|
ملتقى أعلام وشخصيات ملتقى يختص بعرض السير التاريخية للشخصيات الاسلامية والعربية والعالمية من مفكرين وأدباء وسياسيين بارزين |
![]() |
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
|
||||
|
||||
![]() المكالمة الأخيرة أ. عبدالله بن محمد بادابود أعلم جيدًا أنَّ الكتابة تؤجِّجها العواطف، وتشعل لهيبَها الأشواق. وأعلم جيدًا أنَّ القرب والبعد، واللقاء والوداع - متضاداتٌ طُبعت عليها الدنيا. وأعلم جيدًا أنَّ الحب يأتي من الله، ويستوطن القلب بقَدَر الله. وكل ما أعلمه هو قطرة في بحر العلم، ونقطة في بحر الحياة غير الآمن. الحياة.. التي تفتقد رونقها وجمالها ببُعْد أحبَّة لنا. الحياة.. قاسية حين تخبرنا أنَّ الرحيل هو المعبَر الوحيد للخروج منها. سأتحدَّث في هذه السطور عن طالب غيَّرَ مجرى الكثيرِ من الأمور في حياتي. عندما اقتربت منه، تعلَّمت الكثير، وعلمت حقًّا أنَّ شهادةً في التربية أو ماجستيرًا في الإرشاد لن تغني شيئًا، ولن تدوِّن سطرًا أمام مواقف الحياة وظروفها المتعدِّدة. نايف هو الطُّهر في صورة إنسان، والرُّقي في صورة رجل. كثيرة هي المواقف التي امتلأت بها الذاكرة في فترةٍ زمنية قصيرةٍ جدًّا. كانت البدايات هي نهايات، والنهايات هي بدايات، ونمط الحياة هو ذاته لم يتغيَّر. لا زلت أذكر المرَّات التي صلَّى بنا إمامًا لصلاة الظهر بمقر جلوب البيئي بالمدرسة. لا زلت أذكر إشرافه ومتابعته لحفل مؤذِّن مكة المقام بالمدرسة. لا زلت أذكر تجهيزه للهدايا التي ستقدَّم في الحفل الختاميِّ في المدرسة. لا زلت أشعر بيده وهو يدفعني برفقٍ ليحمل عني أغراضًا كثيرةً كنت أحملها! لا زلت أعيش اللحظات وهو ينتظرني حتى أفرغ من الأذكار بعد صلاة الظهر، ويأخذ سجادة الصلاة حتى لا يكلِّفني حملَها. لا زلت أستشعر السعادةَ التي كانت تملأ قلبي حين أراه بجوار الابن جواد وهو يستمع له ويتحدَّث معه، كنت أسعد كثيرًا حين يقول: "أخي جواد"؛ لأني أعلم أنَّ نايفًا هو الأخ الناصح، والصديق الأمين المشفق. لا زالت بعض الكلمات تتردَّد في أذني حين يقول لي: أنت مثل والدي، ولن تغضب مني أبدًا. أنا مَن أطلب منك أن تسامحني؛ فقد قسوت عليك كثيرًا! لا نشعر بقيمة مَن نحبُّ إلا حين نفقدهم، هي عبارة صحيحة ومجرَّبة ومؤلمة في ذات الوقت. العيد الماضي اتصل عليَّ وقال: اتصلت لأقول لك: "كل عام وأنت بخير"، وأنا أقول لك الآن: كل عام وكل لحظة وأنت في نعيم وسعادة أبديَّة يا نايف! أثناء التجهيز لحفل المتقاعدين، كنت أعلم مدى حبِّ نايف لمعلِّميه، وخاصَّة للأستاذ: محمود ألفي، وكنت أعلم مدى حرص نايف على حضور المناسبة. حدَّدنا يوم الجمعة موعدًا للحفل، وبعد مغرب الخميس كانت المكالمة مع الابن الغالي نايف، بدأ المكالمة وهو يعاتبني ويقول: حضرت للقاعة ولم أجدك، وبحثت عنك ولم ألتقِ بك، فخرجت وأنا في عجلة من أمري وأنوي الزيارة مرَّةً أخرى. قلت له: لا عليك، لعله خير، الأمر المهم هو حفل التكريم سيقام بإذن الله يوم غد الجمعة، فهل لك رغبة في القدوم؟ قال لي: يوم الجمعة! هذا اليوم أكون برفقة الوالد في عمله، ولا أستطيع تركه وحده. سعدت كثيرًا بردِّه، وعلمت أنَّ الله أراد به خيرًا، حين جعله يتمسَّك بمرافقة والده، كأنَّ الأقدار تسوقه للوداع. وداع المكان الذي اعتاد الوجود فيه يوم الجمعة من كلِّ أسبوع. هذا المكان الذي التقيت به وبوالده فيه، ورأيت مدى قُربِه من والده ومساعدته له. لعل المكان به العديد من الذكريات التي تُحكى بصمت! حاول تغيير مجرى الحديث، وقال لي: الحمد لله مهتم حاليًّا بالدراسة والحصول على نسبةٍ مرتفعة بإذن الله. قلت له: اهتمَّ بدراستك بشكل جيد؛ حتى يتسنَّى لك دخول الجامعة ومرافقة أخيك نواف. قال لي: بإذن الله، وأنت: ادعُ لي. دعوت له: الله يوفقك يا نايف ويسعدك. دومًا كنت أسمع منه هذه الكلمة: "الله يسعدك يا أستاذ". وعندما أقول له: الله يسعدك يا نايف.. يقول مباشرةً: آمين آمين. لعل السعادة هي القاسم المشترك في كلِّ الدعوات وكل الكلمات وكلِّ العبارات التي دارت بيني وبينه. لعلها بشرى خير أن تكون السعادة تملأ قَبرَه، وتحلِّق برُوحه نحو جنَّات النعيم، نقول ذلك ونحن نحسن الظنَّ بالله، وندعو الرحيم أن يرحمه ويعفو عنه، ويجعل الفردوس الأعلى مستقرًّا له. حين بلغني خبر وفاته، كنت أكذِّب الخبر، وأتحايل على نفسي بمسوِّغات واهية، وخيوط عنكبوت من أحلام. لعله الهروب للخلف، والصدمة تشتِّت الفكر، وتذهل العقل. لكنها أقدار الله، والمؤمن مَن يسلِّم الأمرَ كلَّه لله. أدعو الله للأخ الكريم: محمد الذبياني، الذي عرَّفني على هذا الشاب الرائع "نايف رحمه الله". إنَّا لله وإنا إليه راجعون! اللهم لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيتَ، ولك الحمد بعد الرضا. اللهم اغفر لابني وقرَّة عيني: "نايف بن محمد الحميدي"، واجعل الفردوس الأعلى مستقرًّا له، واجمعنا به في جنات النعيم بجوار النبيِّ الكريم صلى الله عليه وسلم.
__________________
|
![]() |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
|
Powered by vBulletin V3.8.5. Copyright © 2005 - 2013, By Ali Madkour |