
27-03-2020, 05:22 AM
|
 |
قلم ذهبي مميز
|
|
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 166,390
الدولة :
|
|
من سيرة الإمام ابن تيمية
من سيرة الإمام ابن تيمية
الشيخ صلاح نجيب الدق
الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض، وله الحمد في الآخرة، وهو الحكيم الخبير، والصلاة والسلام على نبينا محمد الذي أرسله ربُّه هاديًا ومُبشِّرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسِراجًا منيرًا، أما بعد:
فإن الإمام أحمد بن تيمية من علماء الإسلام المشهورين بالعلم والعمل، كان ابن تيمية معروفًا بالتوسُّط والاعتدال في أمور الشريعة الإسلامية، وكان رحمه الله تعالى يحثُّ تلاميذَه على اتِّباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور، وكان رحمه الله حريصًا على اجتماع كلمة المسلمين، وكان ابن تيمية متواضِعًا وسمحًا مع مُخالفيه؛ من أجل ذلك أحببتُ أن أُذكِّر نفسي وطلابَ العلم الكرامَ بشيءٍ من سيرته المباركة، فأقول وبالله تعالى التوفيق:
الاسم: أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام بن عبدالله بن أبي القاسم بن محمد بن تيمية.
وكنيته: أبو العباس؛ (العقود الدرية، لابن عبد الهادي صـ:24).
لقب تيمية: قال الإمام الذهبي رحمه الله: حج جدُّ ابن تيمية، وله امرأة حامل، فلمَّا كان بتيماء - مدينة بين المدينة وتبوك - رأى طفلةً قد خرجت من خباء، فلما رجع إلى حران، وجد امرأتَه قد ولدت بِنْتًا، فلمَّا رآها قال: يا تيمية! يا تيمية! (يعني: أنها تشبه الطفلة التي رآها بتيماء) فلُقِّبَ بذلك.
وقال ابن النجار رحمه الله: ذكر لنا أن جدَّه محمدًا، كانت أمُّه تُسمَّى تيمية، وكانت واعظةً، فنُسِب إليها، وعُرِف بها؛ (تاريخ الإسلام، للذهبي جـ13 صـ723).
ميلاد ابن تيمية:
كان مولد ابن تيمية يوم الاثنين، عاشر ربيع الأول بحران، سنة إحدى وستين وستمائة، وقدم مع والده وأهله إلى دمشق وهو صغير؛ (البداية والنهاية، لابن كثير جـ14 صـ:142).
صفات ابن تيمية الجسمية:
قال الذهبي رحمه الله: كان ابنُ تيمية أبيضَ، أسودَ الرأس واللحية، قليلَ الشيب، شعره إلى شحمة أُذُنَيهِ، كأنَّ عينيه لسانان ناطقان، متوسِّط القامة، بعيد ما بين المنكبين، جَهْوَري الصوت، فصيحًا، سريع القراءة، تعتريه حِدَّةٌ لكن يقهرها بالحِلْم؛ (الدرر الكامنة، لابن حجر العسقلاني، جـ1 صـ:176)، (البدر الطالع، الشوكاني، جـ1 صـ:64).
فائدة هامة: الإمام ابن تيمية لم يتزوَّج؛ لأنه كان مشغولًا بالعلم والجهاد، وليس زاهدًا في سُنَّةِ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
حرص ابن تيمية على طلب العلم:
(1) كان ابن تيمية منذ صغره مستغرق الأوقات في الجد والاجتهاد، وختم القرآن صغيرًا، ثم اشتغل بحفظ الحديث والفقه واللغة العربية، حتى برع في ذلك مع ملازمة مجالس الذِّكْر وسَماع الأحاديث والآثار، ولقد سمِعَ غير كتابٍ على غير شيخ من ذوي الرِّوايات الصحيحة العالية، أمَّا دواوين الإسلام الكبار؛ كمسند أحمد، وصحيح البخاري ومسلم، وجامع الترمذي، وسنن أبي داود السجستاني، والنسائي، وابن ماجه، والدارقطني، فإنه رحمه الله سمِعَ كُلَّ واحدٍ منها عدة مرات، وأول كتاب حَفِظَه في الحديث الجَمْعُ بين الصحيحين للإمام الحميدي، وقَلَّ كتابٌ من فنون العلم إلا وقف عليه؛ (الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية، للبزار، صـ:18-17).
(2) قال ابن كثير رحمه الله: قرأ ابن تيمية رحمه الله بنفسه الكثيرَ من الكتب، وطَلَبَ الحديثَ، ولازم السَّماعَ بنفسه مدة سنين، ثم اشتغل بالعلوم، وكان ذكيًّا، كثيرَ المحفوظ، فصار إمامًا في التفسير وما يتعلَّق به، عارفًا بالفقه واختلاف العلماء، والأصلين - القرآن والسنة - والنحو واللغة، وغير ذلك من العلوم النقليَّة والعقلية، وما تكلَّم معه فاضلٌ في فنٍّ من الفنون العلمية إلا ظَنَّ أن ذلك الفنَّ فنُّه، ورآه عارفًا به مُتْقِنًا له، وأما الحديث فكان حافِظًا له مَتْنًا وإسنادًا، مُميِّزًا بين صحيحه وسقيمه، عارفًا برجاله مُتضلِّعًا من ذلك، وله تصانيفُ كثيرةٌ، وتعاليقُ مفيدةٌ في الأصول والفروع؛ (البداية والنهاية، لابن كثير، جـ14 صـ:142).
إسلام يهودي على يد ابن تيمية وهو صغير:
كان ابن تيمية في حال صغره إذا أراد الذَّهاب إلى الكُتَّاب يعترِضُه رجلٌ يهوديٌّ، كان منزلُه بطريقه، وكان مع اليهودي مسائلُ يسألُه عنها؛ لما كان يظهر على ابن تيمية من الذكاء، وكان يُجيبُه عنها سريعًا حتى تعجَّبَ منه، ثم كلما اجتاز ابنُ تيمية باليهودي يُخبِرُه بأشياءَ ممَّا يدلُّ على بُطْلان ما عليه هذا الرجل اليهودي، فأسلم اليهوديُّ وحسُنَ إسلامُه، وكان ذلك ببركة الشيخ على صِغَرِ سِنِّهِ؛ (الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية، للبزار، صـ:17).
قوة حفظ ابن تيمية:
(1) قال جمال الدين السرمري: من عجائب ما وقع في الحفظ في أهل زماننا: شيخ الإسلام أبو العباس أحمد بن عبدالحليم بن تيمية، فإنه كان يمرُّ بالكتاب مرةً مطالعةً، فيُنقَش في ذهنه، وينقله في مصنَّفاته بلفظه ومعناه؛ (الرد الوافر، لابن ناصر الدين، صـ:133).
(2) قال جمال الدين السرمري أيضًا: من أعجب ما سمِعْتُه عن ابن تيمية ما حدَّثني به بعضُ أصحابه أنه لَمَّا كان صبيًّا في بداية أمره، أراد والدُه أن يخرج بأولاده يومًا إلى البُستان على سبيل التنزُّه، فقال له: يا أحمد، تخرُجُ مع إخوتك تستريح فاعتذِر، فألحَّ عليه والدُه فامتنع أشدَّ الامتناع، فقال: أشتهي أن تعفيني من الخروج، فتركه وخرج بإخوته، فظلُّوا يومهم في البستان، ورجعوا آخر النهار، فقال: يا أحمد، أوحشت إخوتك اليوم، وتكدَّر عليهم بسبب غيبتك عنهم، فما هذا؟ فقال: يا أبي، إنني اليوم حفظتُ هذا الكتاب، لكتابٍ معه، فقال أبوه: حفظته، كالمنكر المتعجِّب مِن قوله، فقال له: استعرضه عليَّ فاستعرضه، فإذا به قد حفظه جميعَه، فأخذه وقَبَّله بين عينيه، وقال: يا بني، لا تُخبِر أحدًا بما قد فعلْتَ، خوفًا عليه من العين؛ (الرد الوافر، لابن ناصر الدين، صـ:133).
(3) قال عمر بن علي البزار - تلميذ ابن تيمية -: اختصَّ الله ابن تيمية بسرعة الحفظ وإبطاء النسيان، لم يكن يقف على شيءٍ أو يستمع لشيءٍ غالبًا، إلا ويبقى على خاطره؛ إما بلفظه أو معناه؛ (الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية، للبزار، صـ:16).
(4) قال عمر بن علي البزار أيضًا: من أعجب الأشياء التي تدلُّ على قوة حفظ ابن تيمية رحمه الله - أنه في محنته الأولى بمصر صنَّف عدة كتب صغارًا وكبارًا، وذكر فيها ما احتاج إلى ذكره من الأحاديث والآثار وأقوال العلماء، وأسماء المحدثين والمؤلِّفين ومؤلَّفاتهم، وعزا كلَّ شيءٍ من ذلك إلى ناقليه وقائليه بأسمائهم، وذكر أسماء الكتب التي ذُكِر فيها، وأي موضع هو منها، كل ذلك بديهة من حفظه؛ لأنه لم يكن عنده حينئذٍ كتابٌ يُطالِعُه، واختبرت هذه الكتب، فلم يوجد فيها بحمد الله خللٌ ولا تغيُّر، ومن جملتها كتاب "الصارم المسلول على شاتم الرسول"، وهذا من الفضل الذي خصَّه الله تعالى به؛ (الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية، للبزار، صـ:22).
(5) قدِمَ أحد علماء حلب إلى دمشق، وقال: سمِعْتُ في البلاد بصبيٍّ يُقال له: أحمد بن تيمية، وأنه سريع الحفظ، وقد جئْتُ قاصدًا لَعَلِّي أراه، فقال له خياط: هذه طريق كُتَّابه، وهو إلى الآن ما جاء، فاقعُد عندنا الساعة يجيء، يعبُر علينا ذاهبًا إلى الكُتَّاب، فجلس الشيخ الحلبي قليلًا، فمرَّ صبيان، فقال الخياط للشيخ الحلبي: هذا الصبيُّ الذي معه اللَّوْح الكبير هو أحمد بن تيمية، فناداه الشيخ، فجاء إليه فتناول الشيخ اللَّوْحَ فنظر فيه، ثم قال: يا ولدي، امسح هذا حتى أُملِي عليك شيئًا تكتُبُه، ففعل فأملى عليه من متون الأحاديث أحد عشر أو ثلاثة عشر حديثًا، وقال له: اقرأ هذا، فلم يَزِدْ على أن تأمَّلَه مرةً بعد كتابته إيَّاه، ثم دفعه إليه، وقال: أسمعه عليَّ، فقرأه عليه حفظًا، فقال له: يا ولدي، امسح هذا ففعل، فأَمْلَى عليه عدة أسانيد انتخبها، ثم قال: اقرأ هذا فنظر فيه كما فعل أول مرة، فقام الشيخ وهو يقول: إن عاش هذا الصبيُّ ليكونَنَّ له شأنٌ عظيم، فإن هذا لم يُرَ مثله؛ (العقود الدرية، لابن عبدالهادي، صـ:20).
شيوخ ابن تيمية:
سمِعَ ابن تيمية الحديث من ابن عبدالدائم، وابن أبي اليسر، والشيخ شمس الدين الحنبلي، والقاضي شمس الدين بن عطاء الحنفي، والشيخ جمال الدين بن الصيرفي، ومجد الدين بن عساكر، والشيخ جمال الدين البغدادي، والنجيب بن المقداد، وابن أبي الخير، وابن علان، وابن أبي بكر الهروي، والكمال عبدالرحيم، والفخر علي، وابن شيبان، والشرف بن القواس، وخلق كثير؛ (البداية والنهاية، لابن كثير، جـ14 صـ:142).
قال محمد بن عبدالهادي: شيوخ ابن تيمية الذين سَمِعَ منهم أكثرُ من مائتي شيخ؛ (العقود الدرية، لابن عبدالهادي، صـ:19).
تلاميذ ابن تيمية: كان للإمام ابن تيمية الكثير من التلاميذ، ومن أشهرهم:
(1) محمد بن أحمد بن عبدالهادي.
(2) ابن قيم الجوزية.
(3) محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي.
(4) محمد بن مفلح الحنبلي
(5) ابن كثير.
(6) عمر بن علي البزار.
(7) أحمد بن حسن بن قدامة.
(8) محمد بن شاكر الكتبي.
(9) سليمان الصرصري.
(10) عمر بن مظفر بن الوردي.
(11) محمد بن سيد الناس
(12) يوسف بن عبدالرحمن القضاعي.
(13) محمد بن المنجا التنوخي.
(14) القاسم بن محمد البرزالي.
(15) صلاح الدين الصفدي، وغيرهم كثير؛ (معجم أصحاب ابن تيمية، وليد بدوي، صـ190:28).
منزلة ابن تيمية العلمية:
(1) تولَّى ابن تيمية مشيخة دار الحديث السُّكَّريَّة بالقصاعين، وكان عمره اثنتين وعشرين سنةً، وحضر عنده قاضي القضاة بهاء الدين بن الزكي الشافعي، والشيخ تاج الدين الفزاري شيخ الشافعية، والشيخ زين الدين بن المرحل، وزين الدين بن المنجا الحنبلي، وكان درسًا هائلًا حافلًا، وقد كتبه الشيخ تاج الدين الفزاري بخطِّه لكثرة فوائده، وكثرة ما استحسنه الحاضرون، وقد أطنب الحاضرون في شكره على حداثة سِنِّه وصِغَرِه؛ (البداية والنهاية، لابن كثير، جـ13 صـ:321).
(2) جلس ابن تيمية بالجامع الأموي بعد صلاة الجُمعة على منبر قد هُيِّئ له لتفسير القرآن العزيز، فابتدأ من أوَّله في تفسيره، وكان يجتمع عنده الخَلْقُ الكثير، من كثرة ما كان يُورِدُ من العلوم المتنوِّعة المحرَّرة مع الديانة والزهادة والعبادة، سارت بذِكْرِه الرُّكْبان في سائر الأقاليم والبلدان، واستمرَّ على ذلك مدة سنين متطاولة؛ (البداية والنهاية، لابن كثير، جـ13 صـ:321).
أقوال العلماء في ابن تيمية:
(1) قال محمد بن عبدالبر السبكي: والله ما يبغض ابن تيمية إلا جاهلٌ أو صاحبُ هوًى؛ فالجاهلُ لا يدري ما يقول، وصاحبُ الهوى يصُدُّه هواه عن الحقِّ بعد معرفته به؛ (الرد الوافر، ابن ناصر الدين، صـ:24).
(2) قال أبو الحجاج المزي: ما رأيتُ مثل ابن تيمية، ولا رأى هو مثل نفسه، وما رأيتُ أحدًا أعلمَ بكتاب الله وسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أتبع لهما منه؛ (الرد الوافر، ابن ناصر الدين، صـ:24).
(3) قال القاضي ابن دقيق العيد: لما اجتمعت بابن تيمية رأيت رجلًا كُلُّ العلوم بين عينيه، يأخُذ ما يريد ويَدَع؛ (تاريخ ابن الوردي، جـ 2 صـ: 278).
(4) قال القاضي ابن فضل الله العمري: كان ابن تيمية لا تأخُذه في الحقِّ لومةُ لائمٍ، وليس عنده مُداهنة، وكان مادِحُه وذامُّه في الحقِّ عنده سواء؛ (الشهادة الزكية، مرعي يوسف الكرمي، صـ33).
(5) قال محمد عبدالهادي: ابن تيمية: هو الشيخ الإمام الرباني، إمام الأئمة، ومُفْتي الأُمَّة، وبَحْر العلوم، سيد الحُفَّاظ، وفارس المعاني والألفاظ، فريد العصر، شيخ الإسلام، بركة الأنام، وعلَّامة الزمان، وتُرْجمان القرآن، عَلَم الزُّهَّاد، وأوْحَد العباد، قامع المبتدعين، وآخر المجتهدين، وصاحب التصانيف التي لم يُسبَقْ إلى مثلها؛ (العقود الدرية، محمد بن عبدالهادي، صـ:18).
(6) قال ابن رجب الحنبلي: كانت العلماء، والصلحاء، والجند، والأمراء، والتجار، وسائر العامة تحبُّ ابن تيمية؛ لأنه مُنتصِبٌ لنفعهم ليلًا ونهارًا بلسانه، وعلمه؛ (شذرات الذهب، لابن العماد الحنبلي، جـ 8 صـ 147).
(7) قال كمال الدين الزملكاني: كان ابن تيمية إذا سُئِلَ عن فنٍّ من العلم، ظَنَّ الرائي والسامع أنه لا يعرف غير ذلك الفن، وحكم بألَّا يعرفه أحدٌ مثله، وكانت الفقهاء من سائر الطوائف إذا جالسوه استفادوا في مذاهبهم منه أشياءَ، قال: ولا يُعرَف أنه ناظَرَ أحدًا فانقطع معه، ولا تكلَّم في علم من العلوم؛ سواء كان علوم الشرع أو غيرها إلا فاق فيه أهلَه، واجتمعت فيه شروطُ الاجتهاد على وجهها؛ (تاريخ ابن الوردي، جـ 2 صـ: 277).
(8) قال عمر بن الوردي: كانت لابن تيمية خِبْرةٌ تامَّةٌ بالرجال، وجَرْحِهم، وتعديلهم، وطبقاتهم، ومعرفةٌ بفنون الحديث، وبالعالي والنازل، والصحيح والسقيم، مع حفظه لمتونه الذي انفرد به، وهو عجيبٌ في استحضاره واستخراج الحجج منه، وإليه المنتهى في عزوه إلى الكتب الستة والمسند؛ بحيث تصدق عليه أن يُقال: "كُلُّ حديثٍ لا يعرفه ابُن تيمية، فليس بحديثٍ"، ولكن الإحاطة لله غير أنه يغترف فيه من بحرٍ، وغيرُه من الأئمة يغترفون من السواقي، وأما التفسير فسلم إليه، وله في استحضار الآيات للاستدلال قوةٌ عجيبةٌ، ولفَرْط إمامتِه في التفسير وعظمة اطِّلاعه بيَّن خطأ كثيرٍ من أقوال المفسِّرين، وكان يكتب في اليوم والليلة من التفسير أو من الفقه أو من الأصلين، أو من الرد على الفلاسفة والأوائل - نَحْوًا من أربعة كراريس، وما يبعد أن تصانيفه إلى الآن تبلغ خمسمائة مجلد؛ (تاريخ ابن الوردي، جـ 2 صـ: 278).
(9) قال الشيخ الحافظ فتح الدين أبو الفتح بن سيد الناس اليعمري: كان ابنُ تيمية ممَّن أدرك من العلوم حظًّا، وكاد يستوعب السُّنَنَ والآثارَ حِفْظًا، إن تكلَّمَ في التفسير فهو حامل رايته، أو أفتى في الفقه فهو مُدرِكٌ غايته، أو ذاكر بالحديث فهو صاحب علمه، وذو روايته، أو حاضر بالنِّحَل والملَل لم يُرَ أوسَع من نحلته في ذلك، ولا أرفع من درايته، برز في كل فنٍّ على أبناء جنسه، ولم تَرَ عَيْنُ مَنْ رآه مثلَه، ولا رأتْ عينُه مثل نفسه، كان يتكلَّم في التفسير، فيحضر مجلسَه الجمُّ الغفير؛ (العقود الدرية، محمد بن عبدالهادي، صـ 25).
(10) قال الإمام الذهبي: شيخنا الإمام تقي الدين بن تيمية شيخ الإسلام، فرْد الزمان، بحر العلوم، تقي الدين، قرأ القرآن والفقه، وناظَرَ واستدلَّ، وهو دون البلوغ، برع في العلم والتفسير، وأفتى ودرَّس وله نحو العشرين سنة، وصنَّف التصانيف، وصار من أكابر العلماء في حياة شيوخه، وله المصنَّفات الكِبار التي سارت بها الركبانُ، ولعَلَّ تصانيفَه في هذا الوقت تكون أربعة آلاف كرَّاس وأكثر، وفسَّرَ كتابَ الله تعالى مدةَ سنين من صدره في أيام الجمع، وكان يتوقَّد ذكاءً، وسماعاتُه من الحديث كثيرةٌ، وشيوخُه أكثرُ من مائتي شيخٍ، ومعرفتُه بالتفسير إليها المنتهى، وحِفْظُه للحديث ورجاله وصحَّته وسقمه فما يُلحَق فيه، وأما نقلُه للفقه ومذاهب الصحابة والتابعين فضلًا عن المذاهب الأربعة، فليس له فيه نظيرٌ، وأما معرفتُه بالملَلِ والنِّحَل والأصول والكلام، فلا أعلم له فيها نظيرًا، ويدري جملةً صالحةً من اللغة، وعربيتُه قويةٌ جدًّا، ومعرفتُه بالتاريخ والسير فعجب عجيب، وأما شجاعتُه وجهادُه وإقدامُه، فأمرٌ يتجاوز الوصْفَ، ويفوق النَّعْتَ، وهو أحد الأجواد الأسخياء الذين يُضْرَبُ بهم المثلُ، وفيه زُهْدٌ وقناعةٌ باليسير في المأكل والمشرب؛ (الشهادة الزكية، مرعي يوسف الكرمي، صـ:41).
مؤلفات ابن تيمية:
تبلغ مؤلفات ابن تيمية ما يقرُب من خمسمائة مجلد؛ (شذرات الذهب، لابن العماد الحنبلي، جـ 8 صـ147).
عبادة ابن تيمية:
(1) قال الإمام ابن القيم: حضرت شيخ الإسلام ابن تيمية مرةً صلَّى الفجر، ثم جلس يذكر الله تعالى إلى قريب من انتصاف النهار، ثم التفتَ إليَّ، وقال: هذه غدوتي، ولو لم أتغدَّ الغداء سقَطَتْ قوَّتي؛ (الوابل الصيب، لابن القيم، صـ 42).
(2) قال ابن تيمية: إنه ليقف خاطري في المسألة والشيء أو الحالة التي تُشْكِل عليَّ، فأستغفر الله تعالى ألف مرة أو أكثر أو أقل، حتى ينشرحَ الصَّدْرُ، وينحلَّ إشكالُ ما أَشْكَلَ، وأكون إذ ذاك في السوق أو المسجد، أو الدرب أو المدرسة، لا يمنعني ذلك من الذِّكْر والاستغفار إلى أن أنال مطلوبي؛ (العقود الدرية، محمد بن عبدالهادي، صـ 21).
(3) قال الإمام ابن القيم: قال لي شيخ الإسلام ابن تيمية: لا أترك الذكر إلا بنية إراحة نفسي؛ لأستعدَّ بتلك الراحة لذِكْرٍ آخَر؛ (الوابل الصيب، لابن القيم، صـ42).
(4) قال محمد بن عبدالهادي: ختم ابن تيمية القرآن مدة إقامته بسجن القلعة ثمانين أو إحدى وثمانين ختمة، انتهى في آخر ختمة إلى آخر سورة "اقتربت الساعة": ﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ﴾ [القمر: 54، 55]، كان ابن تيمية يقرأ كل يوم ثلاثة أجزاء، ويختم في عشرة أيام؛ (العقود الدرية، محمد بن عبدالهادي، صـ:384).
(5) قال عمر بن علي البزار: كان ابن تيمية قد قطع جُلَّ وقته في العبادة، حتى إنه لم يجعل لنفسه شاغلةً تشغله عن الله تعالى، وكان إذا ذهب الليل وحضر مع الناس، بدأ بصلاة الفجر، يأتي بسُنَّتِها قبل إتيانه إليهم، وكان إذا أحرم بالصلاة تكاد تتخلَّع القلوبُ لهيبة إتيانه بتكبيرة الإحرام، فإذا دخل في الصلاة ترتعد أعضاؤه، فإذا فرغ من الصلاة أثنى على الله عز وجل هو ومَنْ حضر بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وكان من عادته لا يُكلِّمه أحدٌ بغير ضرورة بعد صلاة الفجر، فلا يزال في الذِّكْر يسمع نفسه، وربما يسمع ذكره مَنْ إلى جانبه مع كونه في خلال ذلك يُكثِر من تقليب بَصَرِه نحو السماء، هكذا دأْبُه حتى ترتفع الشمس، ويزول وقت النهي عن الصلاة؛ (الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية، للبزار، صـ:36).
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟ فبكى رحمه الله ثم قال : أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.
|