|
ملتقى الحوارات والنقاشات العامة قسم يتناول النقاشات العامة الهادفة والبناءة ويعالج المشاكل الشبابية الأسرية والزوجية |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() حدد هدفك في ضوء (يا بني آدم) د. محمود حسن محمد لقد طلب الله - عزَّ وجلَّ - من الإنسان أن لا يتكبَّر ولا يختال، ولا يظلم أحدًا من النَّاس، ولا يظلم نفسَه بالإهمال والكسَل، والتَّسويف والتقصير، وإضاعة الوقت، فنحن بنو آدم - عليه السَّلام - وقد خلقه الله من تراب، وسنصير إلى هذا التراب يومًا ما، مع اختلاف أحوالِنا بين شقيٍّ وسعيد. قال تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} [آل عمران: 59]. فآدم - عليه السَّلام - أبو البشر، خلقه الله بيده ونفخ فيه من روحه، وأمر الملائكة بالسُّجود له، وجعل الله - عزَّ وجلَّ - حوَّاء زوجًا له، بقدرته وتدبيرِه وحكمته؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء: 1]. قضى الله - عزَّ وجلَّ - على أبناء آدم - عليْه السَّلام - أن يعيشوا مجموعاتٍ بشريَّة، تتوالى وتتعاقب، وجعلهم خلفاء في الأرْض يسعوْن في مناكبِها، وتنتشِر أنسالُهم في أرجائِها، فيستخرجون خيرات الأرْض لينتفعوا بها على خير وجْه يُرضي الله - عزَّ وجلَّ - قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 30]. فبيَّن - سبحانه وتعالى - للملائكة الحكمة من جعْل بني آدم خليفة في الأرض، وهو أنَّ البشر وإن كان فيهِم مَن خابت أهدافه، واضطربت تطلُّعاته، وانحرفت مساراتُه، فسفكَ الدماء وأفسد في الأرض، فإنَّ فيها مَن حسنت أهدافه وقوِيَت همَّته في الحقِّ، فدعا إلى الله على بصيرة واستقام، وحفِظ مقام والديْه آدم وحوَّاء - عليْهِما السَّلام - فهُما سبب وجوده، واتَّبع الحقَّ، وأعرض عن الباطل، فنال سعادة الدُّنيا والآخرة. لقد منح الله - عزَّ وجلَّ - الإنسان عقْلاً واعيًا يُميِّز بين الخير والشَّرِّ، والنَّافع والضَّارّ؛ كي يَسلك سبيل الخير، ويعمل بحكمةٍ تضَع الشيءَ الصَّحيح في موضعِه الصَّحيح، فليْس صعبًا على الإنسان أن يحدِّد مساراتِه بانضباط فطري، أو يمضي خططه كي يتعامل بفقْه مع الناس والحياة، ويتبع هدى الله - عزَّ وجلَّ - وفْق النظام الفطري الذي فطَر الله - عز وجل - بني آدم عليه، ويسارع إلى طاعة الله. فمهمَّة الإنسان ووظيفته في الأرْض أن يحصل مرْضاة الله - عزَّ وجلَّ - بفعْل الفضائل، والتخلِّي عن المعاصي، وأن يلتفِت إلى دوره في المجتمع الإنساني، وينمِّي طاقاته ومعارفَه وقدراتِه بما يؤهِّلُه لتحقيق أهدافه، برُوحٍ قويَّة لا تعرف اليأْس، فتزْكو نفسه، ويتطهَّر قلبه، وتطيب حياته، ويقال له عند دخول الجنَّة: {سَلامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الزمر: 73]. لقد منح الله الإنسانَ قدْرة التعلُّم والبحث، والاكتِشاف والاختِراع، فهو حين يتعلَّم تتطوَّر قدراتُه وتكبر طموحاته، وتتَّسع دائرة إبداعاته، وكلَّما كان واثقًا في قدُراته الإنسانيَّة أقبل على الإنْجاز بروحٍ قويَّة وهمَّة عالية. إنَّ أقْوى الرسالات الإنسانيَّة التي تعبِّر عن حقيقة إيماننا بدوْرنا في الحياة: أن نوجِّه أهدافَنا لصناعة المعروف، وبذْله للنَّاس؛ كي نسدَّ حاجة المحتاجين، وكلَّما زادت المخترعات الإنسانيَّة كلَّما كثرت الإيجابيَّة التي توظِّف المخترعات في الكفاية الإنسانيَّة، وسدّ حاجات المجتمع، وفعْل الخيرات؛ قال تعالى: {وَافْعَلُوا الخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: 77]. لا يمكن لأهداف الإنسان أن تعمل منعزِلة عن واقع الحياة من حوله، فلكي تثْمر توجُّهات أهدافِك لا بدَّ أن تراعي أفضل الحلول لمشكلاتِك ومشكلات عصرِك الذي تعيش فيه، وأن تراعي التَّعارف الإنساني الَّذي دعا إليه القرآن: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات: 13]، فتكون عنصر خيرٍ ونهضة في المجتمع الإنساني. من الضَّروري أيضًا - وأنت تحدِّد أهدافك في الحياة -: أن تكتسِب الخبرات اللازمة لذلك، من واقع التطوُّرات التي يعيشُها عصرك، وأن تبني حياتَك بتفاؤل وإيجابيَّة، وأن تجعل طموحَك وسلوكك موافقًا لما طلب الله - عزَّ وجلَّ - منك كي لا تضلَّ وتشقى. قال تعالى: {وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [الأعراف: 129]. إنَّ الإنسان هو المسؤول عن تحديد أهدافه وتنظيمها، وتوجيهها وتفعيلها، وأن يقوم بالعمل المناسب في الوقت المناسب، وكلُّ نفس بما كسبت رهينة، والمهم أن يحدِّد أهدافًا واقعيَّة بعيدة عن الخيال، وعادلة لا تجعلُه يطغى على حقوق الآخَرين، وينسى أنَّه يعيش في مجتمع إنساني، ولا مانعَ من أن يستشير الخبراء في كيفيَّة الوصول لهدفه وتحقيقِه؛ للاستفادة من خبراتهم، وأن يكون هدفُه ذا فائدة إنسانيَّة، واجتماعية، وكونيَّة. إنَّ قوَّة إيمانك بهدفك - أيُّها الإنسان - ثمرة لقوَّة إيمانك بوزْنِك الإنساني في هذا الكون، وقدراتك المميّزة التي منحها الله - عزَّ وجلَّ - لك لتحافظ عليْها، لا لتهدرها وتصرفها في السوء، فالإنسان يحدِّد أهدافه على حسب معرفته بطبيعة قدراتِه وحجمِها، ودرجة ضعفها وقوتها، والعاقل هو الَّذي يعالج أخطاءه ويصحِّح مسار أهدافه عندما يشعر بانحرافها عن جادَّة الحق والصَّواب، والواقعية الإنسانية، وأن يدرك أنَّه لن يحقِّق كلَّ أهدافه وغاياته؛ فليس للكمال الإنساني وجود في عالم الأرض، وإنَّما هناك مجاهدة للنَّفس، والتحديات والمغريات، وحياة الإنسان - لا تخلو من أخطاء وعيوب. فلنخطِّط لحياتنا كي نستمتع بطيِّباتها، ونحمَد الله - عزَّ وجلَّ - ونشْكُره ولا نكفره، أو نجحد السنن الإلهيَّة في الكون والحياة، وبهذا التَّخطيط تسلَم أهدافُنا من الانحراف، وتطمئنُّ نفوسنا وتسعد.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |