحفظ وتفهم: ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [الجمعة: 2]، ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ ﴾ [الأعراف: 157]، فما كان للأمة الأمية أن تحفظ القرآن كله بيُسر لو نزل جملة واحدة، وأن تفهم معانيَه وتتدبر آياته، فكان نزوله مفرَّقًا خيرَ عونٍ لها على حفظه في صدورها، وفهم آياته، كلما نزلت الآية أو الآيات حفِظها الصحابة، وتدبروا معانيَها، ووقفوا عند أحكامها، واستمر هذا منهجًا للتعليم في حياة التابعين.



روى البيهقيُّ عن عمر رضي الله عنه قال: تعلموا القرآن خمس آيات خمس آيات؛ فإن جبريل كان ينزل بالقرآن على النبي صلى الله عليه وسلم خمسًا خمسًا؛ (الدر المنثور للسيوطي جـ 5 صـ 346).



روى ابن عساكر عن أبي نضرة قال: كان أبو سعيد الخدري رضي الله عنه يعلمنا القرآن خمس آيات بالغداة، وخمس آيات بالعَشي، ويخبر أن جبريل نزل بالقرآن خمسَ آيات خمسَ آيات؛ (الدر المنثور للسيوطي جـ 5 صـ 346).



روى أبو بكر بن أبي شيبة عن وكيعٍ، عن خالد بن دينارٍ، عن أبي العاليةِ، قال: تعلَّموا القرآن خمسَ آياتٍ خمسَ آياتٍ؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأخُذُه خمسًا خمسًا؛ (مصنف ابن أبي شيبة جـ 6 صـ 117 رقم: 29930).



الحكمة الرابعة: مسايرةُ الحوادث، والتدرُّجُ في التشريع:

لقد كان القرآن الكريم في أول نزوله يتناول أصول الإيمان بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وما فيه من بعث وحساب وجزاء وجنة ونار، ويقيم على ذلك الحجج والبراهين؛ حتى يستأصلَ من نفوس المشركين العقائدَ الوثنية، ويغرسَ فيها عقيدة الإسلام،وكان يأمر بمحاسن الأخلاق، التي تزكو بها النفس ويستقيم عِوَجُها، وينهى عن الفحشاء والمنكر؛ ليقتلع جذور الفساد والشر،ويبين قواعد الحلال والحرام التي يقوم عليها صرح الدين، وترسو دعائمه في المطاعم والمشارب والأموال والأعراض والدماء،ثم تدرَّج التشريع بالأمة في علاج ما تأصل في النفوس من أمراض اجتماعية،بعد أن شرع لهم من فرائض الدِّين وأركان الإسلام ما يجعل قلوبهم عامرة بالإيمان، خالصة لله، تعبُدُه وحده لا شريك له،كما كان القرآن يتنزل وفق الحوادث التي تمر بالمسلمين في جهادهم الطويل لإعلاء كلمة الله؛ولهذا كلِّه أدلتُه من نصوص القرآن الكريم إذا تتبعنا مكيَّه ومدنيَّه، وقواعد تشريعه.



ففي مكة شُرعت الصلاة، وشرع الأصل العام للزكاة مقارنًا بالربا؛قال الله تعالى: ﴿ فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ﴾ [الروم: 38، 39].



ونزلت سورة الأنعام - وهي مكية - تبين أصول الإيمان، وأدلة التوحيد، وتندِّد بالشرك والمشركين، وتوضح ما يحل وما يحرم من المطاعم، وتدعو إلى صيانة حرمات الأموال والدماء والأعراض؛ قال الله تعالى: ﴿ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [الأنعام: 151، 152].



ثم نزَل بعد ذلك تفصيلُ هذه الأحكام؛فأصول المعاملات المدنية نزلت بمكة، ولكن تفصيل أحكامها نزل بالمدينة؛ كآية المداينة، وآيات تحريم الربا،وأسس العلاقات الأسرية نزلت بمكة، أما بيان حقوق كل من الزوجين، وواجبات الحياة الزوجية، وما يترتب على ذلك من استمرار العِشرة أو انفصامها بالطلاق، أو انتهائها بالموت، ثم الإرث، أما بيان هذا فقد جاء في التشريع المدني.



وأصل الزنا حُرِّم بمكة؛ قال سبحانه: ﴿ وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ﴾ [الإسراء: 32]، ولكن العقوبات المترتبة عليه نزلت بالمدينة،وأصل حرمة الدماء نزل بمكة؛ قال جل شأنه: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ﴾ [الإسراء: 33]، ولكن تفصيل عقوباتها في الاعتداء على النفس والأطراف نزل بالمدينة،وأوضح مثال لذلك التدرُّجِ في التشريع: تحريمُ الخمر؛ فقد نزل قوله تعالى: ﴿ وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾ [النحل: 67] في مقام الامتنان بنعمه سبحانه - وإذا كان المراد بالسُّكْر ما يُسكِر من الخمر، وبالرزق ما يؤكل من هاتين الشجرتين كالتمر والزبيب، وهذا ما عليه جمهور المفسرين - فإن وصف الرزق بأنه حسن دون وصف السُّكْر يُشعر بمدح الرزق والثناء عليه وحده دون السُّكْر،ثم نزل قوله تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ﴾ [البقرة: 219]، فقارنت الآية بين منافع الخمر: فيما يصدُرُ عن شربها من طرَب ونشوة، أو يترتب على الاتجار بها من ربح، ومضارِّها: في إثم تعاطيها وما ينشأ عنه من ضرر في الجسم، وفساد في العقل، وضياع للمال، وإثارة لبواعث الفجور والعصيان، ونفَّرت الآية منها بترجيح المضارِّ على المنافع.



ثم نزل قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى ﴾ [النساء: 43]، فاقتضى هذا الامتناع عن شرب الخمر في الأوقات التي يستمر تأثيرها إلى وقت الصلاة؛ حيث جاء النهي عن قربان الصلاة في حال السُّكْر حتى يزول عنهم أثره، ويعلَموا ما يقولونه في صلاتهم.



ثم نزل قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾ [المائدة: 90، 91]، فكان هذا تحريمًا قاطعًا للخمر في الأوقات كلها.



روى البخاري عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: "إنما نزل أولَ ما نزل منه سورةٌ من المفصل، فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام، ولو نزل أول شيءٍ: لا تشربوا الخمر، لقالوا: لا ندَع الخمر أبدًا، ولو نزل: لا تَزْنوا، لقالوا: لا ندَع الزنا أبدًا؛ (البخاري حديث: 4993).



وهكذا كان التدرج في تربية الأمة وفق ما يمر بها من أحداث.



أُعجب المسلمون بكثرتهم يوم حنين، حتى قال رجلٌ: لن نُغلَب من قلة، فتلقوا درسًا قاسيًا في ذلك، ونزل قوله تعالى: ﴿ لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ * ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 25 - 27].



وحين تخلَّف نفر من المؤمنين الصادقين في غزوة تبوك، وأقاموا بالمدينة، ولم يجد رسول الله صلى الله عليه وسلم لديهم عذرًا، هجَرهم وقاطعهم، حتى ضاقوا ذرعًا بالحياة، ثم نزل القرآن بقَبول توبتهم؛قال الله تعالى: ﴿ لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ * وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [التوبة: 117، 118].



يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 139.95 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 138.23 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.23%)]