|
الملتقى العلمي والثقافي قسم يختص بكل النظريات والدراسات الاعجازية والثقافية والعلمية |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() السماع والاحتجاج والإنصاف عند الحِجاج حسن سجا إن السماع له أصول معروفة في اللغة، وهي تتقاطع وتتشابه إلى حد بعيد بأصول الفقه، وإنما كان حرص اللغويين والنحاة وتشددهم زمن الاحتجاج إلى حد الاختلاف مرده صون اللغة العربية من الآفات وسداً للذريعة، حتى لا تشوبها شائبة، أو يدخل فيها ما ليس منها، فتصل إلى الخلف محفوظة غير مخرومة ولا مثلومة. لكن الخلف تنكر وتنكب، وجعلهما وراءه ظهرياً، وضع الأصول، وأضاف إليهما الفروع، حتى إذا فصلت العير، وذهبت أيام جاء اللحن فيها يمشي على استحياء، بل أجلب علينا بخيله ورجله، فطفق الواحد منا لا يقيم للعربية وزناً، ولا ينضبط فيها بقاعدة، ولو اطلعت على كتاباته أو سمعت قوله، وليت منه فراراً، ولملئت منه رعباً، ولله الأمر من قبل ومن بعد. وبناء على هذا فزمننا ليس بزمن الاحتجاج فنسكت ونتلقى، ولكن في غور الحجاج المضني نتلهى بدون إنصاف، وهذا ما أدى إلى الفوضى الفكرية غير المعقلنة، ومرد ذلك كثير من الأمور، فإن كانت أجوبة فهي لا تحتاج منا إلى كثير بيان بإسهاب أو استطراد، لكن نقول وبالله التوفيق: إن الخلف ممن تنطع، زها بجهله ظن أنه يحسن صنعاً، بتر كلام العلماء، واستشهد به في غير محله تارة، ثم فهم منه شيئاً آخر تارة أخرى، فغلا بمجاراة الاجتهادات الفردية بفهم مجرد من الإنصاف، أو ردها بقلم سقيم، من جهة أخرى، لم يعلم -أسفي عليه-ـ أن "أحاديث الأقران تطوى ولا تروى" وأن ردودهم رسائل علمية، ينتفع بها، وهي في الأصالة نابهة، ولا تؤخذ شناً، ولا لجلجة. وتارة أخرى، إن قعد المبتدئ غيب عقله، فلا الفهم بلغ، ولا العلم حصل، ذلك الذي أدى به، فرتق حشوه، وقلب فمه عن غيره، مدعياً في أحد العلماء، معتقداً في آرائه العلمية العصمة، وفي شخصه القدسية، وغيره صفر لا يلحقه من المشاهير أحد. يا لله! كم ضيع هؤلاء العلم الوفير، والأجر الكثير، هلا علموا أن العلم لم يجمع في صدر رجل واحد، وأن تتبع الخطأ مظنة الزلل والانحراف، وأن التأدب من كمال العلم وهو دليل صحته، هيهات هيهات أن ينال العلم بلا أدب. وإن من التأدب استئذان الشيخ العالم بالانصراف عند الانتهاء من جلسة إلى عالم آخر يستفاد منه، طلباً منه للاستزادة والفائدة، مع حفظ الجميل لشيخه الأول، فلا يغمطه حقه، ولكن يستر عنه كل قبيح اعتباراً بالبر والقرابة التي هي فوق قرابة الرحم، وينشر عنه كل حسن، فهذا من مكافأة الجميل وصون الأمانة، وقد قال الخليل: "لاَ يَعرف الرَّجُلُ خَطَأَ مُعَلِّمِهِ حَتَّى يُجَالِسَ غَيْرَه" هذا في زمن الخليل وقرون قريبة من ذلك الزمن الذهبي، أما ما يوجد اليوم، هذيان زوج بجهل، لو وزع على أهل الأرض لمحقوا محقاً، لا أقصد بالتمام مجالسة أهل الخصومات بهذه الكلمات، ولا أن يشم الأنف المنصف من كلامي خلاف النية والطوية، منذ أن عزمت على نفسي أن الإصلاح دأبي ما استطعت إلى ذلك سبيلاً. وقد نقل أحمد ابن تيمية عن سابقيه هذا القول النفيس: "لو سكت من لا يعلم لقل الخلاف" هذا صحيح، فإن كثرة الخلافات والشنشنات أفسدت كثيراً من القلوب، ولو حصل العكس لتبينت لنا المحجة البيضاء من العثرات الحالكات، والأهواء إنما يقطع أنفها بالتواضع، وتجانب اللمز من كل عياب واضع. أيها المتأدب -العزيز- في أي علم تريد سواء كان فقهاً أو أدباً أو غيرهما من العلوم النافعة، عليك بثابت راسخ في السنة والكتاب، وإنما تداوى النفوس، وتعالج بدفع ذيل الجهل، وطلب العلم الصحيح مع الدخول في ميدان الحياة بإيجاب، وهو سبب مُفضٍ إلى الاطمئنان. إن القراءة والنقد يكونان بفهم متعمق، وليست المشكلة في امتلاك الأدوات، ولكن في حصول النفع بهذه القراءة، ثم إنزالها منزلة العالم من خلال قراءة عالمة. والأسلم في منهج العلم ترك الرد والجدال ومن ودعه في زمننا فقد استهدى، وإن وصل المنتهى وقدر على ذلك. والمتأمل في واقع بعض طلاب العلم يجدهم إما أن يأخذوا كل ما يقوله العالم، أو يردُّوا كل ما يقوله، وهذا خلاف ما أمر الله تعالى به من العدل والإنصاف، قال تعالى : (ولا يَجْرمَنَّكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى) [ سورة المائدة، الآية : 8 ] والذي ينصح به عدم التجاوز في بيان الخطأ الذي وقع فيه, فإذا وقع أحد العلماء في خطأ، وأردت أن تبين خطأه، فلا تذهب تُحصي جميع أخطائه، وتستطيل في عرضه، وإنما احصر حديثك في القضية التي تريد بيان الحق فيها، ولا تتجاوزها، وإياك أن يستجرك أحد إلى تجاوزها. وصدق من قال: ولست بناجٍ من مقالة طاعن *** ولو كنت في غار على جبل وعر وفي هذا الصدد أذكر بعض الرسائل التي حفها الأدب العلمي والنفسي، والتي يعجب المطلع على براعة أصحابها، وتفوقهم في الأسلوب والصياغة وقدرتهم الفائقة على الجدال والمناظرة وثقافتهم الكلامية الواسعة منها: رسائل القرن الثالث والرابع الهجريين، رسالة الرماني والباقلاني في الإعجاز، وفي القرن الرابع والخامس الهجريين رسائل الخطابي والجرجاني في البيان -رحمهم الله جميعاً-ـ، وفي تتبعنا لهؤلاء السلف الصالحين نجد أنهم طبقوا منهج العلم تطبيقاً شاملاً سدوا به جرحاً كان قد اتسع، وسدوا باباً من الشر عظيماً، وأماتوا جماً من البدع، كما أن الريادة في مجموعة من العلوم، كانت دأبهم وسعيهم، وللعالمين الجليلين الأخيرين شاهد في ما أقول.ومن ذا الذي ينجو من الناس سالماً *** ولو غاب عنهم بين خافيتي نسر إن العلماء في القديم متى سنحت لهم المناظرة أبانوا عن موسوعية كبيرة وأدب في الحديث، الذي يقال بحق عن أمسنا أنه جميل بالتواضع والعلم، أما قي زمننا مع قلة العلم كثر الموسوسون ممن يشكون في أنفسهم، ويستبيحون الشك في ربهم. وكإضاءة أخيرة أختم بها القصة التي وقعت مع الإمام الشافعي: يحكى أن يونس بن عبد الأعلى وهو أحد طلاب الإمام الشافعي -رحمهم الله- اختلف مع الإمام في مسألة أثناء إلقائه درساً في المسجد! فقام يونس مغضباً، وترك الدرس، وذهب إلى بيته! فلما جاء الليل، سمع يونس صوت طرق على باب منزله! فقال يونس: من بالباب؟ قال الطارق: محمد بن إدريس! قال يونس: ففكرت في كل من كان اسمه محمد بن إدريس إلا الشافعي! قال: فلما فتحت الباب، فوجئت به، فقال الإمام: يا يونس تجمعنا مئات المسائل، وتفرقنا مسألة؟! وفي هذا النص فائدة جليلة، وتذكير بأدب الْإِنْصَافُ الذي هُوَ الْجَرْيُ عَلَى سُنَنِ الِاعْتِدَالِ، وَالِاسْتِقَامَةُ عَلَى طَرِيقِ الْحَقِّ، وهو رأس الخير فَاسْلُكْ أخي أي طريق شِئْتَ وَاَللَّهُ يُرْشِدُنَا وَإِيَّاكَ لِطَرِيقِ الرَّشَادِ، وَيُجَنِّبُنَا وَإِيَّاكَ طَرِيقَ الْجَحْدِ وَالْعِنَادِ، والله الهادي من يشاء إلى سواء السبيل.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |