|
ملتقى أعلام وشخصيات ملتقى يختص بعرض السير التاريخية للشخصيات الاسلامية والعربية والعالمية من مفكرين وأدباء وسياسيين بارزين |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() عبدالله كويليام يواجه بريطانيا عبدالله مومن عندما يجدُ الإنسانُ نفسَه بعد فقدٍ طويل ويعرف مَن هو، آنئذٍ - وآنئذٍ فقط! - يشقُّ طريق المجاهدة، ويبدأ السيرَ في حالةٍ مِن التجرد ونكران للذاتِ؛ لأنه أحسَّ بعمقِ الفَقْد وبعمق مَن فقَدَ، وكيف له أن يتوقَّف عن السير بعدما مدَّ بصره وشاهد حديقةً غنَّاء بعينِ قلبه، وهو لا يزال في صحراءَ مُقفِرة، يلفحها لهيبُ الشمس؟! وكيف للتائهِ أن يتوقَّف بعدما عرَف، وأصبح من العارفين، ووجد؟! بل يبدأ السيرَ ولسانُ حاله يقول: ﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ﴾ [الفرقان: 63]، لا يُهِمُّه نكرانُ المُنكِرين، ولا استدراك المُستدرِكين، ولا سفسطة المتفلسِفين، وهل يضرُّ السماءَ نبحُ الكلابِ؟ عندما التقيتُ عبدالله كويليام رجلَ الإسلام الأوَّلَ في بريطانيا: ذات صباح مِن أيام تشرين الثاني من سنة 2016، كان الجوُّ باردًا، رغم انتشار أشعة الشمس - التي بمجرَّد مشاهدتِها تُشعِرك ببعض الدفء والاطمئنان النَّفسيَّينِ - أخذتُ أتصفَّح الشبكة العنكبوتية لملء بعضِ الفراغ الذي أصابني ذلك الصباحَ، فإذ بعيني تقعُ على وثائقيٍّ في قناة الـ (بي بي سي) البريطانية، يتحدَّث عن المسلمين المهتدين الأوائل في بريطانيا. فإذا بي أتعرَّف على رجلٍ قلما يجودُ الزمان بمثلِه، وعندما يجود الزمان بمثله فاعلَمْ أن زمان الرجال لم ينتهِ! إنه "ويليام هنري كويليام". ولمثل هذا الرجل فليُدوِّنِ التاريخُ، ولمثلِه علينا أن نُكرِّسَ الكثير مِن الوقت حتى نستبصرَ كُنْهَ تلك النفوس الكبيرة والأرواح التي جُبِلَت على التحدِّي والانتصار للمبادئ، مهما كانت المخاطر، ومهما بلغت التحديات. من هو عبدالله كويليام؟ بالرغم مِن أن القليل فقط يعرف اسمَه، فإنه أحدث ثورةً دينية في أواخر القرن التاسعَ عشرَ، ومع بداية القرن العشرين هزَّت عمق المجتمع البريطاني. هذا الشخص الذي كان مِن الطبقة الأرستقراطية، اتخذ قرارًا أغضب المجتمع الفيكتوريَّ، ألا وهو اعتناقه لدين الإسلام! ولد وليام هنري كويليام سنة 1856م، درَس المحاماة، وكانت تربيته الدينية مثلَ معظمِ الطبقة الأرستقراطية للمجتمع الفيكتوري. بريطانيا في عهد فيكتوريا كانت بالدرجةِ الأولى مجتمعًا نصرانيًّا، لهذا رأى وليام أن أي فساد أخلاقيٍّ كان المجتمعُ النصراني هو السببَ في بقائه. عملُ كوليام مُحاميًا بين الفقراء أحدَثَ فيه أثرًا بليغًا. ذات مرة كان المرضُ متفشيًا، وكانت نسبةُ الوَفَيَات مرتفعةً، وكانت المدينة تَعِجُّ بدُور الدَّعارة، وكان كويليام مُسْتاءً لفشلِ الكنيسة في التعامل مع تلك المشاكل، وهذا ما دفعه إلى إعادة النظر في معتقداته الطفولية. سافر كويليام إلى المغرب الأقصى سنة 1887م، الذي ربما كان له وقعٌ كبير في حياته الدينية، لقد تعجَّب مِن البَوْن الشاسع بين طريقة عيش المسلمين وحياة النصارى في بريطانيا، فأحسَّ أن الناس يعيشون حياةً بسيطة، يعيشون في نظرِه حياةً معنوية عاليةً، في مجتمع يسُوده التآزر، لا يكترثون لكونهم أغنياءَ أو فقراء، وهو الشيء الذي كان بارزًا بالنسبة له. عاد كويليام إلى ليفربول، وبعد سنةٍ واحدة فقط ترك معتقدات النصرانية واعتنق الإسلام، القرار الذي أحدث جدلًا واسعًا. كان يُنظَر للإسلام في القرن 19م على أنه بِدعةٌ للنصرانية، وكانت هناك أفكارٌ رائجة على أن الإسلام مُعتقَدُ عنفٍ؛ لهذا بدا مِن غير المألوف لشخصٍ مثل كويليام ذي الخَلْفية الأرستقراطية أن يعتنق الإسلام في ذلك الوقت بالتحديد! مسجدُ عبدالله كويليام: بعد سنتين فتَحَ كويليام مسجدَه، لكن هذا الولاء العلني للإسلام صنَّفه في دائرة التواطؤ مِن طرفِ كلٍّ مِن الطوائف النصرانية وسكان ليفربول؛ لهذا واجه الكثيرَ مِن العَدَاء العلني بمفرده؛ لقد تم إلقاء الخنازير في المسجد، وكان حشدٌ مِن الغوغاء يجتمع خارج المسجد من أجل السُّخرية منه وإزعاجه. وأبى إلا أن يُغيِّر الأفكار المُسبقة عن الإسلام، في وقتٍ ينظُرُ إليه المجتمع البريطانيُّ على أنه دينٌ غريب، وعلى أنه مصدرُ تهديدٍ - تقريبًا كما هو الحال الآن - وجعل مِن نفسه منافحًا عن الإسلام. المسجدُ الذي أسَّسه عبدالله كويليام لم يكن أول مسجد في بريطانيا فحَسْب، بل كان معهدًا عُرِف باسم معهد مسلمي ليفربول. وخلافًا للتقاليد فإن كويليام لم يُؤسِّس هذا البناء فقط كمسجد، وإنما كمؤسسة مسلمة مزدهرة، لها مطبعة جرائد خاصة، بالإضافة إلى دُور أيتام، هذا الأخير كان مركزًا للإسلام، أو بالأحرى مركزًا للدعوة للإسلام، ليس فقط في ليفربول؛ وإنما في بريطانيا ككلٍّ. يعتقد بعض المسلمين أن هذا الإنجاز يعدُّ مِفتاحًا لمستقبل الإسلام في بريطانيا. في مدة عشرين سنةً أصبح لكويليام ما يُناهِز خمسمائة من الأتباع الذين اعتنقُوا الإسلام، بعدما بدأ وحيدًا لمدةٍ من الزمن، لقد أصبح مُمثلًا للإسلام من طرف سلطان الإمبراطورية العثمانية، وأصبح له دورٌ مركزي في الحياة المدنية لمدينة ليفربول. إذًا كيف استطاع وليام أن يُحقِّق هذا التحوُّل البارز؟ عبقرية كويليام بَدَتْ في تحليله لأسباب ازدراءِ الشعب الفيكتوري للإسلام، وبدأ بتوجيهِ الخطاب عن الأحكام المسبقة؛ وذلك عبر أفضلِ المصادر، ألا وهي المنشورات؛ من بينها جريدة الهلال التي تُعطِي نظرةً عن: (كيف بدأ كويليام يعيد للإسلام مصداقيته عبر المحاضرات في المسجد؟). لكن عندما أصبح كويليام في ذِروة نجاحه، تغيَّر كلُّ شيء! في يونيو 1908م غادر مع ابنِه البِكر، واتَّجه في رحلة تُقدَّر بستة أسابيع تجاه إسطنبول، دون تحذيرٍ مسبق، وقد اختفوا بشكل مُبهَم، ولا أحد يعلمُ لماذا! وبشكل بارز بدأ المجتمع المسلم في ليفربول بالذوبانِ! هل انتهى كلُّ ما قدمه عبدالله كويليام؟ هذا ما اعتقَدَه الكثير، لكن بعد مدةٍ مِن وفاته، أتى أشخاص تأثَّروا بعبدالله كويليام (وليام هنري كويليام)، وقدَّموا للإسلام الكثير والكثير؛ منهم: اللورد: بارون هيدلي (Baron: Lord Headley). والرجل الذي كابد وجاهد في وضع ترجمةٍ مثالية للقرآن الكريم، مارمدوك بيكثو (Marmaduke Pickthall)، وهذا هو مقالنا القادم إن شاء الله.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |