
04-04-2020, 03:18 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,610
الدولة :
|
|
معظم في السماء فلنعظمه في الأرض
معظم في السماء فلنعظمه في الأرض
أحمد إسماعيل
أي كريمٍ تلألأ عقد الدهر برَّاقا!! وأي وافدٍ احتفت بمقدمه الأرضُ والسماء!!..فأُسرجت السُّرج وعُلِّقت الزينة..وكنست عن الباحات الأوساخ والأشواك!!.. وقام الخطباء في منابر الترحيب مرحبين.. وتساءل من كان لاهيًا: أوقد جاء!!؟.
وصاح من كان متيقظًا: مرحى بالغنيمة، جاءت مع خير وافد.
أما في الأرض فكان أهل الاصطفاء يترقبون قدومه قبل الموعد بالشهر والشهرين.. روى أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنه قال: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل رجب قال: "اللهم بارك لنا في رجبٍ وشعبان، وبلغنا رمضان" رواه أحمد والطبراني. فإذا أهل هلال رمضان قال كما يقول في كل شهر: "اللهم أهلَّه علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام والتوفيق إلى ما تحب وترضى، ربي وربك الله" رواه الترمذي والدارمي و صححه ابن حبان.
أَيُّ جليل قدرٍ تزدهي به السماوات العلا، والجنان، والملائكة.. ويقيم رب العزة على شرفه مظاهر الاحتفال.. فإذا بالجنان أبوابها تفتح.. وإذا بالجحيم أبوابها تغلق، وإذا الربُّ يزين في كل يومٍ جنَّته ويقول لها: "يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المئونة والأذى ثم يصيروا إليك"..
ويأمر الله بالأوساخ والأشواك فتزال عن طريق الصائمين، فإذا بالملائكة تصفد الشياطين ويأمر المنادين أن ينادوا بالعطايا والهبات..
أخرج ابن ماجة والترمذي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا كان أول ليلة من رمضان صفدت الشياطين، ومردة الجن، وغُلِّقَت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، وينادي منادٍ، يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك في كل ليلة".
وإذا الملك العليُّ الكبير ينثر على العباد بُدَرُ الهبات في أيام هذا الشهر "فينزل فيه الرحمة، ويحط الخطايا، ويستجيب فيه الدعاء، وينظر إلى تنافسكم فيه ويباهي به الملائكة، فأروا الله من أنفسكم خيرًا فإن الشقي من حرم فيه الرحمة". أورده الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: "رواه الطبراني"
وثم يأمر السيد الجليل بالطيب فينثر في أفواه الصائمين فإذا خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك.. ويأمر بالجوائز لعباده الصائمين.. فإذا بُدْرةٌ فيها رحمه وبُدرةٌ فيها مغفرة، وبُدرةٌ فيها صكوك بالعتق من النار.. وإذا بُدْرَةٌ فيها ألف شهر ثوابًا خالصًا غير زائف لَيلَةُ القَدْرِ خَيرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ..
وفي خاتمة السباق الكبير يُعِدُّ الله للصائمين جوائزهم مدخرة لهم: "للصائم فرحتان.. فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه".. "في الجنة باب يقال له الريان لا يدخل منه إلا الصائمون".. "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به" رواه أحمد ومسلم والنسائي فأي اختصاص عظيم..
هكذا شأن رمضان.. معظمًا عند أهل السماء.. فما شأنه عند أهل الأرض؟!.. أمَّا الأتقياء الأوفياء فيعظمونه كما ينبغي له (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّم شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى القُلُوب).
إن من عباد الله أقوامٌ علموا أن تعظيم شعيرة الصوم معنى يقوم في القلب فتندفع به الجوارح استجابة لمولاها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا استَجِيبُوا إِلىَ اللهِ وَالرَسُول إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْييِّكُم، وَاعلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَينَ المَرْءِ وَقَلْبَهُ وَأَنَّكُمْ إِلَيهِ تُحْشَرُون).. فأظمأوا نهارهم وأسهروا ليلهم.. ثم نظروا في مقصود العبادة، فعلموا أنها أكبر "رُبَّ صائمٍ ليس له من صيامه إلاَّ الجوع والعطش، وربَّ قائمٍ ليس له من قيامه إلاَّ السهر" رواه النسائي وابن حاجة والحاكم.. فاندفعوا من صوم العموم إلى صوم الخصوص؛ فصامت جوارحهم كما صامت بطونهم وفروجهم: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله جاجةٌ في أن يدع طعامه وشرابه" رواه الجماعة إلا مسلم.
ثم اندفعوا من صوم الخصوص إلى خصوص الخصوص، فطردوا من قلوبهم خواطر السوء، وأخلصوها لله، فإن القلب كعبة والمعبود لا يرضى بمخالطة الأصنام في كعبته. والنفوس الشريفة لا ترضى من الأشياء إلا بأعلاها وأفضلها وأحمدها عاقبة، والنفوس الدنيئة تحوم حول الدناءات وتقع عليها كما يقع الذباب على الأقذار.
ومن أهل الأرض أقوامٌ اشتغلوا بالرسم دون المعنى.. فضاع عندهم حتى الرسم.. انظر إلى أهل زماننا الذين ما رأوا في الصيام إلا الجوع والعطش فاستقبلوهما بالمسارعة في جلب أصناف الطعام والشراب ما يكفي مؤونة لعام بأكمله.. حالهم في رمضان حال الأسير المحبوس، والعير العطشى.. الواحد منهم تلقاه في نهاره ساخطًا، شاتمًا كل من سأله.. فإذا حانت ساعة الإفطار؛ اندفع إلى الطعام والشراب كالملهوف.. أين هم من سيماء الصائمين وسكينتهم ووقارهم "ليس الصيام من الأكل والشراب، إنما الصيام من اللغو والرفث، فإن سابك أحدٌ أو جهل عليك فقُل إني صائم إني صائم" رواه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم.
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفطر على رطبات قبل أن يصلي، فإن لم تكن فعلى تمرات فإن لم تكن حسا حسوات من ماء" رواه أبو داود والحاكم وصححه.. فإذا فرغ من فطره أقبل على ربه الذي أطاعه نهاره سائلاً إياه راغبًا فيما عنده "أللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت فتقبل مني إنك أنت السميع العليم" "ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله"..
"وإِنَّ للصائم عند فطره دعوة ما ترد" رواه ابن ماجة عن عمرو بن العاص
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|