
29-03-2020, 10:50 PM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 158,671
الدولة :
|
|
تعددت الألوان..والعيد واحد
تعددت الألوان..والعيد واحد
فاطمة عليوة
ليلة العيد ما أحلاها وما أسعدها من ليلة مبشرة بقدوم يوم الجائزة..!! يوم يستبشر فيه العبد بما قدم طوال شهر رمضان من صيام وقيام وصلة للأرحام وصدقات في سبيل الله... وفي ليلة العيد يُمنّي العبد نفسه برحمة الله - عز وجل - عسى أن يكون من الفائزين بالفضل العظيم من قبول ورحمة ومغفرة، فيخرج لصلاة العيد والفرحة تملأ القلب، ويشع بريق الفرحة بالعين.
يخرج مبكراً مهللاً ومكبراً لله - عز وجل - يخرج للصلاة حيث جموع المسلمين.. الكل يسعى لإحياء اليوم منذ ساعاته الأولى بالصلاة والعبادة والتكبير، والحمد لله أن بلّغه هذه النعمة.
وعلى الرغم من توحّد المسلمين على مناسك العبادات سواء من استقبال رمضان والطاعة فيه ثم ختامه بصلاة العيد، إلاّ أن عادات المسلمين في استقبال فرحة ليلة العيد ومراسم الاحتفال بأيامه تختلف من بلد لبلد حسب الموروث الشعبي من العادات والتقاليد لكل مجتمع، وعلى الرغم من عدم اتساع الفارق في الاختلاف بين هذه العادات إلاّ أنه يظل لكل مجتمع ما يميزه من طابع وسلوك يُعرف ويشتهر به بما يعبر عن فرحته في استقبال ليلة العيد والاحتفال بأيامه.
ويظل دائماً ما توارثناه من عادات وتقاليد تملأ ذاكرتنا ووجداننا وتحرك الحنين فينا لما سلف عن تلك السنين الخوالي التي عشناها، ونحن صغار في أحضان بيت العائلة، ودفئها وبركة الجد الذي لا يحلو الاحتفال بالعيد إلاّ باجتماع كل أفراد الأسرة ولم شملها من صغيرٍ وكبير.
تلك العادات التي حجب التقدم الحضاري الكثير منها وسط زحمة الحياة وسرعة نمطها، مما جعل كل رب أسرة مشغولاً بأسرته الصغيرة، والتي ربما تباعد الغربة بين أفراد الأسرة الواحدة؛ فقد يُساق الأب إلى الاغتراب، سعياً وراء الرزق الواسع، في محاولة منه لتوفير مستوى أفضل لأسرته.. !
وقد أدى المد الحضاري الذي يجتاح مجتمعاتنا الإسلامية إلى إحداث تغير نوعي في العادات والسلوك للأفراد في المواقف الحياتية والمناسبات المختلفة؛ فقد أصبح البعض يفضل الاحتفال بالعيد في قضاء وقت طويل في التسوّق في(المولات) والبعض يفكر في السفر إلى الخارج حيث يحلو له قضاء العيد بعيداً عن نظر من يعرفه، أو للرغبة في التعرف على بلدان جديدة، والبعض يخرج للمتنزهات مفضلاً الاقتصار على عائلته الصغيرة رضوخاً للظروف الاقتصادية الصعبة التي تركت هي الأخرى بصماتها على العلاقات الاجتماعية.
أما بعض الشباب فقد يفضل في تهنئة أقاربه الاتصال بهم هاتفياً، أو قد يقتصر على إرسال رسالة (أس أم أس) بدلاً من الزيارات المنزلية متذرّعاً بضيق الوقت؛ إذ يؤثر أصدقاءه بالنصيب الأكبر من وقته في هذه المناسبات.. !
كل هذه الصور في التغير في السلوك للأفراد جعلت الرغبة في إلقاء نظرة على ماضينا وتراثنا ملحة كي نتذكر سوياً كيف كان الآباء والأجداد يُحسنون استقبال العيد، وكيف كان الكل يتلمس البركة والسعادة في كل شيء، على الرغم من قلة الإمكانات قديماً.
نتذكر ماضينا كي نسعد سوياً بدفء الذكريات وحلاوتها، وفي السطور التالية سنطوف سوياً في المدن الإسلامية العربية الشقيقة لننظر كيف كانوا يستقبلون ليلة العيد، وكيف كانوا يقضون أيامه، وما هي أهم الترتيبات والاستعدادات لقدوم العيد...
العيد في السودان.. الاستعداد بالبخور والزفة
يتميز الاستعداد باستقبال ليلة العيد في السودان الشقيق بترتيبات يشترك فيها الأطفال مع أمهاتهم من حيث ترتيب المنزل وإعداده؛ إذ يمثل ذلك بهجة خاصة، فتسهر الأم ومعها الأولاد يعدون المنزل حتى يخرج في أجمل صورة في جو من البهجة والسعادة التي تخيم على المسلمين في هذه الليلة المباركة، وما إن تنتهي ربة البيت من إعداد المنزل، تبدأ بإطلاق نوع خاص من البخور في أركان المنزل يُستخدم في المناسبات الخاصة والذي يعرف بـ (التيمان) وهو عبارة عن خليط من اللبان والعود وبعض الأعشاب؛ إذ يُعدّ البخور من التقاليد المتوارثة عند الشعب السوداني وجزءاً من ثقافته القديمة، وفي الصباح الباكر يخرج السودانيون لأداء صلاة العيد بالساحات المكشوفة في كل المدن والقرى في ملابسهم البيضاء المميزة، ويصطحبون الأطفال معهم وهم مزدانين بالملابس الجديدة التي تم شراؤها وإعدادها قبل قدوم العيد بأيام... يخرجون أطفالاً وكباراً ليشارك الجميع فرحة العيد في جو روحاني جميل، و يحرص الكل على إلقاء التهنئة بالعيد لكل من يعرف من أهل وجيران، وعلى أهل البيوت، ويتميز السوداني بعادة أصيلة تدل على مدى الترابط الاجتماعي الوثيق بين أهل القرية الواحدة أو المدينة أو الحي؛ إذ لا يلقي رب البيت تهنئة العيد على أهلة إلاّ بعد عودته من أداء صلاة العيد بعد أن يكون قدم التهنئة بالعيد على كل من يقابله خارج البيت.
وقد امتاز السودانيون في احتفالاتهم بالعيد بخاصية تفردوا بها، ألا وهي (زفة العيد)، وتخرج هذه الزفة إلى الميادين الكبرى والشوارع الرئيسة بالمدن، وفي مقدمتهم كبار مسؤولي هذه المناطق تصطحبهم الموسيقا الشعبية الأصيلة وجموع من الأطفال من أبناء الحي تشاركهم فرحة ليلة العيد، وتطوف هذه الزفة جنبات المنطقة لتزف إلى أهل الحي قدوم العيد، كما كان يشارك فيها أيضاً (الزفة) عدد من أبناء القبائل المختلفة في السودان، بتقديم فنونها التراثية المميزة ابتهاجاً بحلول العيد، إلاّ أن هذه العادة الفلكلورية قد بدأت في التواري خلف حوائط المد الحضري الحديث، شأنها في ذلك شأن العديد من العادات والتقاليد لكل الشعوب والتي أخذت بالانقراض، ولكن ما زال لكل بلد ما يميزه من تقاليد؛ إذ يحتفظ ببعض موروثة القديم.
في مصر.. الكعك يجمعنا
وفي مصر قبيل قدوم العيد بأيام تحل البهجة والنشاط في كل البيوت، وتستمر حالة من الإعدادات المتواصلة، بدءاً من شراء الملابس الجديدة للصغار خاصة، وللكبار عامة، ويكون للبيت نصيب أيضاً حيث يظهر الاهتمام بكل شيء من أعمال النظافة، وترتيب لكل ركن من جوانبه، ويكون ذلك بعد انتهاء ربة البيت من إعداد كعك العيد، والذي قد يشاركها فيه بنات الجيران في نوع من تبادل الأدوار، في جو من المشاعر الحميمة والعلاقات الجيرانية الطيبة، وفي ليلة العيد تتميز مصر بعادة قديمة ارتبطت بأغنية لكوكب الشرق أم كلثوم وهي (يا ليلة العيد آنستينا) حيث بمجرد ما تثبت رؤية هلال العيد تبدأ الأغنية بالانطلاق عبر الأثير في إشارة لتهنئة الشعب المصري بحلول ليلة العيد، وفي الصباح الباكر يخرج الجميع لأداء صلاة العيد في حالة روحانية رائعة، ويبدأ الكل في التكبير أثناء سيره لساحات الصلاة، ويأخذ الكل في تبادل التهاني بالعيد المبارك، ثم يذهب كل الأبناء وأولادهم إلى بيت الجد بما يُعرف بـ (بيت العائلة)، حيث يقضي الجميع نصف نهار اليوم الأول ويبدؤون في عادة جميلة توارثها الكل، ولا يحلو العيد إلاّ بها، وهي (العيدية) التي يقوم أكبر من في الأسرة بتوزيعها على الكل من صغار وكبار، ثم تتبادل الأدوار؛ إذ يعطي كل كبير عيدية لمن يصغره ويعد أصغر أفراد الأسرة هو المستفيد الأكبر- في نوع من الترابط الأسري الجميل وتدريب للكبير على تحمل المسؤولية عمن يصغره في نوع من توارث الأدوار. وفي أيام العيد يجتهد المصريون في الحصول على أكبر قدر من الترفيه والمرح، في محاولة منهم لنسيان همومهم ولو لبعض الوقت، فتجدهم يخرجون إلى المتنزهات، وخاصة ما يجاور منها شاطئ النيل حيث تزدان الشوارع بالأنوار، ويزدحم شاطئا نهر النيل بالجماهير الغفيرة التي خرجت ابتهاجاً بالعيد.
في الكويت.. اختلاف الماضي والحاضر
أما في الكويت فقد اختلفت مظاهر الاحتفال بالعيد قديماً عن الوقت الحاضر؛ فقد كان الاحتفال بالعيد سواء الفطر أو الأضحى يمتد على مدار سبعة أيام كاملة، و يعد الخروج لصلاة العيد من أهم مظاهر الاحتفال به؛ إذ يخرج لأداء الصلاة الكل من الرجال والنساء والأطفال، وبعد الانتهاء من الصلاة يتوجّه الجميع أولاً إلى الاجتماع في بيت الكبير للقاء أفراد العائلة ليتبادلوا التهنئة بالعيد، وقد تمضي العائلة مجتمعة في هذا البيت نحو نصف نهار اليوم الأول، وفيما مضى اعتاد الرجال التجمع فيما يُعرف بالديوان لتناول غداء العيد المميز والمكون من اللحم والحشور والخبز، ثم تناول حلوى العيد الخاصة، والتي تُعرف بشعر البنات، والتي كان يقدم معها أيضاً الهريس، وهو نوع آخر من الحلوى الخاصة بالعيد، وتُعدّ العيدية أيضاً جزءاً هاماً من فعاليات الاحتفال بالعيد، ثم يمضي الرجال بعد ذلك إلى ما يُعرف بـ الصفا وهو مقهى يجتمع فيه الرجال لتناول القهوة، وتمضية أوقات طيبة، وكما كان للعيد مذاقه الخاص في كل بلد من البلدان، كذلك كان العيد في الكويت له مذاق خاص من السعادة وجو الألفة التي كانت تجعل الكل يتمنى ألاّ تنتهي أيام العيد.
في اليمن.. مشهد الترابط الأسري
أهم ما يميز اليمنيين في العيد هو حرصهم على الترابط الأسري؛ إذ يحرص كل مغترب أو مسافر أن يعود إلى بلده كي يشارك أهله فرحة العيد، وفي العيد يتبادل اليمنيون التهنئة بالعيد بعد الانتهاء من الصلاة التي يخرج لها الجميع، ثم يتبادلون الزيارات وعيادة المرضى، ويأخذ أكبر العائلة سناً في زيارة أفراد العائلة من المتزوجين فرداً فرداً، في نوع من التواصل والترابط الأسري القوي، كما يميز العيد في اليمن كثرة الأفراح وحفلات الزفاف، وللعيد في اليمن طعامه الخاص من الكعك في صباح أول أيام العيد، أما في عيد الأضحى فيكون طعامهم المفضل (الزر بيان) وهو طبق من اللحم والأرز مضاف إليه الزبيب والبطاطا.
وللعسل اليمني المميز نصيبه من أكلات العيد؛ إذ يفضلون تناول (السبايا)، وهي خليط من الدقيق والبيض والسمن يُطهى في الفرن، ثم يُضاف إليه العسل وغير ذلك من الأكلات القديمة التي ارتبطت بالعيد.
في العراق.. قبل الاحتلال
يبدأ الاستعداد بالعيد في العراق، و تُنصب المراجيح وألعاب الأطفال في الأماكن التي تُخصص للتنزه في العيد، وبعد الصلاة وتبادل التهنئة بالعيد بين الأهل والأقارب تبدأ الزيارات المنزلية، و تقدم الحلوى والأكلات الخاصة بالعيد مثل (الكليجة والمعمول) بأنواع حشوها المختلفة وقطع من حلوى الحلقوم و(المن والسلوى) ويحظى الأطفال في العيد بالعيدية، والتي يأخذونها من الوالدين، و ينطلقون بها إلى حيث يتمتعون بركوب الألعاب والملاهي التي تكتمل بها بهجة العيد ثم زيارات الجد والجدة.
في سوريا.. للفقراء نصيب
في سوريا تتحقق صلة الرحم والتقارب والتواصل الاجتماعي، وأهم ما يُذكر في هذا الشأن هو حرص السوريين على أن يشعر الفقير مثلهم بفرحة العيد، وألاّ يُحرم منها بسبب فقره؛ ففي سوريا قبيل أيام العيد يبدو ذلك جلياً؛ فمن عاداتهم الأصيلة في العناية بالفقراء أن يذهب أغنياء الحي إلى (مختار الحي)، أو رئيس الحي لسؤاله عن الفقراء والمحتاجين من سكان الحي، ويقدم كل منهم ما يستطيع تقديمه لمساعدة الفقراء، فيقوم مثلاً صاحب مصنع الملابس بتقديم ما يلزم الفقراء من ملابس للعيد، ويعطيها لمختار الحي ليوزعها هو على من يستحق، والبعض يقدم المال اللازم لشراء حاجيات الفقراء أو توزيعها على صاحب الحاجة، أما المظاهر الأخرى للاحتفال بليلة العيد وأيامه، فمثل باقي البلدان السابقة؛ إذ تشهد الأسواق حالة من الرواج والإقبال على شراء مستلزمات العيد من ملابس وغيرها. وفي العيد تحلو الزيارات المنزلية بين الأهل والأقارب، وفي صبيحة أول أيام العيد اعتاد السوريون الخروج للمتنزهات والحدائق المشهورة القديمة مثل حديقة (البرامكة) و (الأرض السعيدة) للاحتفال بالعيد، ثم بعد ذلك يفضل السوريون تقضية بقية اليوم في المنزل حيث ينعمون بالراحة، وتناول بعض الأكلات الخاصة بالعيد في سوريا مثل (التسقية)، و (الفتة بالسمن أو الزيت)، و (الشاكرية)، وتبدأ الأسر في استقبال بعض الزيارات المنزلية، وفي ثاني أيام العيد تزور فيه الأسر بناتها المتزوجات في بيوتهن؛ إذ لا يكتمل العيد إلاّ بالتواصل الأسري والاجتماعي.
في الإمارات.. على إيقاع (الرزقة)
كعادة كل ربات البيوت تقوم ربة البيت بإعداد المنزل وإعادة ترتيبه لاستقبال العيد، وتضع البنات والنساء الحناء في أيديهن، وكذلك يتم تجهيز الملابس الجديدة للأطفال خاصة ولكل أفراد الأسرة عامة، وتحرص ربة البيت كذلك على استقبال العيد بتحضير الأكلات الخاصة بقدومه مثل (اللقيمات والبلاليط وغيرها) وكذلك بعض الحلوى، وتوضع أيضاً كميات من الفاكهة في المجلس استعداداً لاستقبال الضيوف، وبعد أداء صلاة العيد في الساحات المفتوحة يبدأ البعض في إطلاق نار في (الرزقة) وهي رقصة شعبية تعبر عن فرحة العيد عند أهل الإمارات في القرى، أما صلاة العيد في المدن فتكون في المصلى الخاص بالعيد، وبعد الصلاة يستعدون لتهنئة الأهل والأقارب بالعيد، ثم ينطلقون للحدائق والمتنزهات للابتهاج بالعي
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|