
29-03-2020, 04:40 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 167,845
الدولة :
|
|
تفسير الزركشي لآيات من سورة الزمر
تفسير الزركشي لآيات من سورة الزمر
د. جمال بن فرحان الريمي
﴿ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ﴾ [الزمر: 3].
قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ﴾ [الزمر: 3]، فإن ظاهره مشْكل؛ لأن الله سبحانه قد هدى كفارًا كثيرًا وماتوا مسلمين، وإنما المراد: لا يهدي من كان في علمه أنه قد حقت عليه كلمة العذاب، وبيانه بقوله تعالى في السورة: ﴿ أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ ﴾ [الزمر: 19] [1] وقوله في سورة أخرى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ ﴾ [يونس: 96، 97] [2]، وقوله سبحانه: ﴿ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ﴾ [الزمر: 3] أي يقولون: ما نعبدهم إلا للقُربة[3].
﴿ لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ﴾ [الزمر: 4] قوله تعالى: ﴿ لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ ﴾ [الزمر: 4]، أراد سبحانه ردّ قول الكفار: "اتخذ الله ولدا" بما يطابقه في اللفظ؛ ليكون أبلغ في الرد، لأنه لو حذفه فقال: "لو أراد الله لاصطفى" لم يظهر المعنى المراد؛ لأن الاصطفاء قد لا يكون بمعنى التبني، ولو قال: "لو أراد الله لاتخذ ولدا" لم يكن فيه ما في إظهاره من تعظيم جرم قائله[4].
﴿ إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ [الزمر: 7].
قال الشيخ عز الدين[5] في قوله: ﴿ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الزمر: 7] وفي أخرى، ﴿ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 60] [6]، إن أول ما تحاسب أمة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم الأمم بعدهم، فتحمل "الفاء" على أول المحاسبين، ويكون من باب نسبة الفعل إلى الجماعة إذا صدر عن بعضهم، كقوله تعالى:﴿ وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ﴾ [آل عمران: 181] [7]، ويحمل "ثم" على تمام الحساب.
فإن قيل: حساب الأولين متراخ عن البعث فكيف يحسن الفاء؟
قلنا: نص الفارسي في "الإيضاح"[8] على أن "ثم" أشد تراخيًا من "الفاء"، فدل على أن "الفاء" لها تراخ، وكذا ذكر غيره من المتقدمين ولم يدَّعِ أنها للتعقيب إلا المتأخرون[9].
﴿ وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ﴾ [الزمر: 8].
قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ ﴾ [الزمر: 8]، بلفظ "إذا" مع "الضر"، قال السكاكي: نظر في ذلك إلى لفظ المسّ، وتنكير "الضر" المفيد للتعليل؛ ليستقيم التوبيخ، وإلى الناس المستحقين أن يلحقهم كل ضرر، وللتنبيه على أن مسَّ قَدْرٍ يسير من الضر لأمثال هؤلاء، حقه أن يكون في حكم المقطوع به أ. هـ[10].
﴿ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 9].
قوله تعالى: ﴿ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ ﴾ [الزمر: 9]، فإنه أومأ إلى ما قبله: ﴿ وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ﴾ [الزمر: 8] [11]، كأنه قال: أهذا الذي هو هكذا خيرٌ أم من هو قانت؟ فأضمر المبتدأ[12].
وقد قيل في قوله تعالى: ﴿ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ ﴾ [الزمر: 9]، في قراءة تخفيف "من": إنّ الهمزة فيه للنداء، أي: يا صاحب هذه الصفات[13].
﴿ قُلْ يَاعِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10].
قوله تعالى: ﴿ فَبَشِّرْ عِبَادِ ﴾ [الزمر: 17] [14]، و ﴿ قُلْ يَاعِبَادِ ﴾ [الزمر: 10]حذفت الياء، فلإنه خطاب لرسوله عليه السلام على الخصوص، فقد توجه الخطاب إليه في فهمنا، وغاب العباد كلهم عن علم ذلك، فهم غائبون عن شهود هذا الخطاب لا يعلمونه إلا بوساطة الرسول[15].
﴿ قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي ﴾ [الزمر: 14].
قال رحمه الله: أعاد سبحانه قوله: ﴿ قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي ﴾ [الزمر: 14] بعد قوله: ﴿ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ﴾ [الزمر: 11] [16]، لا لتقرير الأول، بل لغرض آخر! لأن معنى الأول: الأمر بالإخبار أنه مأمور بالعبادة لله والإخلاص له فيها، ومعنى الثاني: أنه يخص الله وحده دون غيره بالعبادة والإخلاص، ولذلك قدم المفعول على فعل العبادة في الثاني، وأخّر في الأول؛ لأن الكلام أولاً في الفعل وثانيًا فيمن فعل لأجله الفعل[17].
﴿ أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ ﴾ [الزمر: 19].
قوله تعالى: ﴿ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ ﴾ [الزمر: 19]، أي: لست تنقذ من في النار[18].
﴿ أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [الزمر: 22].
قوله تعالى: ﴿ أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ﴾ [الزمر: 22]، فإنه لم يجئ له جواب في اللفظ، لكن أومأ إليه قوله: ﴿ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ [الزمر: 22]، وتقديره: ﴿ أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ﴾ [الزمر: 22] كمن قسا قلبه[19].
وقوله ﴿ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ [الزمر: 22]، أي: عن ذكر الله، وقيل أنّ "مِنْ" للابتداء[20].
﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴾ [الزمر: 23].
قال القاضي أبو المعالي عزيزي بن عبدالملكرحمه الله: وسمَّاه - أي القرآن - أحسن الحديث، فقال: ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ ﴾ [الزمر: 23]، وسمّاه متشابهًا، فقال ﴿ كِتَابًا مُتَشَابِهًا ﴾ [الزمر: 23]:[21].
قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾ [الأنفال: 2] [22]، وقال في آية أخرى: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ ﴾ [الرعد: 28] [23]، فإنه قد يستشكل اجتماعهما، لأن الوجل خلاف الطمأنينة، وهذا غفلة عن المراد؛ لأن الاطمئنان إنما يكون عن ثلج القلب وشرح الصدر بمعرفة التوحيد والعلم وما يتبع ذلك من الدرجة الرفيعة والثواب الجزيل، والوجل إنما يكون عند خوف الزيغ والذهاب عن الهدى، وما يستحق به الوعيد بتوجيل القلوب كذلك، وقد اجتمعا في قوله تعالى: ﴿ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ [الزمر: 23]، لأن هؤلاء قد سكنت نفوسهم إلى معتقدهم، ووثقوا به، فانتفى عنهم الشك والارتياب الذي يعرض إن كان كلامهم فيمن أظهر الإسلام تعوذًا، فجعل لهم حكمة دون العلم الموجب لثلج الصدور وانتفاء الشك، ونظائره كثيرة[24].
﴿ أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ ﴾ [الزمر: 24].
قوله تعالى: ﴿ أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ [الزمر: 24] ﮔ أي: كمن ينعم في الجنة؟[25]؟
﴿ قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴾ [الزمر: 28].
قال القاضي أبو المعالي عزيزي بن عبدالملكرحمه الله: وسماه - أي القرآن - عربيًا، فقال: ﴿ قُرْآنًا عَرَبِيًّا ﴾ [الزمر: 28]، قال ابن عباس: غير مخلوق[26].
﴿ وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [الزمر: 33].
قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ ﴾ [الزمر: 33]، يعني: محمدًا صلى الله عليه وسلم، ﴿ وَصَدَّقَ بِهِ ﴾ [الزمر: 33]، يعنى: أبا بكر رضي الله عنه، ودخل في الآية كل مُصدّق، ولذلك قال ﴿ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [الزمر: 33] [27].
قال القاضي أبو المعالي عزيزي بن عبدالملكرحمه الله: وسماه - أي القرآن - صدقًا، فقال: ﴿ وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ ﴾ [الزمر: 33]أي بالقرآن[28].
﴿ وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ ﴾ [الزمر: 37].
قال صاحب "الأقصى القريب"[29]: قد يكون استفهام الإنكار عن مستقبل، كقوله تعالى: ﴿ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ﴾ [المائدة: 50] [30]، وقوله تعالى: ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ ﴾ [الزمر: 37]، قال: أنكر أنّ حكم الجاهلية مما يُبغى لحقارته، وأنكر عليهم سلب العزة عن الله تعالى، وهو منكر في الماضي والحال والاستقبال.
وهذا الذي قاله مخالف لإجماع البيانيين، ولا دليل فيما ذكره، بل الاستفهام في الآيتين عن ماض ودخله الاستقبال، تغليبًا لعدم اختصاص المنكر بزمان، ولا يشهد له قوله تعالى: ﴿ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ﴾ [البقرة: 61] [31]؛ لأن الاستبدال - وهو طلب البدل - وقع ماضيًا، ولا: ﴿ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ ﴾ [غافر: 28] [32]، وإن كانت "أن" تخلّص المضارع للاستقبال؛ لأنه كلام ملموح به جانب المعنى.
وقد ذكر ابن جني في "التنبيه"[33] أن الإعراب قد يرد على خلاف ما عليه المعنى[34].
﴿ وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾ [الزمر: 45].
قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ﴾ [الزمر: 45] [35]، إلى قوله: ﴿ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الزمر: 49] [36] وقوله: ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [الزمر: 46] [37]، إلى قوله: ﴿ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ [الزمر: 48] [38]، اعتراض في أثناء الكلام، وهو قوله: ﴿ وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ ﴾ [الزمر: 45] [39]، وذلك لأن قوله: ﴿ فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ ﴾ [الزمر: 49] [40]، سبب عن قوله: ﴿ وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ ﴾ [الزمر: 45] [41] على معنى أنه يشمئزون من توحيد الله تعالى، ويستبشرون بالشرك الذي هو ذكر الآلهة، فإذا مسّ أحدهم ضرٌ أو أصابته شدة ٌتناقض في دعواه، فدعا من اشمأز من ذكره وانقبض من توحيده، ولجأ إليه دون الآلهة، فهو اعتراض بين السبب والمسبب، فقيّد القول بما فيه من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بأمره بذلك، وبقوله: ﴿ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ ﴾ [الزمر: 46] [42]، ثم عقبه من الوعيد العظيم أشدّ التأكيد وأعظمه وأبلغه، ولذلك كان اتصال قوله: ﴿ وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ ﴾ [الزمر: 8] [43]، للسبب الواقع فيها، وخلوّ الأول منه من الأمر اشتراك جملة مع جملة، ومناسبة أوجبت العطف بالواو الموضوعة لمطلق بالجمع، كقولهم: قام زيد وعمرو، وتسبيب السبب مع ما في ظاهر الآية من اشمئزازهم ليس يقتضى التجاءهم إلى الله تعالى، وإنما يقتضى إعراضَهم عنه من جهة أن سياق الآية يقتضى إثبات التناقض؛ وذلك أنك تقول: زيد يؤمن بالله تعالى، فإذا مسه الضر لجأ إليه فهذا سبب ظاهر مبنى على اطراد الأمر، وتقول: زيد كافر بالله، فإذا مسه ضر لجأ إليه، فتجيء بالفاء -هنا- كالأول لغرض التزام التناقض، أو العكس، حيث أنزل الكافر كفرَه منزلة الإيمان في فصل سبب الالتجاء؛ فأنت تلزمه العكس؛ بأنك إنما تقصد بهذا الكلام الإنكار والتعجب من فعله[44].
﴿ قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53].
قوله تعالى: ﴿ قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ﴾ [الزمر: 53]، مقام للترغيب، نجده تأليفًا لقلوب العباد وترغيبًا لهم في الإسلام، قيل: وكان سبب نزولها أنه أسلم عيّاش بن أبي ربيعة[45]، والوليد بن الوليد[46]، ونفرٌ معهما، ثم فُتِنوا وعذبوا فافتتنوا، قال - أي: ابن عمر-[47]: وكنا نقول: قوم لا يقبل الله منهم صرفًا ولا عدلاً أبدًا، "قوم أسلموا ثم تركوا دينهم بعذاب عذبوا به" فنزلت، فكتب بها عمر بن الخطاب[48] إليهم رضي الله عنه حين فهم قصد الترغيب فآمنوا وأسلموا وهاجروا[49].
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|