حاتم الضامن: سيرة ومسيرة وصحبة العمر - ملتقى الشفاء الإسلامي

 

اخر عشرة مواضيع :         شرح كتاب الصلاة من مختصر صحيح مسلم للإمام المنذري (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 109 - عددالزوار : 64008 )           »          مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن" (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 207 - عددالزوار : 125037 )           »          حيـــــــــاة الســــــعداء (متجدد إن شاء الله) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 229 - عددالزوار : 146825 )           »          السَّدَاد فيما اتفقا عليه البخاري ومسلم في المتن والإسناد (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 110 - عددالزوار : 25204 )           »          إعانة الفقيه بتيسير مسائل ابن قاسم وشروحه وحواشيه (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 69 - عددالزوار : 24376 )           »          إشــــــــــــراقة وإضــــــــــــاءة (متجدد باذن الله ) (اخر مشاركة : أبــو أحمد - عددالردود : 4617 - عددالزوار : 1469703 )           »          (وَلَن تَرضى عَنكَ اليَهودُ وَلَا النَّصارى) (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 30 )           »          من أعظم ما يُفسد العلاقة بين زوجين (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 23 )           »          من فوائد غضِّ البصر (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 22 )           »          من وسائل استشعار النعم (اخر مشاركة : ابوالوليد المسلم - عددالردود : 0 - عددالزوار : 28 )           »         

العودة   ملتقى الشفاء الإسلامي > القسم العام > الملتقى العام > ملتقى أعلام وشخصيات
التسجيل التعليمـــات التقويم

ملتقى أعلام وشخصيات ملتقى يختص بعرض السير التاريخية للشخصيات الاسلامية والعربية والعالمية من مفكرين وأدباء وسياسيين بارزين

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
Prev المشاركة السابقة   المشاركة التالية Next
  #1  
قديم 23-03-2020, 02:25 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 163,495
الدولة : Egypt
افتراضي حاتم الضامن: سيرة ومسيرة وصحبة العمر

حاتم الضامن: سيرة ومسيرة وصحبة العمر
د. مروان العطية




(1)
الديباجة
عشقتُ الكتاب مذ دخلت الجامعة السورية طالبًا في قسم اللغة العربية، وكنت أنتهز الفرص؛ لأزور مكتبة عبيد في سوق الحميدية بدمشق، ودار الفكر قرب محطة الحجاز، ومكتبة أطلس في الصالحية، وأشتري بما في جيبي من كتب ينصحنا بها أساتذتنا. وما أن تخرجتُ من الجامعة حتى صار عندي قدر حسن من الكتب، وعددته نواة لمكتبة أحلم بتوسعها. وثابرتُ على جمع الكتب الأدبية واللغوية والتراثية حين عُيِّنتُ مدرسًا في إحدى ثانويات مدينتي دير الزور التي كانت عامرة يومًا أعاد الله بهاءها.

وكنت أقضي معظم وقتي بين أَرْفُفِ المكتبة المتزاحمة. ولما لم تعد تكفي رتَّبْتُ الكتب رديفين في كلِّ رفٍّ. وكنتُ أتناول الكتابَ تِلْوَ الكتابِ وأطالعه بشغف، من غير أن يخطر على بالي ما تخبئه لي الأقدارُ السعيدة من وراء هذه الكتب.

وفي صيف عام 1980م وفد على ديرنا أحدُ أساتذتي الأجلاء من حلب، وهو الدكتور محمد ألتونجي، وأخبرني أنه قدِم لتأسيس كلية الآداب في بلدي. وحين استَزَرْتُه راجيًا الاطلاع على مكتبتي، أجابني ملبيًّا دعوتي. فأبدى إعجابه الشديد من حجم المكتبة ومما تضمه من الأمهات والمصادر والكتب التراثية. فكلفني فورًا بتدريس مقرر (المكتبة العربية). وكانت فرصة كبيرة لي اهتبلتها من تكليفه.

ثم إنه سألني عن استفادتي من هذه المكتبة، عدا المطالعة. فكان جوابي الحق هو الصمت. فقال: مثل هذه المكتبة تفتح لك الآفاق في التأليف والتحقيق. وإلا لماذا كان علماؤنا يقتنون كتبًا؟.

فأدركتُ تقصيري، وسرعان ما تلافيته بالتدريس الجامعي، والتحضير للدكتوراه، وتحقيق بعض المخطوطات. وبسنوات قلائل حزت درجةَ الدكتوراه، ودخلتُ سلك التدريس الجامعي من بابه الواسع في إحدى جامعات الخليج العربي. ومن الطبيعي أن تلد مكتبي كوكبات من الكتب مما في مصر، والإمارات العربية، ومن مراسلاتي لدور النشر.

(2)
بدء صلتي بالدكتور حاتم الضامن
وكانت الفرصة الثانية والعزيزة التي انتفعت بها من مكتبتي أن انعقدت أواصر الصلات العلمية مع الشيخ الكبير حاتم الصالح الضامن-رحمة الله عليه- وبدأ التواصل العلمي بيني وبينه من أجل الكتاب والمخطوط بالمراسلات البريدية ثم الإلكترونية. ولما لمس الشيخ مني حبًّا بالكتاب ومعرفة بأصوله وأهميته أظهر لي ودًّا لا يحدُّ، وإخلاصًا لا يعد، وعطفًا لا أكاد أوليه حقه من الشكر. وأهل الحرفة أدرى بأسرار حرفتهم، وأدعى إلى معرفة كفاءة بعضهم لبعض.

ومن حسن حظي أنني حظيت بكوكبة من العلماء الأفذاذ الذين يَكبرونني سنًّا وقَدْرًا. وأنا أعلم أن الكبيرَ لا يغار من الصغير، والأستاذَ لا يتوانى عن مساندة المريد. فأبدى لي الشيخ عونه لمّا لمس مني حبًّا للعلم، وغيرة على التراث المخطوط منه والمطبوع.

وكان خير ما يحدثني به ويشنِّف آذاني هو الحديث عن الكتاب، وخير ما يهديني إياه هو الكتاب، بعد أن لمس شغفي ونقاط ضعفي.

فكان يتحفني تباعًا بالمطبوعات العراقية النادرة، في وقت كانت القطيعة بين الأختين التوأمين: العراق والشام-مع الأسف- على أشدها، وكان الاتصال بين الأخوة والسلع والكتب محظورًا حظرًا باتًّا.

فكنت أشمُّ الكتاب لأحبابه بقدر حبي للعراق، وأملي في أن يعود إلى البلدين الوِفاق. وكنت أتباهى بما يصل إليَّ مِن الدكتور حاتم، وأعلن على الملأ وصول المعونة-وهي خير مؤونة- من كتب من عراقنا الغالي.

ولعلي كنت الوحيد تقريبًا - في ذلك الزمان الأدكن - الذي يقتني تلك الكتب الثمينة.. والتي كان يهتمُّ باقتنائها علم أعلام التأليف والتحقيق.

وكان صحبي وبعض أساتذتي من عشاق العلم، وممن يتشوَّقون إلى رؤية كتاب مطبوع في بغداد، أو الموصل، أو البصرة، يتوافدون على مكتبتي للاطلاع على نوادر المطبوعات التحقيقية والتأليفية، التي كنت أزيِّن بها مكتبتي التي غدت عامرة، ويقرؤون على هامش الورقة الأولى إهداء الأستاذ الدكتور حاتم وتوقيعه. فيهنئونني على الإهداء قبل الاقتناء، ويغبطونني بلا حسد أو رياء.

كما كان يهديني-هداه الله المغفرة- مؤلفاته الثمينة ومنشورات البحث العلمي العراقي، والتي هي أفخر ما دلف إلى مكتبتي من منشورات، والتي أرجو من الله أن يحفظها لي - كما يحفظ وطني الغالي - مدينتي دير الزور التي تتحرَّق قهرًا، وتتمزق أوصالها تفرُّقًا، ويعمي عنها أبصار الجهلة، وتدمير القتلة، والتمثيل بفراتها وواحاتها.

وأخشى ما أخشاه أن يُمَسَّ غلافٌ من كتبها بأذى؛ لأنها من كنوزنا التي نعتز بها وأعزُّ ما نعتز به هو العلم. بل أخاف على الكتب مما نُنكب به من وَيل واغتيال. وهل أنسى ما فعله هولاكو بتراث سلفنا الصالح من المؤلفين، وما فُرات الدير عن فرات بغداد ببعيد. وقد جمعتها على مدى نصف قرن من دَسَم مالي ومن رُعاف قلمي.. وأين مكتبتي المتواضعة هذه من مكتبة شيخي الجليل؟!

وإنني لأتباهى، وأضع هذه المباهاة تاجًا على رأسي المُنْحني إجلالًا لمن كان يُغذِّيها، ويسعد بتغذيتها؛ أملًا في يوم تعود عُرَى المحبة بين القطرين، ويزول عنهما شؤم الجهل والتفرقة، ويزهو الكتاب، وتتفتح آفاق العلوم بالمكتبات.

كما أنني كنت – وما زلتُ - أتباهى تباهيًا لا حدود له، حين كان يتفضل به علي بنشر أبحاثي التي كنتُ أرسلها إليه؛ لأشتمَّ بقلمه رضاءه على ما أكتب. وتمضي الأيام من غير جواب إذ بي أفاجأ بما أرسلتُ منشورًا في أرقى المجلات العلمية والمحكَّمة ولمجلات المجمع، وفعله الكريم هذا، ولفتته العلمية الغالية هذه من نعم الله الكبيرة عليَّ، مما أشيد به وأفتخر.

وكم كنتُ أرجو بأن أتشرَّف بأن يصحح لي ما سها عنه قلمي، أو غاب عن ذاكرتي. فأرى قلمه قد عمل عمله حيث كنت أشك به، وأعمل فيه شيخي حيث غامت عنه ذاكرتي.

وحين أنجاه الله من كابوس الزبانية، وأبعده سالمًا من قهر بعض من يسعون إلى كسر الأقلام وطمس الورق عن الأفهام، وبقدرة قادر عزيز شمَّ عبيرَ الحرية حين وصل إلى أبوظبي ظافرًا بحياته، ناجيًا بعلمه وأدواته. فكانت سعادة لي ولمحبيه، بفوز الكلمة الحق، وحمدنا الله، وكان فتحًا لا يُنسى.

وبقدومه إلى أبوظبي ارتقى تواصلنا ارتقاءً متميزًا، فتحول اللقاء البريدي والإلكتروني إلى لقاء أخويٍّ موشوجٍ بحبل متين من العلم متناغم بكثير من التوافق الفكري. وإذا لقيته - ويحصل هذا مرارًا - وشعر الشيخ برغبتي في طول الحديث، عطَّل عمله على مكتبه، وأرجأه إلى حين؛ لنسترق الساعات الطوال بدعوة كريمة منه، ونتبادل الأحاديث والأشجان، وما كانت تدور بأكثر من بسط النقاش حول المخطوطات، وتحقيقها، ونشرها، وأين توجد المخطوطة الفلانية، ومن يسعى إلى تحقيقها ونشرها، ومن يجيد عمله ومن يقصر فيه.

وكان - حفظ الله ذكره في أفئدة محبيه - يخصني بمثل هذه الجلسات من غير ثالث لنا. وهدفُه نِشْدان الراحة الفكرية في غرس ما يحرص على تشنيف آذاني به، إيمانًا منه بأنني أفهم أحاسيسه، وأصدُق بأحاديثي. ولم تنقطع هذه اللقاءات العلمية بيننا ما دام الشيخ في أبوظبي، وما دمت أقوم بتلك الديار العزيزة.

وطرأ على وضعي العلمي طارئ كان علي أن أحكيه له ليفرح لي، ويبذل لي نصحه فيه. وانتظرتُ لقاءه بفارغ من الصبر، واستعجلته به. فلبى الدعوة واستجاب. لكنه فاجأني بأن أسرَّني ببشرى سارة، ما كنت أحلمُ بوقوعها، ولم تخطر على بالي لاستحالتها في ظني، وإن كان جزء منها مبتغى آمالي.

بشَّرني وهو يبتسم - أفسح الله له جِنانه، وأراح من الذنوب جَنانه - وكلمني قبل أن أفتح فاهي بما جئته من أجله. لقد أبلغني أنه رشحني-وأوصى المسؤولين- لأكون خليفته في عمله العلمي بمكتبة الشيخ جمعة الماجد في دبي؛ لأنه رآني خير خلف له، بحكم اشتغالي بالتأليف والتحقيق وسيري على خطاه في هذا الميدان.

فاعترتني نشوة لا تقاس، وهبَّتْ شفتاي إلى أنامله المعروقة السمراء لتباس.. أأجلس أنا على مكتب شيخي، وأقوم بما يقوم به من جهد أنوءُ به في مكتبة الشيخ جمعة الماجد؟، إنه حلم بعيد المنال، وتنفيذه - في ظني- من المحال.. أأنا أخلف هذا الرجل الماجد في ذلك الصرح الماجد؟.

وتلعثم اللسان، وغاب عن البيان والتبيين، ولعن الله الشياطين، التي أنستني الكلام الرصين. ثم سحبت كلامي شاكرًا، وبذلته مقدِّرًا غير أنني أتبعته باعتذاري لقلة ماعون اقتداري.. فالشيخ أطال الله عمره -كان آنئذ- ذا همة علية، وينعم بصحة هنيَّة.

ثم لأنني جئت أبشره بموافقة جامعة صلالة في سلطنة عُمان، وأجبتهم بالموافقة، وعليَّ أن أرحل في أقرب الوقت بعد لقائي به. وهي - في نظري - أيضًا فرصة علمية لا تُعوض، لأتابع عملي العلمي الذي خُلقت له، وهو التدريس في الجامعة. والعمل المكتبي، وإن كان شرفًا لي ولاسيما بتزكية شيخي الجليل لا يناسبني حاليًا، فأنا مرتبط بالجامعة منذ عام 1980م.

وأخشى على نفسي من أن أستعذب الإرهاق على المكتب، وأنسى التعليم الجامعي الأرحب، ولكنها تزكية غالية أزين بها أوسمتي ومباهاتي.

وودعت شيخي وأودعته تقديري، ورجوته ألا يضنَّ على رسائلي، وكان يستقبل ما أرسله، ويجيبني ويتواصل معي.. وإذا انتهزتُ فرصة أو إجازة وجئت أبوظبي تجدَّد لقائي به، وتعزَّز بالأخبار الجديدة والحديث عن المنشورات العديدة. وكنت أهديه ما نشرت أو حققت، وكان يشرِّفني بتقديم ما طبع ونشر على عادته التي لم تنقطع يومًا منذ المبادرة الأولى. ويبادر إلى لقائي، ومن ثمَّ لدعوتي إلى الغداء، وقصده أن تطول الجلسة.

واستمر الحال على هذا المنوال من غير تقصير مني أو تقصير منه. إلى أن زرت دبي في العام الفائت، وأنا أمنِّي النفس بلقائه بعد مضي عام على لقائي السابق به.. غير أنني فوجئت بالنبأ، وفجعت بالنعي، فجفَّ ريقي، وتجمد دمي في عروقي، وأحسست بضياع قلب العالم عني. وأدركتُ حينها أن تزكيته لي إحساس منه بدنو الأجل، وخوفه على ما يقوم به من عمل، خوفاً على ضياعه.

رحمة الله عليه، وبرَّد الله مضجعه، وترَّب مرقده، وأسكنه فسيح جناته. وتلك خسارة علمية لنا في زمان نحن فيه أحوج ما نكون إلى شيخ غيور حنون، نستفيد من ميره، وننمو بخيره، ونصب برأيه.
يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


 


الاحد 20 من مارس 2011 , الساعة الان 01:21:21 صباحاً.

Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour

[حجم الصفحة الأصلي: 149.94 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 148.22 كيلو بايت... تم توفير 1.72 كيلو بايت...بمعدل (1.15%)]