آيات وأحاديث يظلم الناس أنفسهم في فهمها - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         ميزة جديدة من واتساب ستمنعك من مشاركة رقم هاتفك المحمول (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          كيف يجنب الآباء أطفالهم من اضطراب fomo ويقللون الاعتماد على وسائل التواصل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          لاحظها على طفلك.. علامات خطيرة لاضطراب متعلق باستخدام السوشيال ميديا (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          خطوات بسيطة يجب اتباعها لضمان تجربة إنترنت آمنة وتعليمية لطفلك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          كل ما تحتاج معرفته عن تطبيق Essentials الجديد من جوجل.. وأبرز مميزاته (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          واتساب يتيح ميزة نسخ الملاحظات الصوتية.. اعرف كيفية استخدامها (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          تطبيق Google Keep يحصل على مميزات الذكاء الاصطناعى.. كيف تستفيد منها؟ (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »          احم طفلك من الإنترنت.. توصيات رسمية خلى بالك منها وابنك ماسك الموبايل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          لو خايف على أطفالك من فيس بوك.. 5 مميزات لتطبيق ماسنجر كيدز (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 2 )           »          كيف تحدد وقت استخدام طفلك للإنترنت على فيس بوك (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 3 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى السيرة النبوية وعلوم الحديث ملتقى يختص في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وعلوم الحديث وفقهه

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 17-07-2020, 04:55 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,410
الدولة : Egypt
افتراضي آيات وأحاديث يظلم الناس أنفسهم في فهمها

آيات وأحاديث يظلم الناس أنفسهم في فهمها (1)














﴿ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ ﴾ [المائدة: 105]أحمد الجوهري



بعض الناس يريد أن يتملص من فريضة الدعوة إلى الله، ولا يحب أن يتحمل مشقةَ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكَر، فيذهب إلى الكَسل والدَّعَة والراحة حسبما يملي عليه هواه، لكنه لا يذهب بنفسه مكتفيًا بإثم تضييعِ هذا الواجب فقط، بل تؤزُّه نفسه الأمّارة بالسوء أن يستدل لكسَله وإثمه بآية أو حديث، ومن أشهر الآيات التي يستدل بها البعض في هذا المقام قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ﴾ [المائدة: 105].





يزعمون أن فيها دليلًا لتفريطهم ذاك، يقولون: ما كلفنا الله إلا أنفسنا، وما علينا في الآخرين من ضرر طالما أننا عملنا بالحق واتبعنا الهدى، لا يضركم من ضلَّ إذا اهتديتم! وما درَى هؤلاء المساكين أنهم لو ذهبوا إلى باطلهم راحة وكسلًا كان أهون عند الله في الإثم من أن يستدلوا عليه بالأدلة؛ لأن البديهة تقول بأن الآيات والأحاديث لا تكون دليلا أبدًا على الباطل، فعُلم بالضرورة أن الاستدلال بالآية في غير موضعه، وهو كذلك ها هنا في هذه الآية.





فهذا الذي استدل على زعمه بالآية لو أنه تفكر في ألفاظها لظهر له أنها تنسف استدلاله!


1 - فإن الله تعالى يقول: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ﴾، وهذا النداء لعموم المؤمنين، لا يتخلف عنه إلا من أحب أن يستبدل به نداء غيره يخرجه عن مجموع المؤمنين، فكان واجبًا على من سمعه - وهو يزعم أنه منهم - أن يستجيب للتكليف الذي يأتي بعده، فما هو التكليف؟





قال تعالى: ﴿ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ ﴾، ومعنى عليكم أنفسكم: الزَموا أنفسكم، وتعبير أنفسكم تكرر كثيرًا في القرآن الكريم، وأقربه إلى السمع قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾ [الحجرات: 11]، وهو يدعو إلى التساؤل: كيف يلمز الإنسان نفسه؟ وأيضًا من القريب قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾ [النساء: 29]، وأيضًا يرد التساؤل نفسه: كيف للمؤمنين أن يقتلوا أنفسهم؟!





والمتأمِّل في القرآن الكريم لن يعدم الإجابة الصحيحة على هذه التساؤلات؛ إذ يعلم أن المعنى في الأول: لا يلمز بعضكم بعضًا، وفي الثاني: لا يقتل بعضكم بعضًا، فكذلك هنا في تعبير هذه الآية: ﴿ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ ﴾: الزَموا أنفسكم؛ أي: ليلزَمْ بعضكم بعضًا، وهو معنى قوله تعالى: ﴿ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾ [العصر: 3]، فما أدَّى حقَّ إخوانه المؤمنين فيما أوجبه الله عليه من ذلك مَن ترك إخوانه مِن نصحه ودعوته، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر؛ لأن هذا مقتضى حرص الإنسان على إخوانه المؤمنين.





2 - وفي الآية أيضًا يقول ربنا: ﴿ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ﴾ [المائدة: 105]، فبيَّن سبحانه أن الإنسان إذا اهتدى لا يضره فعل الغير، فمتى يكون الإنسان مهتديًا؟


والجواب: إذا أدى ما أُمِر به، وترك ما نهي عنه، فساعتها لا يضره فِعلُ الغير؛ لأن كل نفسٍ إنما تزر على نفسها، وهذا يقتضي من الإنسان أن يأمر بالمعروف، وأن ينهى عن المنكَر؛ لأنه لا يمكن أن يكون مهتديًا ما لم يأمر بالمعروف، ويَنْهَ عن المنكر؛ لأن من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر غيرُ مهتد؛ إذ كيف يكون مهتديًا وقد أضاع جميعَ الأوامر التي تحث على هذه الشَّعيرة وتحض عليها؟ فالاهتداء مِن شرطه الأمرُ بالمعروف والنهي عن المنكَر.





3 - وقد وردت السنَّة النبوية - وهي البيان لِما في القرآن، والتوضيح له، وفيها التفصيل - بالتحذير من فهم أولئك الكسالى المدعين على الله تعالى؛ ففي الحديث عن أبي بكرٍ الصِّديق رضي الله عنه أنه قال: "يا أيها الناس، إنكم تقرؤون هذه الآية: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ﴾ [المائدة: 105]، وإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن رأى الناسُ الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعُمَّهم اللهُ بعقاب منه))؛ [رواه أبو داود (4338)، والترمذي (2168) وغيرهما، وصححه الألباني في صحيح الترمذي برقم 2448]، فبيَّن - رضي الله عنه - أن هذه الآية تقتضي القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله، وليست دعوة لترك ذلك، فما يكون مهتديًا مَن ضيَّع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل يكون ناقصَ الهداية، ناقص الإيمان.





4 - نعم على الإنسان أن يهتم بنفسه، وأن يعتني بها، وأن يجتهد في صلاحها؛ فإنه مسؤول عنها أول شيء، ثم يهتم بأمر أسرته ومَن يعُولهم، ثم يبلغ دين الله متى تطلَّب الحال ذلك وقام به على وجهه.





5 - وإذا قام الإنسان بما أوجبه الله عليه من الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولم يسمع منه، فلا عليه أن يدعَ مَن كان كذلك؛ فإنه لا يضره ضلاله، ولا يزر وزره؛ فعن ابن مسعود قال في هذه الآية: مُرُوا بالمعروف وانهَوْا عن المنكر ما قُبِل منكم، فإن رُدَّ عليكم فعليكم أنفسَكم، ثم قال: إن القرآن قد نزل منه آيٌ قد مضى تأويلهن قبل أن ينزلن، ومنه آيٌ قد وقَع تأويلهن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنه آي يقع تأويلُهن بعد رسولِ الله بيسير، ومنه آي يقع تأويلهن في آخر الزمان، ومنه آي يقع تأويلهن يوم القيامة، ما ذكر من الحساب والجنة والنار، فما دامت قلوبُكم وأهواؤكم واحدة، ولم تلبسوا شيعًا، ولم يذُقْ بعضكم بأس بعض، فأمُروا وانهَوْا، وإذا اختلفت القلوب والأهواء، وألبستم شيعًا، وذاق بعضكم بأس بعض، فامرؤٌ ونفسه، فعند ذلك جاء تأويل هذه الآية؛ [تفسير البغوي (3/111)].





6 - وبهذا المعنى الشامل للآية جاء حديثٌ عن أبي أمية الشعباني قال: أتيت أبا ثعلبة الخُشَني، فقلت: يا أبا ثعلبة، كيف تصنع في هذه الآية؟ قال: أية آية؟ قلت: قول الله عز وجل: ﴿ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ﴾ [المائدة: 105]، فقال: أما والله لقد سألتَ عنها خبيرًا، سألتُ عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: *((بل ائتمروا بالمعروف، وتناهَوْا عن المنكَر، حتى إذا رأيت شحًّا مطاعًا، وهوًى متبعًا، ودنيا مؤثرة، وإعجابَ كلِّ ذي رأي برأيه، ورأيت أمرًا لا بد لك منه - فعليك نفسَك، ودَعْ أمرَ العوامِّ؛ فإن من ورائكم أيام الصبر، فمن صبر فيهن قبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلًا يعملون مثل عمله))، قال ابن المبارك: وزادني غيره: قالوا: يا رسول الله، أجر خمسين منهم؟ قال: ((أجر خمسين منكم))؛ [رواه أبو داود والترمذي وغيرهما، وصححه الترمذي والشيخ أحمد شاكر في عمدة التفسير (1/748)، وضعفه الألباني عدا فقرة أيام الصبر قال: ثابتة، ضعيف الجامع 2344)].





7 - فلا يفترِ إنسانٌ على كتاب الله ما ليس يعنيه، ولا يقولن عليه ما ليس فيه، ولعل مِن كرامات أبي بكر رضي الله عنه أنه قال في نهاية حديثه السابق: يا أيها الناس، إياكم والكذبَ؛ فإن الكذبَ مجانِبُ الإيمان.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 17-07-2020, 04:55 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,410
الدولة : Egypt
افتراضي رد: آيات وأحاديث يظلم الناس أنفسهم في فهمها

آيات وأحاديث يظلم الناس أنفسهم في فهمها (2)







أحمد الجوهري









(2) استفت قلبك



كثيرًا ما نسمع البعض يردِّد حديث: ((استفتِ قلبَك وإن أفتاك الناسُ وأفتَوكَ وأفتَوك))؛ [رواه الإمام أحمد (17545) وصححه الألباني في صحيح الترغيب" (1734)].

يستدلُّون به على أنَّ المرء يُتابع ما يدلُّه عليه قلبُه ونفسه وعقله، ولا حاجة به لعالم أو مُفتٍ، ويعطون لأهوائهم ورغباتهم الحكم بالتحليل أو التحريم، فيَرتكبون ما يرتكبون من المحرَّمات ويقولون: "استفت قلبك"!

وسبحان ربِّي! فاعتمادُهم على أنفسهم في فَهم هذا الحديثِ هو الذي أوقعَهم في هذا الاستِدلال الخطأ!

وليس مِن معاني الحديث أبدًا ما يَذهَبون إليه، بل معنى الحديثِ كما يقولُ العلماء أنَّ الفتوى التي لا تُوافق الشرعَ في ذاتها لا يؤخَذ بها، فإذا وصَل إلى المستفتي أنَّ الفتوى خطأ، أو بها مُحاباة أو هوًى أو غيره، فلا ينبغي له أن يركَن إليها، بل يَستمع لنُصح قلبِه وإملاءِ ضميره فلا يَعمل بِمُقتَضاها؛ لأنَّ مجرد الفتوى لا تحوِّلُ الحلال إلى حرام، ولا العكس!

والفتوى مَثلُها في ذلك كمَثل القضاء؛ فمِن الوارد أن يقع في القضاء محاباةٌ أو خطأ أو هوًى أو شهوة، فحين يصلُ إليك أنَّ القاضيَ حكَم لك خطأً أو حاباك، أو لأن لك أو لمحاميك قدرةً على الإقناع، أو لعدم استطاعة خَصمِك أن يُبينَ عن حجَّته، فلا يصحُّ لك أن تأخذ الحقَّ الذي حكَم لك به القاضي، ولا يمكن لعاقلِ أن يقول بأن مجرَّد حكم القاضي قد صيَّر من حقِّ المدَّعي ما ليس له بحق!

ولهذا جاء في الحديثِ عن زينبَ بنت أبي سلمةَ عن أمِّ سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع جلَبة خَصم ببابِ حُجرته، فخرج إليهم فقال: ((إنَّما أنا بشرٌ، وإنه يأتيني الخَصم، فلعلَّ بعضَهم أن يكونَ أبلغَ مِن بعض، فأحسِبُ أنه صادقٌ فأقضي له، فمَن قضيتُ له بحقِّ مسلم فإنما هي قطعةٌ من النار، فلْيَحمِلها أو يذَرْها))؛ [رواه مسلم 1713].

فكذلك الفتوى؛ إن أفتاك مُفتٍ بأن هذا جائز، ولكن نفسَك لم تطمئنَّ ولم تنشرِح إليه فدَعْه؛ فإنَّ هذا من الخير والبر.

ولعلَّ هذا من أوضح الأدلة أيضًا على خطأ مَن يقولون: نحن نعلم بأنَّ هذا حرام، لكنْ فلان أفتى بأنه حلال، فنحن نعمل بقوله، وعليه هو وزرُ ذلك! لأنه يجب عليه أن يَستفتي نفسه أولاً، ولا تخلِّصه فتوى المفتي من الله إذا كان يَعلم أنَّ الأمر في الحقيقة بخلاف ما أفتاه.

وبهذا الفَهم في الحديث قال الأئمَّة رحمهم الله تعالى؛ قال الإمام ابنُ القيِّم: "لا يجوزُ العمل بمجرَّد فتوى المفتي إذا لم تطمئنَّ نفسُه، وحاكَ في صدره مِن قَبوله، وتردَّد فيها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((استفت نفسك وإن أفتاك الناسُ وأفتَوك))"؛ ["إعلام الموقِّعين" (4 /254)].


وفي الحديث نوعٌ من الإعجاز النبوي؛ إذ أخبَر بأن ذلك سيقَع، وأعطانا العلاجَ له حين يقَع.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 17-07-2020, 04:56 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,410
الدولة : Egypt
افتراضي رد: آيات وأحاديث يظلم الناس أنفسهم في فهمها

آيات وأحاديث يظلم الناس أنفسهم في فهمها (3)

ï´؟ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ï´¾!

أحمد الجوهري

يردِّد كثيرٌ من الناس هذه الجملة من قول الله تعالى: ï´؟ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ï´¾ [البقرة: 195]، ويزعمون أن التهلُكة هي الموت، ويستشهدون بها على وجوب حفظ الإنسان نفسَه من المهلكات التي ترد عليها، ولو في سبيل الطاعات؛ كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والوقوف مع المظلومين، وما إلى ذلك من دعائم إقامة الدين، فيقولون لمن قام بشيء منها: لا تفعل ذلك؛ فإن الله تعالى يقول: ï´؟ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ï´¾ [البقرة: 195]!

وليس هذا هو المرادَ من الآية، بل بالعكس هو المراد؛ وهو ترك الجهاد في سبيل الله، وترك إنفاق المال في سبيل إقامة هذا الدين، والانشغال عن ذلك بملذات الحياة الدنيا.

والعجيب أن هذا الفهم الخاطئ للآية قد شاع وتردد وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يزالون متوافرين؛ فكان من توفيق الله تعالى أن تولَّوْا هم الجواب عن ذلك الزعم؛ وذلك أن بعضَ الصحابة أرادوا أن يركنوا إلى ضَيعاتهم وتجاراتهم ليصلحوها ويتركوا الجهاد في سبيل الله، فحذرهم الله من ذلك في هذه الآية؛ روى أبو داود وغيره عن أسلم أبي عمران قال: حمل رجلٌ من المهاجرين بالقسطنطينية على صف العدو حتى خرقه، ومعنا أبو أيوب الأنصاري، فقال ناس: ألقى بيده إلى التهلُكة، فقال أبو أيوب: نحن أعلم بهذه الآية، إنما نزلت فينا، صحِبْنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهدنا معه المشاهد ونصرناه، فلما فشا الإسلام وظهر، اجتمعنا معشر الأنصار نجيًّا، فقلنا: قد أكرمنا الله بصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونصره، حتى فشا الإسلام وكثُر أهله، وكنا قد آثرناه على الأهلينَ والأموال والأولاد، وقد وضعت الحرب أوزارها، فنرجع إلى أهلينا وأولادنا فنقيم فيهما، فنزل فينا: ï´؟ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ï´¾ [البقرة: 195]، فكانت التهلُكةُ في الإقامة في الأهل والمال وترك الجهاد[1].

وروى الإمام البخاري عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، أنه قال في هذه الآية: "نزلت في النفقة"[2].

ولهذا اتفق أهل العلم من المفسرين والفقهاء وغيرهم على أن الآية واردةٌ في سياق الأمر بالنفقة؛ فعن ابن عباس قال: ليس ذلك في القتال، إنما هو في النفقة، أن تمسك بيدك عن النفقة في سبيل الله.

وقال ابن جرير: "فالصواب من القول في ذلك أن يقال: إن اللهَ نهى عن الإلقاء بأيدينا لِما فيه هلاكنا، والاستسلام للهلكة، وهي العذاب، بترك ما لزِمنا من فرائضه؛ فغير جائزٍ لأحد منا الدخول في شيء يكرَهُ الله منا مما نستوجب بدخولنا فيه عذابَه، غير أن الأمر وإن كان كذلك، فإن الأغلب من تأويل الآية: وأنفقوا - أيها المؤمنون - في سبيل الله، ولا تتركوا النفقةَ فيها؛ فتهلِكوا باستحقاقكم بترككم ذلك عذابي..."[3].

ومضمون الآية - كما في ابن كثير -: الأمر بالإنفاق في سبيل الله في سائر وجوه القربات ووجوه الطاعات، وخاصة صرف الأموال في قتال الأعداء، وبذلها فيما يقوَى به المسلمون على عدوهم، والإخبار عن ترك فعل ذلك بأنه هلاكٌ ودمار إن لزمه واعتاده، ثم عطَف بالأمر بالإحسان، وهو أعلى مقامات الطاعة، فقال: ï´؟ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ï´¾ [البقرة: 195]"[4].

وفي التفسير الميسر: ï´؟ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ï´¾ [البقرة: 195]؛ أي: واستمروا - أيها المؤمنون - في إنفاق الأموال لنصرة دين الله تعالى، والجهاد في سبيله، ولا تُوقِعوا أنفسكم في المهالك بترك الجهاد في سبيل الله، وعدم الإنفاق فيه، وأحسنوا في الإنفاق والطاعة، واجعلوا عملكم كله خالصًا لوجه الله تعالى، إن الله يحبُّ أهل الإخلاص والإحسان.

لكن يبقى السؤال:
أليست الآية دليلًا كذلك على النهي عن قتل النفس وإيذائها وإلقائها إلى التهلُكة؟!
والجواب: بلى؛ فلقد استدل العلماء بهذه الآية أيضًا على النهي عن قتل النفس وإيذائها وإلقائها إلى التهلُكة بأي طريقة من طرق التهلُكة أو الأذى، آخذين بعموم لفظ الآية، وبالقياس الجلي، مقررين بذلك القاعدة الأصولية القائلة: "العبرة بعموم اللفظ، لا بخصوص السبب".

وفي هذا يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله: "وأما قصرها عليه - قصر الآية على موضوع ترك النفقة في سبيل الله - ففيه نظر؛ لأن العبرةَ بعموم اللفظ"[5].

ويقول الشوكاني رحمه الله: "أي: لا تأخذوا فيما يُهلككم، وللسلف في معنى الآية أقوال، والحق أن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؛ فكلُّ ما صدَق عليه أنه تهلُكة في الدين أو الدنيا فهو داخل في هذا، وبه قال ابن جَرير الطبري"[6].

ولذلك ورَد عن البراء بن عازب رضي الله عنه أنه اعتبر مَن يُذنب الذنبَ ثم ييئَس من رحمة الله: أنه ألقى بيده إلى التهلُكة[7].

والجمع بين هذين الفهمين الواردين في الآية - وقد اطلعنا عليهما - أن القعود عن كلِّ ما من شأنه نصرة الدين بحجة هذه الآية، فهو خطأ لا حجة في الآية عليه؛ لأنها تتحدث عن نصرة الدين بما يملِك الإنسانُ وبنفسِه.

وأما ما يكون من تقدير يغلِب الظن فيه أن نصرة الدين غير متحققة، وأن أداء الواجب متعذِّر، وسيترتب عليه هلاك النفس من غير تحقُّق المطلوب في أي صورة من صوره - فلا شك أن الإسلام يرغَبُ بالمرء عن اقتحام المُهلِكات، كمثل هذه الحالة.

ولا يكون ذلك بحمل الآية على ما يحمله الناس عليها دائمًا من غير قيد أو شرطٍ!

وإلا فماذا نفعل في مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((سيدُ الشهداءِ حمزةُ بن عبدالمطلب، ورجلٌ قام إلى إمامٍ جائرٍ فأمره ونهاه، فقتله))[8]؟

وهذه الآية مثال قوي لضرورة مراعاة السياق في تفسير الآية؛ فإن هذه الجملة الكريمة: ï´؟ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ï´¾ [البقرة: 195] لا يمكن فهمها مجردةً من سياقها، يقول الشيخ سعيد حوى - رحمه الله - في كتابه: "الأساس في التفسير": "وأما النهي عن إهلاك النفس، فإذا نظرنا إلى النص مجردًا كان له معنى، وإذا نظرنا إليه من خلال الآية التي هو فيها أعطانا معنى آخر، وإذا نظرنا إليه أنه جزء من السياق أعطانا معنى جديدًا، وكل هذه المعاني مرادة، وكلها قد ذكرها أئمة التفسير عند شرح الآية.

1- فإذا نظرنا إلى النص مجردًا فهمنا منه أنه نهي عن قتلنا أنفسنا؛ أي: لا تقتلوا أنفسكم بأيديكم، كما يقال: أهلك فلان نفسه بيده، إذا تسبب في هلاكها، وهل يدخل في ذلك لو أن الإنسان أمر المسلمين بمعروف أو نهاهم عن منكر فقتلوه؟
الجواب: لا، بل هو مأجور.

نص على ذلك فقهاء الحنفية، وهل يدخل في إلقاء النفس إلى التهلُكة لو أن إنسانًا هجم على الكافرين ملقيًا نفسه عليهم فقتلوه؟ قال الحنفية: إن كان بعمله هذا يُنكي فيهم ويلقي الرعبَ في قلوبهم فهو مأجور، ولا يدخل في النهي، وإن كان لا يُنكي فيهم بل يزيد من جرأتهم على المسلمين، فلا يحل له ذلك، ويدخل في النهي.

2- وإذا نظرنا إلى هذا النهي ووروده بعد الأمر بالإنفاق، فهمنا منه أنه نهيٌ عن ترك الإنفاق في سبيل الله؛ لأنه سبب للهلاك، ذهب إلى ذلك كثير؛ أخرج البخاري عن حذيفة في الآية قال: نزلت في النفقة، وقال ابن عباس في الآية: ليس ذلك في القتال، إنما هو في النفقة، أن تمسك بيدك عن النفقة في سبيل الله، ولا تلقي بيدك إلى التهلُكة، وعن الضحاك بن أبي جبيرة قال: كانت الأنصار يتصدقون وينفقون من أموالهم، فأصابتهم سَنَة فأمسكوا عن النفقة في سبيل الله، فنزلت: ï´؟ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ï´¾ [البقرة: 195]، وقال الحسن البصري: ï´؟ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ï´¾: قال: هو البخل.

3- وإذا نظرنا إلى هذا النهي من خلال وروده بعد آيات القتال، فهمنا منه أنه نهي عن ترك الجهاد، وأن ترك الجهاد هو الهلاك، وهكذا فسرها أبو أيوب الأنصاري، وقد لاحظنا أن هذه الاتجاهات الثلاثة الرئيسية في فهم هذا النص سببها ملاحظة النص مجردًا، أو السياق القريب، أو السياق العام، وهذا قد يكون أبرز مثال من خلال كلام أئمة التفسير لما حاولنا إبرازه سابقًا من أن هذا القرآن معانيه لا تتناهى، فمن خلال المعنى المجرد للنص، ومن خلال السياق القريب والسياق العام، والوحدة القرآنية، ومن خلال عبارة النص، ومن خلال إشارة النص - تتولد معانٍ لا تتناهى، وكل يأخذ من كتاب الله على قدر ما قسمه الله له، وهذه المعاني كلُّها حق، فما أكثرَ جنايةَ مَن كفَر بهذا القرآن!

وهناك اتجاهان آخران في فهم قوله تعالى: ï´؟ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ï´¾ [البقرة: 195]، اتجاه يفهم من خلال النص المجرد، واتجاه من خلال السياق القريب.

الاتجاه الأول: تفسير الهلاك بالهلاك الأخروي، وذلك بالذنب والاستمرار عليه، وهو تفسير النعمان بن بشير رضي الله عنه، قال: إنها في الرجل يُذنب الذنب فيعتقد أنه لا يغفر له، فيلقي بيده إلى التهلُكة؛ أي: يستكثر من الذنوب فيَهلِك، وكذلك فسرها البراء، قال: ولكن التهلُكة أن يذنب الرجل الذنب فيلقي بيده إلى التهلُكة ولا يتوب.

والاتجاه الثاني: ذكره النسفي من جملة الأقوال في تفسير النهي في الآية، فقال: والمعنى: النهي… عن الإسراف في النفقه حتى يُفقِر نفسَه ويضيع عياله، وكأنه أخذه من السياق، ï´؟ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ï´¾ [البقرة: 195]، والإحسان فسَّره رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أن تعبُدَ الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك))، والإحسان فعل الحسن والأحسن، فالأمر بالإحسان هنا يقتضي أن ننفق، وأن نجاهدَ، وأن يكون ذلك بإتقان وإحسان مع الإخلاص لله والمراقبة[9].


[1] رواه أبو داود والنسائي والترمذي، والحديث صححه العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة.

[2] رواه البخاري (4244).

[3] جامع البيان للطبري (2/50).

[4] تفسير ابن كثير(1/530).

[5] فتح الباري (8/185).

[6] فتح القدير (1/193).

[7] أخرجه ابن جرير وابن المنذر بإسناد صحيح، كما في "فتح الباري" (8/33).

[8] رواه الحاكم - وصححه - والخطيب، وصححه الألباني.

[9] الأساس في التفسير للأستاذ سعيد حوى رحمه الله (1/447).


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 17-07-2020, 04:57 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,410
الدولة : Egypt
افتراضي رد: آيات وأحاديث يظلم الناس أنفسهم في فهمها

آيات وأحاديث يظلم الناس أنفسهم في فهمها (4)

ï´؟ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ï´¾!

أحمد الجوهري


((ما من عبد مؤمن إلا وله ذنب يعتاده))




ومن الأحاديث التي يشكل فهمُها على كثير من الأحباب حديث: ((ما مِن عبدٍ مؤمن إلا وله ذنب يَعتاده الفينة بعد الفينة، أو ذنب هو مُقيم عليه لا يفارقه حتى يُفارق الدنيا، إن المؤمن خُلِق مُفتَنًا توابًا نسَّاءً، إذا ذُكِّر ذَكَر))[1].


وقد يَحتجُّ بهذا الحديث أربابُ المعاصي، ويُزيِّنه الشيطان والنفس الأمارة بالسوء لضِعاف الإيمان؛ من أجل "تهوين خطر الذنوب"، وهو احتجاج باطل وتزيين زائف؛ إذ ليس في الحديث - والحمد لله - شيء يُغري بهذا، ولنُلقِ بعض الضوء على معانيه نزيدها وضوحًا لدى من يرى فيه إشكالًا، وذلك من خلال النقاط التالية:
(1) إن خطر الذنوب على الفرد والمجتمع - في دين الإسلام - معلوم مشهور من خلال آيات محكمة وأحاديث مُتواترة، كما نقرأ في قول الله تعالى: ï´؟ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ ï´¾ [المائدة: 49]، وقوله تعالى: ï´؟ أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ ï´¾ [الأعراف: 100]، وقوله تعالى: ï´؟ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ï´¾ [النحل: 112].

وفي الحديث المتفق عليه: ((اجتنبوا السبع الموبقات))، قالوا: يا رسول الله، وما هنَّ؟ قال: ((الشرك بالله، والسِّحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات))[2]، فأمر صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث باجتناب الذنوب، ومعلوم أن الاجتناب هو عدم قربها، وهو أبلغ من كونه نهى عن اقترافها؛ وذلك لأن الاجتناب يقتضي ترك الذنب وما يوصل إليه.

فالذنوب خطيرة، ويتمثَّل خطرها جملة في أنها مُبعدة عن رحمة الله والجنة، مقرِّبة من سخطه والنار؛ ولذلك ما نزل بلاء ولا كرب ولا شدة إلا بذنب، بالأفراد والأمم على سواء، فالذنوب هي سبب هلاك الأمم السالفة، وهي سبب حلول النِّقم وزوال النِّعَم، نعوذ بالله منها.

(2) يعظم خطر الذنب ويشتد جرمه إذا استهان صاحبه بفعله واستخفَّ بارتكابه؛ لما في ذلك من جهل بحق الله وأمن مكره، وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إياكم ومحقرات الذنوب؛ فإنهن يَجتمعن على الرجل حتى يهلكنه؛ كرجل كان بأرض فلاة، فحضر صنيع القوم، فجعل الرجل يَجيء بالعود، والرجل يَجيء بالعود، حتى جمعوا من ذلك سوادًا وأجَّجوا نارًا، فأنضجوا ما فيها))[3].

فعلى المسلم أن يترك الذنوب والقبائح، ولا يستصغر منها شيئًا ولا يستهين به؛ فإنه لا يدري، فرُب صغيرة كان فيها هلاكه وعطبه، كما في الحديث: ((إنَّ العبد إذا أخطأ خطيئةً، نُكتت في قلبه نكتة سوداء، فإن هو نزع واستغفر وتاب، صُقل قلبه، وإن عاد زِيدَ فيها حتى تَعلو على قلبه، وهو الران الذي ذكره الله تعالى: ï´؟ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ï´¾ [المطففين: 14]))[4].

وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول: "إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه قاعد تحت جبل يَخاف أن يقَعَ عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرَّ على أنفه، فقال به هكذا - أي بيده - فذبَّه عنه))؛ أي: إن المؤمن يرى ذنوبه كبيرة جدًّا، بينما الفاجر يستهين بالذنوب والمعاصي كأنها ذباب يمرُّ عليه فيصرفه.

وكان هلال بن سعد رحمه الله يقول: لا تنظر إلى صغر الخطيئة، ولكن انظر إلى عظمة من عصيت، وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: بقدْر ما يصغر الذنب عندك يَعظم عند الله، وبقدر ما يعظم عندك يصغر عند الله.

ويكفي في هذا المعنى تأمُّل قولِه تعالى في الآية الكريمة: ï´؟ مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا ï´¾ [نوح: 13]؛ أي: ما لكم لا تَخافون لله عظمةً وقُدرةً على أحدكم بالعقوبة، وأيُّ عذر لكم في ترك الخوف من الله؟

قال ابن رجب رحمه الله: "قال بعض العارفين: اتَّقِ الله أن يكون أهون الناظرين إليك"[5].

فالصغيرة - كما يقول أئمتُنا - قد يقترن بها من قلة الحياء، وعدم المبالاة، وترك الخوف من الله مع الاستهانة بها: ما يُلحقها بالكبائر، بل يَجعلها في رتبتها؛ ولأجل ذلك لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار.

(3) كل بني آدم خطَّاء، والنقص ملازم لجملة الخَلق، إلا المعصوم من أنبياء الله وملائكته، وليس بعيب على الإنسان أن يُخطئ أو يُذنب، كلا؛ فذلك شيء ركَّبه الله فيه، لكن العيب كل العيب في أن يصر الإنسان على الذنوب ولا يتوب، فإن تاب تاب الله عليه، وإن عاد طُولب بالتوبة، وهكذا كلما أذنب تاب، في غير تثريب ولا عتاب، طالما وقع في المعصية بطبعه، وسارع إلى التوبة بإيمانه، ولعل هذا المعنى يتضح بالحديث الذي رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده، لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم))[6]، فهو تشجيع لروح التوبة، وحثٌّ على التعلُّق بسارية الأمل، وتثوير صارخ لقوى الروح المُسلمة لردِّ سهام اليأس وقتْل القنوط ودفع وسواس الشياطين.

ومما قرأتُ حول هذا الحديث كلامٌ حسنٌ لبعض الكُتَّاب يقول فيه: "إنَّ مُراد الله تعالى من العبد ليس مجرد السلامة من المخالفة، بل المراد بقاء العلاقة بين العبد وربه؛ بمعنى: أن يُطيعه العبد فيُؤجَر، ويُذنِب فيَستغفِر، ويُنعم عليه فيَشكر، ويقتر عليه فيدعوه ويطلب منه، ويضيق أكثر فيلجأ ويضطر، وهكذا".

(4) ليس في الحديث تشجيع على فعل المعصية، ولا الإقدام على الآثام، ولا "تسلية للمُنهمِكين في الذنوب كما يتوهَّمه أهل الغرَّة بالله"، بل هو بيان لعفو الله تعالى، وتجاوزه عن المذنبين" لـ"يرغبوا في التوبة"، وهو تطمين للتائبين بأنه مَن فعَلَ ذنبًا فإنه لا ينبغي له أن يقنط من رحمة ربه، أو يعتقد أن ذنبه أعظم من عفو الله ورحمته، فما على المذنب سوى التوبة الصادقة، والعزم على عدم العود إلى ذنبه مرة أخرى.

ومِن ثَمَّ نجد آخر الحديث واضحًا في هذا، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن المؤمن خُلق مفتَنًا، توابًا، نسيًّا))؛ بمعنى أنه "يتعرَّض للفتن، وأن المؤمن إذا وقع منه ذنب تاب منه واستَغفَر، وإذا ذُكِّر تذكَّر"[7]، فإذا كان شأنه البشَريُّ الوقوع في المعصية وارتكاب الأخطاء، فإن شأنه الإيماني الإسراع بالإقلاع عنها، والتعجيل بالتوبة إلى الله منها، ولعل هذا يكون طريق إبليس إلى الإياس من هذا العبد، فتَحسُن توبته، ويَدعه الشيطان من غَوايته، وفي الحديث عن عقبة بن عامر: أن رجلًا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أحدُنا يُذنب، قال: ((يُكتب عليه))، ثم قال: ثمَّ يستغفر منه ويتوب، قال: ((يُغفر له ويتاب عليه، ولا يملُّ الله حتى تملوا))[8]، وقيل للحسن: ألا يستحي أحدُنا من ربه يستغفر من ذنوبه ثم يعود، ثم يستغفر ثم يعود، فقال: ودَّ الشيطان لو ظفر منكم بهذه، فلا تملُّوا من الاستغفار.

(5) يبقى أن أُشير إلى أن الحديث المذكور رواه الطبراني في معجمَيه الكبير والأوسط، والبيهقي في الشُّعَب، وقد اختلف ساداتنا العلماء في حكمه؛ صحَّةً وحُسنًا وضَعفًا، والراجح صحته؛ فممَّن ذهب إلى تصحيحه العلامة الألباني كما في السلسلة الصحيحة وصحيح الجامع، ومنهم من اكتفى بتحسينه كالحافظ العراقي في "تخريج أحاديث الإحياء"، ويَنزل عن حُكمَيهما قول الهيثمي عقبه في "مجمع الزوائد" (10/ 201): (أحد أسانيد الكبير رجاله ثقات)، ومنهم من ذهب إلى ضعف الحديث وأنه لا يصح؛ وهو العلامة محمد عمرو عبداللطيف رحم الله الجميع، وصنَّف فيه جزءًا انتهى فيه إلى ضعف هذا الحديث، وهو منشور مع غيره في كتاب بعنوان (أحاديث ومرويات في الميزان).

(6) فائدة حول المعنى الإجمالي للحديث: سُئل العلامة الألباني - رحمه الله - تقديم شرح لكامل هذا الحديث، فقال: المؤمنون ثلاثة أقسام:
(1) قسم يَرتكب الذنب ويَعتاده، ما بينَ آونة وأخرى، فليس هو يرتكب الذنب ثم هو يُصبح هذا الذنب بالنسبة إليه نسيًا منسيًّا ما يعود إليه، لا ليس الأمر كذلك، وإنما هو ينتابه مرة بعد أخرى.

(2) شر من هذا هو الذي يُقيم على ذنب، ولا يُفارقه حتى يموت، شر من الأول.

(3) استئناف جملة جديدة - كما قلت آنفًا - المؤمن الكامل هو الذي خُلق مفتنًا توابًا نسيًّا، إذا ذُكِّر ذكَرَ.

فهذه الأنواع الثلاثة أعلاها وأسماها هو الأخير، وأدناها هو الوسط، والذي قبله هو خير منه، والله أعلم.

هذا ما تيسَّر لي حول هذا الحديث الذي يراه البعض على غير حق وازعًا للمعصية وارتكاب الذنوب والأوزار، قد اتَّضح لنا بجلاء أنه من جملة هبات الرحيم الغفار لعباده التائبين المنيبين[9].


[1] أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (11 / 304)، عن ابن عباس، وصحَّحه الألباني رحمه الله في "السلسلة الصحيحة" (2276)، وصحيح الجامع (5735)، ولكن تعقبه الشيخ محمد عمرو بن عبداللطيف رحمه الله في جزئه "حديث: ((ما من عبد مؤمن إلا وله ذنب يعتاده الفينة بعد الفينة)) في الميزان"، وبيَّن أن الحديث ضعيف.
[2] متفق عليه؛ أخرجه البخاري في صحيحه (2615)، ومسلم (89).
[3] أخرجه أحمد في المسند (3818)، وقال الألباني: صحيح لغيره، كما في صحيح الترغيب والترهيب (2470).
[4] أخرجه الترمذي وغيره، وحسَّنه الألباني.
[5] جامع العلوم والحكم (ص: 162).
[6] أخرجه مسلم (2749).
[7] من جواب للعلامة ابن جبرين رحمه الله على سؤال يتعلق بالحديث، منشور بموقعه.

[8] أخرجه الطبراني في الكبير (17 / 287) والحاكم (195، 7658)، وغيرهما، وحسن إسناده الهيثمي في مجمع الزوائد (10 / 331).
[9] من كلام له رحمه الله في أشرطة سلسلة الهدى والنور.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 95.57 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 92.52 كيلو بايت... تم توفير 3.05 كيلو بايت...بمعدل (3.19%)]