|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() منهج فهم معاني الأسماء الحسنى والتعبد بها (1) د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري إن أعظم ما يدعى إليه من العلم: العلم الذي يعرف العبد بربه سبحانه وتعالى، فإن العبد إذا عرف ربه حق المعرفة فعرف عظيم أسمائه وجليل صفاته علم كيف يعبد الله ويدعو إليه على بصيرة، فمن كان أخبر بغيره كان أعرف بالسبل المقربة إليه وبالطريق الموصلة إليه، يقول ابن القيم رحمه الله في علم الدعوة إلى الله: والبصيرة على ثلاث درجات من استكملها فقد استكمل البصيرة: بصيرة في الأسماء والصفات، وبصيرة في الأمر والنهي، وبصيرة في الوعد والوعيد.[1] وقد أمرنا الله تعالى أن نتعرف عليه سبحانه، وفي الحديث الصحيح: "تعرَّف إلى الله في الرخاء يعرفْك في الشدة"، وإنما يكون التعرف على الله بالتعرف على أسمائه وصفاته وأفعاله الحسنى، فربنا عز وجل لما عرف نفسه في القرآن الكريم عرفها بما له من الأسماء والصفات، يقول عز وجل: ﴿ هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ [الحشر: 24]، ومرجع الضمير في قوله تعالى: ﴿ هُوَ اللَّهُ ﴾ [الكهف: 38] إلى سؤال تقديره من هو الرب؟ فكان الجواب بتعريف العبد بربه وأسمائه وصفاته، وهو قوله تعالى من سورة الإخلاص: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ [الإخلاص: 1]، وفي الآية الأخرى: ﴿ قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَامُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ [طه: 49، 50].[2] أهمية معرفة معاني أسماء الله تعالى: تتضح أهمية معرفة أسماء الله إذا عرفنا أن شرف العلم من شرف المعلوم، وعلم الأسماء والصفات يبحث في معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته وأفعاله معرفة توجب تعظيمه وإجلاله، يقول قوام السنة الأصفهاني: قال بعض العلماء: أول فرض فرضه الله على خلقه: معرفته، فإذا عرفه الناس عبدوه، قال الله تعالى: ﴿ فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ﴾ [محمد: 19]، فينبغي للمسلمين أن يعرفوا أسماء الله وتفسيرها؛ فيعظموا الله حق عظمته، ولو أراد رجل أن يعامل رجلاً: طلب أن يعرف اسمه وكنيته، واسم أبيه وجده، وسأل عن صغير أمره وكبيره، فالله الذي خلقنا ورزقنا، ونحن نرجو رحمته ونخاف من سخطه أولى أن نعرف أسماءه ونعرف تفسيرها. [3] أن معرفة أسماء الله وصفاته تدعو إلى محبة الله وهيبته التوكل عليه والإنابة له، وتحيي العبادات القلبية في قلب العبد، يقول العز بن عبد السلام: فهم معاني أسماء الله وسيلة إلى معاملته بثمراتها من: الخوف، والرجاء، والمهابة، والمحبة، والتوكل، وغير ذلك من ثمرات معرفة الصفات. [4] أن معرفة أسماء الله وصفاته يقتضي الإيمان بتوحيد الربوبية والالتزام بتوحيد الألوهية، فبوابة توحيد الأولوهية وعبادة الله حق عبادته هي الإيمان بأسماء الله وصفاته، وفي هذا يقول ابن القيم رحمه الله: لا يستقر للعبد قدم في المعرفة بل ولا في الإيمان، حتى يؤمن بصفات الرّب ويعرفها معرفة تخرج عن حدّ الجهل بربه، فالإيمان بالصفات وتعرّفها هو أساس الإسلام، وقاعدة الإيمان، وثمرة شجرة الإحسان، فضلاً عن أن يكون من أهل العرفان.[5] أنه داخل في معنى الإحصاء المشار إليه في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:" إن لله تعالى تسعة وتسعين اسمًا مائة إلا واحدًا من أحصاها دخل الجنة"، متفق عليه، يقول ابن القيم رحمه الله عند بيان مراتب إحصاء أسمائه الَّتي من أحصاها دخل الجنّة: المرتبة الأولى: إحصاء ألفاظها وعددها، المرتبة الثّانية: فهم معانيها ومدلولها، المرتبة الثالثة: دعاؤه بها، كما قال تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ [الأعراف: 180]؛ وهو مرتبتان: إحداهما: دعاء ثناء وعبادة، والثّاني: دعاء طلب ومسألة[6]، وقال أبو نعيم الأصبهاني رحمه الله: الإحصاء المذكور في الحديث ليس هو التّعداد، وإنّما هو العمل والتعقّل بمعاني الأسماء، والإيمان بها.[7] معنى أسماء الله الحسنى: الاسم ما دلّ على ذات الشّيء وحقيقته، وأسماء الله أعلام وأوصاف، فهي تدل كذلك على صفاته العظيمة سبحانه. ويتميّز الاسم عن الفعل والحرف بعدة علاماتٍ، منها: الكسرة، التّنوين، والنِّداء؛ أي وقوع الكلمة منادى، ودخول أل، والإسناد إليه؛ أي الإخبار عنه بشيء والحكم عليه بحكم إثبات أو نفي. والحسنى مؤنّث الأحسن؛ والأحسن أفعل تفضيل من الحسن؛ وهو الجمال والكمال، والمراد أن هذه الأسماء قد بلغت في الحسن غايته وفي الكمال نهايته. وليعلم أن أسماء الله توقيفية؛ يتوقف فيها على ما جاءت به النصوص، وهي لابد أن تتضمن الكمال المطلق لله تعالى دون عيب أو احتمال نقص. مسالك لفهم أسماء الله الحسنى وعبادة الله تعالى بها: والمقصود بهذا المبحث البحث عن القواعد والوسائل التي يفقه بها العبد أسماء ربه جل وعلا، ويفهم معانيها وما دلت عليه من صفات، وما اقتضته من أحكام، وما ترتب عليها من آثار، وكيفية عبادة الله ودعاءه بها. ولنضع منهجية تحدد ذلك كان لزامًا أن نعود في بحثنا هذا للأصلين المحكمين: كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم لنتلمس منهج القرآن والسنة في عرض أسماء الله تعالى وبيان معانيها وآثارها، ولمعرفة كيف تعبد النبي صلى الله عليه وسلم أعظم العباد بها إلى ربه عز وجل، ثم بيان مسلك السلف الصالح رحمهم الله تعالى في فهمها وتقوية الإيمان بها والتعبد لله عز وجل بمعانيها ودلالاتها. ولبيان هذا المنهج سنسلك إليه من خـلال المسالك التالية: المسلك الأول: فهم دلالة معنى اسم الله تعالى من أصله اللغوي: ببيان اشتقاق الاسم واستعمالاته في كتب اللغة، وفي نصوص الكتاب والسنة؛ ليظهر جليًا أصل المعنى وما استعمل فيه من المعاني. المسلك الثاني: فهم معنى اسم الله تعالى من خلال ما دل عليه من صفات الله تعالى: وذلك باعتبار ثلاثة دلالات: دلالة المطابقة ودلالة التضمن ودلالة الالتزام، فدلالة المطابقة للاسم دلالته على الاسم والصفة معًا، ودلالة التضمن دلالته على الاسم وحده، وكل صفة وحدها إن كان الاسم يتضمن الدلالة على أكثر من صفة، ودلالة الالتزام، وهي دلالته على صفة أخرى أو أكثر بغير طريقي المطابقة والتضمن. المسلك الثالث: فهم معنى اسم الله تعالى من خلال شرح أهل العلم له: بالوقوف على عباراتهم في التعريف بهذا الاسم، ودلالات معانيه أو أحكامه أو آثاره. المسلك الرابع: معرفة ما دل عليه اسم الله تعالى من تنزيه لله عز وجل: وهذا يشمل ما تدل عليه بعض الأسماء من تنزيه مطلق لله عن كل عيب ونقص؛ كاسم الله القدوس والسلام، وما تدل عليه أكثر الأسماء من نفي أعيان النقائص، فاسم الله العليم ينفي الجهل، واسم الله القوي ينفي الضعف، والدلالة الثالثة للأسماء على تنزيه الله تنويهه سبحانه عن الشريك والمثيل سبحانه، فكل اسم بلغ في الكمال غايته وتنزه الله في كل اسم وصفة له عن المثيل، قال سبحانه: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11].[8] المسلك الخامس: فهم آثار اسم الله تعالى من خلال ما ارتبط به في النصوص من مخلوقات أو أحكام: فكل صفة لها مقتضى وفعل، وفعلها إما لازم، وإما متعدٍّ، ولذلك الفعل تعلق بمفعول هو من لوازمه، وهذا يشمل ما تعلق به الاسم من خلقه سبحانه وأمره وثوابه وعقابه. فتارة يرتبط ذكر الاسم بعجيب من عجائب خلق الله، أو بآية من آيات الكون، أو حكم شرعي جليل، وبالنظر في ذلك يزداد إيمان العبد بهذا الاسم. المسلك السادس: فهم كمال معنى اسم الله تعالى من خلال ما اقترن به من أسماء الله الحسنى في نصوص الكتاب والسنة: فتجمع الأسماء التي اقترن بها الاسم موضع الدراسة، وينظر في سبب وعلاقة الاقتران من خلال السياق، وينظر في توارده في نظائر ذلك. فكثيرًا ما يقترن العفو بالقدير، والعزيز بالحكيم، وفي ذلك من معاني الكمال ما يحتاج إلى تأمل خاص. يتبع
__________________
|
#2
|
||||
|
||||
![]() المسلك السابع: فهم أسماء الله من خلال ضم بعضها لبعض والنظر فيها كمجموعات متحدة متسقة[9]: فأسماء تدل على تمجيد الله وإجلاله، وأسماء تدل على إحسانه الله وجماله، وأسماء تدل على سعة علمه وخبرته، وأسماء تدل على عظيم قدرته ونفاذ مشيئته، وهكذا، حتى يحصل له عمق الفهم وقوة التعبد، ويتعبد مع كل مجموعة من الأسماء بما تقتضي مجتمعة من أخلاق وعبادات، يقول ابن القيم رحمه الله: والمراقبة هي التعبد باسمه: الرقيب، الحفيظ، العليم، السميع، البصير فمن عقل هذه الأسماء وتعبد بمقتضاها حصلت له المراقبة.[10] وذكرُ الله بأوصاف الجمال موجب للرحمة، وبأوصاف الكمال موجب للمهابة، وبالتوّحد بالأفعال موجب للتوكل، وبسعة الرحمة موجب للرجاء، وبشدة النقمة موجب للخوف، وبالتفرّد بالإنعام موجب للشكر، ولذلك قال سبحانه: ï´؟ اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ï´¾ [الأحزاب: 41].[11] المسلك الثامن: معرفة الفروق بين اتصاف الله بهذه الصفة واتصاف العبد بها: فليس الاشتراك في أصل المعنى موجبًا للاشتراك في كماله وكيفيته، بل لله عز وجل المثل الأعلى، فيبحث العبد في تعظيم لله تعالى بكل اسم متأملاً عظيم الفارق بين صفات الله وصفات خلقه، وفي هذا حكي أن بعض الخلفاء أراد أن يكتب جِراية لبعض العلماء، فقال: لا أريده، أنا في جراية من إذا غضب عليّ لم يقطع جرايته عني، قال الله تعالى: ï´؟ وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ ï´¾ [العنكبوت: 60].[12] وتأمل قول الله تعالى:ï´؟ وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ï´¾ [لقمان: 27]، فلو فنيت البحار ونفدت الأقلام لم تنفد كلمات الله سبحانه، وهذا ابن القيم رحمه الله يقول في بيان جوانب من عظمة اسم الله السميع: وهو السميع يرى ويسمع كل ما ![]() في الكون من سر ومن إعلان ![]() ولكل صوت منه سمع حاضر ![]() فالسر والإعلان مستويان ![]() والسمع منه واسع الأصوات لا ![]() يخفى عليه بعيدها والداني ![]() المسلك التاسع: فهم سبيل التعبد باسم الله تعالى من خلال معرفة هدي النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، وهذا يشمل أمرين: أ- استقراء الحالات التعبدية التي شرع فيها النبي صلى الله عليه وسلم التعبد لله بهذا الاسم، فقد يكون صلى الله عليه وسلم جعله ذكرًا حال سجوده أو ركوعه أو عن جهاده أو قبل نومه، وفي ذلك دلالات أخرى لفهم اسم الله تعالى، وكيفية التعبد به؛ فلو تأمل العبد حال سجوده، وارتفاع أسافله وتسفل أعاليه ثم ذكر اسم الله الأعلى حال السجود وجد حلاوة في تذوق معنى هذا الاسم والتعبد لله به. ب- جمع الأذكار التي ذكر فيها هذا الاسم وتأمل سبب إيراده فيها، وربطه بهذا الحال أو الزمن. المسلك العاشر: فهم هدي السلف رحمهم الله في التعبد لله بهذا الاسم وأخبارهم في ذلك: فيبحث في مواعظهم وفي أذكارهم، وتنظر توسلاتهم وأدعيتهم، لنقف على المسلك الصحيح للتعبد بهذا الاسم. يقول سهل التستري رحمه الله: كان خالي محمد بن سوار يقول لي وأنا ابن ثلاث سنين، قل: الله معي، الله ناظر إلي، الله شاهد علي، ويأمرني أن أكرر ذلك. المسلك الحادي عشر: تربية النفس على التعبد لله بهذا الاسم من خلال: أ- التوسل إلى الله به في دعاء المسألة: كما قال سبحانه: ï´؟ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ï´¾ [الأعراف: 180]، وهذا يأتي على صورتين: الأولى: أن يذكر في أول الدعاء توسلاً به، ومنه ما رواه الإمام مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا آوى إلى فراشه قال: " اللهمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ وَرَبَّ الأَرْضِ وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شيء فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى، وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شيء أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ، اللهمَّ أَنْتَ الأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شيء، وَأَنْتَ الآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شيء وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شيء، وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شيء، اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ وَاغْنِنَا مِنَ الْفَقْرِ". والثانية: أن يذكر في آخر الدعاء كالتعليل به، ومنه ما رواه البخاري من حديث أبي بكرٍ رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلاَتِي، قَالَ: " قُلِ اللهمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ". ولكلا الصورتين أحوال: الحالة الأولى: أن يؤتى بالاسم المطلق، ومن ذلك استعاذة مريم ابنة عمران: ï´؟ قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا ï´¾ [مريم: 18]، وقوله تعالى عن إبراهيم عليه السلام: ï´؟ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ï´¾ [الممتحنة: 5]. الحالة الثانية: أن يكون دعاء المسألة بالاسم المقيد، ومن ذلك قوله تعالى عن زكريا عليه السلام: ï´؟ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ ï´¾ [آل عمران: 38]، فاسم الله السميع من الأسماء الحسنى المطلقة ولكنه ورد مقيدًا في هذا الموضع، ومنه ما رواه أبو داود وصححه الألباني من حديث أنس رضي الله عنه أنه قال: كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا غَزَا قَال: " اللهمَّ أَنْتَ عَضُدِي وَنَصِيرِي بِكَ أَحُولُ وَبِكَ أَصُولُ وَبِكَ أُقَاتِلُ ". الحالة الثالثة: الدعاء بالوصف الذي دل عليه الاسم سواء كان وصف ذات أو وصف فعل، فمن الأول الدعاء بالعزة التي دل عليها اسم الله العزيز فيما رواه مسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: " اللهمَّ إني أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ أَنْ تضلني، أَنْتَ الحي الذي لاَ يَمُوتُ وَالْجِنُّ وَالإِنْسُ يَمُوتُونَ"، ومن الثاني: الدعاء بالفتح الذي دل عليه اسم الله الفتاح في دعاء نوح عليه السلام: ï´؟ قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ * فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ï´¾ [الشعراء: 117، 118]. الحالة الرابعة: أن يكون المدح والثناء بلسان المقال، ويكون دعاء المسألة بلسان الحال، ومن ذلك ما رواه البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنه قال: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدْعُو عِنْدَ الكَرْبِ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله العَظِيمُ الحَلِيمُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ ". الحالة الخامسة: الدعاء بمقتضى الاسم، كأن يأتي الاسم في سياق الخبر ويراد به الطلب، كقوله تعالى: ï´؟ أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ï´¾ [المائدة: 74]. ب- الاستشفاء بأسماء الله، وهو نوعٌ من الذي قبله، وأفردته لأمرين: الأول: ما يحدث في قلب المبتلى غالبًا من تعلق بالله يجعله يستشعر كثيرًا من معاني أسماء الله وصفاته، والثاني: ما حدث في هذا الباب من محدثات، فمنهم من يكرر اسم من أسماء الله الحسنى بعدد معين لمرض معين، ومنهم من يكتب أسماء الله تعالى على جبين المريض في كل أيام مرضه، وهذا والذي قلبه من الإلحاد في أسماء الله والخروج بها عما يراد منها، وقد قال تعالى: ï´؟ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ï´¾ [الأعراف: 180]. ج- تعبيد الأسماء لله تعالى بهذا الاسم: فيسمى بعبد الرحمن، وأمة الرحمن، ونحوها من الإضافات الجائزة؛ كضيف الله وجار الله وحفظ الله، وأفضلها التعبيد. د- الإكثار من تسمية الله به في قوله أو كتابته: ويقرنه بما اقترن به من الأسماء في النصوص الشرعية، والحلف بهذا الاسم. هـ- تحقيق ما يقتضيه من فِعْل المأمورات وترك المحظورات: فاسم الله السميع يقتضي ترك الكلام الذي يغضب الله سماعه، والسميع يقتضي كذلك الإكثار من الكلم الطيب من ذكر وقراءة قرآن ودعوة لله تعالى. المسلك الثاني عشر: ظهور أثر الاسم في سلوك العبد وأخلاقه: فالله عز وجل يحب موجب أسمائه وصفاته، فهو عليم ويحب كل عليم، وهو كريم ويحب الكرماء من عباده، وهو سبحانه يكون مع عباده بحسب اتصافهم بما يحبه سبحانه، وهذه هي المعية الخاصة. فيتصف بالصفات التي يحبها الله تعالى: كالعلم، والعدل، والصبر، والرحمة، والرفق، والإحسان، ونحو ذلك، وينتهي عن الصفات التي يكرهها الله تعالى له مما ينافي عبوديته لله تعالى، كالصفات التي لا يصح للمخلوق أن يتصف بها كالكبر والعظمة والجبروت، يقول ابن تيمية رحمه الله: إن من أسماء الله تعالى وصفاته ما يُحمد العبد على الاتصاف به؛ كالعلم والرحمة والحكمة وغير ذلك، ومنها ما يذم العبد على الاتصاف به كالإلهية والتجبر والتكبر، وللعبد من الصفات التي يُحمد عليها ويؤمر بها ما يمنع اتصاف الربّ به كالعبودية والافتقار والحاجة والذل والسؤال، ونحو ذلك،[13] وفي بيان هذا يقول ابن بطّال رحمه الله: طريق العمل بها: أن الذي يسوغ الاقتداء به فيها كالرحيم والكريم؛ فإن الله يحب أن يرى حالاها على عبده، فليمرن العبد نفسه على أن يصح له الاتصاف بها، وما كان يختص بالله تعالى كالجبار والعظيم؛ فيجب على العبد الإقرار بها، والخضوع لها، وعدم التحلي بصفة منها، وما كان فيه معنى الوعد: نقف منه عند الطمع والرغبة، وما كان فيه معنى الوعيد: نقف منه عند الخشية والرهبة.[14] المسلك الثالث عشر: معرفة أثر ذلك في تقوية جناب التوحيد: فيبحث العبد مع كل اسم عن جوانب تقويته للتوحيد والإيمان، وحراسته من الشرك والتنديد، وهذا ما أشار إليه ابن القيم بقوله: لكل صفة عبوديةٌ خاصة هي من موجباتها ومقتضياتها، أعني: من موجبات العلم بها والتحقيق بمعرفتها،[15]ويقول ابن القيم رحمه الله مبينًا مدى ارتباط التوحيد بالإيمان بأسماء الله وصفاته، وارتباط الشرك بضد ذلك: كل شرك في العالم فأصله التعطيل، فإنه لولا تعطيل كماله أو بعضه وظن السوء به، لما أشرك به، كما قال إمام الحنفاء وأهل التوحيد لقومه: ï´؟ أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ * فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ï´¾ [الصافات: 86، 87]؛ أي: فما ظنكم به أن يجازيكم وقد عبدتم معه غيره؟ وما الذي ظننتم به حتى جعلتم معه شركاء؟ أظننتم أنه محتاج إلى الشركاء والأعوان؟ أم ظننتم أنه يخفى عليه شيء من أحوال عباده حتى يحتاج إلى شركاء تعرفه بها كالملوك؟ أم ظننتم أنه لا يقدر وحده على استقلاله بتدبيرهم وقضاء حوائجهم؟ أم هو قاسٍ فيحتاج إلى شفعاء يستعطفونه على عباده؟ والمقصود: أن التعطيل مبدأ الشرك وأساسه، فلا تجد معطلاً إلا وشركه على حسب تعطيله، فمستقلّ ومستكثرٌ.[16] ويبين رحمه الله هذا المسلك ممثلاً لذلك ببيان اسمين عظيمين من أسماء الله فيقول: من عبد الله تعالى باسمه الأول والآخر حصلت له حقيقة هذا الفقر؛ فإن انضاف إلى ذلك عبوديته باسمه الظاهر والباطن فهذا هو العارف الجامع لمتفرقات التعبد ظاهرًا وباطنًا، فعبوديته باسمه الأول تقتضي التجرد من مطالعة الأسباب والوقوف أو الالتفات إليها، وتجريد النظر إلى مجرد سبق فضله ورحمته، وأنه هو المبتدئ بالإحسان من غير وسيلة من العبد، وعبوديته باسمه الآخر تقتضي أيضاً عدم ركونه للأسباب، فإنها تنعدم لا محالة وتنقضي بالآخرية، ويبقى الدائم الباقي بعدها، فالتعلق بها تعلق بما يعدم وينقضي، والتعلق بالآخر سبحانه تعلق بالحي الذي لا يموت ولا يزول، فالمتعلّق به حقيق أن لا ينقطع، بخلاف التعلق بغيره مما له آخر يفنى به.[17] وأخيرًا: فأكمل الناس عبودية هو المتعبد بجميع الأسماء والصفات التي يطلع عليها البشر، فلا تحجبه عبودية اسم عن آخر؛ كمن يحجبه التعبد باسمه القدير عن التعبد باسمه الحليم أو الرحيم، أو يحجبه عبودية اسم الرحيم والعفو والغفور عن اسمه المنتقم. فإن سما العبد بهذه المسالك وتفقه بها حق الفقه بلغ رتبة عظيمة من مقامات العبودية لله تعالى، وتوحيده وتعظيمه، "وإذا بلغ العبد في مقام المعرفة إلى حدٍّ كأنه يكاد يطالع ما اتصف به الرب سبحانه من صفات الكمال ونعوت الإجلال، أحست روحه بالقرب الخاص، حتى يشاهد رفع الحجاب بين روحه وقلبه وبين ربه، فإن حجابه هو نفسه، وقد رفع الله عنه ذلك الحجاب بحوله وقوته، فأفضى القلب والروح حينئذ إلى الرب، فصار يعبده كأنه يراه".[18] [1] مدارج السالكين 1/ 124. [2] منهج التعرف إلى الله والتعريف به ( 1 - 2 ) د. فريد الأنصاري، مجلة البيان - العدد [ 179 ] ص26، رجب 1423 - أكتوبر 2002. [3] الحجة في بيان المحجة 1 / 122. [4] شجرة المعارف والأحوال/ 1. [5] مدارج السالكين، ج 3، ص 347. [6] بدائع الفوائد لابن القيّم 1/ 164. [7] فتح الباري 11/ 226. [8] راجع رسالة دلالة الأسماء الحسنى على التنزيه، للدكتور عيسى بن عبدالله السعدي. [9] انظر مقال الإيمان بالله وأسمائه وصفاته وتقوية المراقبة الإلهية بقلم: عبد السلام الأحمر مجلة البيان - العدد [ 123 ] ص30 ذو القعدة 1418 - مارس 1998. [10] مدارج السالكين 2/ 66. [11] الكلام للعز بن عبد السلام، نقلاً عن مقال أسماء الله الحسنى الفقه والآثار، بقلم: د. عبدالعزيز آل عبداللطيف، مجلة البيان - العدد [ 99 ] ص86 - ذو القعدة 1416 - أبريل 1996. [12] الحجة في بيان المحجة 1/ 138. [13] الصفدية 2/ 338. [14] فتح الباري 11/ 229. [15] مفتاح دار السعادة 2/ 90. [16] انظر مدارج السالكين 3/ 347. [17] طريق الهجرتين 1/ 40. [18] راجع تهذيب مدارج السالكين.
__________________
|
#3
|
||||
|
||||
![]()
__________________
|
#4
|
||||
|
||||
![]() منهج فهم معاني الأسماء الحسنى والتعبد بها (3) د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري الشهيد المسلك الأول: الشهيد في اللغة صيغة مبالغة من الشاهد، والشهود هو الحضور مع الرؤية والمشاهدة، والشهادة هي الإِخْبار بما شاهده، وتأتي الشهادة أيضًا بمعنى الحكم، وتأمل هذه الشهادة العظيمة، "يقول العبد يوم القيامة: يا رب ألم تجرني من الظلم؟ فيقول: بلى، فيقول: إني لا أجيز على نفسي إلا شاهدًا مني، فيقول: " كفى بنفسك اليوم عليك شهيدًا " وبالكرام الكاتبين شهودًا، فيختم على فيه، ويقال لأركانه: انطقي؛ فتنطق بأعماله، ثم يخلى بينه وبين الكلام، فيقول بعدًا لكنّ وسحقًا، فعنكن كنت أناضل، أخرجه مسلم من حديث أنس رضي الله عنه. المسلك الثاني: دل هذا الاسم على اسم الله الشهيد، وصفته سبحانه شهوده وشهادته على خلقه، فهو من أسماء الصفات وأسماء الأفعال، وهي شهادة إحاطة شاملة، تشمل العلم بهم والرؤية والتدبير والقدرة عليهم، فهي شاملة لكل شيء، ï´؟ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ï´¾ [الحج، 17]. المسلك الثالث: ودل على تنزيه الله تعالى من الجهل والغيبة، وإثبات كمال الإطلاع والحكم. المسلك الرابع: مما ذكره أهل العلم رحمهم الله في شرحهم لهذا الاسم، ما ذكره الخطابي رحمه الله قال: فالله شهيد على خلقه بما يكون منهم من قول أو فعل،[1] وقال ابن القيم رحمه الله: الشهيد الذي لا يغيب عنه شيء، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، بل هو مطلع على كل شيء مشاهد له، عليم بتفاصيله.[2] المسلك الخامس: تعلق هذا الاسم بكل شيء كما في قوله تعالى: ï´؟ وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ï´¾ [يونس، 61]، فتأمل كيف ذكرت الآية الكريمة عموم الأحوال والأقوال والأعمال، وتعلق في آيات أخرى بأعمال العباد، ومنها قوله ï´؟ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَاللّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ ï´¾ [آل عمران، 98]، وتعلقت شهادة الله بأعظم مشهود عليه: وحدانية الله تبارك وتعالى، قال سبحانه ï´؟ شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ï´¾ [آل عمران، 18]. ولو تدبر العبد القرآن لعثر على مواضع تكفل الله فيها بالشهادة على صحة ووقوع ما أخبر به، ومن ذلك: ♦ رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: ï´؟ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا ï´¾ [النساء، 79]. ♦ نزول القرآن من عند الله سبحانه، ï´؟ لَّكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلآئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا ï´¾ [النساء، 166]. ♦ ظهور دين الإسلام على سائر الأديان، كما قال تعالى: ï´؟ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ï´¾ [الفتح، 28]، فيظهر بالسنان كما حدث بعد صلح الحديبية، ويظهر بالبرهان، وقد تكفل الله بالشهادة على هذا، فقال: ï´؟ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ï´¾ [فصلت، 53]. المسلك السادس: اقترن هذا الاسم باسمي الله الخبير البصير، ï´؟ قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا ï´¾ [الإسراء، 96]، لما في الشهادة من إطلاع على الظاهر وخبرة بالباطن. المسلك السابع: هذا الاسم من مجموعة أسماء تدل على كمال أسباب العلم؛ كالسّميع والبصير والقريب والرّقيب والشّهيد والمهيمن، بل فُسر اسم الله المهيمن باسم الله الشهيد. ♦ والفرق بين العليم والخبير والشهيد ما وضحه الغزالي بقوله: فإذا اعتبر العلم مطلقًا فهو العليم، وإذا أضيف إلى الغيب والأمور الباطنة فهو الخبير، وإذا أضيف إلى الأمور الظاهرة فهو الشهيد، وقد يعتبر مع هذا أن يشهد على الخلق يوم القيامة بما علم.[3] المسلك الثامن: العبد قد يسمى أيضًا بهذا الاسم وله منه نصيب، كقوله ï´؟ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ï´¾ [المائدة، 117]، لكن شهادة الله دائمة لا يخفى عليه شيء أقرب إلى أحدنا من حبل الوريد، وهي أعظم من شهادات سائر الخلائق، ï´؟ لَّكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلآئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا ï´¾ [النساء، 166]. المسلك التاسع: كان من هديه صلى الله عليه وسلم أن يتعبد الله بذكر هذا الاسم والتعبد لله بمقتضاه، ومن ذلك ما خطب به في حجة الوداع بين جموع الصحابة، فلما فرغ قال: اللهم هل بلغت، اللهم فأشهد، وقال مرة: يا أيها الناس إنكم تحشرون إلى الله حفاة عراة غرلا ï´؟ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ ï´¾ [الأنبياء: 104]، ألا وإن أول الخلائق يكسا يوم القيامة إبراهيم، ألا وإنه يجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يا رب أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح: ï´؟ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ï´¾ [المائدة: 117] فيقال: إن هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم، متفق عليه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. ♦ وكان من أذكاره صلى الله عليه وسلم في الصباح والمساء، " اللهم إنا أصبحنا نشهدك، ونشهد حملة عرشك، وملائكتك، وجميع خلقك، أنك أنت الله الذي لا إله إلا أنت وأن محمدًا عبدك ورسولك"، من قالها حين يصبح: غفر الله له ما أصاب في يومه ذلك من ذنب، وإن هو قالها حين يمسي غفر الله له ما أصاب في تلك الليلة من ذنب، رواه الثلاثة عن أنس، وعند أبي داود: أعتق الله ربعه من النار، فمن قالها مرتين أعتق الله نصفه، فمن قالها ثلاثًا أعتق الله ثلاثة أرباعه، فإن قالها أربعًا أعتقه الله من النار. ♦ وتكرر في ذكره صلى الله عليه وسلم ذكر الشهادتين: في الوضوء والأذان والتشهد في الصلاة وكفارة المجلس، وغير ذلك. المسلك العاشر: ومن الهدي المقتدى به ما رواها صلى الله عليه وسلم، قال: إن رجلاً من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار، فقال: ائتني بالشهداء أشهدهم، فقال: كفى بالله شهيدًا، قال: فأتني بالكفيل، قال: كفى بالله وكيلاً، قال: صدقت؛ فدفعها إليه إلى أجل مسمى، فخرج في البحر فقضى حاجته، ثم التمس مركبًا يركبها يقدم عليه للأجل الذي أجله، فلم يجد مركبًا، فأخذ خشبة فنقرها، فأدخل فيها ألف دينار وصحيفة منه إلى صاحبه، ثم زج موضعها، ثم أتى بها إلى البحر، فقال: اللهم إنك تعلم أني تسلفت فلانًا ألف دينار فسألني كفيلاً، فقلت: كفى بالله وكيلاً، فرضي بك وسألني شهيدًا، فقلت: كفى بالله شهيدًا فرضي بك، وإني جهدت أن أجد مركبًا أبعث إليه الذي له فلم أجد، وإني أستودعكها، فرمى بها إلى البحر حتى ولجت فيه، ثم انصرف وهو في ذلك يلتمس مركبًا يخرج إلى بلده، فخرج الرجل الذي كان أسلفه ينظر لعل مركبًا قد جاء بماله، فإذا بالخشبة التي فيها المال فأخذها لأهله حطبًا، فلما نشرها وجد المال والصحيفة، ثم قدم الذي كان أسلفه، فأتى بالألف دينار، وقال: والله ما زلت جاهدًا في طلب مركب لآتيك بمالك فما وجدت مركبًا قبل الذي أتيت فيه، قال: هل كنت بعثت إلي شيئًا، قال: أخبرك أني لم أجد مركبًا قبل الذي جئت فيه، قال: فإن الله قد أدى عنك الذي بعثت في الخشبة، فانصرف بالألف دينار راشدًا. ♦ ومن هدي السلف في تربية الناس على معنى هذا الاسم: ما قاله بعض السلف رحمهم الله يعظ من عنده: أرأيتم لو أن أحدًا يرفع كلامكم للسلطان أكنتم تتكلمون بسوء؟ قالوا: لا، قال: فإن لديكم من يرفع ما تقولون للسلطان - يعنى الحفظة-. المسلك الحادي عشر: ينبغي علينا أن نحرص على أن نتعبد الله تعالى بهذا الاسم من خلال: أ- الدعاء والتوسل به: كما دعا عيسى عليه السلام وأتباعه، قال تعالى ï´؟ فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ * رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلَتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ï´¾ [آل عمران 52، 53]. ب- ومنه تعبيد الأسامي لله به، وذكر الله بهذا الاسم في المخاطبات مع الناس والثناء على الله به. ت- تعظيم الله تعالى وتعظيم ما أشهد الله عليه، وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة: رأى عيسى ابن مريم رجلاً يسرق، فقال له: أسرقت، قال: كلا والذي لا إله إلا هو، فقال عيسى: آمنت بالله وكذبت عيني. ث-القيام بما يقتضيه هذا الاسم من تقوى الله تعالى في الأقوال والأفعال، قال سبحانه ï´؟ لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا ï´¾ [الأحزاب: 55]، فأمر بتقواه وعلل بهذا الاسم العظيم، ويقول سبحانه: ï´؟ يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ï´¾ [المجادلة: 6]، يقول الشيخ عبدالرحمن ابن سعدي رحمه الله: الرقيب والشهيد مترادفان، وكلامها يدلُّ على إحاطة سمع الله بالمسموعات، وبصره بالمبصرات، وعلمه بجميع المعلومات الجلية والخفية، وهو الرقيب على ما دار في الخواطر، وما تحركت به اللواحظ، ومن باب أولى الأفعال الظاهرة بالأركان، قال تعالى: ï´؟ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ï´¾ [النساء: 1]، ï´؟ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ï´¾ [المجادلة: 6]، ولهذا كانت المراقبة التي هي من أعلى أعمال القلوب هي التعبد لله باسمه الرقيب الشهيد، فمتى علم العبد أنَّ حركاته الظاهرة والباطنة قد أحاط الله بعلمها، واستحضر هذا العلم في كل أحواله، أوجب له ذلك حراسة باطنة عن كل فكر وهاجس يبغضه الله، وحفظ ظاهره عن كل قول أو فعل يسخط الله، وتعبَّد بمقام الإحسان فعبد الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه، فإن الله يراه.[4] المسلك الثاني عشر: أن نتخلق بخلق الشهادة بالحق، وألا نخاف في ذلك لومة لائم، كما أمر الله عز وجل ï´؟ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ï´¾ [النساء: 135] وأعظم ذلك الشهادة لله بالتوحيد والشهادة لرسوله بالرسالة، والصدع بهذا ونيل الشهادة في سبيله، ï´؟ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ï´¾ [آل عمران: 140]. المسلك الثالث عشر: وبهذا يتقرر ما يقوي في الموحد عقيدة التوحيد ويحرس عن الشرك بالله رب العالمين، فيصدع ثابتًا ويؤمن مطمئنًا، ï´؟ قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ï´¾ [الأنعام: 19]. [1]. تفسير غريب الحديث 2/ 91. [2]. مدارج السالكين 3/ 466. [3]. المقصد الأسنى/ 126، وانظر للفائدة: شرح القصيدة النونية للهراس 2/ 88. [4]. الحق الواضح المبين / 58 - 59.
__________________
|
#5
|
||||
|
||||
![]() منهج فهم معاني الأسماء الحسنى والتعبد بها (4) د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري التواب المسلك الأول: التواب في اللغة من صيغ المبالغة، يقال تاب إلى الشيء يتوب توبا إذا رجع،[1] والتوبة الرجوع عن الشيء إلى غيره، والتائب يقال لباذل التوبة ولقابل التوبة، فالعبد تائب إلى الله والله تائب على عبده، قال تعالى ï´؟ وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا ï´¾ [الفرقان: 71]. المسلك الثاني: دل هذا الاسم على تسمية الله بالتواب واتصافه بصفة التوبة بالمطابقة، وعلى أحدها بالتضمن، وهو من أسماء صفات الأفعال المتعلق بالمشيئة. وتوبة الله على عبده نوعان: أحدهما: يوقع في قلب عبده التوبة إليه والإنابة إليه، فيقوم بالتوبة وشروطها من الإقلاع عن المعاصي، والندم على فعلها، والعزم على أن لا يعود إليها، ويستبدلها بعمل صالح. والثاني: توبته على عبده بقبولها وإجابتها ومحو الذنوب بها، فإن التوبة النصوح تجبُّ ما قبلها.[2]. قال ابن القيم رحمه الله: وكذلك التواب من أوصافه ![]() والتوب في أوصافه نوعان ![]() إذنٌ بتوبة عبده وقبولها ![]() بعد المتاب بمنة المنان ![]() قال تعالى ï´؟ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا ï´¾ [النساء: 64]، وقال سبحانه ï´؟ أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ï´¾ [التوبة: 104]. المسلك الثالث: ودل هذا الاسم على تنزيه الله تعالى من الأمر بالفحشاء والسوء، ï´؟ وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا ï´¾ [النساء: 27]، وأنه لا أحد يحول بين العبد وبين توبة ربه عليه. المسلك الرابع: قال الغزالي رحمه الله: التواب هو الذي يرجع إلى تيسير أسباب التوبة لعباده مرة بعد أخرى، بما يظهر لهم من آياته، ويسوق إليهم من تنبيهاته، ويطلعهم عليه من تخويفاته وتحذيراته، حتى إذا اطلعوا بتعريفه على غوائل الذنوب استشعروا الخوف بتخويفه؛ فرجعوا إلى التوبة فرجع إليهم،[3] وقال ابن سعدي: التائب على التائبين: أولا بتوفيقهم للتوبة والإقبال بقلوبهم إليه، وهو التائب عليهم بعد توبتهم: قبولاً لها، وعفواً عن خطاياهم [4]. المسلك الخامس: تعلق هذا الاسم بتوبة الله على عباده ودعوتهم إليها، وتأمل هذه التوبة الجليلة بعد الابتلاء والاختبار، يقول تعالى ï´؟ وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ï´¾ [التوبة: 118]، وفي الحديث القدسي: " قال الله تعالى: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم لو أنك أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة"، رواه الترمذي عن أنس.. • ومن مقتضيات التوبة: نداء العباد إليها ï´؟ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ï´¾ [الزمر: 53]، وبسط يد الله لهم بها، عن أبي موسى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها"، رواه مسلم. • ومن آثار التوبة: أن الله يفرح بتوبة عبده إذا تاب، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:" كيف تقولون لفرح رجل انفلتت منه راحلته، تجر زمامها بأرض قفر ليس بها طعام ولا شراب، وعليها له طعام وشراب، فطلبها فلم يجدها حتى شق عليه، ثم مرت بجذل شجرة، فتعلق زمامها فوجدها متعلقة به؟ أما والله لله أشد فرحًا بتوبة عبده من الرجل براحلته"، رواه مسلم عن البراء، ويحب سبحانه التائبين ï´؟ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ï´¾ [البقرة: 222]، ويبدل سيئات أعمالهم وأحوالهم حسنات ï´؟ إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ï´¾ [الفرقان: 70]، ويدخلهم سبحانه في نعيم جنته، ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ï´¾ [التحريم: 8]. المسلك السادس: اقترن هذا الاسم باسم الله الرحيم كثيرًا في القرآن كما في قوله تعالى ï´؟ فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ï´¾ [البقرة: 37]؛ لأنه توبته على عباده من مقتضيات رحمته بهم، واقترن كذلك باسم الله الحكيم، ï´؟ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ ï´¾ [النور: 10]، فهي توبة عن حكمة لله عظيمة في إيجاد الذنب ثم مغفرته بالتوبة، واقترن بعدة أوصاف في قوله تعالى ï´؟ غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ï´¾ [غافر: 3]. المسلك السابع: هذا الاسم من مجموعة الأسماء الدالة على سعة رحمة الله وكرمه، كالرحيم والغفور والحليم والعفو، ونحوها، قال تعالى ï´؟ أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ï´¾ [المائدة: 74]. المسلك الثامن: العبد يسمى أيضًا تائب وتواب، وله من هذا الاسم نصيب، لكن توبة العبد وقعت بين توبتين لله تعالى، يقول ابن القيم رحمه الله: وتوبة العبد إلى ربه محفوفة بتوبة من الله عليه قبلها وتوبة منه بعدها؛ فتوبته بين توبتين من الله سابقة ولاحقة؛ فإنه تاب عليه أولاً إذنًا وتوفيقًا وإلهامًا، فتاب العبد؛ فتاب الله عليه ثانيًا قبولاً وإثابة، قال الله سبحانه وتعالى ï´؟ لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ * وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ï´¾ [التوبة: 117، 118]، فأخبر سبحانه أن توبته عليهم سبقت توبتهم، وأنها هي التي جعلتهم تائبين فكانت سببًا ومقتضيًا لتوبتهم؛ فدل على أنهم ما تابوا حتى تاب الله تعالى عليهم.. ثم قال: والعبد تواب والله تواب؛ فتوبة العبد: رجوعه إلى سيده بعد الإباق، وتوبة الله نوعان: إذن وتوفيق وقبول وإمداد.[5]. المسلك التاسع: كان من هديه صلى الله عليه وسلم أن يتعبد الله بهذا الاسم، صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الضحى، ثم قال:" اللهم اغفر لي وتب على إنك أنت التواب الرحيم حتى قالها مائة مرة"، أخرجه البخاري في الأدب المفرد عن عائشة، وكان في صلاته يتأول القرآن يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي"، يتأول قوله تعالى ï´؟ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ï´¾ [النصر: 3]، وكان يتعبد لله بالتوبة إليها والرجوع، وزكى الله توبته وتوبة من معه فقال ï´؟ لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ï´¾. • وكان من أذكاره صلى الله عليه وسلم بعد الوضوء: " أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين"، رواه الترمذي عن عمر، وفي حديث ابن عمر عند ابن ماجه قال: إن كنا لنعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس يقول: رب اغفر لي، وتب علي، إنك أنت التواب الرحيم مائة مرة. المسلك العاشر: ومن هدي السلف الصالح ما جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه لما رأى مغنيًا يغني بطنبور، فقال: ما أجمل هذا الصوت لو كان بالقرآن، فلما سمع ذلك، أعلن توبته، وأتى ابن مسعود، فعانقه، وقال: مرحبًا بحبيب الرحمن، فأوقفه على مقتضى من مقتضيات اسم الله التواب؛ أن الله يبدل السيئات حسنات، ويصبح التائب حبيبًا للرحمن، فاستقام هذا التائب حتى أصبح من علماء الأمة. المسلك الحادي عشر: ينبغي علينا أن نحرص على أن نتعبد الله تعالى بهذا الاسم من خلال: • الدعاء: ومن أدعية الأنبياء في القرآن الكريم: ï´؟ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ï´¾ [البقرة: 128]، ومن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ما رواه عبد الله بن مسعود:" ربنا أصلح بيننا، واهدنا سبيل الإسلام، ونجنا من الظلمات إلى النور، واصرف عنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقلوبنا وأزواجنا وذرياتنا، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، واجعلنا شاكرين لنعمتك، مثنين بها، قائلين بها، وأتممها علينا، أخرجه البخاري في الأدب المفرد. • تعبيد الأسماء لله بهذا الاسم فيسمي عبد التواب وأمة التواب، وهو قليل في الناس. • تسبيح الله بهذا الاسم: قال تعالىï´؟ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ï´¾. • القيام بما يقتضيه من فعل التوبة والإكثار منها، قال تعالى {وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات: 11]، فقسمت هذه الآية الناس فريقين لا ثالث لهما: تائب وظالم، وقال الله في التائبين: ï´؟ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ï´¾، وبتوبته تحقق له الخيرية التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم فقال:" كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، رواه الترمذي عن أنس. • والعبد بحاجة دائمًا للتوبة والإنابة إلى ربه، " ما من عبد مؤمن إلا وله ذنب يعتاده الفينة بعد الفينة، أو ذنب هو مقيم عليه لا يفارقه حتى يفارق الدنيا، إن المؤمن خلق مفتنًا توابًا نسيًا، إذا ذكر ذكر"، رواه الطبراني عن ابن عباس، فلا بد أن يظهر أثر هذا الاسم على العباد، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:" والذي نفسي بيده، لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم"، رواه مسلم عن أبي هريرة. • ومن مقتضى هذا الاسم أن يبادر العبد بالتوبة إلى ربه تعالى: ï´؟ إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ï´¾ [النساء: 17، 18]. المسلك الثاني عشر: أن نتخلق بخلق العفو عن الناس والصفح عنهم، يقول الغزالي: من قبل معاذير المجرمين من رعاياه وأصدقائه ومعارفه مرة بعد أخرى فقد تخلق بهذا الخلق وأخذ منه نصيبًا، [6] وفي الصحيح:" حوسب رجل ممن كان قبلكم، فلم يوجد له من الخير شيء إلا أنه كان رجلاً موسرًا، وكان يخالط الناس، وكان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسر، فقال الله عز وجل: نحن أحق بذلك منه، تجاوزوا عنه"، رواه الترمذي. المسلك الثالث عشر: وبهذا يتجلى أن التوبة على العباد من الذنوب إنما اختص الله بها على أكمل وجه وأتم معنى، فإلى من يتجه العبد بعد الله وليس أحد من دونه مهما كان صلاحه وخيره يملك التوبة على العباد، واسمع لقول الله تعالى ï´؟ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ ï´¾ [آل عمران: 128]. [1] تفسير أسماء الله الحسنى/61. [2] انظر الحق الواضح المبين /74. [3] المقصد الأسنى /139. [4] تفسيره 5/623. [5] مدارج السالكين 1/312-313. [6] المقصد الأسنى/139.
__________________
|
#6
|
||||
|
||||
![]() منهج فهم معاني الأسماء الحسنى والتعبد بها (5) د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري الولي والمولى المسلك الأول: قال الراغب الأصفهاني: الولاء والتوالي يطلق على القرب، من حيث المكان، ومن حيث النسب، ومن حيث الدين، ومن حيث الصداقة، ومن حيث النصرة، ومن حيث الاعتقاد، والولاية النصرة، والولاية تولي الأمر.. ا.هـ، فالولي في اللغة هو الذي يلي غيره بحيث يكون قريبًا منه بلا فاصل. • والفرق بين الولي والمولى أن الولي هو من تولى أمرك وقام بتدبير حالك وحال غيرك؛ وهذه من ولاية العموم، أما المولى فهو من تركن إليه وتعتمد عليه وتحتمي به عند الشدة والرخاء، وفي السراء والضراء؛ وهذه من ولاية الخصوص، لذا كثيرًا ما يأتي اسم الله المولى في ولاية الخصوص. المسلك الثاني: دل هذا الاسم على اسم الولي على اسم الله الولي وعلى اتصاف الله بصفة الولاية بالمطابقة، وعلى الاسم وحده وصفة وحدها بدلالة التضمن، وهو من أسماء الأفعال، وصفة الولاية على نوعين: أ- ولاية عامة: تقتضي الخلق والرزق والإحاطة، ومنها قوله تعالى ï´؟ ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ ï´¾ (62) سورة الأنعام. ب- وولاية خاصة: تقتضي الهداية والتوفيق ï´؟ اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ ï´¾ (257) سورة البقرة، وتقتضي النصرة والتأييد كما في قوله تعالى ï´؟ بَلِ اللّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ ï´¾ (150) سورة آل عمران، وتقتضي المحبة، قال تعالى ï´؟ إِنَّ وَلِيِّيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ï´¾ (196) سورة الأعراف، وتؤدي كذلك الاطمئنان والسعادة في الدنيا والآخرة ï´؟ أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ï´¾ (62) سورة يونس. المسلك الثالث: دل هذا الاسم على تنزيه الله تعالى أن يكون في ولاية أحد له ما يقتضي الذل، قال تعالى ï´؟ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا ï´¾ (111) سورة الإسراء، قال الحسن بن الفضل: يعني لم يذل فيحتاج إلى ولي ولا ناصر لعزته وكبريائه.[1] المسلك الرابع: مما ذكره أهل العلم في شرح هذا الاسم: ما نقله الثعالبي في تفسيره عن القشيري قال: اسمه تعالى الولي هو المتولي لأحوال عباده،[2] وقال البيهقي: الولي هو الناصر، وقيل المتولي للأمر القائم به،[3] قال الزجاج: وهو يتولى يوم الحساب ثوابهم وجزاءهم.[4] المسلك الخامس: تعلق هذا الاسم بولاية الله العامة على مخلوقاته في خلقهم ورزقهم قال تعالى ï´؟ قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ ï´¾ (14) سورة الأنعام، وذكرت ولاية الله لعباده في مواضع هم أشد حاجة وتعلق فيها بخالقهم ورازقهم، قال سبحانه{وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} (28) سورة الشورى. وتعلق ولايته الخاصة بعباده المؤمنين ï´؟ إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ï´¾ (68) سورة آل عمران، وبعباده المتقين: ï´؟ إِنَّهُمْ لَن يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيئًا وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ ï´¾ (19) سورة الجاثية. المسلك السادس: اقترن هذا اسم الله الولي باسم الله النصير كثيرًا، ومنه قوله تعالى ï´؟ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللّهِ نَصِيرًا ï´¾ (45) سورة النساء؛ لأن ولاية الله الخاصة تقتضي نصرة أوليائه، واقترن كذلك باسم الله الحميد ï´؟ وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ï´¾ (28) سورة الشورى، لتدل على وجوب شكر الله وحمده على توليه لعباده، واقترن أيضًا باسمين عظيمين في قوله تعالى ï´؟ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ï´¾ (2) سورة التحريم، فهي ولاية علم محيط وحكمة بالغة. المسلك السابع: هذا الاسم من مجموعة الأسماء التي تدل على رحمة الله بعباده ورعايته لهم كالرحيم واللطيف، وهو أيضًا على المعنى العام من مجموعة أسماء الخالق والبارئ والرازق والمحيي ونحوها. المسلك الثامن: العبد قد يسمى بهذا الاسم، كما في قوله تعالى ï´؟ اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ ï´¾ (3) سورة الأعراف، لكن شتان بين ولاية الله وولاية من سواه، قال تعالى ï´؟ مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ï´¾ (41) سورة العنكبوت، قال الشوكاني: لا بيت أضعف منه مما يتخذه الهوام بيتًا ولا يدانيه في الوهى والوهن شيء من ذلك،[5] فالولي الحقيقي المستحق للولاية هو الله وحده ï´؟ أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي المَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ï´¾ (9) سورة الشورى، ولا يستحق أحدًا الولاية إلا بقدر ولايته لله تعالى ï´؟ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ï´¾ (55) سورة المائدة. المسلك التاسع: كان من هديه صلى الله عليه وسلم أن يتعبد الله بذكر هذا الاسم والتعلق بمقتضاه، وفي البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الصحابة حينما قال لهم أبو سفيان: لنا العُزى ولا عُزى لكم، فقال: " قولوا الله مولانا ولا مولى لكم". • وكان من أذكاره صلى الله عليه وسلم عند نومه أن يتوجه إلى ربه بمقتضى هذا الاسم:" اللهم أسلمت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت، قال صلى الله عليه وسلم : فإن مت من ليلتك فأنت على الفطرة، واجعلهن آخر ما تتكلم به"، متفق عليه. المسلك الحادي عشر: ينبغي علينا أن نحرص على أن نتعبد الله تعالى بهذا الاسم من خلال: • أن توسل لله تعالى بهذا الاسم الكريم، كما دعا يوسف عليه السلام الدعاء: ï´؟ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ï´¾ (101) سورة يوسف، وكما دعا موسى عليه السلام: {أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ} (155) سورة الأعراف، ومن دعاء المؤمنين أن يتولاهم الله بولايته: ï´؟ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ï´¾ (286) سورة البقرة. • ومن دعاء النبي متوسلاً بهذا الاسم ما رواه عن أنس رضي الله عنه قال: كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يا ولي الإسلام وأهله مسكني بالإسلام – وفي رواية ثبتني - حتى ألقاك عليه"، وما رواه زيد بن أرقم: "اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل، والهرم وعذاب القبر، وفتنة الدجال، اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها"، وعن الحسن بن علي قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر:" اللهم اهدنا فيما هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا شر ما قضيت، إنك تقضي ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت"، رواه أحمد ولفظه له والترمذي وحسنه. • تعظيم الله تعالى وتعبيد الأسامي لله بهذا الاسم وذكره بهذا الاسم وخصوصًا عند وجود مقتضاه، والثناء على الله به: ï´؟ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَوْلاَكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ï´¾ (40) سورة الأنفال. • القيام بما يقتضيه هذا الاسم ومن ذلك: • الازدياد من الإيمان وتوقية جانبه في النفوس، ï´؟ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ ï´¾ (11) سورة محمد. • الإكثار من العمل الصالح ليدخل في ولاية الله: ï´؟ لَهُمْ دَارُ السَّلاَمِ عِندَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ï´¾ (127) سورة الأنعام، وفي حديث الولي الذي رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه يقول الله تعالى: "من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلى مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه؛ فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، وإن استعاذني لأعيذنه"، أي يحفظه ويسدده في جوارحه ويتولاه بمعيته الخاصة. • الاعتصام بأمر الله ولزوم شرعه ï´؟ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ï´¾ (78) سورة الحج، قال ابن القيم رحمه الله: أي متى اعتصمتم به تولاكم ونصركم على أنفسكم وعلى الشيطان، وهما العدوان اللذان لا يفارقان العبد، وعداوتهما أضر من عداوة العدو الخارج، فالنصر على هذا العدو أهم، والعبد إليه أحوج، وكمال النصرة على العدو بحسب كمال الاعتصام بالله.[6] • ويتبع ذلك الشعور بآثار هذا الاسم عند تحصيل ما أمر الله به مما سبق، فيستشعر: • الطمأنينة والراحة النفسية؛ لأنه ممن تولاه الله، ï´؟ قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ï´¾ (51) سورة التوبة. • ويثق بروح الله ونصره للمؤمنين، مع تداهمت الكروب، ï´؟ إِذْ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَاللّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ï´¾ (122). • ألا يخاف من أعداء الله مهما كان عددهم وعدتهم، ï´؟ إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ï´¾ (175) سورة آل عمران. • وليحذر مما ينافي تولي الله تعالى والمؤمنين، ومن ذلك: • أن يتبع غير منهاج الله ويعتز بغير شرعه، قال تعالى: ï´؟ وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ ï´¾ (120) سورة البقرة. • أن يتولى أعداء الدين فيحبهم وينصرهم على المؤمنين، ï´؟ لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ ï´¾ (28) سورة آل عمران. • أن يصر على السيئات ولا يحدث للذنوب توبة، ï´؟ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا ï´¾ (123) سورة النساء. المسلك الثاني عشر: أن نتخلق بأخلاق الولاية لكل مؤمن، فنتولى أولياء الله، وعلى قدر ولاية العبد لله تكون ولايتنا له، كما قال تعالى ï´؟ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ï´¾ (55) سورة المائدة، وتكون لهم المحبة والأخوة والنصرة للمؤمنين حيثما كانوا، ï´؟ وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا ï´¾ (75) سورة النساء. • وإنما يتولى المؤمن المؤمنين بالتزام توجيه الله في مثل هذه الآية الكريمة، ï´؟ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ï´¾ هذا هو همهم ï´؟ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ï´¾ هذا هو عملهم ï´؟ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ ï´¾ هذا هو مناهجهم ï´؟ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ï´¾ (71) سورة التوبة، وليتولى المؤمن إخوانه فليحرص على الإحسان إليهم ومعاملتهم بالجميل، ï´؟ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ï´¾ (34) سورة فصلت، وفي حديث عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن من عباد الله لأناسًا ما هم بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله، قالوا: يا رسول الله تخبرنا من هم؟ قال:" هم قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها، فوالله إن وجوههم لنور وإنهم لعلى نور، لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس، وقرأ الآية: ï´؟ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ï´¾، رواه أبو داود. • وفي المقابل فإن المؤمن يتبرأ من كل الولاءات لغير لله ويتبرأ من كل الروابط إذا خالفت الدين: ï´؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ï´¾ (23) سورة التوبة، وفي الحديث المتفق عليه عن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" إن آل فلان ليسوا لي بأولياء، إنما وليي الله وصالح المؤمنين، ولكن لهم رحم أبلها ببلالها". المسلك الثالث عشر: أن نقوي أمر توحيد الله في أنفسنا وأن نعظم مقام إفراد الله عز وجل بالتوجه والوجهة، ومن هنا تتقرر جوانب لتقوية التوحيد والإيمان بالله من خلال هذا الاسم تتمثل في عدة جوانب، فيخاف المؤمن أن يتولاه غير مولاه وخالقه فيهلك ويخسر دنياه وأخراه، ï´؟ وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ï´¾ (51) سورة الأنعام، فدلائل ولاية الله وتوليه لعباده في نفس المؤمن وفيما يرى في ملكوت سبحانه كثيرة تزيد إيمانه وتوليه لربه وكفره بمن سواه، ï´؟ قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ï´¾ (16) سورة الرعد. [1] عن تفسير القرطبي 10 /299. [2] من تفسيره 4 /110. [3] الاعتقاد/62. [4] تفسير أسماء الله الحسنى/55. [5] فتح القدير 4 /290. [6] مدارج السالكين 1 /180.
__________________
|
#7
|
||||
|
||||
![]() منهج فهم معاني الأسماء الحسنى والتعبد بها (6) د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري اللطيف المسلك الأول: أصل اللطف في الكلام خفاء المسلك ودقة المذهب، [1] قال القرطبي رحمه الله: واللطف في الفعل الرفق فيه، واللطف من الله تعالى التوفيق والعصمة، وألطفه بكذا أي بره به،[2] وقال ابن عباس رضي الله عنهما: البر اللطيف، ففسر اسم الله البر بهذا الاسم. • ومنه التلطف كما قال أهل الكهف: وليتلطف ولا يشعرن بكم أحدًا[3]. • ومنه حديث النعمان بن بشير عند أبي داود في قصة عطية والده، قال له النبي صلى الله عليه وسلم:" أليس يسرك أن يكونوا لك في البر واللطف سواء؟"، قال: نعم، قال: "فأشهد على هذا غيري". • ومنه ما رواه البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: حين قال لها أهل الإفك ما قالوا: وَيَرِيبُنِي فِي وَجَعِي أَنِّي لاَ أَرَى مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم اللُّطْفَ الذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَمْرَضُ، أي الرقة والحنان. المسلك الثاني: دل هذا الاسم على اسم الله اللطيف واتصاف الله تعالى بصفة اللطف بالمطابقة، وعلى أحدهما بالتضمن، وهو من أسماء الأفعال، واتصاف الله عز وجل باللطف يدل على معنيين: • الأول: معنى العلم بما يخفى ويدق، فاللطيف العالم بدقائق الأمور،[4] ومن قوله تعالى ï´؟ لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ï´¾ (103) سورة الأنعام. • الثاني: معنى الرزق بما يخفى، فاللطيف المحسن إلى عباده في خفاء وستر من حيث لا يعلمون،[5] ومن قوله تعالى ï´؟ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ï´¾ (63) سورة الحـج ، قال ابن كثير في تفسيره[6]: أي عليم بما في أرجاء الأرض وأقطارها وأجزائها من الحب وإن صغر، ولا يخفى عليه خافية فيوصل إلى كلٍ منه قسطه من الماء فينبته به .. (كما) قال: " أن لا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ". المسلك الثالث: ودل على تنزيه الله تعالى من العجز والجهل باتصاف بدقيق العلم وخفي القدرة والعطاء. المسلك الرابع: قال الخطابي: اللطيف هو البر بعباده الذي يلطف بهم من حيث لا يعلمون ويسبب لهم مصالحهم من حيث لا يحتسبون ،[7] وقال ابن القـيم في شرحه: واسمه اللطيف يتضمن علمه بالأشياء الدقيقة، وإيصاله الرحمة بالطرق الخفية،[8] وقد نظم هذا في النونية فقال: هو اللطيف بعبده ولعبده ![]() واللطف في أوصافه نوعانِ ![]() إدراك أسرار الأمور بخبرةٍ ![]() واللطف عند مواقع الإحسانِ ![]() فيريك عزته ويبدي لطفه ![]() والعبد في الغفلاتِ عن ذا الشانِ ![]() قال الغزالي: إنما يستحق هذا الاسم من يعلم دقائق المصالح وغوامضها، وما دق منها وما لطف، ثم يسلك في إيصالها إلى المستصلح سبيل الرفق دون العنف؛ فإذا اجتمع الرفق في الفعل واللطف في الإدراك تم معنى اللطف، ولا يتصور كمال ذلك في العلم والفعل إلا لله سبحانه وتعالى [9]. ويختصّ أولياء الله بلطف خاص يتضمّن أعلى درجات الإحسان والإصلاح؛ وهو أن ييسّرهم لليسرى ويجنّبهم العسرى، وقد يكون ذلك بشيء من الابتلاءات والمحن[10]. المسلك الخامس: تعلق اسم الله اللطيف بعباده في قوله تعالى ï´؟ اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ ï´¾ (19) سورة الشورى، وتعلق في آية ثانية لما يشاء سبحانه، ï´؟ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء ï´¾ (100) سورة يوسف، قال ابن كثير: أي إذا أراد أمرًا قيض له أسبابًا وقدره ويسره،[11] وفي آية ثالثة قال تعالى ï´؟ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ï´¾ (34) سورة الأحزاب، قال ابن جرير الطبري: يقول تعالى ذكره: إن الله كان ذا لطف بكن إذ جعلكن في البيوت التي تتلى فيها آياته والحكمة، خبيرًا بكن إذا اختاركن لرسوله أزواجًا[12]. المسلك السادس: اقترن هذا الاسم باسم الله الخبير كثيرًا، ومنه قوله تعالى ï´؟ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ï´¾ (14) سورة الملك، فيرتبط هذا الاسم بعلم الله تعالى وخبرته، كما اقترن بعلم الله الواسع وحكمته البالغة كما في دعاء يوسف عليه السلام: ï´؟ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ï´¾، واقترن كذلك باسم الله القوي العزيز ليدل على معنى آخر وهو أن جلال الله في لطفه لا يحجب العبد عن تعظيم الله في قوته وعزته، قال سبحانه ï´؟ اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْقَوِيُّ العَزِيزُ ï´¾ (19) سورة الشورى، فهو العظيم في لطفه اللطيف في عظمته [13]. المسلك السابع: هذا الاسم من مجموعة الأسماء التي تدل على إحاطة الله بجميع المعلومات مهما دقت، كاسم الله العليم والخبير والمحيط، وهو كذلك ينضم إلى الأسماء التي تدل على رحمة الله بعباده ورعايته لهم كاسم الله الرحيم والكريم والولي، قال ابن سعدي في تفسيره: فهو بمعنى الخبير وبمعنى الرؤوف [14]. • واسم العلم منها العليم ويدل على مطلق العلم بكل شيء، والخبير ويتعلق بالعلم بواطن الأمور وحقائقها، واللطيف وهو يتعلق بعلم ما هو أدق من ذلك وأخفى، والشهيد وهو العلم بالحاضر وبكل الأشياء [15]. المسلك الثامن: العبد يكون لطف فيعلم بعض الدقائق والخفايا، وأنى له أن يتصف بما خص الله به ونفسه ï´؟ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ ï´¾ (110) سورة الأنبياء، ï´؟ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ï´¾ (7) سورة طـه، ï´؟ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ.... ï´¾ (7) سورة المجادلة. والعبد له رفق ورعاية لكنها أحقر أن تسامي لطف الله، ï´؟ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ ï´¾ (11) سورة الرعد، ويقول صلى الله عليه وسلم:" إن الله تعالى ليحمي عبده المؤمن من الدنيا وهو يحبه كما تحمون مريضكم الطعام والشراب تخافون عليه"، رواه أحمد عن محمد بن لبيد والحاكم عن أبي سعيد وصححه الألباني. المسلك التاسع: كان من هديه صلى الله عليه وسلم أن يذكر الله تعالى بهذا السم في الأمور التي تخفى وتدق أن يطلع عليها الناس، كما جاء عند مسلم من حديث عائشة في قصة لحاقها بالنبي إلى البقيع ثم رجوعه إلى البيت دون أن يراها، فلما عاد قال لها: مالكِ يا عائشة حشيا رابية؟ قالت:لا، قال: لتخبرني أو ليخبرني اللطيف الخبير"، فسمى الله بهذين الاسمين لما في الموقف من خفاء وليس بخافٍ عن اللطيف سبحانه. المسلك العاشر: ومن استدلال أهل العلم بهذا الاسم ما نقلوه عن بعض الأعراب وقد سئل ما الدليل على وجود الرب تعالى؟ فقال: يا سبحان الله إن البعر ليدل على البعير، وإن أثر الأقدام لتدل على المسير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج؟ ألا يدل ذلك على وجود اللطيف الخبير؟[16]. المسلك الحادي عشر: ينبغي علينا أن نحرص على أن نتعبد الله تعالى بهذا الاسم من خلال: أ- الدعاء: فنحرص أن نتوسل إلى الله بهذا الاسم وما دل عليه من معنى عميق، كما دعا بهذا النبيون، قال يوسف عليه السلام في خاتمته قصته العظيمة ï´؟ وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاء إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ï´¾ (100) سورة يوسف، فكم كان في قصته عليه السلام من ألطاف الله لمن تأملها، وتأمل فقط ما ذكره يوسف هنا: تأويل الرؤيا، وإخراجه من السجن، ومجيء أهل من البدو والفقر، وإصلاح ما بينه وبين إخوته، قال الطبري رحمه الله: يقول: إن ربي ذو لطف وصنع لما يشاء، ومن لطفه وصنعه أنه أخرجني من السجن وجاء بأهلي من البدو بعد الذي كان بيني وبينهم من بعد الدار وبعد ما كنت فيه من العبودية والرق الإسار.[17]. • ومن الخطأ قول البعض في دعائه: اللهم إني لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه، بل يدعو الله عز وجل بره شر ما قضى، كقوله: وقني شر ما قضيت، ويعزم المسألة ويعظم الرغبة. • تعبيد الأسامي بها الاسم: فيسمي أبنائه عبد اللطيف، وبناته أمة اللطيف. • الحلف بهذا الاسم والتعوذ به والإخبار عن الله به، ونحو ذلك [18]. • العمل بما يقتضيه هذا الاسم من التعلق بالله عز وجل وسؤاله، ومن مراقبته سبحانه، قال العبد الصالح يربي ابنه على مراقبة الله ï´؟ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ï´¾ (16) سورة لقمان، فهمها صغرت حبة من خردل، ومهما اختفت في جوف صخرة أو سارت في أقطار السموات أو غاصت في باطن الأرض أتى بها الله اللطيف الخبير، قال قتادة: أي لطيف باستخراجها خبير بمستقرها[19]. المسلك الثاني عشر: أن نتخلق بصفة اللطف، فالله لطيف ويحب اللطيف من عباده، ويبغض الفظ الغليظ القاسي الجعظري الجواظ [20]. المسلك الثالث عشر: ومن هنا تتقرر جوانب لتقوية التوحيد والإيمان بالله من خلال هذا الاسم فمع إقرار العبد بعظيم لطف الله بعلمه ورحمته وجب عليه أن يفرد ربه سبحانه بالعبادة والتوجه الخالص، فليس غير الله أرحم بالعبد وأكرم وأعلم، وتأمل هذه الآية التي جاءت في سياق الرد على من أنكر البعث وكذب بالجزاء ï´؟ اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْقَوِيُّ العَزِيزُ ï´¾ (19) سورة الشورى، فهو سبحانه تفضل على عباده بالرزق ولطف علمه وأحاط بهم، وهو المتصف كذلك المتصف بعظيم القوة والعزة والغلبة، فإلى من يتجه بعد ذلك من دون الله لطلب الرزق أو النصرة. [1] تفسير أسماء الله الحسنى للزجاج/ 44. [2] تفسير القرطبي 7/ 50. [3] شفاء العليل لابن القيم 1/ 34. [4] تفسير القرطبي 9/ 224. [5] تفسير أسماء الله الحسنى للزجاج/ 44. [6] 3/ 313. [7] تفسير القرطبي 9/ 224. [8] شفاء العليل / 24، وانظر الصواعق المرسلة 2/ 492، والفتاوى 2/ 211. [9] المقصد الأسنى / 101. [10] راجع الحق الواضح المبين لا بن سعدي/ 33-34. [11] من تفسيره 2/ 644. [12] تفسيره 10/ 299. [13] حادي الأرواح / 203. [14] 5/ 301. [15] راجع للفائدة تفسير القرطبي 18/ 188. [16] انظر تفسير ابن كثير 1/ 88. [17] من تفسيره 7/ 301. [18] انظر عمدة القاري 23/ 185. [19] تفسير الطبري 10/ 212. [20] الوابل الصيب / 49.
__________________
|
#8
|
||||
|
||||
![]() منهج فهم معاني الأسماء الحسنى والتعبد بها (7) د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري السلام المسلك الأول: مادة السلام في اللغة تدل على الخلاص والنجاة، والسلام هو الموصوف بالسلامة، والسلامة الأمن والاطمئنان، والبراءة من كل آفة ظاهرة وباطنة، والخلاص من كل مكروه وعيب. المسلك الثاني: دل هذا الاسم على اسم الله السلام وصفته السلامة من النقائص والعيوب كوصف ذات وتسليم من شاء من خلقه على مقتضى حكمته كوصف فعل، فهو من أسماء الذات والأفعال. والله عز وجل سلمت ذاته وصفاته وأفعاله من النقائص والعيوب، ودعا سبحانه لإفشاء السلام بين عباده، ï´؟ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ï´¾ [سورة الفرقان: 63]، ودعا لسبل السلامï´؟ يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ï´¾ [سورة المائدة: 16]، ودعا للجنة دار السلام، ï´؟ وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ï´¾ [سورة يونس، 25]، فكل سلامة مبتدأها وتمامها ونسبتها إليه. واسم الله السلام يدل باللزوم على كمال الحياة والقيومية والعظمة والرحمة والعلم والحكمة، وغيرها من صفات الكمال. المسلك الثالث: ودل اسم السلام على تنزيه الله تعالى من فهو المقدَّس المنزه عن كل سوء، السالم من مماثلة أحد من خلقه، ومن نقصان صفة من صفاته، ومن كل ما ينافي كماله، قال ابن القيم في نونيته: وهو السلام على الحقيقة سالمٌ ♦♦♦ من كل تمثيل ومن نقصانِ وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود قال: كنا إذا صلينا مع النبي صلى الله عليه وسلم قلنا السلام على الله قبل عباده، السلام على جبريل، السلام على ميكائيل، السلام على فلان وفلان، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم، أقبل علينا بوجهه، قال:" لا تقولوا السلام على الله؛ فإن الله هو السلام"، قال ابن القيم: فنهاهم النبي أن يقولوا السلام على الله؛ لأن السلام هو المسلم عليه، دعاء له وطلب أن يسلم، والله تعالى هو المطلوب منه لا المطلوب له، وهو المدعو لا المدعو له، فيستحيل أن يسلم عليه، بل هو المسلم على عباده.[1] المسلك الرابع: ذكر الغزالي رحمه اله في المقصد الأسنى[2] عند تفسيره لهذا الاسم: هو الذي تسلم ذاته عن العيب، وصفاته عن النقص، وأفعاله عن الشر، حتى إذا كان كذلك لم يكن في الوجود سلامة إلا وكانت معزية إليه صادرة منه، وقال ابن القيم رحمه الله: فهو سبحانه سلام في ذاته عن كل عيب ونقص يتخيله وهم، وسلام في صفاته من كل عيب ونقص، وسلام في أفعاله من كل عيب ونقص وشر وظلم وفعل واقع على غير وجه الحكمة، بل هو السلام الحق من كل وجه وبكل اعتبار، فعلم أن استحقاقه تعالى لهذا الاسم أكمل من استحقاق كل ما يطلق عليه، وهذا هو حقيقة التنزيه الذي نزه به نفسه، ونزهه به رسوله، فهو السلام من الصاحبة والولد، والسلام من النظير والكفء والسمي والمماثل، والسلام من الشريك، ولذلك إذا نظرت إلى إفراد صفات كماله وجدت كل صفة سلاماً مما يضاد كمالها، فحياته سلام من الموت ومن السِّنة والنوم، وكذلك قيوميته وقدرته سلام من التعب واللغوب، وعلمه سلام من عزوب شيء عنه أو عروض نسيان أو حاجة إلى تذكر وتفكر، وإرادته سلام من خروجها عن الحكمة والمصلحة، وكلماته سلام من الكذب والظلم بل تمت كلماته صدقاً وعدلاً... ثم قال: وكذلك ما أضافه إلى نفسه من اليد والوجه فإنه سلام عما يتخيله مشبه أو يتقوله معطل، فتأمل كيف تضمَّن اسمه السلام كل ما نزه عنه تبارك وتعالى، وكم ممن حفظ هذا الاسم لا يدري ما تضمنه من هذه الأسرار والمعاني والله المستعان.[3] المسلك الخامس: تعلقت هذه الصفة في القرآن بتسليم المسلمين يوم الفرقان يوم غزوة بدر، قال تعالى مضيفًا هذه النعمة إليه دالاً أنها من مقتضيات اسمه السلام: ï´؟ إِذْ يُرِيكَهُمُ اللّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلَكِنَّ اللّهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ï´¾ [سورة الأنفال: 43]. المسلك السادس: اقترن هذا الاسم باسم الله بعدة أسماء ليدل على كمال الله تعالى بتنزيه عن سائر النقائص: ï´؟ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ï´¾ [سورة الحشر: 23]. المسلك السابع: هذا الاسم من مجموعة الأسماء التي تدل على تنزيه الله عن النقص، فهو كاسمه سبحانه "القدوس والسلام والغني والأحد ونظائره، فإن القدوس هو المسلوب عنه كل ما يخطر بالبال ويدخل في الوهم، والسلام هو المسلوب عنه العيوب، والغني هو المسلوب عنه الحاجة، والأحد هو المسلوب عنه النظير والقسمة".[4] المسلك الثامن: وقد يكون للعبد نصيبًا من معنى هذا الاسم لكن الفارق عظيم بين صفة الله وصفة العبد، يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: الله أحق بهذا الاسم من كل مسمىً به، لسلامته سبحانه من كل عيب ونقص من كل وجه، فهو السلام الحق بكل اعتبار، والمخلوق سلام بالإضافة.[5] المسلك التاسع: كان من هديه صلى الله عليه وسلم أن يتعبد الله بهذا الاسم وبهذه الصفة، فيثني الله عليه بها، فعن عمرو ابن العاص قال: أرسل إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اجمع عليك سلاحك وثيابك ثم ائتني، قال: فأتيته وهو يتوضأ، فقال: يا عمرو إني أرسلت إليك لأبعثك في وجه يسلمك الله ويغنمك وأزعب لك زعبة من المال، فقلت: يا رسول الله ما كانت هجرتي للمال، وما كانت إلا لله ولرسوله، قال: نعما بالمال الصالح للرجل الصالح، رواه في شرح السنة وروى أحمد نحوه، وقال لأبي أمامة ومن معه لما بعثهم في سرية: اللهم سلهم وغنمهم، فسلموا وغنموا. وكان من أذكاره صلى الله عليه وسلم ما رواه مسلم عن ثوبان رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثًا، وقال:" اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام"، وقال:" إن الله هو السلام، فإذا قعد أحدكم في الصلاة، فليقل: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإنكم إذا قلتموها أصابت كل عبد لله صالح في السماء والأرض، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ثم ليتخير من المسألة ما شاء، متفق عليه عن ابن مسعود. المسلك العاشر: ومن هدي السلف الصالح: ما روته كتب السير أن أحد الصالحين دخل على أحد الملوك، وكان بعض الذباب يطير إليه ويقع عليه، فسأله ذلك الملك: لم خلق الله الذباب؟ فقال: لكي يذل به الملوك؛ فسبحان الملك السلام الذي سلم من كل نقص وعيب. المسلك الحادي عشر: ينبغي علينا أن نحرص على أن نتعبد الله تعالى بهذا الاسم من خلال: الدعاء: ويوم القيامة كما أخبر صلى الله عليه وسلم:" ولا يتكلم يومئذ أحد إلا الرسل، وكلام الرسل يومئذ: اللهم سلم سلم"، متفق عليه عن أبي هريرة، وفي دعاء عمر حين دخول المسجد الحرام: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، فحينا ربنا بالسلام"، وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم إذا رأى الهلال: اللهم أهله علينا باليمن والإيمان، والسلامة والإسلام، ربي وربك الله، رواه الترمذي عن طلحة. وكان يعلم عليه الصلاة والسلام أصحابه هذه الدعوات، قال عبد الله بن مسعود: وكان يعلمنا كلمات، ولم يكن يعلمناهن كما يعلمنا التشهد: اللهم ألف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام، ونجنا من الظلمات إلى النور، وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا، وقلوبنا وأزواجنا وذرياتنا، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، واجعلنا شاكرين لنعمتك مثنين بها قابليها وأتمها علينا، رواه أبو داود. تعبيد الأسامي بهذا الاسم لله وتسبح الله به سبحانه، وإذا قال العبد مثنيا على ربه: سبحان الله أو تقدس الله أو تعالى الله ونحوها، كان مثنياً عليه بالسلامة من كل نقص وإثبات كل كمال.[6] الحق الواضح المبين ص 81-82. تعظيم اسم الله السلام فلا يذكره إلا على طهارة، وهكذا سائر أسماء الله لا يذكر الله إلا على طهارة، وقد أتى المهاجر بن المنقذ النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه، فلم يرد عليه حتى توضأ، ثم اعتذر إليه فقال:" إني كرهت أن أذكر الله إلا على طهر أو قال على طهارة". القيام بما يقتضيه من فعل وقول، فيسلم لله تعالى في أفعاله وأوامره كما قال تعالى: ï´؟ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا ï´¾ [سورة النساء: 65]، وأن يحب السلم ويدعو الناس إليه: ï´؟ وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ï´¾ [سورة الأنفال: 61]، وأن يكثر من الصلاة والسلام على محمد صلى الله عليه وسلم، قال سبحانه: ï´؟ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ï´¾ [سورة الأحزاب: 56]، ويسعى في إفشاء السلام بين الناس، يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما عند البزار والبيهقي: "السلام اسم من أسماء الله، وضعه الله في الأرض، فأفشوه بينكم؛ فإن الرجل المسلم إذا مر بقوم فسلم عليهم فردوا عليه كان له عليهم فضل درجة بتذكيره إياهم السلام؛ فإن لم يردوا عليه رد عليه من هو خير منهم وأطيب". المسلك الثاني عشر: أن يغرس المؤمن فيه خلقًا راسخًا أن يسلم المسلمين من أذيته، قال صلى الله عليه وسلم:" من سلم المسلمون من لسانه ويده"، رواه مسلم عن جابر. المسلك الثالث عشر: فعرفنا مما سبق أن اسم الله السلام يقوي جانب النفي في الشهادة، فهو نفي أن يكون لشيء من الآلهة تنزيه من النقص أو العيب، بل هي مصدر العيب والنقص،ï´؟ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ï´¾ [سورة الحشر: 23]. [1] بدائع الفوائد 2/ 368. [2] المقصد الأسنى / 69. [3] بدائع الفوائد 2/ 150-152. [4] المقصد الأسنى 1/ 157. [5] بدائع الفوائد 2/ 150. [6] الحق الواضح المبين لابن سعدي/ 81-82.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |