|
هيا بنا نحفظ القرآن ونرضى الرحمن قسم يختص بحفظ واستظهار كتاب الله عز وجل بالإضافة الى المسابقات القرآنية المنوعة |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() وقفات تأملية مع قوله تعالى: ﴿ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾ د. عبد الكريم بناني الحمد لله الذي أنقذنا بنور العلم من ظلمات الجهالة، وهدانا بالاستبصار به عن الوقوع في عماية الضلالة، ونصب لنا من شريعة سيدنا محمد أعلى علم وأوضحَ دلالة، والصلاة والسلام على سيدنا محمدٍ الناطق بلسان الكمال، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا. أما بعد: فلا يمكن للعبد المؤمن وهو يتدبر آيات الله في كتابه الكريم، ويقف عند معانيها، ويسترشد بهديها، إلا أن يستحضر تنزُّلات هذه الآيات على واقع الناس اليوم؛ ليهتدي بنورها، ويتلمس بذلك واقعًا مبنيًّا على أسس سليمة ومنضبطة لشرع الله ولحدوده. لذلك فأي دراسة تعنى بهذا المنهج (قراءة في النص القرآني)، من شأنها أن تفيد في فهم خطاب الشارع للناس، وترشدهم إلى ما ينفعهم في معاشهم ومعادهم. وتأتي هذه الوقفات مع قول الحق سبحانه: ﴿ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾، لتحقيق نفس الغاية والوصول إلى نفس الأهداف. وقد ضمنت قراءتي هذه جملة من العناصر، استخلصتها من تفاسير العلماء، وربطتها بما ينفع الناس في واقعهم اليوم. الوقفة الأولى: بيان إنعام الله على قريش: يقول الحق سبحانه في كتابه الكريم: ﴿ لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾ [قريش: 1 - 4]. فهذه السورة مكية[1]، عدد آياتها أربع آيات تأتي في ترتيب السور القرآنية 106 /114، لها رابط بالسورة التي قبلها سورة الفيل، فقد قيل في بيان هذا الربط أن الحق سبحانه "أهلك أصحاب الْفِيلِ لِتَبْقَى قُرَيْشٌ، وَمَا أَلِفُوا مِنْ رِحْلَةِ الشتَاءِ وَالصيْفِ"[2]، وقد عد بعض الصحابة رضي الله تعالى عنهم السورتين سورة واحدة، منهم عمر رضي الله تعالى عنه[3]، وقد قرأهما معًا في ركعة واحدة من المغرب[4]، وفي مصحف أبي بن كعب أنهما سورة واحدة لا فصل بينهما[5]، نظرًا لهذا الترابط بينهما. فأمرُ الله لقريش بعبادة "رب البيت" يرتبط بوجود البيت أو بقائه بعد ما تعرض للهجوم من أصحاب الفيل، ففي سورة الفيل إشارة إلى النعمة التي تكرم بها سبحانه عليهم في صرف من أراد إهلاكهم، فجاء الترابط بين الآيات في السورتين هكذا: • بيان منة الله عز وجل على أهل مكة بما فعل بأصحاب الفيل الذين قصدوا مكة لهدم الكعبة، فبيَّن هنا في هذه السورة نعمة أخرى، ومنة جليلة أخرى على قريش، وهي إيلافهم مرتين في السنة: مرة في الصيف ومرة في الشتاء في أمن واطمئنان، وسلم وسلام، مقابل إفراد الله بالعبودية شكرًا وتكرمًا. والإيلاف بمعنى الجمع والضم، فيه عند المفسرين أربعة أقاويل: الأول: نعمتي على قريش؛ لأن نعمة الله عليهم أن ألفه لهم، قاله ابن عباس ومجاهد. الثاني: لإيلاف الله لهم؛ لأنه آلفهم إيلافًا، قاله الخليل بن أحمد. الثالث: لإيلاف قريش حَرَمي وقيامهم ببيتي، وهذا معنى قول الحسن. الرابع: لإيلاف ما ذكره من رحلة الشتاء والصيف في معايشهم[6]. ويمكن فهم معنى الآية بتفسير اللام في "لإيلاف"، فقد قيل في توضيح هذا المعنى: "هذه اللام تتصل بما قبلها على معنى: أهلك الله أصحاب الفيل لتبقى قريش، وتألف رحلتيها، وقيل: معنى اللام التأخير على معنى: ليعبدوا ربَّ هذا البيت ﴿ لإِيلاف قريش ﴾؛ أَيْ: ليجعلوا عبادتهم شكرًا لهذه النعم واعترافًا بها، يقال: ألف الشيء وآلفه بمعنى واحد، والمعنى: لإيلاف قريش رحلتيها، وذلك أنه كانت لهم رحلتان؛ رحلةٌ في الشتاء إلى اليمن، ورحلة في الصيف إلى الشام، وبهما كانت تقوم معايشهم"[7]، فالمراد إذًا: التجارة التي كانوا يقومون بها مرتين في السنة، وقيل أربعة[8]، لكن عامة أهل التفسير أنها رحلتان: في الصيف يتجهون إلى الشام؛ لأن فيها تجارة الفواكه، وفي الشتاء يتجهون إلى اليمن؛ لأن المحصولات الزراعية تكون في هذا الوقت من السنة، اختاره الزجاج ومقاتل والسُّدي[9]، وقَالَ ابن عباس: "كَانُوا يشتون بمكة، ويصيفون بالطائف"[10]، وقال عكرمة: "كَانَتْ قُرَيْشٌ تَتجِرُ شِتَاءً وَصَيْفًا، فَتَأْخُذُ فِي الشتَاءِ عَلَى طَرِيقِ الْبَحْرِ وَأَيَلَةَ إِلَى فِلَسْطِينَ يَلْتَمِسُونَ الدفَاءَ، وَأَما الصيْفُ فَيَأْخُذُونَ قِبَلَ بَصْرَى وَأَذْرِعَاتِ يَلْتَمِسُونَ البرد، فذلك قوله: إيلافهم"[11]، فإذًا الرحلتان - على قول العامة - وما تجنيهما من نعمة عظيمة وفوائد جمة، تستوجب منهم الطاعة والعبادة وشكر المُنعِم، لهذا جاء بعده - أي: بعد تذكيرهم بهذه النعم وهذا الفضل -: "فليعبدوا رب هذا البيت". فالسورة إذًا نزلت في قريش؛ إظهارًا لنعم الله عليهم، وأمرًا لهم في المقابل بإفراده سبحانه بالعبودية الخالصة، جاء في أسباب النزول للواحدي: "قوله تعالى: "لإيلاف قريش"، السورة نزلت في قريش، عن سعيد بن عمرو بن جعدة عن أبيه عن جدته أم هانئ بنت أبي طالب قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله فضل قريشًا بسبع خصال- لم يعطها أحدًا قبلهم، ولا يعطيها أحدًا بعدهم -: إن الخلافة فيهم، وإن الحجابة فيهم، وإن السقاية فيهم، وإن النبوة فيهم، ونُصروا على الفيل، وعبدوا الله سبع سنين لم يعبده أحد غيرهم، ونزلت فيهم سورة لم يذكر فيها أحد غيرهم: "لإيلاف قريش"[12]، وفي لفظ عشر سنين. فإذن الوقفة الأولى تبيِّن لنا أن الله عز وجل أنعم على قريش بأسباب سبل العيش الطيب الذي يستوجب منهم شكره سبحانه بإفراده بالعبودية، فقد آمنهم الله من كل غزو في حرمهم - كما جاء في تفسير ابن أبي حاتم عن مجاهد[13] - وهذه نعمة جليلة نفهمها في سياق ما تعيشه بعض الأوطان اليوم من الخوف والاضطراب الداخلي الذي يتبعه ضعف الاستثمار الخارجي، وهذه كلها من تداعيات غياب الأمن في المجتمع. فقد أوضحت السورة في إجمال قبل التفصيل أن العطاء يستوجب الحمد والشكر، وفي الشكر يتحقق المزيد ويرفع العذاب؛ يقول الحق سبحانه: ﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا ﴾ [النساء: 147]. الوقفة الثانية: في عبادة الله وحده: في منِّ الله عز وجل على قريش بفضل الرحلتين، وما يتبعهما من أمن وسلام، أمرٌ لهم بعبادة رب البيت، عبادة صافية نقية لا يشوبها إشراك، ولا تختلط بوثنية ولا بضلال جاهلي، فإضافة البيت إليه سبحانه بيان لإفراد هذا الرب بالعبودية وحده، فإرشاد قريش إلى عبادة "رب البيت"، في إشارة ودلالة على تعلقهم بالبيت، وفيه أيضًا تبيين للنعم المرتبطة بمجاورتهم للبيت، فالحق سبحانه "مَيز نفسه عن أوثانهم بإضافة البيت إليه أو فكره؛ تذكيرًا لنعمه لشرفهم بالبيت على سائر العرب"[14]، كما أن تخصيص لفظ الرب بالذكر، "قد يكون فيه إشارة إلى ما قالوه لأبرهة: "إن للبيت ربًّا سيحفظه"، ولم يعولوا في ذلك على الأصنام، فلزمهم لإقرارهم ألا يعبدوا سواه، كأنه يقول: لما عوَّلتم في الحفظ عليَّ، فاصرفوا العبادة إليَّ"[15]، فكيف يعقل أن يستغيث العبد بربه في مصابه، ثم بعد أن يتحصل على مراده، ينسى من أغاثه، لذلك فأمرهم بالعبادة لرب البيت، هو في الحقيقة تذكير بالنعم التي تستوجب ذلك الإفراد. كما أن إضافة الرب إلى البيت: "فليعبدوا رب هذا البيت"، بدل أن يقال: فليعبدوا الله؛ إشارة إلى استحقاق الله بالعبودية دون شريك؛ لأن لفظ الرب يومئ إلى ذلك، كما أن هذه الإضافة إلى البيت دون أن يقال: فليعبدوا ربهم، إيماء بأن أصل نعمة الإيلاف عليهم هو البيت، فهو سبب رفعة شأنهم بين العرب[16]، فشرفهم ومكانتهم إنما استمدوها من وجود الكعبة المشرفة بين ظهرانيهم؛ يقول الحق سبحانه هنا: "فليعبدوا رب هذا البيت"، قيل في تفسيرها: "فليألفوا عبادته كما ألفوا الرحلتين، أو فليعبدوه لإنعامه عليهم بالرحلتين، أو فليعبدوه؛ لأنه ﴿ أَطْعَمَهُم مِن الجوع ﴾ الآية، أو فليتركوا الرحلتين لعبادة رب هذا البيت، فإنه يطعمهم من جوع، ويؤمنهم من خوف"[17]. الوقفة الثالثة: في مُوجِبات النعم وربطها بأسبابها: ربط سبحانه في الآيات - موضوعِ الدرس - بين النعم وموجباتها، في قوله سبحانه وتعالى: "فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف"، ففي الآية بيان لموجب عبادة الله وحده، وحقه على عباده جميعًا، فربط بين السبب والمسبب؛ (العبادة = الإطعام من جوع والأمن من خوف)، قال صاحب أضواء البيان: "ففيه بيان لموجب عبادة الله تعالى وحده، وحقه في ذلك على عباده جميعًا، وليس خاصًّا بقريش"[18]. يتبع
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |