مقالات شهر رمضان - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         دعاء الشفاء ودعاء الضائع (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 20 )           »          تخريج حديث: رقيت يوما على بيت حفصة، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم على حاجته، مستقبل (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          أسماء العقل ومشتقاته في القرآن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          كيف نكتسب الأخلاق الفاضلة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 17 )           »          من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: المؤمن (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 16 )           »          وقفات تربوية مع سورة التكاثر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 19 )           »          {وما كان لنبي أن يغل} (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 18 )           »          بين الاجتهاد الشخصي والتقليد المشروع: رد على شبهة «التعبد بما استقر في القلب» (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 21 )           »          الإسلام والحث على النظافة (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 15 )           »          فتنة تطاول الزمن.. قوم نوح عليه السلام نموذج (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 29 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > قسم العلوم الاسلامية > ملتقى الشباب المسلم
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى الشباب المسلم ملتقى يهتم بقضايا الشباب اليومية ومشاكلهم الحياتية والاجتماعية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 02-04-2020, 04:01 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,587
الدولة : Egypt
افتراضي مقالات شهر رمضان

مقالات شهر رمضان

فضل الصيام:
ثبت في "الصحيحين" [البخاري (1894)، ومسلم (1151)] عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كل عمل ابن آدم له؛ الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال الله - عز وجل -: إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي. للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك" وفي رواية: "كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي". وفي رواية للبخاري "لكل عمل كفارة، والصوم لي وأنا أجزي به" وخرجه الإمام أحمد [مسند أحمد 2/257-273، ولم ترد فيه لفظة "كفارة"] من هذا الوجه، ولفظه: "كل عمل ابن آدم له كفارة إلا الصوم والصوم لي وأنا أجزي به"
شرح الحديث:
على الرواية الأولى: يكون استثناء الصوم من الأعمال المضاعفة، فتكون الأعمال كلها تضاعف بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلا الصيام فإنه لا ينحصر تضعيفه في هذا العدد بل يضاعفه الله - عز وجل - أضعافا كثيرة بغير حصر عدد فإن الصيام من الصبر، وقد قال الله - تعالى -: "إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب" ولهذا ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أنه سمى شهر رمضان شهر الصبر" [من حديث طويل أخرجه أبو داود (2428)]. وفي حديث آخر عنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "الصوم نصف الصبر" [خرجه الترمذي (3514): قال: هذا حديث حسن].
أنواع الصبر:
والصبر ثلاثة أنواع: صبر على طاعة الله، وصبر عن محارم الله، وصبر على أقدار الله المؤلمة.
وتجتمع الثلاثة كلها في الصوم؛ فإن فيه صبرا على طاعة الله، وصبراً عما حرم الله على الصائم من الشهوات، وصبرا على ما يحصل للصائم فيه من ألم الجوع والعطش، وضعف النفس والبدن.
وهذا الألم الناشىء من أعمال الطاعات يثاب عليه صاحبه، كما قال الله - تعالى -في المجاهدين: "ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطؤون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين". وفي حديث سلمان المرفوع الذي أخرجه ابن خزيمة في صحيحه [(1887) في الصيام، باب فضائل شهر رمضان، إن صح الخبر. وفي سنده على بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف، كما في التقريب] في فضل شهر رمضان: "وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة" وفي الطبراني [أورده المنذري في "الترغيب والترهيب" مطولاً 2/82 في الصوم عن ابن عمر، وقال: "رواه الطبراني في الأوسط والبيهقي. وهو في صحيح ابن حبان من حديث حريم بن فاتك بنحوه، لم يذكر فيه الصوم]. عن ابن عمر مرفوعاً: الصيام لا يعلم ثواب عمله إلا الله - عز وجل -" وروي مرسلا وهو أصح.
أسباب مضاعفة الأجر:
واعلم أن مضاعفة الأجر للأعمال تكون بأسباب.
منها: شرف المكان المعمول فيه ذلك العمل، كالحرم. ولذلك تضاعف الصلاة في مسجدي مكة والمدينة. كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح [أخرجه البخاري (1190)، ومسلم (1394)] عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام".
وفي رواية: "فإنه أفضل" وكذلك روي: أن الصيام يضاعف بالحرم. وفي سنن ابن ماجة (3117) بإسناد ضعيف، [لضعف عبد الرحيم بن زيد العمي، وضعف أبيه زيد بن الحواري العمي. وتمام الحديث: "وكتب له بكل يوم عتق رقبة، وكل ليلة عتق رقبة، وكل يوم حملان فرس في سبيل الله، وفي كل يوم حسنة، وفي كل ليلة حسنة"]. عن ابن عباس مرفوعا: "من أدرك رمضان بمكة فصامه وقام منه ما تيسر كتب الله له مائة ألف شهر رمضان فيما سواه"، وذكر له ثوابا كثيرا.
ومنها: شرف الزمان، كشهر رمضان وعشر ذي الحجة. وفي حديث سلمان الفارسي المرفوع الذي أشرنا إليه في فضل شهر رمضان: "من تطوع فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه". [وفي الترمذي (663) قال الترمذي: هذا حديث غريب وأخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" 3/377]. عن أنس: "سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - أي الصدقة أفضل؟ قال: صدقة في رمضان". [وفي الصحيحين رواه البخاري (1863)، ومسلم (1256)] عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "عمرة في رمضان تعدل حجة" أو قال: "حجة معي".
وورد في حديث آخر: "أن عمل الصائم مضاعف". وذكر أبو بكر بن أبي مريم عن أشياخه أنهم كانوا يقولون: إذا حضر شهر رمضان فانبسطوا فيه بالنفقة؛ فإن النفقة فيه مضاعفة كالنفقة في سبيل الله، وتسبيحة فيه أفضل من ألف تسبيحة في غيره. وقال النخعي: صوم يوم من رمضان أفضل من ألف يوم، وتسبيحة فيه أفضل من ألف تسبيحة، وركعة فيه أفضل من ألف ركعة.
فلما كان الصيام في نفسه مضاعفا أجره بالنسبة إلى سائر الأعمال، كان صيام شهر رمضان مضاعفا على سائر الصيام؛ لشرف زمانه، وكونه هو الصوم الذي فرضه الله على عباده، وجعل صيامه أحد أركان الإسلام التي بني الإسلام عليها.
وقد يضاعف الثواب بأسباب أخر؛ منها: شرف العامل عند الله وقربه منه، وكثرة تقواه، كما ضوعف أجر هذه الأمة على أجور من قبلهم من الأمم، وأعطوا كفلين [الكفل: الضعف]. من الأجر.
وأما على الرواية الثانية: فاستثناء الصيام من بين الأعمال يرجع إلى أن سائر الأعمال للعباد، والصيام اختصه الله - تعالى -لنفسه من بين أعمال عباده، وأضاف إليه، وسيأتي ذكر توجيه هذا الاختصاص إن شاء الله - تعالى -.
وأما على الرواية الثالثة: فالإستثناء يعود إلى التكفير بالأعمال، ومن أحسن ما قيل في معنى ذلك: ما قاله سفيان بن عيينة - رحمه الله -، قال: هذا [أي حديث "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي، وأنا أجزي به] من أجود الأحاديث وأحكمها، إذا كان يوم القيامة يحاسب الله عبده، ويؤدي ما عليه من المظالم من سائر عمله، حتى لا يبقى إلا الصوم، فيتحمل الله - عز وجل - ما بقي عليه من المظالم، ويدخله بالصوم الجنة. خرجه البيهقي في "شعب الإيمان" [شعب الإيمان للبيهقي (3/295)]. وغيره وعلى هذا فيكون المعنى أن الصيام لله - عز وجل -، فلا سبيل لأحد إلى أخذ أجره من الصيام، بل أجره مدخر لصاحبه عند الله - عز وجل -، وحينئذ فقد يقال: إن سائر الأعمال قد يكفر بها ذنوب صاحبها فلا يبقى لها أجر، فإنه روي: "أنه يوازن يوم القيامة بين الحسنات والسيئات، ويقص بعضها من بعض، فإن بقي من الحسنات حسنة دخل بها صاحبها إلى الجنة" قاله سعيد بن جبير وغيره. وفيه حديث مرفوع خرجه الحاكم [المستدرك (4/252)]. من حديث ابن عباس مرفوعا، فيحتمل أن يقال في الصوم: إنه لا يسقط ثوابه بمقاصة ولا غيرها، بل يوفر أجره لصاحبه حتى يدخل الجنة، فيوفى أجره فيها.
معنى كون الصوم لله - عز وجل -:
وأما قوله: "فإنه لي"، فإن الله خص الصيام بإضافته إلى نفسه دون سائر الأعمال، وقد كثر القول في معنى ذلك من الفقهاء والصوفية وغيرهم، وذكروا فيه وجوها كثيرة. ومن أحسن ما ذكر فيه وجهان:
أحدهما: أن الصيام هو مجرد ترك حظوظ النفس وشهواتها الأصلية التي جبلت على الميل إليها لله - عز وجل -، ولا يوجد ذلك في عبادة أخرى غير الصيام؛ لأن الإحرام إنما يترك فيه الجماع ودواعيه من الطيب دون سائر الشهوات؛ من الأكل والشرب، وكذلك الاعتكاف مع أنه تابع للصيام.
وأما الصلاة فإنه وإن ترك المصلي فيها جميع الشهوات إلا أن مدتها لا تطول، فلا يجد المصلي فقد الطعام والشراب في صلاته، بل قد نهي أن يصلي ونفسه تشوق إلى طعام بحضرته حتى يتناول منه ما يسكن نفسه، ولهذا أمر بتقديم العشاء على الصلاة.
وذهبت طائفة من العلماء إلى إباحة شرب الماء في صلاة التطوع، وكان ابن الزبير يفعله في صلاته، وهو رواية عن الإمام أحمد، وهذا بخلاف الصيام؛ فإنه يستوعب النهار كله، فيجد الصائم فقد هذه الشهوات، وتشوق نفسه إليها، خصوصا في نهار الصيف؛ لشدة حره وطوله، ولهذا روي أن من خصال الإيمان الصوم في الصيف، وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم رمضان في السفر في شدة الحر دون أصحابه، كما قاله أبو الدرداء: "كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في رمضان في سفر وأحدنا يضع يده على رأسه من شدة الحر، وما فينا صائم إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعبد الله بن رواحة". [أخرجه البخاري (1945)].
وفي الموطأ [(1/294) في الصيام: باب ما جاء في الصيام في السفر؛ وأبو داود (2365)، وإسناده صحيح. والعرج: موضع بين مكة والمدينة]. أنه - صلى الله عليه وسلم - كان بالعرج يصب الماء على رأسه وهو صائم من العطش، أو من الحر. فإذا اشتد توقان النفس إلى ما تشتهيه مع قدرتها عليه، ثم تركته لله - عز وجل - في موضع لا يطلع عليه إلا الله، كان ذلك دليلا على صحة الإيمان؛ فإن الصائم يعلم أن له ربا يطلع عليه في خلوته، وقد حرم عليه أن يتناول شهواته المجبول على الميل إليها في الخلوة، فأطاع ربه، وامتثل أمره، واجتنب نهيه خوفا من عقابه، ورغبة في ثوابه، فشكر الله - تعالى -له ذلك، واختص لنفسه عمله هذا من بين سائر أعماله؛ ولهذا قال بعد ذلك: إنه إنما ترك شهواته وطعامه وشرابه من أجلي. قال بعض السلف: طوبى لمن ترك شهوة حاضرة لموعد غيب لم يره.
لما علم المؤمن الصائم أن رضا مولاه في ترك شهواته، قدم رضا مولاه على هواه؛ فصارت لذته في ترك شهواته لله؛ لإيمانه باطلاع الله عليه. وثوابه أعظم من لذته في تناولها في الخلوة؛ إيثارا لرضا ربه على هوى نفسه، بل المؤمن يكره ذلك في خلوته أشد من كراهته لألم الضرب.
ولهذا كثير من المؤمنين لو ضرب على أن يفطر في شهر رمضان لغير عذر لم يفعل؛ لعلمه بكراهة الله لفطره في هذا الشهر، وهذا من علامات الإيمان أن يكره المؤمن ما يلائمه من شهواته إذا علم أن الله يكره، فتصير لذته فيما يرضى مولاه وإن كان مخالفا لهواه، ويكون ألمه فيما يكره مولاه، وإن كان موافقا لهواه، وإذا كان هذا فيما حرم لعارض الصوم من الطعام والشراب ومباشرة النساء، فينبغي أن يتأكد ذلك فيما حرم على الإطلاق، كالزنا، وشرب الخمر، وأخذ الأموال أو الأعراض بغير حق، وسفك الدماء المحرمة؛ فإن هذا يسخطه الله على كل حال وفي كل زمان ومكان، فإذا كمل إيمان المؤمن كره ذلك كله أعظم من كراهته للقتل والضرب. ولهذا جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - من علامات وجود حلاوة الإيمان: أن يكره أن يرجع إلى الكفر بعد أن أنقذه الله، كما يكره أن يلقى في النار [من حديث عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -، أخرجه البخاري (16)، وأخرجه مسلم (43)].
وقال يوسف - عليه السلام -: "رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه". سئل ذو النون المصري: متى أحب ربي؟ قال: إذا كان ما يكرهه أمر عندك من الصبر وقال غيره: ليس من أعلام المحبة أن تحب ما يكرهه حبيبك. وكثير من الناس يمشي على العوائد دون ما يوجبه الإيمان ويقتضيه، فلهذا كثير منه لو ضرب ما أفطر في رمضان لغير عذر. ومن جهالهم من لا يفطر لعذر ولو تضرر بالصوم، مع أن الله يحب منه أن يقبل رخصته، جريا منه على العادة، وقد اعتاد مع ذلك ما حرم الله من الزنا وشرب الخمر وأخذ الأموال والأعراض أو الدماء بغير حق، فهذا يجري على عوائده في ذلك كله لا على مقتضى الإيمان، ومن عمل بمقتضى الإيمان صارت لذته في مصابرة نفسه عما تميل نفسه إليه إذا كان فيه سخط الله، وربما يرتقي إلى أن يكره جميع ما يكره الله منه، وينفر منه وإن كان ملائما للنفوس.
الوجه الثاني: أن الصيام سر بين العبد وربه لا يطلع عليه غيره؛ لأنه مركب من نية باطنة لا يطلع عليها إلا الله، وترك لتناول الشهوات التي يُستخفَى بتناولها في العادة، ولذلك قيل: لا تكتبه الحفظة. وقيل: إنه ليس فيه رياء، كذا قاله الإمام أحمد و غيره؛ وفيه حديث مرفوع مرسل. وهذا الوجه اختيار أبي عبيد وغيره. و قد يرجع إلى الأول؛ فإن من ترك ما تدعوه نفسه إليه لله - عز وجل - حيث لا يطلع عليه غير من أمره ونهاه، دل على صحة إيمانه. والله - تعالى -يحب من عباده أن يعاملوه سرا بينهم وبينه، وأهل محبته يحبون أن يعاملوه سرا بينهم وبينه، بحيث لا يطلع على معاملتهم إياه سواه، حتى كان بعضهم يود لو تمكن من عبادة لا تشعر بها الملائكة الحفظة.
وقوله: "ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي": فيه إشارة إلى المعنى الذي ذكرناه، وأن الصائم يقرب إلى الله بترك ما تشتهيه نفسه من الطعام والشراب والنكاح، وهذه أعظم شهوات النفس. وفي التقرب بترك هذه الشهوات بالصيام فوائد.
فوائد التعبد بترك الطعام والشراب والنكاح في الصيام:
منها: كسر النفس؛ فإن الشبع والري ومباشرة النساء تحمل النفس على الأشر و البطر والغفلة.
ومنها: تخلي القلب للفكر والذكر؛ فإن تناول هذه الشهوات قد يقسي القلب ويعميه، ويحول بين العبد وبين الذكر والفكر، ويستدعي الغفلة. وخلو الباطن من الطعام والشراب ينور القلب ويوجب رقته ويزيل قسوته ويخليه للذكر والفكر.
ومنها: أن الغني يعرف قدر نعمة الله عليه بإقداره له على ما منعه كثيرا من الفقراء من فضول الطعام والشراب والنكاح؛ فإنه بامتناعه من ذلك في وقت مخصوص وحصول المشقة له بذلك، يتذكر به من منع من ذلك على الإطلاق، فيوجب له ذلك شكر نعمة الله عليه بالغنى، ويدعوه إلى رحمة أخيه المحتاج ومواساته بما يمكن من ذلك.
ومنها: أن الصيام يضيق مجاري الدم التي هي مجاري الشيطان من ابن آدم؛ فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فتسكن بالصيام وساوس الشيطان، وتنكسر سورة الشهوة والغضب، ولهذا جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - الصوم وجاء [وجا الفحل وجاء: دق عروق خصيتيه بين حجرين ولم يخرجهما، أو رضهما حتى تنفضخا، وأراد بالحديث: أن الصوم يقطع شهوة الجماع كما يقطعها الوجاء. وقد أخرجه البخاري (1905)، ورواه مسلم (1400)]. لقطعه عن شهوة النكاح.
حقيقة الصيام:
واعلم أنه لا يتم التقرب إلى الله - تعالى -بترك هذه الشهوات المباحة في غير حالة الصيام إلا بعد التقرب إليه بترك ما حرم الله في كل حال؛ من الكذب والظلم والعدوان على الناس في دمائهم وأموالهم وأعراضهم، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من لم يدع قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه". [خرجه البخاري: 1903] وفي حديث آخر: "ليس الصيام من الطعام والشراب، إنما الصيام من اللغو والرفث". وقال الحافظ أبو موسى المديني: هو على شرط مسلم.
قال بعض السلف: أهون الصيام ترك الشراب والطعام. وقال جابر: إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم، ودع أذى الجار، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء.
إذا لم يكن في السمع مني تصاون ***وفي بصري غض وفي منطقي صمت
فحظي إذا من صومي الجوع والظما *** فإن قلت إني صمت يومي فما صمت
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، ورب قائم حظه من قيامه السهر" [رواه الإمام أحمد في "مسنده" (2/373)، وابن ماجه (1690) وإسناده ضعيف، لضعف أسامة بن زيد العدوي]. وسر هذا أن التقرب إلى الله - تعالى -بترك المباحات لا يكمل إلا بعد التقرب إليه بترك المحرمات، فمن ارتكب المحرمات ثم تقرب إلى الله - تعالى -بترك المباحات، كان بمثابة من يترك الفرائض ويتقرب بالنوافل، وإن كان صومه مجزئا عند الجمهور بحيث لا يؤمر بإعادته؛ لأن العمل إنما يبطل بارتكاب ما نهي عنه فيه لخصوصه، دون ارتكاب ما نهي عنه لغير معنى يختص به. هذا هو أصل جمهور العلماء.
[وفي مسند الإمام أحمد (5/431)]. أن امرأتين صامتا في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - فكادتا أن تموتا من العطش، فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فأعرض، ثم ذكرتا له فدعاهما فأمرهما أن تتقيآ، فقاءتا ملء قدح قيحا ودما وصديدا ولحما عبيطا [اللحم العبيط: الطري غير النضيج]. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن هاتين صامتا عما أحل الله لهما، وأفطرتا على ما حرم الله عليهما؛ جلست إحداهما إلى الأخرى، فجعلتا تأكلان في لحوم الناس".
ولهذا المعنى -والله أعلم- ورد في القرآن بعد ذكر تحريم الطعام والشراب على الصائم بالنهار ذكر تحريم أكل أموال الناس بالباطل [راجع الآيات 183-188 من سورة البقرة]. فإن تحريم هذا عام في كل زمان ومكان، بخلاف الطعام والشراب، فكان إشارة إلى أن من امتثل أمر الله في اجتناب الطعام والشراب في نهار صومه، فليمتثل أمره في اجتناب أكل الأموال بالباطل؛ فإنه محرم بكل حال لا يباح في وقت من الأوقات.
فرحتا الصائم:
وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "وللصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه": أما فرحة الصائم عند فطره فإن النفوس مجبولة على الميل إلى ما يلائمها من مطعم ومشرب ومنكح، فإذا منعت من ذلك في وقت من الأوقات، ثم أبيح لها في وقت آخر، فرحت بإباحة ما منعت منه، خصوصا عند اشتداد الحاجة إليه؛ فإن النفوس تفرح بذلك طبعا، فإن كان ذلك محبوبا لله كان محبوبا شرعا والصائم عند فطره كذلك، فكما أن الله - تعالى -حرم على الصائم في نهار الصيام تناول هذه الشهوات، فقد أذن له فيها في ليل الصيام، بل أحب منه المبادرة إلى تناولها في أول الليل وآخره، فأحب عباده إليه أعجلهم فطرا، والله وملائكته يصلون على المتسحرين.
فالصائم ترك شهواته لله بالنهار تقربا إلى الله وطاعة له؛ ويبادر إليها في الليل تقربا إلى الله وطاعة له، فما تركها إلا بأمر ربه، ولا عاد إليها إلا بأمر ربه؛ فهو مطيع له في الحالين. ولهذا نهى عن الوصال في الصيام، فإذا بادر الصائم إلى الفطر تقربا إلى مولاه، و أكل وشرب وحمد الله؛ فإنه يرجى له المغفرة أو بلوغ الرضوان بذلك.
وفي الحديث: "إن الله ليرضى عن عبده أن [لفظ "أن" سقط من آ، ش، ع. ] يأكل الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشربة فيحمده عليها" [أخرجه مسلم (2734)] وربما استجيب دعاؤه عند ذلك، كما جاء في الحديث المرفوع الذي [خرجه ابن ماجه (1753) وإسناده صحيح]: "إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد". وإن نوى بأكله وشربه تقوية بدنه على القيام والصيام، كان مثابا على ذلك. كما أنه إذا نوى بنومه في الليل والنهار التقوى على العمل، كان نومه عبادة.
وفي حديث مرفوع: "نوم الصائم عبادة" [أورده السيوطي في الجامع الصغير (9293)، وعزاه إلى البيهقي في "شعب الإيمان" عن عبد الله بن أبي أوفى، ورمز له بالضعف. وذكره القاري في "الأسرار المرفوعة (ص374": وقال: "رواه البيهقي بسند ضعيف عن عبد الله بن أبي أوفى"، وكذا الألباني في "ضعيف الجامع الصغير" (6/17)، (5984). وفي الحلية (5/83)، عن عبد الله بن مسعود وتمامه: "نوم الصائم عبادة، وصمته تسبيح، وعمله مضاعف، ودعاؤه مستجاب، وذنبه مغفور"]. قالت حفصة بنت سيرين: قال أبو العالية: "الصائم في عبادة ما لم يغتب أحدا وإن كان نائما على فراشه" [جاء مرفوعاً كما رواه الديلمي في "مسند الفردوس" برقم (3824) و(3825)، ورمز السيوطي وأوردهما الألباني في "ضعيف الجامع الصغير (3/278) و(279)]. قال: وكانت حفصة تقول: "يا حبذا عبادة وأنا نائمة على فراشي". خرجه عبد الرزاق.
فالصائم في ليله ونهاره في عبادة، ويستجاب دعاؤه في صيامه وعند فطره، فهو في نهاره صائم صابر؛ وفي ليله طاعم شاكر.
وفي الحديث الذي [خرجه الترمذي (2488)، وخرجه ابن ماجه (1769)، ورواه أحمد في "المسند" (2/283) و(289)، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه]. وغيره: "الطاعم الشاكر بمنزلة الصائم الصابر".
ومن فهم هذا الذي أشرنا إليه لم يتوقف في معنى فرح الصائم عند فطره؛ فإن فطره على الوجه المشار إليه من فضل الله ورحمته، فيدخل في قول الله - تعالى -: "قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون". ولكن شرط ذلك أن يكون فطره على حلال، فإن كان فطره على حرام كان ممن صام عما أحل الله، وأفطر على ما حرم الله، ولم يستجب له دعاء، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الذي يطيل السفر "يمد يديه إلى السماء: يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك" [أخرجه مسلم (1015) وقوله: "يطيل السفر"، قال النووي في شرح مسلم: "معناه والله أعلم- أنه يطيل السفر في وجوه الطاعات، كحج وزيارة مستحبة وصلة رحم وغيره ذلك].
وأما فرحه عند لقاء ربه فبما يجده عند الله من ثواب الصيام مدخراً، فيجده أحوج ما كان إليه، كما قال - تعالى -: "وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا". وقال - تعالى -: "يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا". وقال: "فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره".
وقد تقدم قول ابن عيينة: أن ثواب الصائم لا يأخذه الغرماء في المظالم بل يدخره الله عنده للصائم حتى يدخله به الجنة. وفي المسند [(4/309)، ورواه أيضاً الطبراني في الكبير (17/284)، والحاكم في "المستدرك (4/309" على شرط الشيخين. وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد (5/305" وقال: "رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط، وفيه ابن لهيعة وفيه كلام". وتمامه: "فإذا مرض المؤمن، قالت الملائكة: يا ربنا! عبدك فلان قد حبسته، فيقول الرب: اختموا له على مثل عمله حتى يبرأ أو يموت". والمراد بالحبس: المنع من عمل الطاعة بالمرض]. عن عقبة بن عامر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "ليس من عمل يوم إلا يختم عليه".
وعن عيسى - عليه السلام -، قال: إن هذا الليل والنهار خزانتان، فانظروا ما تضعون فيهما فالأيام خزائن للناس ممتلئة بما خزنوه فيها من خير وشر. وفي يوم القيامة تفتح هذه الخزائن لأهلها؛ فالمتقون يجدون في خزائنهم العز والكرامة، والمذنبون يجدون في خزائنهم الحسرة والندامة.
----------------------------------------
(*) منتقى من كتاب لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف للعلامة/ أبي الفرج عبد الرحمن بن رجب الدمشقي [المتوفى: 795هـ] (تحقيق يا سين محمد السواس -دار ابن كثير-).
منقول
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 70.12 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 68.41 كيلو بايت... تم توفير 1.71 كيلو بايت...بمعدل (2.43%)]