|
ملتقى أعلام وشخصيات ملتقى يختص بعرض السير التاريخية للشخصيات الاسلامية والعربية والعالمية من مفكرين وأدباء وسياسيين بارزين |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() إسماعيل راجي الفاروقي.. رائد مشروع إسلامية المعرفة شيرين حسن : ولد إسماعيل الفاروقي في يافا بفلسطين في يناير: (1921) لأسرة فلسطينية، حصل على تعليمه الأولي بالمسجد، كما تلمس العلوم الشرعية على يدي والده الذي كان يعمل قاضيًا شرعيًا، ومع نكبة الاحتلال عام: (1948) هاجر إلى الولايات المتحدة الأميركية وسخر حياته للدرس والبحث العلمي. جمع الفاروقي في تكوينه العقلي بين بعدين رئيسين الأول: البعد الفلسفي حيث حصل على درجة البكالوريوس في الفلسفة عام 1941 من كلية الآداب والعلوم بالجامعة الأميركية ببيروت ثم حصل على ماجستير «الفلسفة» عام 1949 من جامعة إنديانا ثم درجة الماجستير في «الفلسفة» أيضًا من جامعة هارفارد عام 1951. أما رسالته للدكتوراه فكانت بعنوان «نظرية الخير، الجوانب الميتافيزيقية والقيم الإبستمولوجية للقيم» حيث حصل بها على درجة الدكتوراه عام 1952 من جامعة إنديانا. أما المكون الثاني لعقل الفاروقي فهو: البعد الشرعي والذي تمتد جذوره إلى نشأته العائلية (المسجد ووالده)، ثم أراد أن يكون هذا التكوين الشرعي على علم ودراسة، فاتجه إلى مصر للحصول على دراسات ما بعد الدكتوراه في الأزهر لمدة أربع سنوات (1954– 1958) حيث قام بدراسة العلوم الشرعية بطريقة مكثفة خلال هذه الفترة والتي ساهمت بشكل أساسي في تحديد رؤيته الفكرية التي جمعت بين ثلاثة مناهج أساسية استوعبها الفاروقي ورسم من خلالها تصوره الفكري الحضاري. هذه المناهج الثلاثة هي: المنهج الغربي، المنهج الفلسفي التحليلي التأملي، منهج الدراسات الشرعية الإسلامية، هذا بالإضافة إلى تمرسه في علم مقارنة الأديان ودراسته وتدريسه للعلوم اللاهوتية المسيحية. كل هذه العناصر شكلت ما يمكن أن نطلق عليه في لفظه ومعناه «العقل الفاروقي» الذي انشغل بالهم الإسلامي من خلال أفق يتسم بالرحابة والتأمل الصادق والإنجاز الإيجابي الملموس والبصيرة الحضارية. إسلامية المعرفة : ينطلق الفاروقي في تصوره لإسلامية المعرفة من إدراك حالة التأزم التي أصابت العقل المسلم، فجعلته عاجزا عن الابتكار والإبداع والتوليد للمعرفة، حيث نجد الأمة الإسلامية اليوم في مؤخرة ركب الأمم.. ولم يشهد هذا القرن أمة تعرضت لمثل ما تعرضت له الأمة الإسلامية من هزيمة وإذلال. لقد هزم المسلمين وقتلوا وسلبت منهم أوطانهم وثرواتهم، بل وأرواحهم وآمالهم. لقد خدعوا فاستعمروا واستغلوا. كل هذا حدث في كل دولة وكل ركن في العالم الإسلامي، ورغم أن المسلمين كانوا ضحايا الظلم والعدوان في كل ناحية، فقد ساهمت كل الأمم في تشويه صورتهم وتلطيخ سمعتهم، ولا يعرفون عن العالم الإسلامي إلا ما فيه من صراعات وانقسامات واضطرابات وتناقضات وحروب تهدد السلام العالمي، وإلا ما فيه من ثراء فاحش وفقر مدقع، ومجاعات وأمراض وبائية، إن «العالم الإسلامي» في نظر الناس اليوم هو «الرجل المريض» (المنتظر موته)، ويريد الأعداء أن يجعلوا العالم يقتنع بأن «دين الإسلام» يقف وراء كل هذه الشرور.. والأمر الذي يجعل هذه الهزيمة وهذا الإذلال والتشويه أمورا لا تطاق أبدًا أن تعداد هذه الأمة يفوق المليار، وأنها أوسع رقعة من الأرض المتصلة وأغناها، وأن إمكاناتها من الموارد البشرية والمادية والاستراتيجية أعظم من غيرها، وأن عقيدتها «الإسلام» دين متكامل وصالح، وإيجابي وواقعي، وفي إطار محاولة بعث وتأسيس النظام المعرفي الإسلامي من جديد بغرض تفعيله ليكون أكثر تعبيرا وانسجاما مع حاجات الإنسان المعاصر في ظل الثورات المعرفية التي هزت كيان الإنسان وأفقدته القدرة على التعاطي السليم مع مشكلات الواقع الراهن ومعالجتها من منظور النسق المعرفي الصحيح.. من هنا جاءت محاولته الرامية إلى ربط منظومة المعرفة بمنظومة الاعتقاد ومنظومة القيم، بحيث يكون فيها التوحيد ناظما معرفيا وضابطا منهجيا ونموذجا نقيس إليه تصوراتنا وأفكارنا ومفاهيمنا وسلوكاتنا وممارساتنا. فعلة الأمة الإسلامية تكمن في اعتلال الفكر ومنهجيته وما يترتب على ذلك من اعتلال نظام التعليم السائد فيها مما يشكل تربة خصبة للداء، فالفاروقي يحلل هذه الأزمة بالرجوع إلى حالة التعليم في العالم الإسلامي في الظرف الراهن، ليقف على حقيقة مرة تتمثل في افتقار أصحابها إلى الرؤية الصحيحة الواضحة، رؤية كلية للإنسان والكون والحياة رؤية تنبع من العقيدة في الأساس، ولن تجد الأمة حلا لأزمتها إلا بإيجاد حلول لأزمة الفكر والمعرفة الإسلامية عن طريق إيجاد حل لمشكلة التعليم، بمعنى إعادة تشكيل نظامها التعليمي من جديد، وذلك من خلال دمج نظامي التعليم: نظام التعليم الديني مع نظام التعليم العام، ثم غرس الرؤية الإسلامية، وفرض دراسة الحضارة الإسلامية مع إسلامية المعرفة الحديثة حتى تعاد صياغة الحياة بحيث تتجسد فيها السنن الإلهية وقيم الإسلام في بناء الثقافة والحضارة. ولن يتحقق ذلك إلا إذا اتبعنا منهجية نتجاوز فيها المنهجية التقليدية، فنتجاوز وهم تعارض الوحي مع العقل، ونربط الفكر بالعمل ونقضي على الازدواجية الثقافية والدينية ونزيل الفصام النكد بين المثال والواقع، بين القيادة الفكرية والأيديولوجية وبين القيادات السياسية والاجتماعية. تصور «الفاروقي» لأزمتنا الحضارية يقسم الفاروقي الأزمة الحضارية إلى جانبين، الأول: عَرَض هذه الأزمة أوالمرض – كما يسميه – وهو على ثلاثة أصعدة: الأول: الصعيد السياسي والذي لعب فيه الاستعمار دورًا أساسيًا من خلال تفتيت «الأمة» إلى دول وحدود وتقسيمات كانت أساسًا في الخلافات الدائمة بين هذه الدول. ثم ماخلقه «الاستعمار» من إدارات وحكومات تابعة له، وتكريس «التبعية السياسية» للاستعمار. ثم خلقه – كيانًا معاديًا للأمة في وجوده الفكري والأيديولوجي وهو الكيان الصهيوني. والثاني: على الصعيد الاقتصادي، فإن الأمة الإسلامية متخلفة اقتصاديا لا تستطيع أن تحصل متطلبات الحياة الأساسية بل تقوم باستيرادها. كما كان هناك – أيضًا – تفريغً لقدرات الأمة الزراعية والصناعية. والثالث: الصعيد الثقافي والديني، وقد رآه الفاروقي متمثلًا في: انتشار الأمية والجهل والخرافة في الأمة الإسلامية، ثم فرض عملية «التغريب» فرضًا والذي أدى إلى تعريض الثقافة الإسلامية للخطر. وضع الفاروقي يده على ما اعتبره مكمن الداء للأزمة (المرض) التي تعانيها «الأمة» الإسلامية حيث جاء تشخيصه كالتالي: «...إن مركز الداء ومنبعه في هذه الأمة إنما هو النظام التعليمي السائد. إنه التربة الخصبة لتربية العلل. في المدارس والجامعات تولد وتؤيد عملية تغريب النفس عن الإسلام». لقد كان «تغريب» العقل المسلم وتحوله إلى صورة «ممسوخة للغرب» والانفصال عن منهج الإسلام المعرفي والثقافي دافعًا للفاروقي لمشروعه الفكري والحضاري. حيث رأى أن التعليم في العالم الإسلامي في أسوأ حالاته من عدة وجوه، أبرزها «التغريب» الذي أوجد بدوره إشكالية الازدواجية الثقافية والمعرفية التي يعاني منها العقل المسلم والمتمثلة في شكل التعليم الديني (والذي يمثله النموذج التقليدي للدراسات الإسلامية متمثلة في الأزهر) والتعليم المدني والذي جاء تحت مظلة «التقدم والحداثة» ويتمثل في شكل «الجامعة». وقد أدى هذا- كما يقول الفاروقي- إلى «انعدام الرؤية» في العقل الإسلامي وإنتاج شخصية مهزوزة. ولهذا فإن المسلمين خلال قرنين من النظام التربوي التعليمي العلماني لم ينتجوا شيئًا يوازي في الإبداع ما في الغرب: مدرسة كلية أوجامعة، أو جيلًا من العلماء المتميزين. فإسلامية المعرفة تأخذ في الاعتبار عددا من المبادئ الأساسية التي تكون جوهر الإسلام وهي: وحدانية الله، وحدة الحقيقة، وحدة المعرفة، وحدة الحياة، وحدة الإنسانية، تكامل الوحي والعقل، الشمولية في المنهج والوسائل. حتى تقضي على الخلل الواقع في مجالين: مجال الفكر الغربي المتأزم العاجز عن تجاوز مآزقه، وخلل في مجال تعاملنا مع التراث الإسلامي، ولإيجاد حل لهذه الازدواجية المرضية، يقترح الفاروقي ما يسمى بإسلامية المعرفة، فتأخذ هذه الإسلامية وجهين: وجه داخلي ينصب على دراسة تراثنا وديننا، ووجه خارجي ينصب على استيعاب ونقد الفكر الغربي. وإعادة إحياء النظام المعرفي الإسلامي، وبنائه من جديد وفق منهجية معرفية تتوافق ومعطيات العصر والعلم والمعرفة والواقع فتجدد مفهومه، وطبيعته وخصائصه وأسسه ومجالاته، ويكون بالمراجعة النقدية للأسس المعرفية للفكر الغربي والإسهام في تطوير منهجية عملية بديلة قائمة على المنظور التوحيدي كمركز تنتظم حوله كل المعارف والعلوم. إقامة نظام معرفي شامل ومتكامل يؤلف بين معرفة الخالق ومعرفة: ما خلق؟ ومن خلق؟ وكيف خلق؟ والحديث عن العلاقات البينية بين العلوم، والعلم بالخلل، الموجود في المنظومة المعرفية الغربية، الذي يكشف عن مواطن القصور في نظامها المعرفي وفي الآن ذاته يكشف عن نقاط الضعف في التراث الإسلامي. وهو ما يستوجب عملية النقد الداخلي للتراث والنقد الخارجي للمعارف الإنسانية. إسلامية المعرفة إذن تأخذ منحيين أساسيين: أحدهما يتجه إلى التجديد الداخلي من داخل البنية المعرفية الإسلامية والآخر يتجه إلى بناء منهجية تعامل قويم مع أفكار وحضارات وتجارب الأفراد والمجتمعات الواقعة خارج دائرة النسق المعرفي الإسلامي وحضارته. وهو ما يبعدها عن مزالق الأيديولوجيا باعتبارها نسقا معرفيا مغلقا. بدأ الفاروقي حركته الإصلاحية في جانبها العملي بتأسيس «جمعية علماء الاجتماعيات المسلمين» بالولايات المتحدة الأميركية هو ومجموعة من المتحمسين لحمل الهم الإسلامي في الميدان الفكري وتولى رئاسة الجمعية في الفترة من 1972 إلى 1978، قبل أن يسهم مع نخبة إسلامية علمية في الإعداد للمؤتمر الدولي الأول للتربية الإسلامية في مكة المكرمة في مارس عام 1977، وقدم في هذا المؤتمر الذي كان بمثابة الخطوة الأولى الملموسة لمشروع «إسلامية المعرفة» بحثًا بعنوان «إعادة صياغة العلوم الاجتماعية في ضوء الإسلام» والذي نقد فيه الأسس الفلسفية للنموذج المعرفي الغربي، ودعا من ناحية أخرى إلى ضرورة فتح باب النقاش والدرس لإعادة صياغة العلوم الاجتماعية بمنظور إسلامي. ثم كانت ندوة لوجانو «بـسويسرا» في يوليو 1977 والتي خرجت بتوصية إنشاء مؤسسة عالمية تتولى تنسيق الجهود الفكرية الإسلامية لتحقيق الإصلاح الفكري المنشود، والذي تمخض عن إنشاء «المعهد العالمي للفكر الإسلامي» بالولايات المتحدة الأميركية وهو مؤسسة فكرية، ثقافية، مستقلة، تهدف إلى خدمة الفكر والثقافة الإسلامية. تبنى «المعهد العالمي للفكر الإسلامي» مشروع إسلامية المعرفة. وحدد أهدافه في هذا الإطار فيما يلي: أ- توعية الأمة بالأزمة الفكرية والثقافية. ب- تحديد معالم العلاقة بين قصور مناهج الفكر الإسلامي من ناحية، وبين غياب الأمة ومؤسساتها ونظمها، وتخلفها العلمي والثقافي والحضاري من ناحية أخرى. ج- تفهم طبيعة أزمة الفكر الإسلامي المعاصر وأسبابها والسبل المؤدية إلى معالجتها، والوسائل المطلوبة لمواجهتها والتغلب عليها وعلى آثارها. د- العمل على تجديد فكر الأمة، وتحديث طاقاته، وتطوير مناهجه، وبلورة منطلقاته، وربطه بالمقاصد والغايات والكليات الإسلامية الأصيلة النابعة من الكتاب والسنة. هـ- العمل على تأصيل شمولية المنهج الإسلامي في ميدان الدراسات الإنسانية، وتأصيل الدراسات العلمية الإسلامية في ميدان الواقع الحياتي، والفطرة الإنسانية والاجتماعية. و- البدء بأعمال تُمَكّن الفكر الإسلامي والثقافة الإسلامية المعاصرة من استيعاب الأصول الإسلامية والتراث الإسلامي مع العلوم والمعارف الحديثة وتيسيرها للدارسين المسلمين والعلماء والباحثين. ز- العمل على تقديم الأبحاث والدراسات والكتب المنهجية المؤدية إلى بلورة المفاهيم والمنطلقات الإسلامية الأصيلة. وإرساء أسس العلوم الاجتماعية والإنسانية الإسلامية التي تسهم في بناء الثقافة الإسلامية المنشودة. ح- إعداد الكوادر البشرية العلمية اللازمة لريادة مجالات «إسلامية المعرفة» وبناء النسق الثقافي الإسلامي للأمة على أسس سليمة وذلك من خلال برامج القروض والمنح الدراسية، والإشراف العلمي، والبرامج الدراسية الإسلامية في مجالات العلوم الاجتماعية والإنسانية المعاصرة كافة. ولقد كان تغريب العقل المسلم ومسخه دافعًا للفاروقي في بناء مشروعه الفكري والحضاري. رحم الله الدكتور إسماعيل راجي الفاروقي فقد كان رائد مشروع إسلامية المعرفة.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |