|
ملتقى القرآن الكريم والتفسير قسم يختص في تفسير وإعجاز القرآن الكريم وعلومه , بالإضافة الى قسم خاص لتحفيظ القرآن الكريم |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() ﴿ قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ﴾ د. أحمد خضر حسنين الحسن قال الله تعالى: ﴿ قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ﴾ [الأنعام: 19]. أولًا: سبب نزولها: روى بعض المفسرين أن أهل مكة قالوا: يا محمد، أرنا من يشهد أنك رسول الله، فإنا لا نرى أحدًا نصدقه، ولقد سألنا عنك اليهود والنصارى، فزعموا أنه ليس لك عندهم ذكر، فأنزل الله تعالى: ﴿ قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ﴾. ثانيًا: تضمنت الآية حسب سبب النزول مطالبة المشركين للنبي صلى الله عليه وسلم بأن يأتيهم بمَنْ يشهد له على أنه رسول من عند الله حقًّا، فلقَّنه الله الجواب وقال له: ﴿ قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ﴾... إلخ، وإليك بيانها وبيان ما فيها من دفاع عنه صلى الله عليه وسلم: 1- أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم في بيان رائع حكيم، أن يسأل المشركين عن أي شيء في هذا الكون أعظم وأزكى شهادةً؛ بحيث تقبل شهادته ولا ترد، فقال تعالى: ﴿ قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ﴾؛ أي: قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يخاصمونك فيما تدعو إليه: أي شيء في هذا الوجود شهادته أكبر شهادة وأعظمها؛ بحيث تقبلونها عن تسليم وإذعان؟ ثم أمره أن يجيبهم على هذا السؤال بالحقيقة التي لا يماري فيها عاقلٌ وهي أن شهادة الله هي أكبر شهادة وأقواها وأزكاها؛ لأنها شهادة من يستحيل عليه الكذب أو الخطأ، وقد شهد سبحانه: بصدقي فيما أبلغه عنه، فلماذا تعرضون عن دعوتي، وتتنكبون الطريق المستقيم؟ 2- صدرت الآية الكريمة بقل وبصيغة الاستفهام تنبيهًا إلى جلال الشاهد، وإلى سلامة دعوى النبي صلى الله عليه وسلم؛ لكي يدركوا ما فيها من حق، وما هم فيه من ضلال، وأوثرت كلمة «شيء» في قوله تعالى: ﴿ قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً ﴾؛ لأنها تفيد الشمول والإحاطة والاستقصاء. 3- قال السيد رشيد رضا رحمه الله تعالى:وشهادته عز وجل برسالة رسوله ثلاثة أنواع: النوع الأول: إخباره بها في كتابه: بمثل قوله: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ﴾ [الفتح: 29]، ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا ﴾ [الأعراف: 158]، ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ﴾ [سبأ: 28]، ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 107]، فهذه شهادات وردت بغير لفظ الشهادة، وهو غير شرط في صحتها خلافا لبعض الفقهاء، ولا يقتضي التلفظ به حقيقتها، فقد حكى الله عن إخوة يوسف أنهم قالوا: ﴿ يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا ﴾ [يوسف: 81]، وهم لم يقولوا: نشهد أن ابنك سرق، وقد سموا قولهم شهادة؛ لأنه عن علم بما ثبت عليه عند عزيز مصر، وإن كان ذلك الإثبات مصنوعًا. النوع الثاني: من شهادة الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: تأييده بالآيات - المعجزات - الكثيرة وأعظمها القرآن، وهو الآية العلمية العقلية الدائمة بما ثبت بالفعل من عجز البشر عن الإتيان بسورة من مثله، وبما اشتمل عليه من الآيات الكثيرة؛ كأخبار الغيب ووعد الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بنصره تعالى لهم، وإظهارهم على أعدائهم، وغير ذلك مما ثبت بالفعل عند أهل عصره ونقل إلينا بالتواتر. ومنها - من شهادة الله تعالى له - غير القرآن، من الآيات الحسية والأخبار النبوية بالغيب التي ظهر بعضها في زمنه وبعضها بعد زمنه عليه أفضل الصلاة والسلام، كقوله في سبطه الحسن وهو طفل: "ابني هذا سيد، ولعل الله يصلح به بين فئتين من المسلمين"، وقوله في عمار بن ياسر: "تَقتله الفئة الباغية"، وقوله: "صِنفان من أهل النار لم أرهما بعدُ، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، رؤوسهن كأسنمة البخت"؛ الحديث، وكلها صحيحة. النوع الثالث: من شهادته لرسوله صلى الله عليه وسلم: شهادة كتبه تعالى السابقة له وبشارة الرسل الأولين به، ولا تزال هذه الشهادات والبشائر ظاهرة فيما بقي عند اليهود والنصارى من تلك الكتب وتواريخ أولئك الرسل عليهم السلام على ما طرأ عليها من التحريف، وقد تقدم بيان ذلك في تفسير السورة السابقة، ولا سيما المائدة، ولا تنس هنا أخذه تعالى العهد على الرسل وقوله لهم: ﴿ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ﴾ [آل عمران: 81]. وأما شهادته تعالى لما جاء به رسوله من التوحيد والبعث، وهو ما كانوا ينكرونه دون الآداب والفضائل والأحكام العملية، فهو ثلاثة أنواع: أحدها: شهادة كتابه معجزة الخلق بذلك: كقوله: ﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [آل عمران: 18]، وقوله: ﴿ زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [التغابن: 7]. ثانيها: ما أقامه من الآيات البينات في الأنفس والآفاق: على توحيده واتصافه بصفات الكمال، وفي بيان ذلك من هذه السورة ما ليس في غيرها. ثالثها: ما أودعه جل شأنه في الفطرة البشرية من الإيمان الفطري بالألوهية وبقاء النفس، وما هدى إليه العقول السليمة من تأييد هذا الشعور الفطري بالدلائل والبراهين، ولعلنا نشرح معنى الإيمان الفطري الذي بيَّناه من قبل بيانًا موجزًا في تفسير آية العهد الإلهي الذي أخذه على بني آدم، وهي قوله تعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ﴾ [الأعراف: 172]. عُلِمَ مما بيَّناه أن شهادته تعالى هي شهادة آياته في القرآن وآياته في الأكوان، وآياته في العقل والوِجدان اللذين أودعهما في نفس الإنسان، وهذه الآيات قد بيَّنها القرآن وأرشد إليها، فهو الدعوى والبينة، والشاهد المشهود له، وكفى به ظهورًا بالحق وإظهارًا له أنه لا يحتاج إلى شهادة غيره له، على أن الشهود والأدلة على حقيقته كثيرة، وجملة: ﴿ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ ﴾ [الأنعام: 19]، معطوفة على جملة ﴿ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ﴾ [الأنعام: 19]، مصدرة بالفعل المبني للمفعول. والمراد بشهادة الله ما جاء في آياته القرآنية من أنه سبحانه قد أرسل رسوله محمدا بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ. 4- بيَّن سبحانه أن القرآن هو المعجزة الخالدة للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ﴿ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ﴾ [الأنعام: 19]؛ أي: إن الله تعالى قد أنزل هذا القرآن عن طريق وحيه الصادق، لأنذركم به يا أهل مكة، ولأنذر به أيضًا جميع من بلغه هذا الكتاب الكريم، ووصلت إليه دعوته من العرب والعجم في كل زمان ومكان إلى يوم القيامة. وأيضًا:قوله تعالى: ﴿ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ﴾ [الأنعام: 19]، نص على عموم بعثة خاتم الرسل عليه أفضل الصلاة والسلام؛ أي: لأُنذركم به يا أهل مكة، أو يا معشر قريش أو العرب، وجميع من بلغه، ووصلت إليه دعوته من العرب والعجم في كل مكان وزمان إلى يوم القيامة. 5- ثم أمره سبحانه أن يستنكر ما عليه المشركون من كفر وإلحاد، وأن يعلن براءته منهم ومن معبوداتهم، فقال تعالى: ﴿ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ﴾ [الأنعام: 19]؛ أي: قل يا محمد لهؤلاء المشركين: إذا كنتم قد ألغيتم عقولكم، وترديتم في مهاوي الشرك والضلال، وشهدتم بأن مع الله آلهة أخرى، فإني بريء منكم ومن أعمالكم القبيحة، ومحال أن أشهد بما شهدتم به، وإنما الذي أشهد به وأعتقده أن الله تعالى واحد لا شريك له، وإنني بعيد كل البعد عن ضلالكم وجحودكم. والاستفهام في قوله: ﴿ أَئِنَّكُمْ ﴾ إنكاري، جيء به لاستقباح ما وقع منهم من شرك، وأكد قوله: ﴿ لَتَشْهَدُونَ ﴾ للإشارة إلى تغلغل الضلال في نفوسهم، واستيلاء الجحود على قلوبهم. 6- وفي أمره سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم بأن يُصارحهم بأنه لا يشهد بشهادتهم: ﴿ قل لا أشهد ﴾: توبيخ لهم على جهالتهم، وتوجيه لأتباعه إلى الاقتداء به في شجاعته أمام الباطل، وفي ثباته على مبدئه. وقد تضمن قوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ ﴾: الإثبات الكامل لوحدانية الله، وقصرها عليه سبحانه، وفيه تصريح بالبراءة التامة من الأوثان وعابديها، وتنديد شديد بهذا العمل الباطل. وبذلك تكون الآية الكريمة قد تضمَّنت شهادة من الله تعالى بأن رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم صادق في رسالته، وشهادة من هذا الرسول الكريم بأن الله واحدٌ لا شريك له، وأنه بريءٌ من إلحاد الملحدين وكفر الكافرين.
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |