|
الملتقى الاسلامي العام مواضيع تهتم بالقضايا الاسلامية على مذهب اهل السنة والجماعة |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() ماذا بعد رمضان؟ رامي بن أحمد ذوالغنى سؤالٌ لا بدَّ لكلِّ مسلمٍ أن يحدِّدَ جوابَه بصدقٍ فيعملَ بمقتضاه بقوَّةٍ، فكثيرٌ من المسلمين يتغيَّرُ حالُهم في شوَّالٍ عمَّا كان عليه في رمضانَ، فهل كان رمضانُ مرحلةً مؤقَّتةً يعيشُها المرءُ ثمَّ يرجعُ إلى سابقِ عهدِهِ أم أنَّه مرحلةٌ تأسيسيَّةٌ لما بعدَه يتطهَّرُ المسلمُ فيها من أوزارٍ سلفَتْ وزلَّاتٍ ارتُكِبَتْ، ويكتسبُ فيها عاداتٍ إيجابيَّةً جديدةً ليواظبَ عليها، ويستمرَّ بها فلا يزالُ في تطوُّرٍ وتقدُّمٍ وعلوٍّ وارتقاءٍ؟ لقد قرَّرَ العلماءُ أنَّ الانتكاسَ بعد العملِ الصَّالحِ من قلَّة التَّوفيق، وعلامةٌ من علاماتِ عدمِ القبولِ، فالعاقلُ من يأخذُ نفسَهُ بالحزمِ، ويعزِمُ على الثَّباتِ بعدَ رمضانَ على ما كان عليه فيه، فالثَّباتَ الثَّباتَ، والحذرَ الحذرَ من دواعي التَّقهقرِ وأسبابِ الارتكاسِ، والنَّبيُّ المصطفى -صلى الله عليه وسلم-كان يدعو ربَّه فيقول: (( اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بك من الحَوْرِ بعدَ الكَوْرِ )) ومرادُه: الاستعاذةُ من الرُّجوعِ إلى الباطلِ بعدَ الهدايةِ إلى الحقِّ. فإنَّ للنَّفسِ الأمَّارةِ مداخلَ، على المرءِ أن يسدَّها، ويتيقَّظَ لِحيَلِها وكثرةِ مُراوَدَتِها صاحبَها بعدَ رمضانَ كي يستريحَ ويسترخيَ، ومُخاتَلَتِها بمللِها وتعبِها، ومن ورائها ماكرٌ خبيثٌ يوسوسُ ولا يَأْلو جُهْدًا في صدِّ المسلمِ عن المداومةِ على الخيرِ؛ ليخرجَه من دائرةِ حبِّ الله عزَّ وجلَّ، قال عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: (( أحبُّ الأعمالِ إلى اللهِ أدوَمُها وإن قلَّ )). والصَّادقُ في إيمانه القويُّ في عقله يتصدَّى لنزغاتِ الشَّيطانِ ووساوسِه، ويتحدَّى رغباتِ النَّفسِ الأمَّارةِ، فيثبتُ في مواقعِ الخيرِ، بل يتقدَّمُ ويتقدَّمُ دون أن يعرفَ التَّأخُّرُ إليه سبيلًا، متمثِّلًا قولَ أبي العتاهية: يا نَفْسِ ما هوَ إلاَّ صَبرُ أيَّامِ ![]() كأنَّ لَذَّاتِها أضغاثُ أحلامِ ![]() يا نَفسِ ما ليَ لا أنْفَكُّ مِنْ طمعٍ ![]() طَرْفي إليهِ سريعٌ طامحٌ سامِ ![]() يا نَفْسِ كوني عن الدُّنيا مُبعَّدَةً ![]() وَخَلِّفِيها فإنَّ الخَيرَ قُدَّامي ![]() يا نَفْسِ ما الذُّخرُ إلاَّ ما انتَفَعتِ به ![]() بالقَبرِ يَومَ يكونُ الدَّفنُ إكرامي ![]() فليس الصَّومُ مقتصرًا على رمضانَ، وليس القيامُ محصورًا في لياليه، بل أبوابُ الخيرِ مفتَّحةٌ، وسبلُ البرِّ ممهَّدةٌ كلَّ ليالي السَّنةِ وأيّامِها، وعلى المرءِ أن يدركَ حقَّ الإدراكِ أنَّ رمضانَ دورةٌ تدريبيَّةٌ مكثَّفةٌ يكتسبُ فيها ما يقوِّيه وينفعُه في دنياه وأخراه، ومن كان هذا حالُه في تسعةٍ وعشرين يومًا أو ثلاثين؛ فحريٌّ به أن يكتسبَ الفضائلَ لتكونَ له دَيدَنًا وعادةً، ولطالما تكلَّمَ العلماءُ عن تحويلِ العاداتِ إلى عباداتٍ بالنِّيةِ الصالحةِ الخالصةِ، ولا بدَّ لنا أن ننتبهَ إلى ضرورةِ المداومةِ على الفضائلِ والصَّالحاتِ حتَّى تغدوَ عاداتٍ للمسلمِ يداومُ عليها مع إخلاصِ النِّيةِ للتَّقرُّبِ من اللهِ والفوزِ بثوابِه ورضوانِه، فلا يُعقَلُ أن يهدُرَ المسلمُ الخيرَ الذي نالَهُ في رمضانَ من أجلِ استرسالٍ مع دواعٍ نفسيَّةٍ، أو وساوسَ شيطانيَّةٍ، أو استجابةٍ لرُفقَةِ سوءٍ من الأقاربِ أو الأباعدِ. لقد فرضَ اللهُ الصِّيامَ وبيَّنَ ثمرتَه المرتقبةَ فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]. ثمَّ أمرَ جلَّ وعلا بالثَّباتِ على التَّقوى فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]. قال السِّعديُّ رحمه الله: ((هذا أمرٌ من الله لعبادِه المؤمنين أن يتَّقُوه حقَّ تقواه، وأن يستمرُّوا على ذلك ويثبتُوا عليه ويستقيمُوا إلى الممات، فإنَّ من عاشَ على شيءٍ ماتَ عليه، فمن كان في حالِ صحَّتِه ونشاطِه وإمكانِه مداومًا لتقوى ربِّه وطاعتِه، منيبًا إليه على الدوامِ، ثبَّتَه الله عند موتِه، ورزقَه حسنَ الخاتمةِ)). فكلُّ من تغيَّرَ حالُه بعدَ رمضانَ فانتكسَ، لم يكنْ متَّقيًا لله حقَّ التَّقوى، ولم يجنِ ثمرةَ الصِّيامِ في رمضانَ. إنَّ ربَّ رمضانَ هو ربُّ سائرِ الليالي والأيام، فمن تقرَّبَ إليه فيه، وعاشَ لذَّةَ الأُنسِ بعبادتِه، عليه أن يكملَ المسيرَ على هذا السبيلِ، ومن رحمةِ اللهِ بعبادِه أن جعلَ لهم من الأعمالِ ما يحقِّقُ لهم التَّوازنَ، ويلبِّي رغباتِ النَّفسِ في الحلالِ الطَّيِّبِ، فالعيدُ يأتي بعدَ رمضانَ ليكونَ يومَ أكلٍ وشربٍ، وحقٌّ على العبدِ أن يعظِّمَ ربًّا تعبَّدَه بالفطرِ كما تعبَّدَه بالصَّومِ. إنَّ الَّذي خلقَ النَّفسَ البشريَّةَ وسوَّاها عليمٌ بما يصلحُها ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك: 14] فكما أوجبَ علينا صومَ رمضانَ تعبُّدًا أوجبَ علينا الفطرَ في العيدِ تعبُّدًا وأذِنَ باللهوِ المباحِ فيه، فسبحانَ من تلطَّفَ بعباده، وكلَّفَهم من الأعمالِ ما يصلحُهم ويطيقونَه، والصَّلاةُ والسَّلامُ على من علَّمَنا فقهَ التَّوازنِ بسنَّتِه القوليَّةِ والعمليَّةِ فقال: (( أما والله إنِّي لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكنِّي أصومُ وأفطرُ، وأصلِّي وأرقدُ، وأتزوَّجُ النِّساءَ، فمن رغبَ عن سنَّتي فليس منِّي )). فاللَّهمَّ أحينا على سنَّتِه وأمِتْنا عليها، واحشرْنا يومَ القيامةِ تحتَ لوائه، وأكرمْنا بالورودِ على حوضِه في يومٍ لا ينفعُ فيه مالٌ ولا بنونَ إلا من أتى اللهَ بقلبٍ سليمٍ.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |